لم تخرج دورة فبراير العادية التي انعقدت مؤخرا بمقر بلدية بنسليمان، عن المألوف، و تميزت كسابقاتها بصمت أغلبية أعضاء المجلس البلدي و صيامهم عن مناقشة قضايا و مشاكل أوضاع المدينة ، التي تفاقمت بشكل يدعو إلى التساؤل حول عدم قدرة المسؤولين بالبلدية عن تحقيق التنمية الشاملة و النهوض ببعض القطاعات، خاصة تلك التي لها طابع اجتماعي و ثقافي و فني و رياضي و خدماتي رغم توفر المدينة على العديد من المؤهلات و الإمكانات المادية والبشرية، التي تجعلها في وضع أحسن مما عليه الآن. لكن ما أثار استغراب المتتبعين لأشغال هذه الدورة هو عدم ثبات بعض الأعضاء على مواقفهم من دورة لأخرى، حيث أن بعضهم كان بالأمس القريب من أشد المعارضين لمشروع الميزانية المقدم خلال دورة أكتوبر الماضية، نجده و في موقف متناقض مع نفسه، يصطف إلى جانب الملتزمين الصمت و المصوتين على الحساب الإداري لمزانية 2012 . فما الذي حدث حتى جعل هذا العضو يغير موقفه؟ أهو اقتناعه فجأة بأنه كان على خطأ حين عارض فيما سبق التسيير بالبلدية؟ أم أن هناك أشياء و مكتسبات تحققت لا يعلمها إلا هو دفعته ليغير رأيه؟! و بالعودة إلى أشغال دورة فبراير العادية المذكورة و التي تميزت بتقديم و مناقشة الحساب الإداري، فإنه و من خلال الوثائق المقدمة حول الميزانية، لا يمكن لأي متتبع للشأن المحلي إلا أن يسجل التطور الملموس و الارتفاع الملحوظ في مداخيل البلدية خلال العشر سنوات الأخيرة، و هي الفترة التي تولى فيها الرئيس الحالي تدبير شؤون المدينة. الارتفاع في المداخيل ليس راجعا بالأساس إلى اجتهادات المسؤولين بالمجلس البلدي و إنما تحقق بفضل مجموعة من العوامل التي ساهمت في ضخ أموال إضافية بالميزانية و من أهمها توسيع المجال الحضري إثر التقسيم الإداري الأخير و التوسع العمراني بعد ظهور و إحداث تجزئات سكنية جديدة و إقبال المنعشين العقاريين على الاستثمار و اقتناء العقارات ، نظرا للموقع الاستراتيجي للمدينة و جمالها الطبيعي مما كان له تأثير إيجابي على مداخيل الشؤون التقنية، وخاصة مداخيل ضرائب التقسيم و التجزيء العقاري، حيث تضاعفت الضريبة على تجزئة الأراضي أكثر من ثلاث مرات حسب ما هو مقدر في الميزانية و انتقلت من 1500000 درهم إلى 5086949 درهما. نفس الشيء و إن كان بدرجة أقل، سجل في الضريبة على الأراضي غير المبنية التي انتقلت مداخيلها من 2200000 درهم المقدرة في الميزانية إلى 5873321 درهما ، علما بأن الباقي استخلاصه مازال مرتفعا (8621797 درهما) مما يبين أن عملية تدبير هذا الجانب لم تكن بالشكل المطلوب و تدفع إلى طرح تساؤلات عديدة حول عمل اللجنة المكلفة بهذا الجانب و كذا عن المعايير المتخذة من طرف وكالة المداخيل في ضبط تسجيل أصحاب الأراضي غير المبنية بالمدار الحضري؟ و كان بالإمكان تحقيق مداخيل أخرى لو أن القائمين على تدبير شؤون المدينة قاموا بإجراءات و تدابير فعلية من خلال الحرص على تفعيل بعض الفصول من مداخيل التجهيز و خاصة الفصل المتعلق بمساهمة أرباب العقارات المجاورة للطرق في نفقات تجهيزها ، حيث بلغ الباقي استخلاصه من هذا الفصل 38981 درهما. فما هي الخلفيات التي تحكمت في عدم تفعيل هذا الفصل؟ أما الجانب المتعلق بالمصاريف، فإن ما يمكن تسجيله هو افتقاد المسؤولين بالمجلس البلدي لتصور و رؤية واضحة في تهيئ و ووضع الميزانية حيث نجد في هذا الصدد أن مجموعة من الاعتمادات المرصودة لميزانية 2012 لم تصرف أو تم إلغاؤها ، و نسوق كمثال على ذلك المبلغ المرصود للمجال و النشاط الثقافي و الفني(70000 درهم ) لم يصرف منه أي سنتيم ، مما يبين بالملموس عدم اهتمام المسؤولين بالبلدية بهذا المجال و كأن المدينة ليس في حاجة لمثل هذه الأنشطة التي تساهم في التنمية البشرية؟! نفس الشيء يقال عن الاعتمادات المرصودة لشراء العتاد للتزيين (50000 درهم) ، التي لم تصرف. مما يدل على العشوائية و الارتباك لدى المسؤولين بالمجلس البلدي أثناء تهيئ و وضع الميزانيات. لكن ما يثير الاستغراب هو المصاريف التي عرفها مجال شراء الوقود و البنزين و التي بلغت حوالي 500000 درهم، و هو مبلغ حسب بعض أعضاء المجلس و بعض المتتبعين للشأن المحلي، جد مرتفع و ذلك بالنظر إلى أن البلدية سبق لها أن فوتت قطاع النظافة للخواص و أن أغلبية أسطول البلدية من الآليات و الذي يمكن أن يستهلك البنزين فهو معطل، الشيء الذي يدعو إلى التساؤل عن الجهات المستفيدة من هذه المادة؟ و التي تؤكد بعد المصادر من داخل المجلس أن مأذونيات البنزين يستفيد منها بعض المستشارين و كذا بعض الموظفون الموالين لرئيس البلدية بدون وجه حق، الشيء الذي يتطلب فتح تحقيق في الموضوع. أما بالنسبة لمصاريف الشؤون الاجتماعية، فإن المبلغ الذي تم صرفه في هذا الجانب (190600 درهم ) يبين بما لا يدعو مجالا للشك، عدم اهتمام رئيس المجلس بالمجال الاجتماعي، اللهم الدعم اللامشروط و المتواصل لجمعية الأعمال الاجتماعية للموظفين التي فاقت بعض الامتيازات الممنوحة لبعض الموظفين كل التوقعات ، و ذلك لأسباب يعرفها العام و الخاص، علما بأن المدينة تعج بالجمعيات النشيطة و كذا بدور الأطفال و الفتيات التي هي في أمس الحاجة للدعم و الرعاية أكثر مما توفر لها البلدية. نفس الملاحظات يمكن تسجيلها في مجال الشؤون التقنية و خاصة الفصل المتعلق بشراء البذور و الأزهار للمغارس والمشاتل و الذي بلغت مصاريفه حوالي 60000 درهم ، و كذا شراء الأسمدة ، ويتعلق هذا الجانب بالاهتمام بالمساحات الخضراء، لكن من يهتم و يتتبع الشأن المحلي يعرف جيدا أن البلدية تتوفر على مشتل كبير( قرب حي كريم، بالمحاذاة مع حائط الكولف) تشتغل به يد عاملة دائمة و تصرف عليه أموال طائلة، فما الدورالذي يقوم به إذن أمام لجوء الجماعة الحضرية إلى اقتناء البذور والأغراس؟ ألا يعتبر ذلك هدرا للمال العام، مع العلم أن بعض المساحات الخضراء محتلة من طرف الخواص و لا يؤدى فيها واجب الاستغلال و الاحتلال؟ إن التطور و الارتفاع الملحوظ طيلة العشر سنوات الأخيرة في مداخيل البلدية لم تواكبه تنمية حقيقية للمدينة في مختلف الجوانب و لم ينعكس ذلك على بعض المجالات الثقافية والاجتماعية و الفنية و الرياضية، فجل هذه المداخيل تبتلعها عملية التدبير المفوض التي قامت بها البلدية في بعض القطاعات، حيث نجد أن هذه الأخيرة ملزمة بدفع مليار سنويا لشركة «أزون» المستفيدة من تدبير مجال النظافة، و كذا دفع 382 مليونا للمكتب الوطني للكهرباء المستفيد من تدبير هذا المجال.و هذا ما يعني أن البلدية مقبلة على عجز في تدبير نفقات التدبير المفوض. و رغم ذلك فإن المواطن لم يلمس أي تحسن في الخدمات للقطاعين معا اللذين تم تفويتهما مقابل المبالغ المالية المرصودة لهما سنويا، و هذا ما يدعو إلى طرح عدة تساؤلات حول تفعيل المراقبة و التتبع لهذه العملية. فباستثناء البنية التحتية للمدينة و التي عرفت تغيرا و تحسنا ملموسا بفضل الدعم الممنوح من طرف وزارة الداخلية و لجوء البلدية إلى الاقتراض من صندوق التجهيز الجماعي ( 3 ملايير و 200 مليون) لإصلاح الأزقة و الطرقات و قنوات الصرف الصحي ببعض الأحياء، فإن المسؤولين بالبلدية رغم تحقيق مداخيل مهمة، لم يقوموا بإنجاز مشاريع تنموية تساهم في خلق فرص الشغل لجيوش العاطلين من الشباب التي أصبحت تتزايد يوما بعد يوم. وحتى المنطقة الصناعية التي صرفت عليها أموال طائلة لربطها بقنوات الصرف الصحي ( ما يزيد عن 400 مليون) ، و التي راهن عليها المجلس البلدي في تشغيل الشباب و النساء لتقليص نسبة البطالة المرتفعة من خلال خلق ما يزيد عن 3500 منصب شغل و كذا تحقيق رواج تجاري و اقتصادي للمساهمة في تطوير و تنمية المدينة، فإن مشروع المنطقة الصناعية لايزال شطره الأول يعرف تعثرا كبيرا و تعتريه عدة مشاكل و أصبحت هذه المنطقة عبارة عن مستودعات و منازل للسكن. مما ينبغي معه التريث في إنجاز الشطر الثاني و إعادة النظر في هذا المشروع و تغيير هذه المقاربة الفاشلة التي راهن عليها المسؤولون بالبلدية. خصوصا و أن القطعة الأرضية للمنطقة الصناعية كانت في السابق مخصصة لتحويل السوق الأسبوعي و إقامة مشروع سوق الحبوب بالجملة و سوق الجملة للخضر، قبل أن يرسو اختيار المسؤولين على تخصيصها للأنشطة الاقتصادية التي لم تحقق الأهداف المنشودة منها، الشيء الذي يبين بالملموس افتقاد المسؤولين لمخطط تنموي و استراتجية واضحة في تدبير شؤون المدينة تنعكس بشكل إيجابي على حياة المواطن السليماني و توفر له الكرامة و تضمن له الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية. و خلال نفس الدورة للمجلس البلدي أثير نقاش حول بعض القضايا و المشاكل التي تتخبط فيها المدينة من طرف بعض أعضاء المعارضة لكن رئيس البلدية كان في معرض حديثه يتهرب من الأجوبة أو يحمل المسؤولية لأطراف أخرى كما حصل أثناء إجابته عن سؤال حول بعض الحيوانات التي تظل تجوب أزقة المدينة و تتلف أغراس الحدائق، حيث «أطلق النار» على السلطة المحلية التي اعتبرها هي المسؤولة عن إيجاد حل لهذا المشكل و كذا تغاضيه الإجابة عن من هو الممون الحقيقي للمجلس البلدي؟. مما دفع بأحد الأعضاء أمام صمت الجميع إلى الإفصاح و الكشف بشكل علني أمام الحضور عن هذا الممون الذي لم يكن سوى أحد أقارب عضو بالبلدية الذي يتكلف بتمويل هذه الأخيرة بكل ما يتعلق بقطع الغيار و الإطعام و لوازم التسيير الإداري... الشيء الذي يدفع إلى التساؤل حول المعايير المعتمدة في اختيار نفس الممون دون غيره ؟ و هل الميثاق الجماعي يسمح بأن يستفيد أقارب الأعضاء من مثل هذه الامتيازات؟ الفشل الذي عرفته المدينة خلال العشر سنوات الأخيرة و هي الفترة التي تولى فيها الرئيس الحالي تدبير شؤون المدينة ، مرده حسب بعض المتتبعين و المهتمين بالشأن المحلي، إلى أن السياسة التي نهجها هذا الأخير تحكمت فيها خلفيات سياسية وانتخابية و أن بعض العناصر المحيطة برئيس البلدية لا تهمها مصالح المدينة و إنما همها الوحيد هو توسيع دائرة تحقيق بعض الامتيازات و المصالح الشخصية. و ما تهافتها على الاستفادة من رخص الأكشاك و الكوتشيات و تشغيل الأبناء و الاستفادة من المنطقة الصناعية، إلا خير دليل على ذلك.