ذات نقاش حول الصراع العربي ? الإسرائيلي، قبل سنوات من الآن، كُنتُ شاهدا على تدخل لأحد الحاضرين عدد خلاله مجالات التفوق الإسرائيلي على العرب، عازيا ذلك إلى سبب جوهري تركه إلى النهاية. و مما قاله أن إسرائيل متفوقة علينا عسكريا بشكل واضح ،فهي تملك جيشا عقائديا جيد التدريب و تملك أكثر الأسلحة تطورا في المنطقة علاوة على امتلاكها للسلاح النووي، و لذلك انتصرت على مجموع الدول العربية في حربين كبيرتين (نكبة 1948 و نكسة 1967). و حتى الانتصار العسكري العربي الوحيد سنة 1973 تحول إلى هزيمة انقسم بعدها العالم العربي انقساما حادا لا زالت آثاره ماثلة حتى الآن. و على الصعيد السياسي تملك إسرائيل دبلوماسية شرسة و مُحترفة، و لذلك تمكنت من تحقيق عدة انتصارات كبيرة في القارتين الأكثر تعاطفا مع القضايا العربية و هما إفريقيا و آسيا، ففكت عُزلتها الأولى و أفشلت سياسة المقاطعة العربية لها، حتى باتت كثير من الدول العربية نفسها تخطب ودها ، للاستفادة من خبرة المستشارين الإسرائيليين ، بدءا من معرفة الطريق الأقرب لنيل رضا الولاياتالمتحدة أو الحصول على القروض الدولية حتى الاستعانة بخبرتها في تحسين زراعة الطماطم. و على الصعيد العلمي خطت إسرائيل خطوات شاسعة يصعُب جسرُها حتى باتت معلمة في ميادين الطب و الزراعة و التكنولوجيا... ثم قدم المتدخل السبب الجوهري لانتصاراتها وإخفاقاتنا في نفس الوقت ، و هو دمقراطيتها الداخلية و استبداد أنظمتنا العربية. فالدمقراطية إذن - و هذا ما كان المتدخل يرمي إليه - هي السبب في تفجير هذه الطاقات و تحقيق هذه الإنجازات لدى عدونا، و انعدام الدمقراطية في بلداننا هو الذي أشاع ثقافة الخنوع و الاستسلام و الهزيمة عندنا. لكنه، و قد لاحظ هبوط معنوياتنا، أنهى تدخله بنبرة متفائلة قائلا أنه مع كل ذلك، فإن المستقبل يبدو زاهرا بالنسبة للعرب و أن مصير إسرائيل إلى زوال، إذ سيغرق هذا الكيان الدخيل وسط محيط المواليد الفلسطينيين و العرب، بفضل الأم العربية الولادة حيث أن معدل مواليد الفلسطينيين يفوق معدل المواليد الإسرائيليين بثلاثة أضعاف، كما أن النساء الفلسطينيات و العربيات عموما من أكثر نساء العالم خُصوبة، و قدم تعزيزا لذلك أرقاما ملأتنا زُهوا بفحولتنا و خصوبة نسائنا. و خرج الحاضرون و قد تبدد بعض من حسرتهم على الدرك الذي وصله العرب الكثيرون مقارنة بالعدو القليل العدد، مُعتقدين أن الإنجازات التي فاتنا تحقيقها في ميادين الاقتصاد و السياسة و العلم، سنُحققها على الأقل في مجال النسل، و بذلك سيذوب العنصر اليهودي آجلا أم عاجلا داخل المحيط الدافق للدمغرافيا الفلسطينية و العربية. تذكرت هذا التدخل السادر في الماضي، حينما اطلعت قبل بضعة أيام على وثيقة من وثائق معهد «أنتربرايز» الأمريكي، للخبير السكاني الشهير و الباحث بالمعهد «نيكولاس إبرستادت» تتعارض تماما مع الاعتقاد الشائع حول الانفجار السكاني في الدول العربية و الإسلامية عموما، إذ تؤكد الوثيقة أن معدلات الخصوبة قد انخفضت بنسبة 41 بالمائة في المتوسط لدى الدول العربية خلال الفترة ما بين 1975 و 1980 فيما وصلت نسبة الانخفاض في بعضها في الفترة بين 2005 و 2010 إلى أكثر من 60 بالمائة. و في المقابل، و حسب الدراسة نفسها - التي أُنجزت في يونيه 2012- و المُعززة بدراسة مُماثلة لمعهد «هوفر» قامت بها الباحثة «أبورفا شاه»، فإن معدل الولادات اليهودية داخل إسرائيل واصل ارتفاعه بشكل حثيث، حيث وصل معدل الخصوبة لدى المرأة اليهودية في إسرائيل إلى ثلاثة مواليد للمرأة الواحدة، و هي نسبة أعلى بكثير من معدلات الخصوبة لدى المرأة الفلسطينية الحالية، بل و لدى نساء الشرق الأوسط برُمته، و بذلك أصبحت الأغلبية اليهودية داخل إسرائيل 66 بالمائة و من المنتظر أن تصل إلى 80 بالمائة سنة 2035 . هكذا إذن تكون إسرائيل قد انتصرت علينا حتى في الحرب الدمغرافية «اليسيرة» ، وتبدد الأمل في أن يُصبح اليهود أقلية داخل إسرائيل تذوب وسط الأغلبية العربية في يوم من الأيام . فلنبحث عن مجال آخر نُحقق فيه نصرا ما.