تغمرني سعادة فائقة بهذا الجمع الطيب ، وبما قيل في حقي وفي حق الفكر والميدان السوسيولوجي خاصة ، باعتبار أن العلوم الإنسانية أداة للتحرر والتطور والنمو، وأن السوسيولوجيا ما يميزها هو ارتباطها بالحركات القومية و الإشتراكية ، وليس من الصدفة أن نرى أن السوسيولوجيا هي المجال الذي تحمس له الشباب في الجامعة وناضلوا ضمنه و ضمن العلوم الإنسانية عامة ، و منذ فتح شعبة علم الإجماع و نحن نعمل على تصحيح الضعيف فيما راكمته، والزيادة في تقوية ما هو ناجح و متميز في المجال و دعم استمراريته، في هذا الظرف و لقدراتي الصحية المتواضعة اسمحوا لي أن أتحدث عن قضايا أرى أنها من الأهمية بمكان : ماذا أنجزنا ؟ هذا سؤال خطير، فبعد معركة الوجود منذ تأسيس معهد العلوم الاجتماعية ، و أيام كانت كل الشعب موجودة عدا شعبة الفلسفة و علم النفس و علم الاجتماع التي لم يكون يسمح لها بالوجود ، يجب الحديث أيضا عن الحصيلة و القضايا الهامة التي لم يتطرق لها البحث السوسيولوجي و كل فكر عقلاني يعمل على تحليل واقعنا الاجتماعي الراهن . نتحدث أيضا عن معركتنا الأولى أيام معهد العلوم الاجتماعية في فترة قال فيها مولاي أحمد العلوي في إحدى افتتاحيته (السوسيولوجيا لا فائدة منها ، فهي إما تنتج أناس ثوريين أو أناسا لا فائدة منهم و لا شيء يستفد منهم) ، و بعدها كان إغلاق معهد العلوم الاجتماعية ، وبالتالي ظل النضال في صفوف الطلبة ضمن الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، واتحاد كتاب المغرب مع بعض المثقفين، وفي النقابة الوطنية للتعليم ، والنقابة الوطنية للتعليم العالي ، ومختلف المجالات من هذا القبيل ، فدافعوا عن السوسيولوجيا وأهمية السوسيولوجيا ، كأداة للنمو الفكري ولتأطير الشباب، هكذا انهينا معركتنا الأولى، ولعل السوسيولوجيا اليوم قد دخلت معركتها الثانية ، ألا وهي معركة تجاوز وضعية البداية و الهيمنة و الدخول في سياق التحولات الراهنة و إعادة تنظيم المجال حتى تستجيب السوسيولوجيا لتطلعات الكثير من الحاضرين فيها و المشتغلين ضمنها . أنجزنا إذن في هذا المجال على المستوى الكمي ، عددا لا بأس به من الحاصلين على الإجازة في علم الإجماع و الذي يفوق 5000 مجاز ، بينما في سنة 1973 عندما بادرنا بتأسيس الجمعية المغربية لعلم الاجتماع كان عدد الحاصلين آنذاك على الإجازة في السوسيولوجيا حوالي 33 أو 34 ، اليوم انتقلنا إلى وضعية أخرى ، فضمن الخمسة ألاف مجاز في السوسيولوجيا هناك ما يقارب 100 أو 150 حاصلين على الدكتورة ، وهناك أيضا مئات الطلبة الحاصلين على دبلوم الدراسات العليا المعمقة ، إذن وقع تطور كبير على مستوى الكيف فيما يخص مستوى النقاش الحاصل في السوسيولوجيا اليوم و كيفية تطوره هو أحسن بكثير من السابق، وهو ما سنناقش جزءا منه عندما نتحدث عن المراحل الأولى لبناء السوسيولوجيا وبناء البحث السوسيولوجي . هناك نقطة أخرى هامة لابد من الإشارة لها و المتعلقة تحديدا بالمكانة التي أصبحت تحظى بها السوسيولوجيا اليوم ضمن العلوم الإنسانية ، فعلوم كالتاريخ ، الديمغرافيا ، علم النفس ، القانون ، الجغرافيا ، العلوم السياسية ، حتى علوم كالطب ، تعطي اليوم اهتماما بليغا للسوسيولوجيا ، و هذه الأمر ليس دفاعا عن حانوت السوسيولوجيين ولكنه أمر واقع، نظرا لما تحمله السوسيولوجيا من رهانات كبرى لنمو المجتمع و تطوره . أنجزنا اليوم على المستوى الكمي الكثير ، وعلى المستوى الكيفي شيئا لا بأس به، ولدينا حاليا 10 شعب للسوسيولوجيا بالجامعات المغربية . أنجزنا العديد من البحوث التي تغطي مختلف التراب الوطني وعدد هام من القضايا التي تهم تلك الجهات و تلك المناطق. إذن على مستوى أول يمكن القول أنه و بتعاون مع مختلف العلوم الإنسانية الأخرى و بتعاون مع ما تزخر به بلادنا من باحثين و مفكرين ، أننا أنجزنا رهاننا و أننا نضمن لمستقبل المغرب أن يكون مستقبلا واعدا مشرقا و مهما في حدّ ذاته ، إذا كان هذا هو ما أنجزناه فماذا لم ينجز ؟ أعتذر للحاضرين و الإخوة الذين نظموا وسعوا من أجل هذه المناسبة التي أثرت في أكثر من اللازم و نعوضها لهم إن شاء الله في مناسبة أخرى . قبل أن أختم لي طلبان: الأول: أن يهتم الإخوة بجمعية أصدقاء السوسيولوجيا، وبتعاون مع الجمعية المغربية لعلم الإجتماع بمسألة إصلاح المهنة و إصلاح التكوين في هذه المهنة ، و البحث عن المنافذ الممكنة في هذا المجال ، أنا أقترح أولا وقبل كل شئ إنجاز بحث واسع تحت إشراف الجمعية المغربية لعلم الإجتماع ، وبمساهمة الفوارق العلمية و الجامعة ، إنجاز بحث حول مهنة السوسيولوجيا لكي نعرف 4000 أو 5000 شاب الذين مروا من عندنا بالجامعة أين مآلهم ، من جهة يمكن القول أن حضوركم هو الجواب لكل من كان يقول أن السوسيولوجيا لا تنتج إلا الثوريين أو من لا قيمة لهم ، إذن طلبي الأول هو أن يقع هناك مجهود لإنجاز بحث واسع حول مهنة السوسيولوجيا ، ماذا حدث للطلبة اللذين مروا من الشعبة الأم و الشعب التي جاءت بعدها ؟ ماذا حدث لأساتذتها ؟ ماذا حدث لهم على المستوى المهني ؟ على المستوى الفكري ؟ على المستوى الثقافي ؟ ، هل استمروا في ممارسة الفكر السوسيولوجي و متابعته أو غلبهم الدهر كما غلب العدد الكبير من الشباب في ميادينهم المختلفة ؟ . هذه النقطة حول تنظيم بحث ميداني واسع حول السوسيولوجيا و مهنة السوسيولوجيا هو طلبي الأول لكم . طلبي الثاني: هو أن يقع عن طريق ندوات فكرية مختلفة فتح للنقاش في تدريس السوسيولوجيا ، كيف يمكن أن نطورها و نجعلها تنفذ و تحقق إنجازات كبرى و كثيرة ، أكثر مما تنجزه حاليا ، هذا يتطلب في رأي أولا هيكلة الجمعية المغربية لعلم الإجتماع ، و ارتباطها بفروع لها في مناطق مختلفة من المغرب ، مثل ما هو حاصل الآن مع جمعية أصدقاء السوسيولوجيا ، حتى الاسم لطيف في حد ذاته ، أصدقاء ، بمعنى أننا أمام ممارسة فكرية تبحث عن أصدقاء لا تبحث عن الزبناء ، لا تبحث عن الذين يعتنقون الأفكار ويحوّلونها إلى أشياء غير قابلة للنقاش . ينبغي إعادة النظر في الكيفية التي يمكن بها تنظيم فروع للجمعية المغربية لعلم الإجتماع ، هل يمكن أن يكون لنا تنظيم جهوي . كيف يمكن إحداث توأمة بين شعب مع شعب أخرى مماثلة يتبادلون فيها الأساتذة و الباحثين لإثراء النقاش في الندوات و المناسبات العلمية . بصفة عامة أعتقد أننا أنجزنا الكثير ، و لكن إذا لم يكون هذا الكثير مبني على بنيات إجتماعية قوية تجعل الباحثين يتفاعلون و يتعاونون و يتأزرون و يساعد بعضهم البعض الأخر و يهتمون بأبحاث الاخرين ، يمكن لهذا المجهود أن يكون قويا و لكنه يمكن أيضا أن يندثر بسرعة . أعتقد مرة أخرى أن هناك أجيالا و أفرادا لهم أفكار و التزمات يدافعون عنها لازالوا ملتزمين بها لبناء التاريخ والاستمرار فيه في ما يمكن أن يكون إيجابيا . أعتذر لكم جميعا وشكرا .