هل سئم الأستاذ عبد الإله بنكيران وضعه كرئيس للحكومة في ظل دستور جديد؟ يبدو السؤال مشروعا، ونحن نستعرض الرسالة التي وجهها إلى الديوان الملكي بخصوص طلب التنازل - كذا- عن صلاحياته الدستورية المرتبطة بهيئة الحكامة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، كما حدث بخصوص مجلس الوصاية. وبالرغم من وجود الفارق بين الهيأتين الأوليين ومجلس الوصايا، فإن هذا التنازل سابقة خطيرة في قاموس الفعل السياسي العالمي!! فقد قرر بنكيران أن يعيد الوزارة، كما يقول الفرنسيون، ويتنصل من مسؤولياته كرئيس حكومة، و هو يوجه إلى الديوان الملكي رسالة يطلب فيها «الإعفاء» من مسؤولياته كرئيس الحكومة . والسؤال الواضح والصريح هو، هل يملك الرئيس بنكيران صلاحية التنازل عن صلاحياته؟ وما هو شعوره - كما يتساءل عادة الصحافيون المبتدئون- وهو يقرأ الرد من الديوان الملكي، وهو يطلب منه أن يكون رئيس حكومة كما يريده الدستور، لا كما يريد هو أن يكون. من حق بنكيران أن يقدم استقالة كاملة، وليس من حقه استقالة جزئية.. المغرب مدين لمناضليه ولأحزابه التقدمية ولشبابه ونسائه، ومدين بالدرجة الأولى لملكه الذي تجاوب معه، الجميع من أجل دستور يضعنا في مجمع الدول البعيدة عن الاستعصاء السياسي وبعيدة عن الاستحالة التاريخية في التطور السلمي. نحن مدينون للملكية التي تريد أن تعقلن الحركية التاريخية وترشدها، في سبيل قيم التقدم والحرية والحداثة. ولا يمكن أن نعتبر أن رسالة بنكيران لكي يتنازل عن اختصاصات، لها رسالة تاريخية أو تسير في توجه المبادرة التي تقودها الملكية منذ نهاية التسعينيات في القرن الماضي. ولا نعتقد بأن جلالة الملك، الذي سهر شخصيا على إعطاء مضمون تقدمي ومتقدم للدستور، في خطاب 9 مارس، أو من خلال العرض الدستوري المقدم في استفتاء 1 يوليوز، والذي صادق عليه المغاربة بأغلبية ساحقة. الرسالة عربون عن محافظة تشد التاريخ إلى الوراء، وعن فرملة للتطور ومحاولة للعودة إلى الوراء، إلى ماقبل الربيع المغربي ودستوره الجديد، باعتبار ذلك التعبير القوي عن الانتماء الصريح للتقدم والتطور. الأستاذ بنيكران، بمبادرته هذه، يتجاوز وضعه كرئيس حكومة، ويضع نفسه مكان الشعب المغربي ومكان الملكية التي طالبته بأن يؤدي مهامه، وألا يعتبر أن ذلك عربون امتنان!! هل كانت مناورة بنكيران، بالمعنى الاصطلاحي وليس القدحي، مهارة سياسية، مثلا لكي يعود إليه من القصر الملكي الضوء الأخضر ليتقدم في خارطة الصلاحيات؟ قد يكون، لكن المؤكد أنها، أي المناورة، التفاف غير موفق، في بداية تطبيق الدستور. ولا نعتقد بصدق، أن الملكية في حاجة إلى هذا النوع من «الهدايا»، لأن الملك يحرص على تطبيق الدستور، ويحرص على أن يتحمل الرئيس بنكيران مسؤوليته في السياسة العمومية، وفي تفعيل بنود الدستور وفي إخراح المؤسسات الدستورية إلى حيز التطبق، لكي يكون هناك ربط بين المسؤولية والمحاسبة. إننا جميعا نشتغل تحت المظلة السياسية الوطنية الكبيرة للملكية، والتي تعرف نفسها دستوريا بأنها ملكية ديموقراطية و اجتماعية وبرلمانية. إن التخلي، بهذا المعنى، عن المسؤولية، يحصر الحكومة في تصريف النيات الحسنة، وليس الأعمال. وكأن بنكيران يكتفي بالقول إن الأعمال بالنيات، ويترك الأعمال وتبقى النوايا، وإن كانت حسنة، فإنها لن تصنع مغرب الديموقراطية والمؤسسات. لقد ورط الرئيس نفسه في «صواب» زائد عن اللزوم الدستوري. وورط نفسه في «لياقة» لا دستورية ، مما يجعل الرد الملكي يتخذ كل معناه في الدفاع عن المؤسسات الدستورية. وأكثر حرصا، فالملكية لن تحتاج إلى ممارسة الإفراط التاريخي، هي التي تستند إلى شرعية تاريخية ودينية ووطنية كبيرة، وضاربة في التاريخ. ولن نجانب الصواب إذا قلنا إن الحرص المبالغ فيه في التنازلات التي لا يقبلها من يتم لفائدته التنازل، لايقدم صورة إيجابية عن المغرب.. كما لا يمكن لهكذا تنازل أن يغيب الشروع في العمل على «تجيير» البنية العميقة للدولة» ومحاولة الوصايا على دواليب الدولة والمجتمع. هذه المعادلة اليوم أصبحت تتخذ ملامحها الواضحة، والتي لم تصنف بعد في الحوليات التاريخية!!!