إنه لشرف كبير و فخر أن يتناول الإنسان الكلمة أمام نساء و رجال علمونا ما معنى المواطنة ، علمونا و نحن صغارا ما معنى الحرية ، علمونا و نحن فتيان ما معنى محاربة الاستبداد و الظلم و المطالبة بالديمقراطية . فقد كان لمؤسسة التعليم و المدرسة العمومية شرف خلق هذا الجيل من الوطنيين و التقدميين و الديمقراطيين ، وفي فضائها تعلمنا المنطق و العقلنة، و تعلمنا أن نقتنع و نؤمن بقضايا شعبنا . الإخوة الذين تحدثوا قبلي ، أثاروا السياقات الدولية و الإقليمية و المحلية التي ينعقد فيها هذا العرس النضالي . و لاشك أنها تبدو سياقات معقدة جدا ؛ فهناك أزمة اقتصادية عالمية تلقي بظلالها على دول كانت بالأمس داعمة لنا في شمال البحر الأبيض المتوسط ، و في جنوب هذا البحر وقع الالتفاف على حركة ديمقراطية ناشئة ومناضلة في كافة هذه الدول من طرف قوى رجعية و ظلامية، ومشروع دولي يتهيب الإنسان من آفاقه، بدأ بمشروع الشرق الأوسط الكبير ولا نعرف مآله، ونتخوف أن يحول ربيعنا إلى خريف ، إنه حقا وضع معقد يتطلب منا جميعا أن نتجاوز آنانياتنا ، يتطلب منا جميعا أن نقتنع بأن تشرذمنا و تفرقتنا هو من سمح لهؤلاء بأن يختل ميزان القوى لصالحهم . و حتى المكتسبات التي تحققت في عهد حكومة التناوب و الأدوار التي لعبتها في الانتقال الديمقراطي في بلادنا بإلغاء ظهير كل ما من شأنه و توسيع الحريات العامة و ضمان الحق في الاحتجاج و التظاهر، كل هذه المكاسب، و منها تلك المكتسبات المطلبية الاجتماعية و الاقتصادية، نرى اليوم أنها و مع كامل الأسف تطالها تراجعات خطيرة . ونحن بصدد منظمة اجتماعية مناضلة وهي النقابة الوطنية للتعليم في إطاريها، لأننا في نهاية المطاف وحدة متماسكة سواء كنا في الفيدرالية أو الكونفدرالية ، نستحضر أن هناك مكاسب معينة جرى بالأمس حولها ، في إطار حراك معين ، حوار مؤسساتي أفضى إلى اتفاق 26 أبريل ، و اليوم لا نطالب بسقف فوق سقف اتفاق 26 أبريل ، بل نطالب فقط بتنفيذ هذا الاتفاق. ففيما يتعلق بالحريات النقابية نجد مثلا أن الفصل 288 من القانون الجنائي الذي لم يطبق منذ زمن لأنه يذكرنا بعهد ظهير كل ما من شأنه ، يستعمل اليوم في المحاكم ضد كل من اعتقل من النقابيين. و دائما فيما يتعلق بالحريات النقابية ، نجد أن بلادنا لم تصادق بعد على الاتفاقية 87 لمنظمة العمل الدولية ، و التي نص اتفاق 26 أبريل على المصادقة عليها، و ها قد مر على هذا الاتفاق ما يقارب سنتين دون تتم المصادقة . و كذالك الأمر فيما يخص إحداث سلم جديد للترقي في الوظيفة العمومية ، و هو أمر حسم في اتفاق 26 أبريل ، و مازلنا ننتظر أجرأته إلى اليوم . و نفس الشيء بالنسبة للظاهرة الجديدة والتي تحتاج إلى وحدة متماسكة سياسية ونقابية لمواجهتها . فاليوم و بمنطق أصولي يقتطع وزير العدل بدعوى الإضراب من الأجور، ويواجه الموظفة و هي في عملها و يقول لها «واش حلال عليك أجرك و اللا حرام ؟ » .. التعامل في دولة الحق و القانون لا يتم بهذا المنطق الأصولي. نحن في دولة القانون و دولة المؤسسات ، و لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص . فكيف يلجأ إلى الاقتطاع من أجور المضربين من دون وجود نص في القانون التنظيمي للإضراب الذي لم يخرج بعد إلى حيز الوجود . لذلك فنحن لا نجتمع اليوم في سياقات عادية لنتفق على دفاتر مطلبية ، نحن اليوم مجتمعون لنتوحد جميعا دفاعا أولا عن المكتسبات . فملفا التقاعد و صندوق المقاصة، يشكلان محورين أساسيين لكل وحدة نقابية و لكل وحدة سياسية ، و لكل وحدة للقوات الشعبية . فالقدرة الشرائية للمواطن مهددة اليوم بمنهجية أحادية، حيث أن الحكومة تتصرف و تعتقد و تتخيل أنها يمكن أن ترفع عن الطبقة الوسطى التي ليست هي وسطى إلا بالاسم الدعم عن المواد الأساسية، فيصير رجال التعليم مثلا ملزمين باقتناء قنينة الغاز ب140 درهما . فأي إصلاح هذا الذي يرفع ثمن الطاقة بهذا الشكل ثلاث مرات ؟ و فيما يتعلق بالتقاعد، كانت اللجنة التقنية قد اشتغلت و حددت لذلك أجلا في ستة أشهر، وانتهت إلى ما انتهت إليه . و كان من المفروض أن يفتح حوار لإيجاد الحلول في شموليتها ، حلول ينبغي أن تعتمدها الحكومة كما فعلت حكومة التناوب عندما ضخت أكثر من 11 مليار درهم من أجل حل مشكلة التقاعد بعد أن وجدت الصناديق فارغة بسبب أداء الحكومات السابقة . وهنا ، لا نعتقد أن لقضايانا و لمشاكلنا عشرات التصورات للحلول حتى نخلق من أجل ذلك عشرات الإطارات النقابية . اليوم لن نستطيع المواجهة إلا إذا عملنا من أجل الوحدة . أيتها الأخوات أيها الإخوة : ذكرتمونا اليوم بالشهيد شكري بلعيد ، فكما أخذ المغاربة و الشعوب المغاربية الدرس يوم اغتيال الشهيد فرحات حشاد ، فخرجت الدارالبيضاء و الشعب المغربي عن بكرة أبيه فوصلنا من 1952 إلى 1956 بتطور الحركة الوطنية و الحصول على الاستقلال ، نعتقد أن استشهاد شكري بلعيد خلق تحولا في المجتمع التونسي ؛ حيث سقطت هيمنة التيار الإسلاموي و الأصولي و المحافظ الذي اختل التوازن لصالحه ، و كان الدور في هذا السقوط للطبقة العمالية، حيث خرج الاتحاد العام في جنازة مليونية جعلت الحكام في تونس ترتعد فرائسهم ، في الوقت الذي لم يخرج في المسيرة المضادة سوى بضعة آلاف . لأن الطبقة العمالية في تونس موحدة، والظاهرة التي جعلت الشعب بهذا البلد يؤثر في إرجاع التوازن، تتضمن عنصرين حاسمين هما وحدة الطبقة العمالية والمرأة التونسية التي نعتز بكفاحها و نضالها . لذلك ، أخواتي إخواني ، فما هو مطروح علينا اليوم هو مطلب واحد : لنتجاوز جميعا أنانيتنا وتشرذمنا و انقساماتنا، لأنه لم يعد أمامنا خيار بعد أن اختل التوازن لصالح هؤلاء . ها نحن نرى كيف أن التراجعات تطال اليوم كل المكاسب السياسية التي ناضل من أجلها الشعب المغربي و التي أوصلته إلى الإصلاح الدستوري الذي انخرطنا فيه جميعا . تراجعات متمثلة في عدم إخراج القوانين التنظيمية . و نفس الشيء بالنسبة لنضالنا من أجل استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية ، و التي يضربها وزير العدل من أجل قمعنا، و قد شهد شاهد من أهلها عندما أكد قضاة أن القضاء ما زال يخضع لتوجيهات السيد الوزير . هذا الواقع يؤكد أن كل المكاسب السياسية والدستورية التي ناضلنا من أجلها، تتهاوى وتتراجع اليوم ، دون أن نتحدث عن التراجعات فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية ، ودون أن نتحدث عن المساواة ، و عن مدونة الأسرة . كيف لفاقد الشيء أن يعطيه. أنتم تعرفون كيف يتعامل وزراء هذه الحكومة مع قضية المساواة . لذلك أخواتي ، إخواتي ، تحية حارة لكل واحدة منكن، و لكل واحد منكم، تحية لكم جميعا. وبصراحة لم أجد مطلبا يجب أن نخرج به جميعا من هذا الجمع المبارك إلا الدعوة للوحدة والتضامن. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أية نقابة نحضر جلسة مؤتمرها العاشر اليوم؟ بينما نذكر النقابة الوطنية للتعليم نستحضر نصف قرن من الزمن (1965 2013 ) نصف قرن من التضحيات الجسام أدى فيها المناضلون والمناضلات ضرائب نضالهم وصمودهم وحوكم وطرد المئات من رجال ونساء التعليم ، ولم تنل كل هذه الأساليب من عزيمتهم وعنادهم، ومن هنا لعبت النقابة الوطنية للتعليم دورا تاريخيا ليس فقط في تأطير نساء ورجال التعليم، بل ساهمت في تأطير قطاعات أخرى أدت إلى تأسيس نقابات أخرى حيث الجسم النقابي إلى جانب القوى الحية والتقدمية في بلادنا. ولا يمكن الحديث في البناء النقابي في مغربنا، دون أن نقف إجلالا أمام روح المناضل التقدمي الكبير الشهيد عمر بنجلون، والإخوان المؤسسون وقدماء النقابيين يذكرون دور عمر في هذا المسار. لقد كان عمر معلما في النقابة الوطنية للتعليم، وبريديا في النقابة الوطنية للبريد ، ومحاميا مدافعا عن المناضلين والمعتقلين إذا ما كان منهم. إنها مسيرة نضال أتت بمكتسبات عدة لايزال الواقع يشهد لها ومازالت المسيرة مستمرة. لذلك نقول للذين يجهلون هذا التاريخ أو يتجاهلونه وهم الآن في موقع القرار . لن تكسروا شوكتنا بقراراتكم التعسفية التي تذكرنا بسواد الماضي. بل سنبقى بياضا ساطعا في ظلمتكم، ونذكركم بكم من رأس عنيدة تحطمت فوق صخرتنا الصامدة، لن ترهقنا التسويفات، ولن تغرينا الشعارات. هذه حكومتنا التي وعدتنا بمجرد تكوينها بأنها ستفتح آفاقا جديدة للحوار الاجتماعي وهي ملتزمة بتنفيذ كل بنود اتفاق 26 أبريل 2011 ، وستعمل على معالجة كل القضايا المطروحة وحل الاشكالات القائمة. نقول للحكومة وقلنا لها من قبل: أين هي وعودك، فبدل أن تنفذ الالتزامات ها هي تتخذ القرارات وبشكل ارتجالي؟ * الزيادة في المحروقات وما ينتج من زيادات أرهقت المواطنين بصفة عامة والعاملين بصفة خاصة وأضعفت قدرتهم الشرائية * الاقتطاع من أجور المضربين ،وهذا نعتبره خرقا سافرا للدستور وإجهازا على الحق النقابي * عدم الاعتراف بالنقابة الديمقراطية للعدل من طرف الوزير، هذا الوزير الذي يسمى بوزير العدل والحريات، نراه يغلق الباب في وجه النقابة الأكثر تمثيلية في القطاع * عدم احترام مأسسة الحوار الاجتماعي نسائل الحكومة: ما هو تأثير قراراتكم هاته على مسارنا النضالي؟ لقد كان الجواب في الوقفات الاحتجاجية الصامدة لمناضلات ومناضلي النقابة الديمقراطية للعدل وخاصة المسيرة السلمية التي نظموها بطنجة، والتي نالوا منها مانالوا من طرف رجال القمع من اعتداءات مادية ومعنوية ولم تسلم الأخوات المناضلات من السب والشتم بالكلام الساقط، أو حتى بالمناسبة، الأخ الحسن أقرو الذي أصيب في رأسه بجروح بليغة نحمد الله على سلامته. جواب آخر عن قرارات الحكومة هو إضراب رجال ونساء التعليم الناجح وبنسبة مشرفة ، والذي دعت إليه النقابتان التعليميتان في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل يوم الثلاثاء 12 فبراير. نقول للحكومة قرري ونحن نجيب. أخواتي إخواني المؤتمرين لن ننتظر من حكومتنا الموقرة إلا المزيد مما سبق، لذلك وجب علينا والواقع كما نعيشه، أن نقوي ذاتنا ونوحد صفوفنا لمواجهة كل التحديات. وهنا لا يفوتني أن أؤكد ، باسم أخواتي وإخواني الفيدراليين ، على أهمية التنسيق الذي ندعو إليه، والذي يخطو خطوات حثيثة وفعالة مع إخواننا في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وإننا جد متفائلين بحماس المناضلين هنا وهناك ، ونتمنى بالمناسبة كامل الصحة لأخينا نوبير الأموي. نجاح هذا المؤتمر والمؤتمرات القادمة لقطاعات أخرى أمانة في عنق كل الفيدراليات والفيدراليين. إننا عازمون على السير قدما، تحية مرة أخرى لضيوفنا الأعزاء.