جاءتنا المفاجأة السارة من الشخص الذي برهن أنه قادر على أن يوجد في حقول عديدة من حقول المجتمع. وربما كانت سارة لأن الرجل قادر أن يستمر في المسؤولية، ويحقق حولها الإجماع المفترض. لكن محمد درويش، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي، اختار القرار الصائب، ورفض أن يعود الى المسؤولية في كل مستوياتها. رفض أن يعود الى اللجنة الادارية، لأن قضى بها ولايتين، ورفض أن «يتحايل» على القانون، بالرغم من وجود الاغلبية لتبرير ذلك, أو لفرضه ديموقراطيا حتى يبرر بقاءه على رأس النقابة الموحدة. دوريش، الذي انتصف عمره الخمسيني ، مناضل متعدد المواهب، في غمده أكثر من سهم ، وقوسه يبريه كما يريد ، من الانشغال بالطفولة وقضاياها الى «مجلة» فكر التي يسهر عليها ككاتب ، وسط زحام انشغالاته، تعددت خبراته وتكاثر الرجل على المهام، دون أن يعطيها حقها. منذ 52 سنة، اي في بداية الستينيات رأى محمد درويش النور في العاصمة الرباط، ليس هناك فضاء لم يدخله الرجل، ولا قضية لم تره يساهم فيها، حاضر، بالقوة والفعل في مجالات متعددة ، سمحت له بأن يكون محاورا ومخاطبا، ومساهما وفاعلا في حياته المهنية وحياته الاجتماعية. تربى درويش في احضان الطفولة الشعبية، التي بناها الشهيد المهدي بنبركة، ،كلل من فيها ، يصر دوريش أن مدخل الطفولة لا محيد عنه لتكوين المواطن السليم، ولتكوين المكونين انفسهم،فالمجال فيها، مجال للتطوع الخالص وللتزهد في خدمة ابناء الشعب المغربي. قد شغل فيها مواقع قيادية، آخرها المكتب الفيدرالي، القيادي، يزاوج محمد درويش بين اهتمامات تبدو متباعدة، لكنها في العمق تنحو نحو المواطنة : وبناء الانسان وخدمته أولا وأخيرا. وقد اكتسب فيها خبرة عميقة مكنته من أن يكون من بين جيل مغربي تم الاعتراف بمؤهلاته دوليا وعربيا ومغاربيا، كما ينم عن ذلك الاعتراف الفرنسي بخبرته ومنحه الشهادة الفرنسية للاهلية التربوية من لدن وزارة الرياضة والشباب الفرنسية. هو القاسم المشترك، تمثلا بين الارضية المواطنة لدعم وتنمية الثقافة وحقوق الانسان، وبين التنمية الاجتماعية التي عمل بها خبيرا ما بين 2006 و2009. وهو القاسم المشترك بين التكوين العلمي والاجتماعي وبين الانشغال المتخصص بقضايا اللسانيات. مجهوداته وحضوره الفكري والتربوي، والنقابي بؤأه مكانه بين زملائه في المغرب الكبير حيث شرفوه برئاسة النقابات التعليم العالي في المغرب الكبير. و،هو الاتحاد الذي كان من أهم المنشغلين به والمشتغلين فيه. هنا تتضح المفاجأة السارة: هذا الاستاذ الجامعي، الذي بدأ حياته في جامعة بن طفيل قبل الالتحاق بجامعة محمد الخامس بالرباط، آثر أن يحترم القانون المنظم للمؤتمرات والمسؤولية في النقابة الى آخر نقطة فيه، احتراما حرفيا واجهه زملاؤه باحترام مماثل واكثر. فعلها درويش، في وقت لم نعد نسمع فيه فعلة تستحق الاحترام والتقدير. صحيح أنه «قام بالواجب» لكنه واجب كدنا ننساه من كثرة«المبررات» للابقاء في المسؤوليات وتبرير هذا البقاء، حتى ولو أدى ذلك الى داحس والغبراء، ولم تبق من الهيآت سوى .. الغبرة، بالمعنى المغربي للغبار. لقد حقق الكاتب العام السابق، باحترامه لذاته احتراما - سيصبح مرجعيا للمؤسسات ولزملائه ولانتمائه الى أفق مغاير, ينأى عن «المسؤول الضرورة»، الذي يعتقد بأن النقابة أو الشمس حتى وجدت من أجله. شكرا السي محمد ، شكرا على مفاجأتك السارة لنا.. ولرفاقك في الدروب العديدة والطويلة..