في الحادي و العشرين من مارس عيد النيروز، الذي يصادف بداية الربيع من كل عام، اختار زعيم حزب العمال الكردستاني التركي عبد الله أوجلان ، المُعتقل في السجون التركية منذ أربعة عشر عاما، أن يُطلق رسالته التاريخية إلى مناضلي حزبه و عموم أكراد تركيا كي يُسلموا السلاح و يدشنوا هدنة تاريخية مع السلطات التركية، بعد حرب دامت ثلاثين عاما و خلفت حوالي 45 ألف قتيل. فمن هو عبد الله أوجلان أو «أبو» كما يحب أتباعه أن يلقبوه. يعتبره أنصاره بطلا قوميا فيما يرى فيه العديد من الأتراك إرهابيا قاتلا للأطفال، لكنه في كافة الأحوال الرقم الصعب الذي لا مناص من التعامل معه من أجل حل القضية الكردية في تركيا. آخر صور عبد الله أوجلان تعود إلى 14 عاما تقريبا حين تم اختطافه من كينيا و نقله جوا إلى تركيا في عملية سرية مثيرة، أو تعود إلى محاكمته في قفص زجاجي مدرع حيث حكم عليه بالإعدام. لم تُقدم سلطات أنقرة على تنفيذ حكم الإعدام لسببين الأول هو الشعبية التي تصل حد التقديس التي يحظى بها لدى أكراد البلاد مما يجعل من إعدامه فتحا لباب من الفوضى يصعُبُ إغلاقه، أما الثاني فهو أن «أبو» هو المحاور الأفضل و الوحيد للسلطات التركية. فقد بدأت ملحمة عبد الله أوجلان ، في 4 أبريل عام 1949 حين وُلد داخل أسرة قروية فقيرة من ستة أفراد في بلدة أوميرلي على الحدود مع سوريا. و ما أن انضم إلى الجامعة لدراسة العلوم السياسية حتى عانق بسرعة القضية الكردية، مما كلفه زيارة أولى للسجن عام 1972 لمدة تسعة شهور. و في العام 1978 ، أسس حزب العمال الكردستاني، الماركسي اللينيني، و بعد ذلك بسنتين اضطر إلى المنفى، حيث قضى معظمه في سوريا أو في سهل البقاع اللبناني، حيث أقام مقر قيادته العامة. و ما أن اعتبر أنه قد استجمع ما يكفي من قوة حتى قرر في غشت 1984 إعلان الكفاح المسلح من أجل إنشاء دولة كردية مستقلة. و ردا على الهجمات الكردية شنت القوات التركية حملة قمع شرسة ضد كل من تشتبه في انتمائهم لحزب العمال الكردستاني، مما حول منطقة الأناضول كلها إلى ما يُشبه الحرب الأهلية. و أمام الضغوط التركية على دمشق ، اضطر أوجلان سنة 1998 إلى مغادرة سوريا، حيث شرع في رحلة تيه عبر الأقطار الأوربية بحثا عن لجوء سياسي، إلى أن قادته هذه الرحلة إلى كينيا حيث اختطفته المخابرات التركية، بتعاون مع نظيرتيها الأمريكية و الإسرائيلية، من أمام باب السفارة اليونانية بنيروبي، و نقلته إلى تركيا. في سنة 1999 تمت محاكمته و حُكم عليه بالإعدام. إلا أن رغبة تركيا في الانضمام للاتحاد الأوربي و إلغاءها لعقوبة الإعدام عام 2002 ، حول العقوبة إلى السجن المؤبد. بيد أن أنقرة اكتشفت خطأ تقديراتها، إذ أن أوجلان و بالرغم من سجنه الانفرادي في جزيرة «إيمرالي» القريبة من إسطمبول (الذي يكلف الخزينة التركية 70 ألف أورو يوميا) ظل يوجه حزبه من خلال المحامين الذين يزورونه نادرا، فهو الذي أمر حزبه بوقف أحادي لإطلاق النار استمر حتى سنة 2004 ، و هو الذي أصدر تعليماته للحزب بالتخلي عن فكرة الدولة الكردية المستقلة و الاكتفاء بالنضال من أجل حكم ذاتي كردي داخل تركيا. و قد حاولت الحكومة الإسلامية سنة 2009 الالتفاف حول الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني و فتحت مباحثات سرية في أوسلو مع زعماء آخرين للحزب، إلا أن هذه المحاولة أخفقت بعد شن أوجلان صُحبة 700 من المعتقلين الأكراد إضرابا عن الطعام دام شهرين كاملين. و رغم تهديد رئيس الوزراء الإسلامي رجب طيب أوردوغان بإعادة عقوبة الإعدام لينفذها في حقه إلا أنه اضطر إلى إعادة فتح الحوار معه . ويبدو أن السجن لم يؤثر كثيرا على «أبو» فبالرغم من العزلة المفروضة عليه «فهو في أوج لياقته البدنية» كما قال النائب الكردي «ألتار تان» الذي تلا رسالته التاريخية إلى أتباعه في عيد النيروز. و بذلك يظل عبد الله أوجلان مفتاح أي تسوية أو حل للقضية الكردية في تركيا.