فرنسا لم تعد بلدا كبيرا للهجرة وبلدا رائدا في استقبال الهجرة الجديدة القادمة نحو أوربا، كانت هذه هي خلاصة تقرير حكومي فرنسي صدر بفرنسا مؤخرا، رغم حضور هذا الموضوع بشكل دائم في النقاش العمومي، وهو ما يجعل حقيقة الهجرة بهذا البلد غير معروفة، أو تستخدم في الجدل السياسي بين مختلف الأحزاب أثناء الحملات الانتخابية، خاصة من طرف اليمين المتطرف الذي لا يتردد في الادعاء بأن فرنسا تحتوي عددا كبيرا من الأجانب. وصدور هذا التقرير الرسمي كان استعدادا للنقاش الذي عرفه البرلمان الفرنسي بغرفتيه حول الهجرة المهنية والهجرة الطلابية والذي انتهى الأسبوع الماضي. وأوضحت الأمانة العامة للهجرة والاستيعاب في تقريرها أن فرنسا لم تعد بلدا كبيرا لاستقبال الهجرة الدولية كما كان الوضع سابقا بعد الحرب العالمية الثانية حتى حدود عقد السبعينيات من القرن الماضي، حيث أن عملية الدخول إلى فرنسا أصبحت معتدلة وتبلغ 110 آلاف شخص سنويا، في حين أن هذا العدد مضاعف ببريطانيا التي يصل بها إلى 200 ألف وافد جديد سنويا، كما وصل هذا العدد إلى 400 ألف سواء بإسبانيا أو إيطاليا. نتائج هذا التقرير الحكومي هو متناقض مع سياسة الحكومة اليمينية السابقة، حيث كان الرئيس السابق نيكولا ساركوزي يعتبر أن فرنسا تضم عددا كبيرا من الأجانب، وهو نفس الرأي الذي يتقاسمه مع اليمين المتطرف الفرنسي بزعامة مارين لوبين، رغم أن سياسة الهجرة الفرنسية سعت إلى تشجيع واستيعاب مواهب جديدة وفي نفس الوقت الحد من الهجرة العائلية القادمة من البلدان المغاربية، وهو ما مكن من تقليص الهجرة الوافدة إلى فرنسا على جميع المستويات. وكان ذلك هو حجر زاوية سياسة الهجرة لحكومة ساركوزي التي كان هدفها استقطاب المواهب الخارجية، وفي نفس الوقت عرقلة الحق في الهجرة العائلية، بالإضافة إلى استعمال ملف الهجرة في الجدل السياسي الداخلي. لكن في نفس الوقت عرف عدد الطلاب الأجانب ارتفاعا كبيرا منذ نهاية عقد التسعينيات نحو المدارس والجامعات الفرنسية ليتراجع هذا العدد سنة 2012 . وهذا التراجع يفسره المتتبعون بقرارات التضييق، خاصة منع الطلبة الأجانب من إجراء التداريب وتجارب مهنية بالمقاولات الفرنسية قبل أن تتراجع الحكومة الاشتراكية عن هذا القرار منذ وصولها إلى الحكم، وذلك لما يشكله من أضرار للمقاولات الفرنسية التي لم تتردد في انتقاده.ليفتح الباب من جديد أمام الطلبة الأجانب، حيث يشكل المغاربة أول جالية طلابية تتجاوز 30 إلف طالب متبوعة بالجالية الطلابية الصينية التي ترتفع بسرعة كبيرة، وتليها في الصف الثالث الجالية الطلابية الجزائرية. أما عدد المهاجرين المغاربة بفرنسا فيظل مستقرا ويتجاوز مليون نسمة، بمن فيهم مزدوجو الجنسية، وهو عدد مستقر، يرتفع نسبيا بفضل التجمع العائلي الذي عقدت حكومة ساركوزي إمكانية الحصول عليه، ويرتفع عددها أيضا بفضل الطلبة المغاربة الذين مازالت فرنسا جهتهم المفضلة حتى الآن رغم صعوبة المساطر الإدارية، في حين نجحت حكومة ساركوزي السابقة في الحد من التجمع العائلي من خلال تعقيد مساطره وشروطه والذي كان المصدر الأول لتزايد الهجرة المغربية بفرنسا. ورغم أوضاع الأزمة الاقتصادية التي تعرفها فرنسا وأوروبا، فإن الحكومة الفرنسية تسعى من خلال النقاش الذي جرى بالبرلمان من خلال غرفتيه، دون أن يسفر النقاش عن تصويت لكن ذلك سوف يساعد على وضع قانون جديد من أجل تعزيز الجدب الفرنسي للهجرة من أجل استقبال المزيد من المواهب الأجنبية من مهنيين وطلاب. وقد أعلنت تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي مانيال فالس ووزيرة التعليم العالي عن هذه الرغبة من خلال تصريحات ونشاطات مشتركة. وجاءت هذه المبادرة، وهي نتيجة وعد قدمه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند أثناء حملته الانتخابية، بتكليف البرلمان بتحديد حاجيات فرنسا من الهجرة كل سنة، ومن أجل إخراج موضوع الهجرة من مجال الجدل السياسي الذي شغل الحياة السياسية الفرنسية في السنوات الاخيرة. وهذا هو الهدف الرئيس للحكومة الحالية وهو تحويل موضوع الهجرة الى قضية عادية، وهو ما نجحت فيه حتى الآن حكومة جون مارك ايرو.