كان لنجوم المسرح والسينما في الماضي تأثيرهم الكبير على الجمهور، أما اليوم فقد أصبح نجوم الإعلام في حضورهم اليومي محط الإعجاب والاهتمام الأول، لأن الفضائيات وما تقدمه من أخبار وحوارات سياسية وبرامج متنوعة هي التي تستحوذ على جمهور المشاهدين، وهذا ما أغرى عددا من الممثلين والمطربين بأن يخوضوا التجربة الإعلامية بدافع المنافسة واكتساب مزيد من الشهرة، وإن كانت الشاشة تتطلب مزايا من التفرد بجاذبية الحضور والإطلالة البهية وأناقة المظهر، إضافة للمخزون الثقافي والإحاطة المعرفية الجيدة بأطراف الموضوع المطروح. ولكن هؤلاء الفنانين لم يستطيعوا أن يحققوا المنافسة المطلوبة، لأن الرصيد الكبير الذي يتمتع به الإعلامي كان ثمرة جهد كبير وتجربة غنية وثقافة عالية. فضيلة السويسي نجمة إعلامية، وجه باسم مشرق له حضوره الآسر، وشخصية مفعمة بالوضوح والثقة والإقناع من خلال العديد من برامجها، بدءا من إدارتها الفنية للحوار عبر قناة أبوظبي في برنامج «مثير للجدل» الذي ارتبط باسمها وتركت فيه علامات مميزة لا تنسى، سواء من خلال كبار الضيوف الذين حاورتهم أو من خلال أهمية المواضيع التي تناولتها. إنها الإعلامية المتألقة دائما مثل الذهب الخالص الذي تزيده الأيام توهجا وتجددا ونضارة. ولعل من مزايا فضائية «سكاي نيوز عربية» وحسن إدارتها في اختيار العديد من نجومها أن فضيلة سويسي كانت في طليعة الإعلاميين الذين ضمتهم هذه الفضائية العالمية واستقطبوا رصيدا كبيرا من المشاهدين. ولقاء «القدس العربي» مع فضيلة سويسي، بنت الجزائر، يوقظ في الذاكرة صفحات مجيدة من أعظم ثورة عربية في التاريخ المعاصر، ثورة التحرير التي أنجبت العديد من أعلام النضال والثقافة والتضحية والإبداع. وبالتأكيد، فإن ضيفتنا من الأسماء المتميزة في مواصلة تلك المسيرة الرائدة، من خلال ثقافتها الواسعة وكفاءتها المهنية العالية وحسن مظهرها وحضورها البهي وحسن امتلاكها لأدواتها التعبيرية في التقديم والأداء. { تركت برنامجا حواريا هاما في قناة أبوظبي إلى تقديم الأخبار في سكاي نيوز عربية، أين تجدين نفسك؟ حافزي الأول كان الرغبة في خوض تجربة جديدة وتحدي من نوع آخر. قناة أبوظبي كانت محطة بارزة في حياتي المهنية، خصوصا وأنني انتقلت فيها وبسلاسة من تقديم الأخبار إلى إدارة البرامج الحوارية. الجميع يسألني لماذا تخليت عن تقديم برنامج حواري ناجح أثبت وجوده بين البرامج الحوارية الأخرى في العالم العربي لتعودي لتقديم الأخبار، أجيبهم بأن اسم المحطة كان عامل جذب بالنسبة لي. اليوم ونحن نكمل عامنا الأول، أحس بفخر بذلك الجهد المبذول من قبل كل فرد من أفراد أسرة سكاي نيوز عربية. فالعمل على إطلاق محطة إخبارية من الصفر، فيه متعة، تَشاركنا فيها جميعا في «سكاي نيوز عربية»، وسنحتفل في السادس من ماي المقبل بالذكرى الأولى لإطلاق المحطة ونحن نتلقى ردود فعل جيدة جدا على ما تم إنجازه في عام واحد. صحيح أن الدرب ما زال طويلا والمنافسة على أشدها بين القنوات الإخبارية لاستقطاب المشاهدين، ولكن لا يسعني هنا إلا أن أذكر المثل الإيطالي القائل بأن من يسير رويدا يصل بالتأكيد. وكما يقال فإن النجاح يجذب النجاح، فلا مفر من هذا القانون الكوني، فإذا أراد أحدنا أن يجذب النجاح فيجب أن يحرص على تحقيق جزء منه وسيأتيه كله فيما بعد. { عملت في قناة أبوظبي لسنوات، وأنت اليوم تعملين في «سكاي نيوز عربية» ومقرها أبوظبي، ما سر هذا الارتباط بهذه المدينة؟ ليس سرا، ولكن أبوظبي مدينة جميلة وهادئة وتشعرني بالراحة والانسجام مع نفسي، كما أن أهلها في غاية اللطف، والحياة فيها تجربة جميلة. وهذا ليس شعوري أنا وحدي، فمن عاشوا هنا من زملائي وغادروها يشتاقون إليها كثيرا، فهي تترك أثرا طيبا لدى الجميع. { نعود إلى الإعلام ودوره المتزايد، على اختلاف وسائله ومحطاته، برأيك هل يقوم بتنفيذ أجندات سياسية واجتماعية معينة لتوجيه الرأي العام؟ هذا الدور لم يعد سرا في كثير من المؤسسات الإعلامية، ولكن من الصعب أن تعترف به أي مؤسسة إعلامية، فهذا الاعتراف هو المسمار الأول والأخير في نعشها. الإعلام، أساسا، أصبح أداة لتوجيه الرأي العام. يبقى تحديد ماهية هذا الاتجاه، هل هي لإحداث نقلة نوعية لدى الشعوب أم لأهداف أخرى؟ ولكن لدى انتقالي إلى قناة سكاي نيوز عربية لمست لدى القائمين عليها تأكيدا شديدا على الالتزام بالقواعد المهنية والموضوعية وأن نتفادى أن نكون صورة عن قنوات أخرى على الساحة مهما كان شكلها، وأن نتفرد بأسلوب خاص ومضمون مختلف، فأرجو أن يكون هذا الأمر ملموسا لدى المشاهدين. { الساحة الإعلامية، هل تحتاج لانطلاق المزيد من القنوات الإخبارية، وهل ستكون بالضرورة ناجحة؟ وما هي أسس هذا النجاح وعوامله، برأيك؟ ما يحدد معيار نجاح القنوات ليس الكم بل النوعية، ثم إن هناك غربالا يعمل له ألف حساب: إنه المشاهد. فمهما طال الزمن لن يبقى في غربال المشاهد إلا ما هو جدير بالثقة. والثقة تكتسب مع مرور الوقت ولا يمكن أن يكسبها شخص أو محطة في أيام أو شهور فقط. القنوات الإخبارية توضع كل يوم أمام اختبار يتعلق بتغطية خبر أو قضية ما وذلك هو الرهان الحقيقي الذي تكرم عنده أي محطة أو تهان، ولا يمكن لأي محطة الاتكال على إنجازاتها وسمعتها السابقة دائما وتستهين بأحداث معينة وتتوقع دائما أن تبقى الأولى أو الأفضل. لذلك، فالمنافسة هي ما تبقي هذه القنوات حية ومتجددة. والمنافسة هي سر التميز البشري، فما بالك بالإعلام؟ والطريق إلى التميز نادرا ما يكون مزدحما كما يقال، قلائل هم من يصلون في النهاية إليه. { الفضائيات حاليا مشغولة بالسياسة، آلا ترين أن من واجب الإعلام العربي أن يساهم في مسيرة التقدم الاجتماعي والحضاري؟ نوعا ما ولكن إعلامنا في كثير من الأحيان صورة عن مجتمعاتنا. أتمنى أن يصل الإعلام العربي إلى الدرجة التي يغير فيها بعض المفاهيم البالية، وأن يدفع الشعوب إلى التفكير والتدبر، وأن يخلق جيلا من المبدعين والمخترعين. ربما أحمل الإعلام هنا أكثر مما ينبغي، ولكن لا بد من التفكير مليا إلى أي اتجاه نحن ذاهبون. أشعر بالحزن حين يقال إن العرب لا يخترعون ولا يساهمون في مسيرة التقدم الحضاري، ولكنها الحقيقة المرة. ففي الغرب مثلا ومنذ أشهر أرسلوا المسبار كيوريوسيتي لاستكشاف كوكب المريخ، ويبدو أنهم عثروا على مؤشر قوي لوجود الماء في هذا الكوكب الأحمر. أما البعض في عالمنا العربي فما زال يتحدث عن ختان الإناث وارضاع الكبير وأشياء أخرى غريبة عن مجتمعاتنا. { نرى أن الإعلام الإلكتروني سلطة بلا مسؤولية، لكن معظم المحطاة تعتمد عليه في الحصول على بعض الأخبار منه، أين المسؤولية المهنية؟ وأين المصداقية؟. وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للانتشار أكثر منها وكالات أنباء، ما يميزها سرعة نقل الأخبار، لكن من الصعب الاعتماد عليها إخباريا كمصدر موثوق تماما تستقي منه القنوات الإخبارية المعلومات، خصوصا وأن مسؤولية إذاعة خبر ما أمر في غاية الحساسية قد يطيح بسمعة أي قناة إذا ما لم تتحرَ الدقة بشأنه، ويضع مصداقيتها على المحك. من جهة أخرى، لا يمكن إنكار أن كل مؤسسة إعلامية اليوم تستعين بوسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها من أجل تحقيق انتشار أوسع تماشيا مع عصر المعرفة الذي نعيش فيه. { نلاحظ في العديد من المحطات، وفي أكثر من برنامج حواري، أن المذيع يلجأ إلى مقاطعة الضيف، سواء في الإستديو أو عبر الهاتف وقبل أن ينهي فكرته، هل هذا يتم لإبراز قدرة المذيع أو أنه يأتي بشكل عفوي؟. إنه شر لا بد منه في كثير من الأحيان، على ألا يتحول إلى هدف بحد ذاته لدى المذيع، ولكن اللجوء إلى المقاطعة يصبح ضروريا من أجل استيضاح فكرة أو مواجهة الضيف بآراء الجهة الغائبة في الحوار، أو لإعادة الحوار إلى سياقه في حال خرج الضيف عن الموضوع أو تهرب من السؤال أو أهان الطرف الآخر بعبارات مبتذلة. إنه أمر يزعج الكثيرين ولكن طريقة وتوقيت مقاطعة الضيف يخففان من وطأتها. كما أن احترام الضيف لا يمس شعرة واحدة، إذا تمت مقاطعته بطريقة لبقة وذكية. { على ذكر الضيوف، وقد حاورت كثيرا من الأعلام، من هي أكثر الشخصيات التي تركت أثرا عندك بعد استضافتها في برامجك السابقة؟ شخصيات كثيرة أذكر منها المناضلة الفلسطينية ليلى خالد، والكاتبة الكويتية ليلى العثمان، والمفكر الراحل جمال البنا، والكاتبة لميس جابر والمستشارة تهاني الجبالي.. وآخرين. لقد حاورت كثيرين ومن مجالات عدة، وقد زادوا جميعا تجربتي ثراء. { كيف تنظرين لظاهرة اقتحام بعض الفنانين لعالم الإعلام الفضائي، وخاصة في البرامج الحوارية؟ إنها سلاح ذو حدين، وقد تكون مخاطرة أيضا. هناك تجارب نجحت وأخرى فشلت من وجهة نظري، وهي أساسا فكرة أجنبية اعتمدت في قنوات غربية، ولم يبتدعها إعلامنا العربي. النجاح فيها مرهون بشخصية الفنان ومدى انسجامه مع دور المقدم وفكرة البرنامج، والأمر برمته متعلق بجذب أكبر شريحة من المشاهدين. أنا مؤمنة بأن الحضور أو ما يسمى بالكاريزما يلعبان دورا مفصليا في تقبل المشاهد للمذيع أيا كان تخصصه. { ماهي تقييمك لما يطلق عليه الربيع العربي؟ أكثر ما يثير علامات الاستفهام بعد كل ما حدث خلال العامين الماضيين في أكثر من بلد عربي، أنه مازلنا نسمع عن محاولات لقمع الصحفيين وكأن شيئا لم يحدث، ما زال هناك من يتحدث عن أن العدالة الاجتماعية لم تتحقق، ما زالت الفئات نفسها من الشعوب تشكو من عيشها تحت خط الفقر، وهناك تقارير تتحدث عن تراجع حقوق المرأة بشكل يدعو للقلق، كما تصرح منظمات حقوق الإنسان في تلك الدول. إذا كان هذا هو الربيع فأعتقد أنه ربيع بلا أقحوان ولا فراشات. ربما التعاطي الرومانسي مع ما حدث جعل البعض يعتقد أن الثورة مشوار لميادين التحرير تنتهي بالعودة إلى البيت أو رحلة نستمتع بها تحت أشعة الشمس الدافئة. الثورة الحقيقية التي نحتاجها باعتقادي هي ثورة فكرية وعلمية مستمرة، فبدون فكر متنور وعلم ينفع، لن نخطو خطوة واحدة إلى الأمام.