عرفت بلدة واد الحيمر بإقليم جرادة خلال شهري يناير وفبراير 2013 تسريح ما تبقى من عمال شركة «مسابك زليجة للرصاص» وانضموا ليعززوا صفوف العاطلين بإقليم استهلك باطن أرضه الغني بالمعادن واستنزفت مدخراته نتيجة الاستغلال المفرط، وقد تم «إجبار» هؤلاء العمال على القبول بالمغادرة الطوعية بتعويض اعتبره مدير الشركة مرض، واعتبره العمال لا يسمن ولا يغني من جوع بعدما ساهموا بسواعدهم وعرق جبينهم في الرفع من أرباح الشركة خلال سنوات طوال من الكد في ظروف قاسية معرضين للأمراض وحوادث الشغل، من أجل تحويل المعدن إلى سبائك رصاص توجه بالأساس إلى السوق الخارجية. للوهلة الأولى بدت شركة مسابك زليجة للرصاص وكأنها سكنا للأشباح قبل أن تنطلق من وراء بوابتها أصوات بني البشر، استرعى انتباهنا شخص يمشي مطأطأ الرأس يدفع الخطى نحو باب الشركة، إنه أحد العمال المغادرين حضر إلى مقر العمل كما دأب على ذلك منذ 25 سنة وقف يستطلع المكان غير مستوعب أنه أصبح عاطلا عن العمل ومتقاعد في سن 53. بصوت منخفض وبعفوية بادرنا بالقول بأن الشركة في طريقها إلى الإغلاق، وبأن العمال تشتتوا واختار كل واحد منهم الرضوخ للأمر الواقع والقبول بما جاد به مسؤولو الشركة عليهم من تعويض، انسحبوا في صمت حتى لا يلقوا مصير العمال الذين تم طردهم بدون تعويض سنة 2004، ولذلك لم يقومو بأي رد فعل عدا وقفة أو وقفتين احتجاجيتين أمام باب الشركة لم تأت بنتيجة تذكر أمام إصرار مسؤوليها على التضحية بالعمال لتقليص مصاريفها الشهرية، بعدما حققت أرباحا طائلة على حساب مواطنين مغاربة لم يجنو سوى لقمة العيش وأمراض تجثم على صدورهم ما تبقى من حياتهم. تلقى ذلك العامل، والذي فضل عدم ذكر اسمه لأن الأمر ?حسب تعبيره- لم يعد ذي جدوى، تعويضا قدر في 24 مليون سنتيم عن سنوات الخدمة التي قضاها بالشركة، «هاذ المبلغ ما عندو ما يدير» ?يقول- مع الغلاء الذي تعرفه أسعار المواد الأساسية، وبوجود أسرة مكونة من عدة أفراد بينهم المتمدرس والمحتاج إلى العلاج يفكر في الرحيل بحثا عن عمل مادامت صحته تسعفه قبل أن يجد نفسه في أرذل العمر. أمراض مهنية وتخوف من التشريد حال باقي العمال 150، الذين تم تسريحهم ب»التراضي»، لا تختلف عن حال العامل السابق، وإن كان هذا الأخير نجا من الأمراض المهنية، فقد خرج العشرات محملين بها وبنسب مختلفة، والتعويض الذي حصلوا عليه من الشركة استثنى التعويض عن المرض، الشيء الذي دفعهم إلى رفع المسألة أمام القضاء. استسلم العمال المائة والخمسون لواقع أمر فرض عليهم فرضا وقبلوا بنهاية وضعوها نصب أعينهم منذ انطلاق مسلسل تسريح العمال وإغلاق المناجم في كل من جرادة، سيدي بوبكر وتويسيت وتسريح نصف عمال مسابك زليجة بواد الحيمر سنة 2004، حصلوا على تعويضات لم تتجاوز في حدها الأعلى 250 ألف درهم وأصبحوا الآن محرومين من التعويضات العائلية ومن خدمات التأمين الصحي، ورغم أن الشركة سمحت لهم بالبقاء في المنازل التابعة لها، إلا أنهم أبدوا تخوفا كبيرا من أن يتم إفراغهم وتشريد أسرهم. وفي هذا الإطار أفاد محمد مخفي، مدير معمل مسابك زليجة للرصاص في تصريح لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» بأن إفراغ العمال من المساكن غير وارد وأردف قائلا «ضمنيا الشركة أعطتهم المنازل ومن المستحيل أن تقوم بإفراغ 150 شخصا بالقوة»، وفيما يخص تفويت هذه المساكن لقاطنيها من العمال قال «من الناحية القانونية لا يمكن تفويتها لأنها غير محفظة وعملية التحفيظ ستتطلب مصاريف كبيرة ليست في مقدور الشركة»... احتجاج ينتهي بطرد نصف العمال «اللي عضو لحنش يخاف من الحبل» هكذا عبر العمال عن رضوخهم لأوامر الشركة بالمغادرة مقابل تعويض وصف بالهزيل، ليسلموا من الطرد التعسفي والتشريد، وحتى العمل النقابي قطعوا معه منذ 2004، السنة التي شهدت طرد الشركة ل 150 عاملا رسميا و120 مؤقتا، وتراجعت عن احترام العديد من الحقوق كأداء التعويضات العائلية ومنحة الفرن مع تأخير أجور العمال... دخل عمال مسابك زليجة للرصاص، والذين كانوا ينضوون تحت لواء الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، في مسلسل احتجاجي شهر ماي من سنة 2004 وذلك احتجاجا على عدم استئناف العمل بعد العطلة التقنية التي قررتها الشركة لمدة 10 أيام بدعوى نفاذ المواد الأولية، وبعد تدخل السلطة، تعاملت الشركة مع الموقف بطريقة انتقامية بحيث أصدرت إدارتها لائحة ضمت 150 عاملا رسميا تم تسريحهم. واحتجاجا على تسريح هؤلاء العمال والحكم على أسرهم بالتشرد والضياع دخل العمال في إضراب مفتوح دام حوالي 5 أشهر، لجأت خلاله الشركة إلى تخويف العمال بإيفاد عون قضائي، كما لجأت إلى البحث عن يد عاملة بديلة بتواطؤ مع السلطة المحلية زيادة على قطع التيار الكهربائي عن الآبار التي تزود البلدة بالماء وكل ذلك بهدف نسف الإضراب وضرب العمل النقابي. وبالفعل نجحت الشركة في ترهيب العمال وزرعت بينهم التفرقة لدرجة أنه منذ ذلك الحين انتهى العمل النقابي بمسابك زليجة للرصاص، ولم يتشكل أي مكتب نقابي كما لم ينتخب أي مندوب أو ممثل للعمال، وكانت البداية لإقبار بلدة واد لحيمر. التضحية بالعمال لتقليص المصاريف محمد المخفي، مدير معمل مسابك زليجة للرصاص بواد الحيمر، والذي يعد أهم منشأة لتصفية الرصاص في إفريقيا والعالم العربي، أفاد في تصريح للجريدة بأن الشركة اضطرت أواخر سنة 2012 إلى اللجوء لتقليص مصاريفها الشهرية وذلك نظرا للخسائر السنوية، وفي هذا الإطار فتحت باب المغادرة الطوعية للعمال لأنهم «كانوا يأخذون رواتبهم بدون عمل منذ يوليوز 2012 لكون المعمل لم يشتغل لنفاذ المواد الأولية». وأكد بأن العمال اختاروا بالتراضي المغادرة الطوعية لأنهم كانوا يعرفون وضعية الشركة وتفهموا بأنها تعيش صعوبات كبيرة وتكبدت خسائر خلال السنوات الأخيرة، مضيفا أنه «إذا حلت الشركة مشاكلها فسنكون مجبرين على تشغيل العمال من أبناء واد الحيمر لأن لديهم خبرة كبيرة في عملية تحويل الرصاص من مادة أولية إلى رصاص صافي 100%» وعن إغلاق المعمل، والذي أنشأ سنة 1945 برأسمال مغربي إماراتي وكان يعتمد على المناجم التابعة لسيدي بوبكر وتويسيت، وبعد نفاذ احتياطات هذه المناجم تم اللجوء إلى استيرادها عبر ميناء الناظور من بعض الدول كتركيا والبرازيل... أكد المدير بأن الإغلاق غير وارد، وقد تم منح المغادرة الطوعية ل150 عاملا لضمان الاستمرارية مع الاحتفاظ بحوالي 20 من إداريين وتقنيين، مبرزا بأنهم يحاولون بجميع الوسائل إيجاد مصدر تمويل كاف للشركة لأنها بحاجة إلى كمية كبيرة من الرصاص تقدر بحوالي 100 ألف طن في السنة، وفي هذا الصدد قال بأنهم ينتظرون إخراج «قانون التطوير المنجمي» إلى الوجود وتفعيله ليفتح لهم المجال أمام استغلال بعض المناجم وخصوصا في منطقة الراشيدية وتافيلالت الغنية بمعدن الرصاص.