احتضنت المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بالقنيطرة يوم الخميس 21 فبراير 2013 ندوة وطنية نظمتها النقابة الوطنية للتعليم العالي حول موضوع: « موقع المدارس والمعاهد العليا للمهندسين في الإصلاح الجامعي بالمغرب: من أجل رؤية مستقبلية منتجة وفاعلة « . الندوة حضرها ممثلون عن مختلف الجامعات والمعاهد ومدارس تكوين المهندسين بالمغرب وأساتذة باحثون وطلبة، إضافة إلى ممثلين عن الهيئات المهنية للمهندسين بالمغرب ووسائل الإعلام الوطنية. في الجلسة الافتتاحية, تناول الكلمة لحسن الداودي وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر الذي أكد بالمناسبة على أن محور الإصلاح ببلادنا هو الجامعة التي ظلت مهمشة طيلة عقود، هذا التهميش، يورد السيد الوزير، عطل من عجلة التنمية ببلادنا، ولا سبيل لمواجهة وحل الإشكالات الكبرى دون الاهتمام بالبحث العلمي والجامعة المغربية. واستعرض في هذا الصدد مجموعة من الاختلالات التي يعاني منها قطاع التعليم العالي اليوم خاصة على مستوى الاكتظاظ، وتغييب البحث العلمي في القوانين المعتمدة، وهو ما يفرض مراجعة القانون 00-01 لتصحيح بعض مكامن القصور. كما أكد على أن جودة التعليم تستلزم إمكانيات مادية مهمة وإعادة النظر في هيكلة البحث العلمي والهندسة البيداغوجية بالمؤسسات الجامعية، وكذا تجميع الجامعات والمدارس العليا للمهندسين في إطار أقطاب وازنة وقوية، إضافة على ضرورة خلق صندوق لتمويل البحث العلمي وتعويض الأساتذة والطلبة الباحثين عن مقالاتهم وبحوثهم، مشيرا في هذا الإطار إلى أن زمن الترقي بالأقدمية قد ولى، وأن الإنتاج العلمي هو المعيار المنطقي للترقي. بعد ذلك تناول الكلمة محمد درويش الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي الذي أكد على أهمية موضوع الندوة، مشيرا إلى أن مساهمة نقابته في الشأن الجامعي لا تنحصر فقط في الدفاع عن مطالب السيدات والسادة الأساتذة بل تتعداه للمساهمة في اقتراح الحلول والبدائل بخصوص كافة الإشكاليات التي تعاني منها منظومتنا التعليمية، وأكد أن النقابة الوطنية للتعليم العالي نظمت هذه الندوة رغم ضغوط الترتيبات التي يتطلبها عقد المؤتمر الوطني العاشر للنقابة في شهر مارس المقبل. ونوه درويش بالتعامل الإيجابي لوزارة التعليم العالي مع الملفات والقضايا المطروحة، مؤكدا أن نقابته نقابة مواطنة وعاقلة تؤمن بطريق الحوار المسؤول لمعالجة هذه القضايا. ومن جهة ثانية أكد السيد درويش على الحسم النهائي في مجموعة من النقاط من بينها إلغاء مباراة الانتقال من أستاذ مؤهل إلى أستاذ التعليم العالي وتجاوز منطق الكوطا في هذا الانتقال، إضافة إلى حذف مجموعة من المواد في القانون 00-01 وأهمها إلغاء صفة المستخدم، وأشار إلى أن المطلب الذي تعتزم النقابة طرحه مع الوزارة في أقرب الأوقات هو مسألة الزيادة في أجور السيدات والسادة الأساتذة الباحثين. كما ناشد درويش رئيس جامعة ابن طفيل ووالي جهة الغرب الشراردة بني حسن بالعمل على توفير وعاء عقاري للسكن لفائدة الأساتذة الباحثين والأطر الإدارية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة لما للاستقرار الاجتماعي من انعكاسات ايجابية على المردودية والنقل والإطعام للطلبة. الكلمة الموالية كانت لعبد الرحمان طنكول رئيس جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، الذي توجه بالشكر للنقابة الوطنية للتعليم العالي على مبادرتها بطرح سؤال إصلاح تكوينات المهندسين بالمغرب، وقدم السيد الرئيس مجموعة من الاقتراحات العملية في هذا الشأن، منها تبني العمل ببيداغوجية التكوين بالتناوب، والانخراط في شبكات وطنية ودولية للتكوين، مبرزا أهمية تعزيز القدرات اللغوية والتواصلية للطلبة، وداعيا إلى ضرورة التفكير في تطوير الحس الفني والإبداعي لدى الطلبة المهندسين من خلال إحداث وحدة للتكوين في الفنون والابتكار بالمعاهد العليا. بعد ذلك تدخل محمد شباضة، الكاتب العام الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بالقنيطرة، والذي ركز على طبيعة المقاربة التشاركية البناءة التي تنهجها النقابة محليا ووطنيا، ودورها في الدفاع عن الحقوق المشروعة للأساتذة الباحثين، والانخراط الفعال في أي مبادرة لإصلاح الجامعة المغربية والمشاركة بمقترحاتها بهدف تطوير البحث العلمي والإجابة عن الإشكالات المرتبطة بقضايا التعليم العالي، ومنها أي مهندس نريد لمغرب الغد وأي تكوين يلقن؟. وذكر السيد شباضة أن هذه الندوة تندرج في هذا السياق اعتبارا لكون المهندس يشكل رأسمالا بشريا ورمزيا واقتصاديا للبلاد، وأكد على ضرورة الدفع قدما بالورش الكبير لتكوين 10 آلاف مهندس للولوج إلى الألفية الثالثة من بوابة التقدم التكنولوجي والصناعي والمعلومياتي بما يسهم في التنمية والازدهار. الكلمة الأخيرة في الجلسة الافتتاحية تناولها محمد نبيل اسريفي الكاتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، والذي أكد أن تنظيم هذه الندوة ينبعث من الإيمان الراسخ للنقابة بضرورة العمل على تحسين موقع المغرب على الصعيد الدولي على مستوى التعليم بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص كمدخل لتحقيق التنمية العميقة والحقيقية في مختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وذكر الأستاذ اسريفي بالدور الريادي الذي لعبته المهندسة والمهندس المغربيين في بناء مغرب ما بعد الاستقلال، مشيرا إلى أن التطورات المتسارعة التي يعرفها عالم اليوم تفرض إعادة النظر في دور المهندس والحاجة إلى تكوين المهندسين ببلادنا بما يدعم تنافسية الاقتصاد الوطني ويجعل من التصنيع قطب الرحى في استراتيجية التنمية، مبرزا أهمية وملحاحية الانتقال من مرحلة مغربة الإدارة إلى مرحلة مغربة الصناعة لتمكين المجتمع من العبور من مرحلة الاستهلاك إلى مرحلة الإنتاج. وهو ما يفرض، برأي الأستاذ اسريفي، اعتبار المدارس والمعاهد العليا للمهندسين واجهة لليقظة التكنولوجية والاقتصادية للتعليم العالي، وأن أي مقاربة إصلاحية لا بد أن يتم تأطيرها بالفعالية والإنتاجية. وطرح ذات المتدخل مجموعة من الإشكالات التي تعاني منها تكوينات المهندسين بالمغرب، منها مدى ملاءمة تكوينات المهندسين للحاجيات الحقيقية للاقتصاد الوطني، وضعف التفاعل بين التكوين وتحقيق الإقلاع الاقتصادي، وضعف الابتكار والإنتاجية الصناعية، وضعف براءات الاختراع المسجلة داخل مؤسسات تكوين المهندسين وتعدد المسالك المفضية لدبلوم المهندس، وواقع الأقسام التحضيرية والشروط الحالية لولوج هذه المدارس، معرجا على ضرورة تنويع اتجاهات التعاون الدولي نحو التجارب الرائدة عالميا والدول الصاعدة، كما شدد على أهمية اعتماد اللغة الانجليزية كلغة للعلوم والتكنولوجيا في العصر الحالي. وفي الجلسة الثانية، وهي جلسة خصصت لطرح موضوعات محددة في إصلاح تكوين المهندسين، وهمت سبل واستراتيجيات تحقيق التفاعل المطلوب بين منظومة تكوين المهندسين والصناعة الوطنية، ومداخل الإصلاح البيداغوجي في التكوينات الهندسية، وسبل دعم وتطوير البحث العلمي والابتكار بمدارس المهندسين، ودور التعاون الدولي والشراكة مع القطاع الخاص في الارتقاء بهذه التكوينات. وقد تناول الكلمة في البداية أحمد رضا الشامي، الوزير السابق للتجارة والصناعة والتكنلوجيات الحديثة والذي يرأس حاليا مؤسسة ماسير وهي إحدى أهم مؤسسات البحث والابتكار بالمغرب، والذي أكد على أن ضمان التشغيل للخريجين ينطلق من خلق مناصب الشغل من خلال دورة اقتصادية منتجة وضرورة ملاءمة التكوينات لمتطلبات سوق الشغل، متسائلا عن جدوى الاستمرار في فتح مسالك لا يتمكن غالبية خريجيها من الحصول على فرص للعمل. وأكد السيد الشامي على أن مسألة الإصلاح تتجاوز الجامعات أو الوزارة الوصية، مقترحا أن يتم ذلك من خلال مرصد وطني يشارك فيه القطاع العام والخاص من مختلف القطاعات، ذلك أن الاستراتيجية القطاعية من شأنها أن تمكن الجامعات من رؤية أكثر وضوحا لاتجاهات التكوين. وذكر الوزير السابق بما تم إنجازه من خلال استراتيجية «إقلاع» التي أحدثت لجنة للتكوين تعنى بتوجيه التكوينات حسب حاجيات الصناعة الوطنية. وقد اقترح السيد الشامي خارطة طريق للارتقاء بمنظومة تكوين المهندسين، بدءا من إدماج مدارس تكوين المهندسين في محيطها السوسيو اقتصادي، وإشراك كفاءات القطاع الخاص والمهنيين في تكوين الطلبة المهندسين. كما أكد على ضرورة اعتماد التدريس بالتناوب، مع تخصيص السنة الرابعة من التكوين داخل المقاولات في تخصصات محددة وفق شراكات مع هذه المقاولات، تسهيلا لولوج الطالب المهندس لسوق الشغل. ومن جهة أخرى أشار الشامي إلى ضرورة تحيين معارف ومهارات المؤطرين لمسايرة المتغيرات والمستجدات العلمية والتكنلوجية. وقد أشار المتدخل أن المغرب يعرف أزمة قيم ومنها قيمة العمل، مؤكدا على ضرورة اتصاف المهندس المتخرج بقدرته على التأقلم والتكيف مع المتغيرات وتعدد مهاراته وامتلاك أدوات التحليل لحل المشكلات وإنتاج التكنلوجيا في القطاعات الانتاجية. بعد ذلك تدخل الأستاذ ادريس بوعامي، المدير السابق للمدرسة المحمدية للمهندسين، والذي أبرز أن مداخل الاصلاح البيداغوجي لتكوين المهندسين يجب أن تخضع لمنهجية الجودة من خلال إرضاء وتحقيق حاجيات الزبناء (المقاولات)، واستحضار مميزات المحيط السوسيو اقتصادي كالمخططات القطاعية الوطنية، وآثار العولمة وحركية الرأسمال البشري والتطورات التكنولوجية المتسارعة، والظروف الثقافية والاجتماعية والسياسية. وقد رصد السيد بوعامي بعض خصائص وتوجهات الاستراتيجية الوطنية للتنمية في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية. وكنتيجة حتمية للعولمة، توقف المتدخل على قوة وضراوة المنافسة التي يعرفها عالم اليوم، وهو ما يفرض برأيه تكوين جيل جديد من المهندسين، سماه جيل مهندسي التنافسية، لتحسين أداء المقاولات المغربية وتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني على الصعيد الدولي. وحدد ملامح مهندس التنافسية في القدرة على التكوين الذاتي والتأقلم مع التحولات، وتعدد المهارات التقنية والتواصلية، وتملك ثقافة الابتكار ومنهجية معالجة الإشكاليات، في إطار يقظة اقتصادية وعلمية وتكنولوجية واجتماعية وثقافية. مؤكدا على تضمين التكوينات لمواد متنوعة ومتعددة لإغناء الرصيد المعرفي والمهاراتي والسلوكي للطالب المهندس، وقد قدم السيد بوعامي مجموعة من الاقتراحات التقنية لبناء إصلاح بيداغوجي كفيل بتحسين تكوين المهندسين بالمغرب. بعد ذلك تدخل محمد السعيدي، مدير المدرسة الوطنية للمعلوميات وتحليل النظم بالرباط، والذي أشار إلى أن طبيعة تكوين المهندسين بالمغرب اتجهت في منحى تكوين الأطر لخدمة الإدارة العمومية والقطاع الخاص، وهو ما دفعه للتساؤل عن أفق هذه الوظيفة في الوقت الحالي وسبل تطوير البحث العلمي والابتكار داخل هذه المؤسسات. حيث سجل المتدخل ضعف البحث العلمي في مدارس المهندسين بالمغرب، منبها إلى كون أكبر الاختراعات التي يعرفها العالم خرجت من رحم مدارس المهندسين كشبكة الفايسبوك ومحرك البحث غوغل وغيرها,مشيرا إلى أن كبريات الجامعات في العالم تتميز بوجود مدارس للمهندسين متفوقة على مستوى الابتكار والبحث العلمي. وأكد في هذا الاتجاه على ضرورة انتقال الجامعة المغربية إلى دعم الابتكار من خلال تنمية روح المقاولة وإنشاء المحاضن والشركات المبتكرة. وعلى مستوى المحتويات البيداغوجية، أكد الأستاذ السعيدي على أهمية مراعاة الاعتمادات إلى الضوابط والمعايير الدولية في تكوينات المهندسين، بما فيها تحديد إطار مرجعي لكفاءات وملكات المهندسين بالتشاور مع محترفي وخبراء مهن المهندس. وعلى مستوى الحكامة، أكد المتدخل على عدم ملاءمة الترسانة القانونية والمساطر الإدارية للمهام المنوطة بالجامعة المغربية، واقترح المراقبة البعدية كبديل لتسريع وثيرة الفعل والمبادرة لدى الجامعة ,خاصة على مستوى البحث والتطوير، كما اقترح تبني مواصفات خاصة بمواضيع البحث في الدكتوراه داخل مدارس المهندسين والعمل على خلق بيئة مناسبة للإبداع والابتكار، إضافة إلى تبني تصنيف وطني وسنوي لمدارس المهندسين بالمغرب. ومن جهة أخرى أكد السعيدي على ضرورة تعزيز الانفتاح الدولي عبر بوابة الشراكات وتنمية استعمال اللغة الانجليزية بالمدارس والمعاهد العليا لتكوين المهندسين.