الرحلة إلى مدينة العيون عبر مطار سلا تتطلب زمنيا ساعتين و 15 دقيقة من الطيران، وهي مسافة تعادل نفس المدة الزمنية للوصول من نفس المطار إلى مدينة باريس بالديار الفرنسية. لكن الرحلة إلى العيون بعد إحباط محاولة روس توسيع صلاحياته في الصحراء بما يمس من سيادة الدولة المغربية تختلف كثيرا، لأن المسافة تطوي عشرات من الأسئلة حول الوضع بصحرائنا، خاصة بعد أن تداولت بعض وسائل الإعلام الداعمة للانفصاليين أن الانتفاضة بالصحراء قد انطلقت هناك. كان طبيعي جدا أن يتداول الزملاء الصحفيون فيما بينهم وعبر إطلاق العنان لهواتفهم النقالة نحو الصحراء. والسؤال واحد نحن قادمون هناك، ماذا يجري، وهل فعلا الوضع صعب وخارج السيطرة. الأجوبة القادمة من هناك تكاد تنفي كل شيء. الأمور عادية جدا وتحت السيطرة. تزداد حيرة الزملاء والزميلات بين أسئلة تطاردنا، ونفي من هناك، الذي سيصبح بعد قليل هنا. صعدنا الطائرة واختفت درجة حرارة الهواتف النقالة بأمر من ربان الطائرة تطبيقا لمعايير السلامة في المجال الجوي، كان الجميع يسائل، ونحن في الجو، عن هذه المدينة، وذلك المنظر البحري، لكن سؤال الوضع هناك يستعجلنا. بعد ساعتين وبضع دقائق ها نحن فوق الصحراء، وبالضبط فوق مطار مدينة العيون، الكل يطل عبر نوافذ الطائرة، نحاول أن نحيط بالمدينة من كل الجوانب، والتقاط صور للمدينة «الثائرة»، حتى كدنا من شدة الدعاية الانفصالية نصدق بأن عبد العزيز انتقل من الرابوني وأعلن العيون عاصمته كما ظل يحلم ابن مدينة بني ملال منذ أزيد من 37 سنة بأن تحمله دبابات الجارة الجزائر لتحقيق هذا الحلم. نزلت الطائرة بأمان أدراج مطار العيون وبدون مشاكل، نظرا لخبرة الطاقم واحترافيته العالية. نزلنا مسرعين وكنا متلهفين لاكتشاف الواقع على الأرض. في الباب كان الطاقم يهنئنا على السلامة. في أسفل الطائرة وجدنا مسؤولين مغاربة من رجال سلطة ووزارة الاتصال منظمة الرحلة مشكورة. دخلنا قاعة الضيوف بالمطار وبعادة أهلنا لابد من الشاي رمز الترحاب والاحتفاء. كان والي الجهة بمعية عامل العيون وعدة شخصيات في الاستقبال، وبعد دقائق من الاستراحة حضرت حافلتان لأخذنا إلى مكان الإقامة بأحد الفنادق وسط مدينة العيون. ونحن نغادر المطار لمحنا وجود ثلاث طائرات صغيرة الحجم والرابعة التي أقلتنا. اثنتان تعودان للبعثة الدولية للأمم المتحدة مينورسو، والأخرى تعود للخطوط الملكية المغربية. غادرنا المطار عبر شارع مكة الفسيح والمليء بالحركة. على الجانب الأيمن ساحة المشور المكتظة بالناس من مختلف الأعمار، شباب وشابات وشيوخ يملأون مساحتها الشاسعة، منهم الجالس، ومنهم من اختار المشي. وكنا نلحظ ذلك من زجاج الحافلة التي كانت تمشي بمهل، لأن الحركة كثيفة رغم فساحة شارع مكة. مقابل ساحة المشور يتواجد قصر المؤتمرات المشهور، الذي سبق واحتضن لقاءات دولية ووطنية، وكان أول بناء رسمي شاهدناه هو ذلك التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، حيث يرفرف العلم الوطني الحقيقي، وليس الوهمي. في مدخل الفندق تنتشر عشرات السيارات الرباعية الدفع تابعة للأمم المتحدة، وفي المدخل يحمل أفراد هذه القوة غير المسلحة شارات تدل على بلدانهم الأصلية، حيث المصري والبنغالي والصومالي والليبي والفرنسي وغيرهم في تعايش مع بعضهم والعاملين بالفندق. لم تدم استراحتنا في الفندق أزيد من بضع دقائق، حيث كان الوالي خليل ادخيل، بمعية أعيان وشيوخ وقبائل ومنتخبين في غرفتي البرلمان والجماعات المحلية، في انتظارنا بمقر الولاية. تحدث الوالي ادخيل، الذي ترأس الاجتماع في عرض مقتضب عن النصر المغربي في مجلس الأمن وإحباط البوليساريو وداعميهم في الخارجو مشددا على أن الصحراء مغربية والصحراويين اختاروا المغرب عن طواعية وحب، وذكر بالعرض الإسباني لسنة 1975 عندما طرحت مدريد على الصحراويين الاستقلال، لكنهم، يؤكد الوالي، رفضنا، لأننا وحدويين، ونعتبر أن الصحراء استعادت مغربها وشمالها، مضيفا «مازلنا على نهجنا الوحدوي ولن نحيد عنه أبدا». وفي علاقة بالمتدخلين الخارجيين، أشار الوالي إلى دعم نظام معمر القذافي للانفصاليين أيام الحرب الباردة بغطاء إيديولوجي، وتساءل لماذا تهتم الجزائر بتقرير مصير الصحراء، ولا تمنحه للطوارق، وهم أحق به. الوالي أكد أنه مع عهد محمد السادس بدأ عصر الانفتاح و الحريات، رغم أن البعض يريد استخدام الحرية ضدنا، مشيرا إلى وجود مابين 200 و 300 شخص لهم مشاكل مع العدالة وليسوا كلهم من العيون، بعضهم من كلميم وبعضهم من مناطق أخرى، ويريدون تقرير مصيرهم عندنا. وأشار «أنا كممثل لصاحب الجلالة أدين مايقومون به من رمي للحجارة، وأؤكد أن هذه الأقلية تتلقى أموالا للقيام برشق عناصر الأمن بالحجارة والتعدي على الأملاك الخاصة والعامة».مشددا على أن قوات الأمن معنوياتها مرتفعة جدا، وأن لها تعليمات بالتدخل في إطار احترام حقوق الإنسان، وهي تعي بأنه يراد الزج بها في استفزازات تعرف الأطراف التي تستفيد منها تحت يافطة حقوق الإنسان. بعد الوالي تدخل ثلاثة أشخاص من أعيان ومنتخبين، كلهم تحدثوا عن خيار الوحدة، مؤكدين أن خيار انفصال يأتي من خارج المنطقة، وأن المغرب واجه الأمر منذ 37 خلت، وأن الصحراء مغربية اختارت درب النضال والوحدة، مشددين «لا نقبل أبدا أن يأخذ أي شخص بلدنا ويمنحها للجزائر». وشدد المتدخلون نريد فعلا ممارسة جميع الحريات الفردية والجماعية، ولكننا ضد العنف والمس بالممتلكات. ومن جهته شدد الوزير السابق أحمد لخريف على أن قضية الصحراء تمر بمرحلة حساسة، تتطلب منا جميعا أن تتضافر جهودنا، مؤكدا أن القضية، قضية سياسية وليست حقوقية. وأوضح المسؤول نفسه «نحن أصحاب حق ومشروعية، وقدمنا البديل المتمثل في الحكم الذاتي ومعنا 40 مليون مغربي متشبثون بالوحدة.» برلماني دق ناقوس الخطر، وقال «ربحنا معركة ولم نربح الحرب بعد، القرار الاممي»، مؤكدا أن« 80% من مشاكلنا داخلية، والدولة ساهمت في خلق أبطال انفصاليين من وهم بسبب أخطاء لبعض الموظفين البسطاء .» وأضاف البرلماني«الأمور محسومة اليوم، من اختار الوحدة فقد اختارها، وأقلية اختارت الانفصال. علينا أن تطبيق الحكم الذاتي دون انتظار». بعد عروض المنتخبين والوالي، عاد الوفد الصحفي إلى الفندق، وانتشر بعضنا في المدينة. كنا نبحث عن الأحداث والشغب في تلك الليلة. بدأنا تلمس الحقيقة حتى من غير أفواه الرسميين التي تعتمد لغة خشبية نسمعها في كل المناسبات، وتتواصل معنا ومع باقي العالم بلغة انتهى زمنها ولم ينته رجالها.» في الأزقة والمقاهي، الكل يتحدث عن توزيع دعوات وطرق أبواب وتهييء لوجستيكي كبير بدعم مالي وتأطير ضخم من خارج المدينة والسبب زيارة بعض الإسبان من إحدى المنظمات الحقوقية، لأجل رسم صورة عن وضع غير موجود إطلاقا . كل المال والجهد الغرض منه أخذ صور لطفل أو طفلة أو امرأة، وهنا يتم توظيف المرأة التي تحظى بمكانه راقية من الاحترام في الوسط الصحراوي، بل وجعلها مجرد وسيلة لإثارة القوات العمومية. ولكن ليست كل النساء، بل قليلات والأثمنة محددة. المعطيات الذي استقيناها أكدت أن البوليساريو استنفرت كل إمكاناتها في الداخل والخارج لإعلان «ثورة» لدقائق، ويتم بثها عبر الإعلام إلى العالم. كانت الشوارع محددة والأماكن وحتى الإمكانيات، وكان الموعد هو الاثنين الماضي. التقيت نشطاء سياسيين من حزب تقدمي، أخذوني في جولة إلى الأحياء المفترض فيها أن تعرف «ثورة الاثنين»، حيث حي معطى الله وشارع المسيرة.. كانت الأجواء عادية، لكننا صادفنا من يدعو ل«ثورة الاثنين» بشكل علني. التقيت بناشط انفصالي رفض أن يذكر اسمه، واعتبرنا مجرد أبواق للمخزن، ولا ننقل الحقيقة. سألته ماهي الحقيقة، فتحدث الشاب عن الشعب الصحراوي، وعن تقرير المصير والاستقلال، لكن التركيز كان أكثر حول تهميش الدولة للمنطقة، وعن الأعيان، وعن المسؤولين، وعن التشغيل، وتوزيع بطاقات الإنعاش.. فقلت هذه مشكلة اجتماعية في المغرب. قال لي غدا ستعرف أن العيون والصحراء ليست تابعة للدولة. فقلت له أنا صحفي وما علي إلا نقل هذا الأمر للمغاربة جميعا، وللعالم. رن هاتف الشاب، كان يتكلم بحدة مع مخاطبه، ودعني واختفى داخل حي معطى الله. ليلة الأحد - الاثنين شهد تحرك كبير لقوات الأمن والقوات المساعدة.. تسير دورياتها بشكل كثيف وسط ترقب المواطنين.. التقينا أحد الشباب. تعرف علينا، بدا متوترا وهو يطالب الدولة بالضرب بيد من حديد ضد المخربين، حسب وصفه. وطالب بالتدخل لاعتقالهم، فهم حسبه، معروفون وضمنهم موظفون في القطاع العام. وأشار إلى مدير ثانوية يحرض على الانفصال بشكل علني وإلى عدد من الموظفين الآخرين ولما قلت له بأن الأمر مرتبط بحقوق الانسان، ثار في وجهي، وقال، هل هذه الممارسات تدخل في مجال حقوق الإنسان حيث اقلية تروع ربع مليون من ساكنة العيون؟ لم أستطع التقليل من روعة، وهدد بأن الوحدويين سيزحفون غدا من كل الأحياء لنعرف من الأقلية و من الأكثرية، ويصيح، «أنا صحراوي وأفتخر». في كواليس السلطة الترابية ورجال القرار الأمني استطعت الاقتراب منها، أسرت لنا بأن المشكلة الكبيرة هو أن يستفز المدنيون الوحدويون. أما رجال السلطة، فلهم تعليمات واضحة، وهو يطبقونها، وأن مفاوضات تجري في الكواليس لتفادي أية مواجهة بين مدنيي الصحراء ودعاة الانفصال. انقطع الشريط أمام هذه التوجسات. وفي الصباح انتقلنا إلى مدينة بوجدور في ضيافة عاملها التويجر العربي، مصحوبا بوجوه من المنطقة. استقبلنا ببهو العمالة وتحدث عن استتباب الأمن، وعن وجود بعض العناصر المعروفة اسما وعددا، وهي تحاول استفزاز الأمن، لكن الأمور مسيطر عليها. تحدث لنا منتخبون محليون بمرارة عن ضعف الأداء الإعلامي الرسمي، حيث أنجز الكثير من 37 سنة، ولكن لا نعرف طريقة التسويق الجيد. «نعم قضية عادلة وقصور في التواصل.. » أحد رؤساء الجماعات يتحدث بمرارة كيف لا يوجد أي صحراوي رئيسا لحزب أو عضوا في الحكومة. بعضهم تحدث عن الفقر الذي يؤدي إلى الانفصال، وعن ملفات اجتماعية عالقة.. أخذنا العامل في زيارة إلى الميناء الجديد الذي بدأ العمل به، ويتوفر على إمكانيات ضخمة في مجال الصيد، إذ يتواجد به أزيد من 1700 مركب مرخصة قانونا وتوفر مناصب شغل مهمة، بالإضافة إلى عدة مرافق بالميناء. . توجهنا بعد زيارة الميناء إلى منزل الضيافة لتناول وجبة الغداء، وكنا نستعجل العودة إلى العيون من أجل مشاهدة «الثورة».. تحدث إلينا أناس عن خروج أطفال وشباب حاملين أعلام جبهة البوليساريو، وأن الأمن فقط قام بتأمين منطقة عازلة، حتى لا يقع أي اصطدام بين الطرفين. وقد أكدت عدة مصادر من المنطقة في حديثنا المباشر بعدم حدوث أي مشكل، وأن التظاهرة انفضت بسلام. أحد المراسلين الصحفيين في المنطقة أكد، في تصريح للجريدة، أن من غير المفهوم أن التظاهرة شارك فيها أطفال من أبناء الأعيان ومسؤولين منتخبين؟! بالمنطقة... عدنا مسافة 200 كلمتر إلى مدينة العيون، وصلنا الفندق وانتشرنا في المدينة. كل واحد من الصحفيين والصحفيات اختار مسارا. ذهبت بمعية صديقي ياسين من «بيان اليوم»، و اصفر من «الصباح» إلى طرف حي معطى الله. لاحظنا الأعداد الكثيفة لمصالح الأمن على طول مسار شارع المسيرة. تحدث إلينا بعضهم عن تواجد اميناتو حيدر بالمنطقة. تنسق الأحداث بشكل مباشر، وتجري الاتصالات، وأنها تشاهد بمعية أجنبيتين، وتحاول البحث عن أسباب وضحايا وهميين.. من الداخل شاهدنا إطارات مطاطية مشتعلة بالنيران وسيارة رباعية الدفع تحمل علما للبوليساريو تجوب حيا صغيراو ومعها عدد من الأطفال يحملون الحجارة، وعند مدخل فوجئنا بحوالي 12 شخصا يتوجهون إلينا مباشرة، فعدنا مسرعين في الاتجاه المعاكس. لكن تبين أنهم كانوا يقصدون سيارة للأمن رشقوها بالحجارة بعدها حل رجال القوات مساعدة وفر الأطفال . وكانوا في كل مرة يطلون من إحدى الازقة يلوحون بالأسلحة البيضاء والحجارة والعلم الانفصالي، ويختفون.. طفنا في باقي الأحياء وكلما سمعنا «أنها شاعلة في هذا الدرب» اتجهت إليه إلى حين ساعة متأخرة من الليل، ليتبين بأن التحريض والدعاية أكبر من الأحداث التي رأيناها بأم أعيننا وبشكل مباشر. في الغد كان لقاء مع والي الأمن، محثات عبد الباسط، بمقر ولاية الأمن، وهي الولاية الأكبر مساحة في المغرب، لأنها تباشر عملها في ثلاث جهات مترامية الأطراف، ليؤكد ما شهدناه حين سجل الاعتداء على 70 رجل أمن وأضرار مادية ب 11 سيارة أمن. الوالي أكد أن مستوى الجريمة العادية في الجهة منخفض جدا، واعتبر مفتعلي الأحداث بأنهم أقلية قليلة في الجهة، وأن التعامل معها يتم باحترام القانون، مشيرا إلى أن مثيري الأحداث يتلقون دعما قويا، وأوضح أن أقل من 300 شخص حاولت احتلال شارع عام، لكن تم منعها بإشراف قضائي، ولم تتم أية اعتداءات، وهي تدخلات اعتبرها احترازية، أي ملائمة ومناسبة لتحرير الشارع العام، إذ قبل التدخل يتم إنذار موثق وإشعار النيابة العامة. ورفض الوالي إعطاء توضيحات اعتبارا لسرية التحقيق القضائي، مشيرا إلى اتخاذ إجراءات خاصة لحماية المدينة، إذ أن فقط ثلاثة أحياء عرفت مناوشات. وأشار الوالي رلى ما سبق وأعلنا عنه من تجنيد سيارات رباعية الدفع بالسمارة وتعريضها للاصطدام بسيارات الأمن. الأمني الأول بالصحراء كانت له جرأة القول إن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي. عدنا إلى مطار العيون مرة أخرى للعودة إلى مناطق عملنا، ونحن نحمل هموما كثيرة سمعناها من أفواه المجتمع المدني بالجهة، والذين كانوا آخر من التقيناهم شباب وشابات يحملون أسئلة حارقة عن دور المنتخبين وجهات فاسدة في الإدارة وسوء تدبير عدد من الملفات، وخاصة الاجتماعية منها، من قبيل التحكم في السكن والدعم المباشر في المواد الغذائية والمحروقات، بل إن الناس تسمي بعض ممن جمعوا المليارات، ولم يكلفوا أنفسهم حتى عناء الاستثمار في المنطقة. كما يتم الحديث عن معاناة الطلبة وقلة وسائل النقل، وعن اشخاص يلعبون دورا مزدوجا يبتزون الدولة ويحرضون على الفتنة من جهة أخرى. كما تساءل المجتمع المدني عن نخب لم تتغير منذ 37 سنة، في وقت تزخر الصحراء بطاقات واعدة شابة ترغب في تحمل المسؤولية في بناء الوطن والدفاع عن الوحدة. و حتى حزب الله الذي تربطه بالنظام السوري عدة روابط طائفية و سياسية (العلوية النصيرية التي ينتمي لها الأسد و عائلته، طائفة شيعية قريبة من الإثناعشرية التي يؤمن بها حزب الله، و سياسيا يشكل حزب الله و إيران و سوريا تحالفا ثلاثيا إقليميا شهيرا) امتنع عن الإعلان رسميا عن تحالفه غير المستتر مع بشار الأسد ضد معارضيه. و في هذا الصدد قيل الكثيرعن مشاركته الفعلية إلى جانب النظام السوري، إلا أن هذه المشاركة ظل يكتنفها الغموض حتى اعترف الشيخ حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بها يوم الثلاثاء قبل الماضي في خطاب تلفزيوني قائلا بأن "لسوريا أصدقاء حقيقيين في المنطقة لن يسمحوا لهذا البلد أن يسقط في أيدي الولاياتالمتحدة و إسرائيل و التكفيريين. و إذا أصبح الوضع أكثر خطورة، فإن دولا و حركات مقاومة و قوى أخرى ستجد نفسها مُجبرة على التدخل بصورة فعالة في المواجهة على الساحة". و بذلك يأتي تأكيد تدخل حزب الله في الأزمة السورية من طرف أعلى سلطة فيه و بذلك "شهد شاهد من أهلها". هذا الاعتراف جاء فقط ليؤكد ضلوع مقاتلي "حزب الله" في الحرب الأهلية السورية إلى جانب نظام بشار الأسد و سقوط بعضهم أثناء الاقتتال، مما دفع الجيش السوري الحر المُعارض إلى قصف إحدى قرى الهرمل داخل التراب اللبناني معقل حزب الله ، و هو الأمر الذي قد يؤدي إلى اشتعال المنطقة الشمالية الشرقية للبنان. و إذا أضفنا إلى ذلك ما توعدت به "جبهة النصرة" السلفية السورية المتحالفة مع القاعدة من نقل للمعركة الدائرة في سوريا إلى لبنان، و هو ما يزيد من حدة التوتر و التقاطب بين الطائفتين السنية و الشيعية في لبنان، لنا أن نتصور المشهد الجهنمي الذي قد تتحول إليه بلاد الشام (سوريا و لبنان) بأكملها. و من المؤكد أن انتقال الأزمة السورية للبنان يحمل معه الكثير من التهديدات، فبالرغم من أن هذا الصراع لا زال يتم في الحقل السياسي اللبناني دون أن يتعداه إلى الصراع المسلح، و هو أمر وارد بالرغم من أن بعض التحليلات تستبعده باعتبار أن مختلف الطوائف اللبنانية قد خبرت طيلة خمسة عشر عاما (من 1975 إلى 1990) مرارة الحرب الأهلية و آثارها السلبية العنيفة. فالصراع السياسي الراهن، قد يتحول إلى صراع مسلح (كما حصل في السابق) إذا ما اجتمعت بعض العوامل المشكلة للوصفة المتفجرة. و من هذه العوامل تزايد الصعوبات الاقتصادية، و التدخل الخارجي، و هما معا متوفران لا ينتظران سوى لحظة الاختمار. فمع كل أسبوع يزداد عدد النازحين السوريين إلى لبنان بشكل متصاعد، مع ما لهذا النزوح من تبعات اقتصادية سلبية على البلد المضيف، ففي البدء تعاطف اللبنانيون مع العائلات السورية المجبرة على النزوح، و معظم اللبنانيين خبروا و عانوا من النزوح الداخلي، بيد أنه مع تضخم عدد اللاجئين السوريين و بدء ظهور الآثار السلبية (غلاء أسعار كراء العقارات، منافسة اليد العاملة السورية الرخيصة للعمال اللبنانيين، بعض الجرائم الصغيرة...) أصبح اللبنانيون برمون من هؤلاء الضيوف الإجباريين (تماما كما حصل مع الفلسطينيين سنة 1968 ) و سوف يضعون على كاهلهم كافة الصعوبات و المشاكل الاقتصادية الراهنة و القادمة. أما العامل الخارجي فهو مرشح للبروز في أية لحظة. فبالرغم من أن قواعد اللعب الإقليمية ظلت مستقرة، منذ سنة 2006 تاريخ اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان بين إسرائيل و لبنان ،إلا أن الطرفين الرئيسيين في الحرب أي إسرائيل و حزب الله، لم يركنا إلى الهدوء التام فحزب الله يوجه طائراته الاستطلاعية بدون ربان في الأجواء الإسرائيلية، فيما أصبحت إسرائيل أكثر عدوانية في الأشهر الأخيرة بطلعاتها الجوية المتكررة فوق التراب اللبناني و بمراقبتها للسلاح الموجه لحزب الله عبر سوريا (في نهاية يناير الماضي قصفت قافلة عسكرية قالت أنها كانت تحمل سلاحاإيرانيا لحزب الله، و في نهاية الأسبوع المنصرم قصفت مخازن سلاح في ضاحية دمشق). لذلك فإن لبنان قد يجد نفسه، بدون مشيئته مرة أخرى، وسط كرة اللهب السورية التي طالما حاول الابتعاد عنها، لكنه قدر الجغرافيا اللعين.