قدم الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، تقريرا سياسيا شاملا أمام أعضاء اللجنة الإدارية للحزب، استعرض فيه موقف الحزب من التطورات الجديدة لقضيتنا الوطنية، كما تطرق لقضايا التنظيم الحزبي والمبادئ المؤسسة لهوية الحزب، فضلا عن الموقف من العمل الحكومي وتداعيات الأزمة الاقتصادية (...) نلتقي اليوم في الدورة الثانية للجنة الادارية بعد مُضي أربعة أشهر على عقد المؤتمر التاسع لحزبنا، وبعد انتخابكم في اجتماع الدورة الاولى للمكتب السياسي. إن هذا الاجتماع هو محطة أساسية للوقوف عند حصيلة المؤتمر التاسع ونتائجه السياسية والتنظيمية التي ستؤطر وتوجه عملنا جميعا: فمقررات المؤتمر باعتباره أعلى هيأة تقريرية وتوجيهية، تشكل تعاقدا بين هيٍئات الحزب ومؤسساته مع أطره ومناضليه ومناضلاته من جهة ، ومع المجتمع والرأي العام الوطني من جهة ثانية. وفي هذا السياق، ودون الدخول في عرض تفصيلي للقرارات والتوجهات التي أقرها وسطرها مؤتمرنا التاسع، يجدر التذكير هنا فقط بالعناوين الاساسية لتلك القرارات والتوجهات بالإيجاز التالي : لقد أكد المؤتمر على تشبث الحزب بهويته الاشتراكية الديمقراطية، بما هي إطار دينامي متجدد ومنفتح على معطيات ومستجدات تحولات عصرنا ومجتمعنا. كما أعطى تقييما لطبيعة المرحلة السياسية الراهنة بما تحمله من تحديات ورهانات كبرى، وما تفرضه على حزبنا كحزب اشتراكي ديمقراطي يساري مصطف في المعارضة من مهام ومبادرات، سواء على مستوى تفعيل وتطبيق الدستور الجديد وفق تأويل ديمقراطي ومقاربة حداثية، أو على مستوى حماية والدفاع عن المكتسبات المحققة في مجال الحريات الفردية والجماعية في ظل ما يتهددها من مخاطر الانتكاس الى الوراء مع الحكومة الحالية. إن المؤتمر التاسع بمقرراته الايديولوجية والسياسية، وبنتائجه التنظيمية الهيكلية ، فتح أمام الحزب أفقا جديدا وهاما لاستعادة مواقعه في المجتمع وتحقيق هدف بناء الحزب المؤسسة. ويعد اجتماعنا اليوم في الدورة الثانية للجنة الإدارية لحظة هامة ضمن هذا الأفق الذي بلوره المؤتمر بالنظر الى طبيعة جدول أعماله المقترح عليكم . (...) لقد انكب المكتب السياسي منذ انتخابكم لأعضائه على تصريف مقررات المؤتمر التاسع في شقيها السياسي والتنظيمي. أولا : تنظيميا إنها دورة تأسيسية من الناحية التنظيمية : خلالها ستتخذون القرارات الهيكلية والمسطرية التي يجب أن تنتقل بالحزب من الاشتغال بالذات الى العمل وسط المجتمع وفي قلب المؤسساتالتمثيلية أي إطلاق الطاقات العاملة، والمبادرات الخلاقة والنضال السياسي والاجتماعي والفكري، ولن يتأتى ذلك إلا بتفعيل مقررات المؤتمر التي جاءت بعد تشخيص للوضع التنظيمي، بل تراكم في تشريح الوضع التنظيمي انطلق بالتقرير التركيبي لتقييم استحقاقات 2007، التحضير للمؤتمر الوطني الثامن، الندوة الوطنية حول التنظيم... في كل هذه المحطات قمنا بتشريح قاس أحيانا للأعطاب التنظيمية التي يعيشها الحزب، وقد بلغ هذا التشريح درجة من القسوة في تقرير الكاتب الأول السابق الأخ عبد الواحد الراضي أمام دورة المجلس الوطني بتاريخ 05 ماي 2012 عندما صرح بأن (الاتحاد يعيش حالة انتحار جماعية). هذا التشريح أفضى إلى إعادة تحديد المبادئ المؤسسة للتنظيم الحزبي من خلال المقرر التنظيمي: 1- المبادئ المؤسسة: - فصل السلط وتوازنها: 2- حزب مؤسسة تحكمه قواعد ومساطر واضحة، أجهزة تنفيذية منسجمة ومسؤولة وذات مشروعية، أجهزة تقريرية تقوم بالتقرير ومحاسبة الجهاز التنفيذي، جهاز وطني للتحكيم والأخلاقيات يقوم بالبت في النزاعات التنظيمية والطعون الناتجة عن الاستحقاقات الداخلية، ويسهر على احترام أخلاقيات الحزب من طرف جميع المنخرطين ومن طرف المنتخبين باسم الحزب في المؤسسات المنتخبة أو في الانتداب للمسؤوليات العمومية. جهاز وطني لمراقبة المالية والإدارة والممتلكات توكل له مهام القيام بمراقبة التدبير المالي للحزب وإدارته وممتلكاته. - اللامركزية: التقليص من الطابع المركزي للقرار الحزبي، من خلال بناء يقترب مؤسساتيا من النظام البرلماني، وتنظيميا من الجهوية الموسعة التي يتجه نحوها بلدنا بتخويل التنظيمات الجهوية صلاحيات واسعة في التدبير السياسي والتنظيمي للحزب على مستوى الجهة. - المأسسة والتقنين: من خلال تدقيق الآليات والمساطر التي يجب أن تحكم السلطة الحزبية والعلاقات بين مختلف الأجهزة وحقوق وواجبات المنخرطين والعاطفين .. وغيرها من القضايا التي تنتج عنها بعض التوترات التي يواجهها الحزب في محطاته التنظيمية والانتخابية. - المشروعية الديمقراطية: المشروعية الديمقراطية الناتجة عن إرادة القاعدة الحزبية، هي وحدها الفيصل في حسم القرار الحزبي وفي تولي المسؤوليات الحزبية. وأن تكون الديمقراطية ليس فقط شعارا بل منهجا وسلوكا والتزاما: منهجا: من حيث يجب أن تخضع كل الاستحقاقات الحزبية لقاعدة الاقتراع السري أو العلني عند الاقتضاء، يمارس من طرف القاعدة الحزبية أو مؤسساتها المنتخبة على أساس لوائح للعضوية لا تحتمل المنازعة والتشكيك، مع توفير الضمانات الضرورية لحماية عمليات الاقتراع والفرز من كل ما يمكن أن ينال من نزاهتها، والاستعانة بالأساليب الحديثة التي يتيحها التطور التقني في هذا المجال. سلوكا: من حيث يجب أن يتشبع جميع المنخرطين بقيم التسامح، واحترام الرأي المخالف، وعدم المساس بحرمة وكرامة الآخر وحياته الشخصية، وبالتزام قواعد المروءة واللياقة في النقاش والتعبير عن الرأي. والتزاما: من حيث يتعين الانضباط الفردي والجماعي للقرار الحزبي المستوفي للمشروعية، واللجوء إلى مساطر الطعن أمام المؤسسات المخولة بذلك عند كل منازعة أو اعتراض، عوض اللجوء إلى الأساليب البدائية في التشهير والتمرد والتشويش .. وغيرها من الأساليب التي أساءت كثيرا إلى صورة الحزب وسمعته في المجتمع. -وضوح المهام والوظائف: من تحديد دقيق لمهام ووظائف مختلف الأجهزة الحزبية. - ربط المسؤولية بالتعاقد والمحاسبة والنجاعة والتجديد: ربط الترشيح للمسؤولية الحزبية أو الانتخابية ببرنامج يشكل أساسا للتعاقد، يمكن من المحاسبة على أساسه، وبالنجاعة المرتبطة بتحقيق نتائج واضحة، تم التجديد الدوري للأجهزة الحزبية وتحديد عدد الولايات المسموح بها في مختلف مواقع المسؤولية الحزبية بما يسمح بتجديد النخب الحزبية. - التدبير الديمقراطي للكوطا في أفق المناصفة: الرفع من تمثيلية النساء في مختلف الأجهزة الحزبية إلى الثلث، الاتحاد دائما سباق في هذا الباب. تحديد الاستفادة من الكوطا في ولايتين في نفس الجهاز وفي ثلاث ولايات في جميع الأجهزة، منعا لاحتكار هذا الحق، وتشجيعا للطاقات النسائية للولوج إلى المسؤوليات. - التخليق: التنظيم الحزبي ليس آلة صماء، وليس مجرد دواليب مؤسساتية جامدة وباردة، وهو كذلك ليس مجرد قواعد ولوائح وإجراءات، بل هو أساسا تنظيم يتأسس على عمل مناضلين يتحركون استنادا إلى أفكار ومبادئ ومراجع ومثل وقيم، ويقدمون ضمن محيطهم العائلي والمهني والمجتمعي العام الدليل على تشبعهم بروح المسؤولية والاستقامة، ورشفهم من معين القيم الإنسانية النبيلة. وحتى قبل أن يوضح الاتحاد الاشتراكي سنة 1975هويته الإيديولوجية واختياراته البرنامجية، فإن الذي كان يعطيه المصداقية والإشعاع هو نبل السلوك الذي ميز قادته ومناضليه، وأكسبهم التعاطف الجماهيري الواسع. وتزداد أهمية بعد التخليق اليوم اعتبارا لكون العمل في المؤسسات المنتخبة يضع المناضلين في موقع اللقاء والتماس المباشر مع المواطنين، بما يجعل حكم الناس على التصرفات جزءا من تفاعلهم اليومي مع الحدث السياسي، ومقياسا أوليا للحكم على المنظمات السياسية. ولذلك فإن الحزب مدعو إلى إقرار مدونة سلوك لمناضليه في مختلف الواجهات ترتكز في المنطلق على ثلاثة التزامات أساسية: - تقديم كشف بالممتلكات قبيل وعقب تحمل أية مسؤولية من مسؤوليات العمل الجماعي أو التشريعي أو الحكومي أو في أية مؤسسة من المؤسسات العامة. - تقديم حصيلة العمل أمام المواطنين بصفة منتظمة ودورية بخصوص النشاط المضطلع به من طرف المناضل الحزبي في مختلف مواقع المسؤولية. -السهر على جعل المواطنين في كل الظروف احد الالتزامات الأساسية للمناضل أمام الحزب. -التكوين: الاهتمام بتكوين المناضلات والمناضلين قضية مركزية بالنسبة لنا في المستقبل، لتأهيل الأطر الحزبية لتولي المسؤوليات سواء الحزبية أو في المؤسسات. (مدرسة تكون الاطر، ومعهد الابحاث والدراسات ، جامعة صيفية سنوية على غرار الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية. - التضامن: التضامن كقيمة مركزية في مشروعنا الاشتراكي الديمقراطي الحداثي.. تأسيس مؤسسة وطنية للتضامن. (...) وتنفيذا لهذه المقررات التنظيمية، اعتبرنا ان هيكلة القطاعات تشكل المدخل الرئيسي والناجع في عملية تفعيل الأداة الحزبية وتجديدها وإعادة هيكلتها، وهكذا باشر المكتب السياسي عملية هيكلة قطاعي الشبيبة والنساء، فبدأت دينامية التحضير لمؤتمر الشبيبة الاتحادية حيث التأم مجلسها الوطني يوم 13 من الشهر الجاري، ومازالت التحضيرات متواصلة في أفق عقد المؤتمر الشبيبي في يونيو المقبل . وبموازاة ذلك عقد المكتب السياسي اجتماعا وطنيا لكتاب الجهات والاقاليم، بهدف إطلاق عملية تأهيل الحزب في أفق الاستحقاقات الانتخابية القادمة وتجسيد طابع القرب في العمل التنظيمي جهويا وإقليميا. كما تم عقد المجالس الاقليمية لعدد من الاقاليم تحت الاشراف المباشر لأعضاء المكتب السياسي، إضافة الى عقد اجتماعين موسعين بالبيضاء والرباط ضم عضوات واعضاء اللجنة الادارية وكتاب الفروع والقطاعات في خطوة نعتبرها نوعية في اتجاه إرساء قواعد تواصل فعال بين قيادة الحزب و بين تنظيماته الجهوية والإقليمية على المستوى الوطني. إن ما قمنا به وما نحن بصدده اليوم هو الرد على الانتظارات الحقيقية للقواعد الحزبية والمتعاطفين مع الاتحاد ووضع حد لجلد الذات، وترك مجال الصراعات العقيمة التي سنتصدى لها بتركها لمن يجد فيها مجالا للتعبير عن الأنانيات أو عن أجندات لا علاقة لها بمصلحة الحزب و سمعته وفعاليته. لقد انتهى زمن جبر الخواطر. واجتماعنا اليوم يؤسس لزمن جديد في مسيرة الاتحاد، الزمن الذي يتجه الى الأخذ بالإشكاليات الحقيقية التي يطرحها الواقع المهدد الذي تعيشه بلادنا. فإن المؤتمر الوطني وضع على عاتقنا مهام كبرى لعل أولها فك الجمود الذي شل قدرة الحزب على الحركة والمبادرة. ثانيا : سياسيا دورتنا تنعقد في ظرفية ضاغطة بالنظر للأوضاع الخطيرة التي تجتازها بلادنا في ظل حكومة الارتجال والتهور تتميز: أولا: تلكؤ وبطء الأداء الحكومي في تفعيل مقتضيات دستور 2011، واعتماد مقاربة محافظة في تطبيقه، وأسلوب انفرادي و إقصائي للمعارضة في هذا الورش الدستوري والتشريعي الهام. وقد سجل المكتب السياسي في بلاغ له في رابع مارس 2013 أن المخطط التشريعي الذي وضعته الحكومة والمقرون بأجندة انفرادية، هو محاولة لمصادرة حق البرلمان في التشريع... ثانيا: وفي مواجهة تداعيات الازمة الاقتصادية ونتائجها الاجتماعية، سجل المكتب السياسي ما ميز العمل الحكومي من ارتباك في مباشرة الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة باستعجال. ولا شك في أن القرار الحكومي الانفرادي بحذف نفقات الاستثمار تعبير آخر وواضح عن السلوك الحكومي الممعن في تهميش المؤسسة التشريعية التي تمت مصادرة حقها في أي تعديل في الميزانية العمومية التي اقرتها. إن لجوء الحكومة الى حذف جزء من ميزانية الاستثمار لينم عن غياب مشروع حكومي إصلاحي ورؤية اقتصادية واجتماعية وسياسية تستجيب لطبيعة المشكلات والتحديات القائمة، وللانتظارات الشعبية الملحة، مما يؤشر على خطر تفاقم الازمة الاقتصادية وانعكاسها على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى مكتسباتهم الاجتماعية. إن التردد في إصلاح صندوق المقاصة، وصناديق التقاعد، وحصر محاربة الفساد في تصريحات وشعارات للاستهلاك الاعلامي دون إرفاقها بإجراءات فعالة وجريئة تربط المسؤولية بالمحاسبة ، ومواجهة الاحتجاجات الشعبية السلمية بالعنف والتضييق على حق الاضراب بإقرار الاقتطاع من الأجر دون سند قانوني.. إن الارتجال الذي كشفت عنه القرارات الاخيرة للحكومة بخصوص حذف 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمار هو نفس الارتجال الذي يطبع مواقف الحكومة وهي تتحدث عن معالجة صندوق المقاصة للحد من عجز الميزانية. ان الحكومة أقحمت أغلبيتها التي أيدت مشروع الميزانية في حينه في مقاربة خاطئة عند وضع الميزانية وتخمينات نسبة النمو وعجز الموازنات، و مستوى المديونية الداخلية والخارجية. فحجبت عن الرأي العام الحالة المزرية للتوازنات الماكرو اقتصادية والمالية ... الى أن وضع صندوق النقد الدولي الفيتو على سياسة الحكومة وفرض عليها ما فرض وحيث لا يشكل موضوع تجميد الاستثمار العمومي إلا الجزء البارز من المخطط. إن ما يجب أن يطرح في هذا الظرف ليس المسكنات ولكن معالجة الداء المزمن... والعلاج يكمن في الفحص الشامل لنمط النمو الاقتصادي والانكباب على توجيهه نحو أفق جديد يأخذ بعين الاعتبار ليس الاكراهات المحلية فقط، بل وبالأساس الانتباه الى ان الاقتصاد العالمي الذي نتموضع داخله هو في تحول عميق أي تحول يتطلب وقتا طويلا قبل أن تكتمل معالمه . فالنظام المصرفي والسياسات النقدية وأنماط تمويل الخدمات العمومية وتدبير الندرة في مجال الطاقة والتغذية والماء وغير ذلك من القطاعات كلها تؤكد أن بلادنا معرضة لظروف أكثر ضغطا وحدة مما عرفته في الثمانينات. وهذا في حد ذاته كاف لنقول للحكومة اليوم" ترفضون الحوار داخل المؤسسات، فماذا ستفعلون بالبلاد إذا ما اصبحت المواقف تتطارح وتتصارع خارجها ؟؟؟ يوم لا ينفع فيه التهور والارتجال يوم لا تنفع فيه دغدغة العواطف يوم لا تنفع فيه أساليب التمويه والتهديد.. يوم الحقيقة وليس ببعيد وسيكون الحساب عسير لأن الواقع عنيد. إن كل ذلك وغيره هو ما يشكل السمات البارزة للأداء الحكومي مما يفرض علينا كمعارضة تقوية جبهتنا مؤسسيا وميدانيا دفاعا عن الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحقق انتظارات الشعب المغربي بكل فئاته. وانطلاقا من ذلك، اعتبرنا في المكتب السياسي أن موقع الحزب ، كحزب معارض، يفرض علينا العمل على بناء جبهة نقابية اجتماعية تشكل قوة حقيقية في النضال الشعبي ، وفي هذا الاتجاه تم إجراء لقاءات مع مختلف الفرقاء الاجتماعيين . وهكذا عقدنا اجتماعات نوعية وناجحة مع أهم النقابات العمالية (الاتحاد المغربي للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين) ومع عدد من جمعيات المجتمع المدني الحقوقية والثقافية، كما أولينا اهتماما خاصا بأشغال مؤتمر النقابة الوطنية للتعليم العالي والنقابة الوطنية للتعليم، وقطاع الفوسفاط والصحة ، حيث كان لمناضلاتنا ومناضلينا دور رئيسي فيها... إنه الرد الذي يتطلبه الوضع الراهن. وهذا لا يعني فقط الوقوف ضد التهميش المتنامي لدور المعارضة من طرف الحكومة، لكننا نقول لمن يتخيل أن الانفراد بالقرار عبر تهميش مقتضيات الدستور ومحاولة تعويضها بمسرحيات تسمى حوارا حول أي موضوع وغير ذلك من مخططات التسويف، لن ننخرط فيه لأنه يعني إلغاء للمعارضة التي يجب أن يكون معها الحوار. إن موقفنا ينبني على مقاربة دافعنا عنها من خلال مقترحاتنا عند التحضير للدستور الجديد وهي أن الدمقراطية لا تقاس ببعد واحد وهو حق الأغلبية في التسيير ولكن تقاس كذلك بالدور الذي تلعبه المعارضة. والحال أن الممارسة الحالية تؤكد أن المنظومة المؤسسية تقف على رجل واحدة. ونعتبر ذلك ردة بالنسبة لما خططنا له جميعا وما يطمح إليه المغاربة . مقاومة هذه الردة هي الأرضية الأولية التي نبني عليها توجهاتها السياسية ومبادرات التنسيق والتشاور. وهذا يعني أننا بقدر ما نضع من بين منطلقاتنا في النضال الدمقراطي توحيد مكونات اليسار والحداثة، بقدر ما نعتبر أن حليفنا الاساسي في هذه المعركة هو الحركة الجماهيرية، وهو ما يعني كذلك أننا كاتحاد ننظر الى الديناميكية التي أفرزت تطلعات الشباب الى بناء مغرب أفضل من حيث المؤسسات وتوزيع السلط وتدبير الشأن العام. فنحن لسنا من دعاة الانحباس في الحنين الى أمجاد الماضي، فليس من حقنا أن نضع بين قوسين ما أفرزته الحركة الجماهيرية من تطلعات و ديناميكية للإصلاح. وفي هذا المجال فإننا حزب ذو جذور وفروع : جذورنا تمتد الى أعماق الحركة الوطنية وفروعنا تشمل مكونات اليسار والحداثة وكذا القوات الشبابية الصاعدة والتي نعتبرها خميرة مسار التحول الدمقراطي الحداثي. وفي تصريفنا لمقاربتنا هذه، لنا مرجعية أيديولوجية واضحة، أكدناها في مقررات المؤتمر التاسع وبسطت عناصرها في الأرضية التي عرضتها على الاتحاديين والاتحاديات. (...) على صعيد قضيتنا الوطنية الأولى قضية الصحراء المغربية، يواصل المكتب السياسي عمله على تنفيذ توصية البيان العام للمؤتمر بعقد ندوة حول القضية ستأخذ طابعا دوليا، وذلك لأجل تحيين موقفنا الوطني في ضوء ما يحيط بها من مناورات تهدف الى إفشال مسلسل البحث عن حل سياسي تفاوضي على قاعدة المقترح المغربي لحكم ذاتي بالصحراء المغربية. ونحن نعيش في هذه اللحظة أجواء القلق الذي فجره موقف الادارة الامريكية الرامي الى تغيير طبيعة مهمة المينورسو عن طريق توسيع صلاحياتها لتشمل مراقبة وضعية حقوق الإنسان في الصحراء، لا يسعنا إلا أن نعيد التشديد على ما ورد في بلاغ المكتب السياسي الصادر عن اجتماعه يوم 15 ابريل الجاري، من رفض تام للمبادرة الأمريكية وتنديد بانحيازها لطرف في النزاع، وخروجها عن منطق التشاور وروح التوافق الذي طبع مسلسل البحث عن حل سياسي عادل يقوم على الاحترام للسيادة والوحدة الترابية لدول المنطقة. وقد دعا المكتب السياسي كافة القوى السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية الى التعبئة للوقوف في وجه مختلف المناورات التي تهدف الى نسف كل جهود السلام في المنطقة ، مطالبا في هذا السياق الفريقين البرلمانيين للحزب بعقد اجتماع لجنتي العلاقات الخارجية بالبرلمان لتدارس هذه التطورات، ودعوة الشغيلة المغربية في آفاق التحضير لفاتح ماي للتعبير عن موقفها الرافض للمس بالوحدة الترابية. كما قرر المكتب السياسي أيضا إرسال وفود الى الاحزاب الشقيقة للبلدان دائمة العضوية في مجلس الامن لشرح الموقف الوطني للمغرب ولحزبنا من المبادرة الامريكية. إن المستجدات الاخيرة تدعونا جميعا الى التأمل في المنحى التي قد تتخذه، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. لقد مرت 38 سنة على استرجاعنا للأقاليم الجنوبية. إنه عمر جيل كامل. وهو ما يقتضي تقييم ما أنجز وكيف أنجز وبأية وسائل أنجز وبأية نتائج اتسم ! وفي هذا الصدد إن التقرير الذي وضعه المجلس الاقتصادي والاجتماعي جدير بالاهتمام، إذ كشف عن مواطن الضعف والقوة في السياسة المتبعة وذلك بموضوعية وجرأة. السؤال هو متى وكيف ستنطلق الدولة في أجرأته؟. نحن في الاتحاد نقول بأن موضوع توطيد الجبهة الداخلية يمر عبر اتخاذ مبادرات تعيد بناء عناصر الثقة داخل الأقاليم الصحراوية لتيسير انخراط قواها الحية في مشروع متجدد ممهد للحكم الذاتي مع ما يتطلبه ذلك من عزيمة وصرامة في تدبير طموحات الجيل الجديدة من المواطنين والمواطنات الصحراويين. (...) إن حزبكم ذو تجربة طويلة ومتنوعة، فالاتحاد الاشتراكي حزب ذو تجربة طويلة ومتنوعة في صياغة أنماط متقدمة مكنته من إنجاز الكثير في مجال تحديث أشكال التعبير والعمل والسلوك الحزبي في بلادنا. ولعل ما يميز تجربتنا أكثر هو قدرتنا على ابتكار مناهج كانت دوما عنوانا على الحداثة. وليس بغريب ان تكون المسألة التنظيمية دائماً في صلب الإشكالات التي تباحثنا وتجادلنا وتصارعنا حولها وكانت النتيجة دوما هي مقاومة المقاربات المحافظة. ولم يقتصر عملنا الدؤوب في سبيل التحديث التنظيمي على تطوير أساليب وأشكال الحضور الحزبي في الساحة النضالية، بل يلاحظ أن مناهجنا أثرت في المشهد الحزبي العام في المغرب. نحن اليوم بصدد تحولات سياسية ومؤسسية عميقة في البلاد، ولا يمكن أن نصاحبها ونؤثر فيها دون إدخال ابتكارات على مناهجنا، وذلك عبر الأخذ بعين الاعتبار ما يحمله مجتمع التواصل من مستجدات في مجال التعبير والتعبئة والفعل والتوجيه، مما يستدعي إدماج مداوم في كل مقر حزبي متمكن من طرق التواصل الحديثة. إن الثورة الرقمية توفر لنا فرصة ليعم العمل العقلاني والحضور المتواصل كل فضاءات التنظيم الحزبي، عموديا وأفقيا. وفي هذا الصدد سيكون علينا أن ننكب وبسرعة على وضع خطة رقمية مع جدولة زمنية يكون أمدها الأقصى ستة أشهر. كما سيكون علينا حل مشكل المقرات بدءاً من الجهات التي لا بد أن نوفر لكلٍ منها مقرا وصولا الى الأقاليم والفروع. وأخيرا لابد من مرجعة جذرية لطريقة عمل تنظيماتنا القطاعية خاصةً الشبيبية والنسائية. إن الانبعاث الجديد للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لن يتحقق بالمشروع المجتمعي والخط السياسي والبرامج والأفكار وحدها، بل يحتاج إلى رجال ونساء وشباب من مختلف فئات المجتمع تؤمن بتلك المشاريع، وتترجمها في حياتها اليومية، وتجعلها نبراسا لها في خدمة مصالح الفئات الشعبية التي تستهدفها، وهو ما يقتضي النهوض بالوضع التنظيمي للحزب على جميع المستويات، للتغلب على الأعطاب التي رصدها الاتحاديات والاتحاديون في المقرر التنظيمي المعروض على المؤتمر الوطني التاسع. إن هذا التراكم الغني بالأفكار والمقترحات، يمكن الحزب اليوم من التوفر على الأدوات والمساطر الكفيلة بمعالجة الأوضاع التنظيمية، علما بأن المساطر ليست كافية وحدها لاستنهاض هِمَم الاتحاديات والاتحاديين، بل يلزم أن تلعب القيادة الحزبية دورا أساسيا في إعادة اللحمة بين المناضلات والمناضلين في مختلف المواقع، واسترجاع روح الأخوة وقيم التضامن التي جعل منها قادتنا ومعلمونا في مدرسة الاتحاد، أساسا وسندا في مواجهة المحن والشدائد ومحاولات الاجتثاث التي استهدفت الحزب في مسيرته الكفاحية الغنية بالدروس والعبر. لنجعل من هذه السنة إعادة البناء وتوحيد العائلة الاتحادية: مع الحرص على ضمان انخراط جميع الاتحاديات والاتحاديين في مسلسل تجديد جميع الهياكل الحزبية خلال سنة 2013، انخراطا مسؤولا وواعيا، دون إقصاء أو تهميش لكافة الطاقات الحزبية العاملة منها والمُعطلة وسأحرص كل الحرص، إلى جانب أخواتي وإخواني في قيادات الحزب وطنيا، جهويا، إقليميا ومحليا، على جعل مناسبة تجديد الهياكل الحزبية فرصة لاستيعاب الطاقات والكفاءات التي يزخر بها المجتمع وتُقاسمنا قناعاتنا الاشتراكية الديمقراطية الحداثية، بما يساعد على انفتاح حزبنا على محيطه، وعلى تجديد نخبه، وعلى جعل تنظيماته جذابة، فاعلة، ومنغرسة في تربة المجتمع. لنعمل على إعادة توحيد الطاقات الاتحادية التي يجمعنا وإياها التاريخ النضالي المشترك، وفرقت بيننا وبينها ملابسات تدبير الخط السياسي في مراحل سابقة، يقينا مني أن هذه الوحدة هي رغبة جماعية لكل الاتحاديات والاتحاديين، وهي أيضا ضرورة نضالية تفرضها التطورات السياسية التي نعيشها اليوم، وحاجة مجتمعية يفرضها علينا جميعا مستقبل بلدنا، وحماية مكاسبه الديمقراطية التي دفعنا من أجلها جميعا التضحيات الجسام. وليكن شعارنا خلال هذه السنة هو: (استعادة المبادرة)، بكل ما يتطلبه هذا الشعار من مسؤولية وعزم وثقة.