من الدروس الأولية التي تدرس في معاهد الصحافة بالبلدان المتقدمة، أن الصحافي الذي يغطي أعمال البرلمان عليه أن يركز على مضمون القضايا السياسية والتشريعية المطروحة وإذا حصلت مشادة بين نائبين أو أكثر، مثلا، أو مع أحد اعضاء الجهاز التنفيذي، فلا ينبغي أن تتحول الى موضوع رئيسي. مناسبة هذا التقديم هو ما نشر في بعض الصحف حول المقترح الذي تقدم به الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، الأخ إدريس لشكر، والمتعلق بهيأة قضايا الدولة، حيث لم تتحدث هذه الصحافة، عن مضمونه نهائيا واهتمت بقضايا ثانوية، من قبيل بعض المشادات أو التأويلات التافهة، غير آبهة بمحتوى المقترح، ولا بضرورة نقل الخبر الموضوعي للرأي العام، حول ما جاء فيه. والنتيجة هي إهدار حق المواطن في الخبر، وتبخيس العمل السياسي والتشريعي، وتقديمه على شكل فرجة وإثارة رخيصة. وبهدف إلقاء الأضواء على مضمون هذا القانون، الذي حاول بعض النواب من حزب العدالة والتنمية إغراقه بإثارة قضايا مسطرية، فإننا ننشره على صفحات جريدتنا، حتى يتبين للمواطن، أن هناك قضايا كبرى، هناك من يحاول طمسها، سواء من طرف الصحافة الصغيرة أو التوجهات الشعبوية الرجعية. مقترح القانون يهدف إلى إحداث هيئة قضايا الدولة، في إطار الفصل 159 من الدستور الجديد لسنة 2011 ، يناط بها ترسيخ الحكامة القانونية الجيدة داخل المرافق العمومية لوقايتها من المخاطر القانونية، عبر تقديم استشاراتها واقتراحاتها لهذه المرافق ومواكبة قراراتها الإدارية واتفاقياتها وعقودها، وكذا الدفاع عنها أمام المحاكم الوطنية والأجنبية وأمام هيئات التحكيم الوطني والدولي في جميع الدعاوى والمنازعات، سواء كانت فيها مدعية أو مدعى عليها. ومبرر تقديمه يخضع لعدة أسباب منها الارتفاع المضطرد لعدد القضايا المرفوعة ضد الدولة، مما ينعكس على المال العام، ويبين أن أداء الإدارة لم يتحسن، ويثبت محدودية دور الوكالة القضائية للمملكة، التي أبانت التطورات السريعة التي شهدها المغرب في ميدان صيانة الحقوق والحريات واتساع مجالات تدخل المرافق العمومية، عن ضعفها.. وقد كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على الدوام واعيا تمام الوعي بخطورة الفساد السياسي والإداري والاقتصادي والمالي المرتبط بتدبير الشأن العام وممارسة المسؤولية العمومية. هذه الخطورة التي تهدد المجتمع في العمق وتهز ثقة أبنائه في المسؤولين العموميين والفاعلين السياسيين، بل وفي المؤسسات والاختيار الديمقراطي نفسه. ولأجل ذلك، اختار الحزب لما كان في المعارضة المساهمة في تخليق الحياة العامة عبر تقديم مقترحات قوانين خاض من أجلها عدة نضالات، وقدم مناضلوه تضحيات كبيرة كان هدفها إنقاذ البلاد من مختلف مظاهر الفساد التي كانت تنخر ثرواته الاقتصادية، وتهدد تماسكه الاجتماعي والسياسي. ويعتبر المقترح الذي نحن بصدده، أن سيادة القانون تسري على الأفراد والسلطات العمومية على حد سواء، بحيث إذا كان من واجب الأفراد احترام حقوق ومصالح السلطات العمومية، فإنه في مقابل ذلك تكون هذه الأخيرة ملزمة باحترام الحقوق والحريات الممنوحة للأفراد بمقتضى القوانين الجاري بها العمل. كما يشير في مذكرة التقديم الى التجارب المختلفة عبر العالم، من أمريكا وإيطاليا واسبانيا وقبرص ومصر وتونس والأردن.