مناسبة الحديث عن هذا الشاعر المصري ، الذي وافته المنية في 28 من يوليوز 2012 هي احتفاء بيت الشعر في المغرب بدعم من وزارة الثقافة ، بتجربته الشعرية المتميزة خلال فعاليات المعرض الدولي للنشر و الكتاب . هذا الاحتفاء الموسوم ب « ذاكرة « اختير له عنوان : الشاعر المصري حلمي سالم : صداقة الشعر ، صداقة المغرب . قدمت في هذا اللقاء شهادات الشاعر والروائي والباحث حسن نجمي ، والشاعر المصري أحمد الشهاوي ، والباحث يوسف الناوري، وأرملة الشاعر السيدة أمل بيضون . ركز المتدخلون على مسار تجربة الشاعر، وعلى شخصيته المتفردة كإنسان عميق يتصف بروح مرحة محبة للدعابة وللحياة ، وككائن استثنائي موهوب في عدة مجالات . عرفت حياته هزات قاسية نتيجة انتمائه إلى القوى الحية في البلاد . تعرض للاضطهاد والسجن والملاحقة ، وذلك بسبب مواقفه النضالية الصريحة جهرا ، أوالمعبرعنها في قصائده التي أثارت في كثير من الأحيان غضب المحافظين من الشيوخ ، وغير الشيوخ ؛ إذ لم يسلم حتى من بعض المثقفين المنتسبين إلى أفكار غيرالأفكار التي يؤمن بها ، و ربما كان أثر هؤلاء أشد مضاضة على الشاعر لأن منهم من كان بالأمس صديقا ، أو زميلا في العمل. هذه الأزمة ارتبطت خاصة بقصيدته «شرفة ليلى مراد»، التي نشرها الشاعر في شتاء 2007 بمجلة « إبداع « التي يرأسها الشاعر عبد المعطي حجازي . هذه القصيدة أثارت استنكار شيوخ الأزهر الذين لفقوا للشاعر تهمة الإلحاد والزندقة ، والسبب هو أن الشاعر في ظنهم يسيء إلى الذات الإلاهية . بعد صك الاتهام والإدانة الصادر عن مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، أصدر رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب قرارا بسحب جميع نسخ عدد المجلة من الأسواق .هذه القصيدة أعادت للواجهة الصراع بين القوى المحافظة من جهة والقوى المستنيرة من جهة ثانية . الشاعر حلمي سالم من الشعراء الطليعيين في السبعينيات من القرن الماضي، هو ومجموعة من الشعراء الشباب آنذاك . وقد شكلوا جبهة للنهوض بجسد القصيد بعد أن أصابه بعض الترهل والوهن ليمنحوه ما يكفي من دفق دم وحياة لكي يستمر ويخرج من التنميط ، والإنهاك الذي بدأ يتسرب إليه . هؤلاء السبعينيون في مصر أغلبهم ينتمي إلى جماعة إضاءة 77 ، وهم حلمي سالم ، ورفعت سلام ، وحسن طلب ، وعلي قنديل ، وأحمد طه وجمال القصاص، وماجد يوسف ، وأمجد ريان ، ومحمد بدري ، ووليد منير. ومنهم من انتمى إلى جماعة «أصوات» ، كالشعراء عبد المنعم رمضان ، ومحمد سليمان ، ومحمد عيد إبراهيم ، وغيرهم من الأصوات الشعرية القلقة في تلك الحقبة الساخنة من تاريخ مصر بعد نكسة 67 وما تلاها من تداعيات . هذه الحركة المجددة بشقيها في مصر قدمت اقتراحات شعرية وتنظيرية لإغناء المنجز الشعري الهام الذي تحقق مع الشعراء صلاح عبد الصبور ، وعبد المعطي حجازي ، وأمل دنقل ، ومحمد عفيفي مطر . هؤلاء أعادوا الاعتبار للشكل لأنه من المقومات الأساسية لحداثة النص الشعري كما انشغلوا بالمضمون ، مع التركيز على العلاقة بينهما على اعتبار أنهما يشكلان لحمة واحدة . كان الشاعر حلمي سالم أكثر هؤلاء غزارة في الإنتاج شعرا وتنظيرا ، فهو جمع بين الشعر والنقد الأدبي والفكر. يضاف إلى ذلك اشتغاله بالصحافة التي تخصص فيها في دراسته الجامعية . يقول عنه صديقه أحمد الشهاوي بأنه شاعرغير مستقرإذ لا يستسلم لكشف شعري جديد ، بل يواصل البحث محققا بذلك قفزات فنية وجمالية ، وفي كل ديوان جديد له بصمة ، وإضافة . أما على مستوى الإلقاء فلا يضاهيه من أبناء جيله غير الشاعر محمد سليمان . متعدد المواهب ؛ فهو صاحب خط جميل ، ورسام . يحب الغناء ، ويحفظ العشرات من الأغاني المصرية والعربية . شاعرجواب آفاق ، وبرغم موته المبكر يبدو كما لو أنه عاش عدة حيوات . من المفارقات أن هذا الشاعر بقدر ما هو منظم كمناضل وكمبدع فإن حالات من الفوضى تعتريه ؛ كأن تطلب منه الزوجة يقول الشهاوي أن يشتري الحليب من البقال المجاور فيغيب أسبوعا كاملا عن البيت .