الحديث عن الفساد بسوق الجملة للخضر والفواكه لايتعلق بملايين السنتيمات ، ولكن بملايير السنتيمات وبنزيف مالي حاد المتضرر الأول والأخير منه مدينة الدار البيضاء والمستهلك والفلاحون والتجار. فهل يتعلق الأمر فعلا بصندوق أسود لتمويل أنشطة ما لوزارة الداخلية ، كما كان يُتداول داخل السوق، أم أن هذه مجرد إشاعة للابتزاز والاغتناء غير المشروع؟ لماذا لم تبادر النيابة العامة بتحريك مسطرة البحث في الشكاية المباشرة المرفوعة إليها من طرف مراد كرطومي، تاجر بسوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء ، والموجهة إليها عن طريق البريد المضمون بتاريخ 28 نونبر 2007 ؟ لماذا التزمت جميع المصالح من وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة المالية الصمت بعد توصلها برسائل استنكارية تطالب من خلالها، بفتح تحقيق في التلاعبات المالية المسجلة في السوق ؟ لماذا استثنى المجلس الأعلى للحسابات سوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء من تقاريره، بل من اهتماماته؟ لماذا أغفل قرار الإحالة الصادر عن قاضي التحقيق باستئنافية الدارالبيضاء، مجموعة من الأسماء والتصريحات التي أكدت لنا مصادرنا بأنها وردت خلال جلسات الاستماع؟ وأخير لماذا يحاول البعض توجيه ملف أكبر عملية اختلاس تشهدها مدينة الدار البيضاء لسنوات بل ولعقود، في اتجاه حصر المتابعة والنقاش حول موظفين وتجار بسطاء لاذنب لهم إلا أنهم وجدوا أنفسهم وسط رحى الفساد ويحاول البعض تقديمهم كأكباش فداء للظهور أمام الرأي العام بمظهر الحاملين لمشعل محاربة الفساد؟ إنها مسرحية حيكت بإتقان لتوجيه العدالة بعيدا عن الرؤوس الكبيرة ، التي ظلت لسنوات وسنوات تعيش على ريع أكبر مرفق اقتصادي لتجارة الخضر والفواكه بالدار البيضاء. مسار الفساد ببورصة الخضر والفواكه بالدار البيضاء لماذا كان يخضع عدد من التجار للابتزاز؟ لماذا كان البعض منهم يتواطأ ويقبل الدخول في لعبة الشانطاج وتغيير السلعة المصرح بها أو الوزن أو الاستفادة من عروض التلاعبات التي تقترحها الإدارة؟ أسئلة من السهل الإجابة عنها بعد الاحتكاك مع الفلاحين والتجار ومعاينة محنتهم اليومية داخل السوق، فكيف كانت تتم عملية تهيئة الفضاء للتلاعب وكيف كان يتم جر التجار إلى شرك المزايدة والإبتزاز؟ الحكاية بسيطة للغاية، من المعروف أن أية سلعة وبشكل خاص بالنسبة للخضر والفواكه، تختلف جودتها ، فحمولة الشاحنة أحيانا يكون نصفها من النوع الجيد والنصف الآخر يتوزع مابين متوسط الجودة والرديء! إدارة السوق كانت تقوم بتحديد سعر السلعة بشكل مزاجي وليس وفق اعتبارات علمية بعد معاينات وعملية تتبع لمسار السلعة، وهنا بيت القصيد ، يقول أحد التجار «.. يقومون بالرفع من سعر السلعة بشكل لايطاق، يفرضون علينا التوقيع على المحاضر ويقولون بعد الاحتجاج : لاش تشكي؟ سير خربق واحنا معاك!» . لنسق هنا مثالا واحدا عن التلاعب بالأسعار، فإذا أخذنا الطماطم مثلا، بالنسبة لإدارة السوق، فهي توزع الطماطم إلى عدة أنواع، منها طماطم أكادير، وطماطم الواليدية، وطماطم الديشي، وطماطم المحمدية. وتفرض على كل نوع من هذه الطماطم رسومات جبائية. وعوض مثلا أن يفرض مديرالسوق ثمنا واحدا على مستوى الرسوم الجبائية لجميع أنواع الطماطم، يقوم بالرفع أو التخفيض من هذه الرسوم، بدعوى أن هذه الطماطم مختلفة، وهذا ينطبق أيضا على باقي أنواع الخضر والفواكه، وهو مايفتح الباب على مصراعيه للتلاعب. الرفع من السعر يفتح باب التلاعب ليس فقط في الميزان، بل أيضا لفتح الباب أمام مراجعة الأسعار والتي تتم بعد (المفاصلة! ). مراجعة الأسعار حق مشروع، لكنه يتم التلاعب به ويخضع لمزاجية المدير ومن يدور في فلكه ، فالأسعار تحدد يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع ، وهو الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤل حول مدى ملاءمة هذا التوقيت للتجار، ولماذا لا يتم التثمين بشكل يومي، بل لماذا يتم النفخ في الأسعار أصلا؟ فبالإضافة إلى فتح باب التلاعبات ودفع مجموعة من التجار للتناور، هناك رغبة الإدارة في الرفع من المداخيل الجبائية لمجلس المدينة والظهور بمظهر الشخص الذي رفع من مردودية السوق ولو على حساب الفلاحين والتجار المغلوبين على أمرهم، وحكايات التجار الذين أعلنوا إفلاسهم على كل لسان ! وأنت تتجول في السوق وتجالس التجار ، تلمس أن الجميع يتحدث عن الفساد المالي، الجميع يتحدث عن الحيف والغبن الذي يشعرون به وهم يمارسون عملهم، الجميع يتحدث عن سياسة « سير طويل بلا ماتخلص!». فرائحة الفساد أزكمت الأنوف وعدم تحرك الجهات المسؤولة لفتح تحقيق في الموضوع فتح المجال لتناسل الأسئلة حول من يقف وراء كل هذا؟ مظاهر تبديد المال العام مظاهر تبديد المال العام بسوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء متعددة بحسب ما صرح به مفجر ملف السوق هناك أولا، الحديث عن تكليف شركة خاصة لتنظيف المراحيض، تحمل إسم «شارلوك»، لكن هذه الشركة وهمية ولا أثر لها في الواقع، كما تم تفويت مربع خارج القاعة المغطاة أمام الجناح رقم 20، ومربع آخر قرب باب الخروج الأصلي من السوق، والمربعان معا، تم إنشاؤهما من طرف مدير السوق بشكل غير قانوني. كما تم إنشاء أعمدة كهربائية جديدة محاذية لأخرى بدون فائدة، مما يعتبر تبديدا للمال العام. وفي نفس الإطار، جاء في الحساب الإداري لسنة 2005، أنه تم حفر خمس آبار لاستخراج المياه الجوفية، والواقع يشهد أن لا أثر لهذه الآبار، ناهيك عن تخصيص مبلغ يناهز المليار سنتيم لتسقيف سوق أكادير المتواجد بفضاء سوق الخضر والفواكه، في حين أن هذا المبلغ المالي الضخم يفوق القيمة الحقيقية لأشغال ووضع هذا السقف. وفي سنة 2009، تم وضع مجموعة من كاميرات المراقبة الإلكترونية بناء على صفقة عمومية، خاصة بالأماكن الحساسة داخل السوق، وهو المشروع الذي كلف ميزانية المجلس حوالي 54 مليون سنتيم، ليتم إتلافها فيما بعد بمكتب مدير السوق محمد .س، بدعوى نشوب حريق بمكتبه بتاريخ 17 مارس 2009 . وعلى مستوى الصفقات، تم إبرام صفقة عمومية تتعلق بشراء حواسيب المعلوميات بمبلغ يقدر بحوالي مليار سنتيم مع إحدى الشركات، وتم إيصال هذه الحواسيب بواسطة شبكة معلوماتية تربط مصلحة المعلوميات ببرج المراقبة ومحطة الميزان وبإدارة السوق ومصلحة الجبايات، إلا أن الملاحظ أن كل هذه الحواسيب وكل مايرتبط بها أصيب بشلل تام نتيجة الأعطاب التي لحقتها والتي تظل بدورها مجهولة. هي ملفات لابد من الوقوف عندها ، فهي الشجرة التي تخفي الغابة ، فالقول بأن الفساد بالسوق ينحصر في حالات فردية أمر مردود عليه، فالأكيد أن هناك أطرافا أخرى مازالت لحد الآن بعيدة عن مجهر المحاسبة. أين هم الآخرون؟ من المنتظر أن يدخل ملف سوق الجملة والذي تنظر فيه محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، منعطفا جديدا مع توالي جلسات الاستماع إلى الشهود. فمراد الكرطومي المطالب بالحق المدني والذي كان وراء الشكايات التي فتحت الملف على مصراعيه فاجأ هيئة المحكمة عندما أحالها على تصريح أمام قاضي التحقيق لأحد المدراء السابقين والذي قال فيه بأن أحد المستشارين الجماعيين الذي كان يتمتع بنفوذ بمجلس المدينة، طلب منه مقابلا ماليا يوميا حدده في 2 مليون سنتيم ، الأمر الذي جعله يستقيل من منصبه لمرات عديدة وكانوا يرفضون الموافقة على الاستقالة! المثير أن قرار الإحالة لم يشر إلى هذه النقطة لامن قريب أو بعيد، كما أنه لم يتضمن أسماء وردت خلال مراحل التحقيق، لكن عندما تم الاستماع إلى شهادة التاجر مراد الكرطومي أكد أن هناك لائحة بأسماء شهود ومتهمين مفترضين، منهم مستشارون ومسؤولون محليون ووكلاء لم يتم الاستماع إليهم، وأنهم هم الذين يقفون وراء ما وصل إليه السوق من تسيب، هنا طلب رئيس الجلسة منه موافاته باللائحة كاملة في الجلسة القادمة، والتي حددت في يومه الثلاثاء. مصادرنا أفادتنا أن اللائحة موجودة بالفعل يبقى كيف ستتعامل المحكمة معها والتساؤل إن كانت ستذهب بعيدا في الملف وتنبش في التفاصيل وتدقق في الإفادات والتصريحات، فالملف أكبر من أن يختزل في محلات الصناديق الفارغة وفي مقهى ومراحيض، الملف يهم الملايير الهاربة إلى الحسابات الخصوصية، الملف يستوجب البحث مع هؤلاء المنتخبين الذين اغتنوا في رمشة عين بعد أن خاضوا غمار الانتخابات بالإقتراض لتسديد تكاليف حملة انتخابية في بداية مشوارهم الجماعي. يحق لنا أن نتساءل عن حقيقة الوضع داخل هذا السوق، يحق لنا - أيضا - معرفة من المستفيد الحقيقي من أمواله والتي إذا كانت تجعل من شخص عاد من غير التجار يتملك عقارات وأملاكا فقط لأنه أُلحق بالسوق، فكيف سيكون الأمر بالنسبة للمظلات التي تحميه ومجموعته؟ يحق لنا أن نبحث فيما يروجونه من كون السوق مجرد صندوق أسود وأن الأمر أكبر من أن يؤول إلى متابعة، لأن لائحة المستفيدين الذاتيين والمعنويين طويلة بحسب مايرد في تصريحات البعض. فمن هم هؤلاء الأشخاص، الذاتيون والمعنويون؟ ألا يحق لنا معرفة حقيقة وضعية أكبر مركز تجاري، والذي يمكن أن نعتبره بورصة الخضر والفواكه بالمغرب؟ ألا يحق لنا معرفة مآل تلك الملايير من المال العام التي تحرم منها مدينة الدار البيضاء؟ يحق لنا فعلا أن نتساءل عن حقيقة الوضع داخل هذا السوق.. بالرغم من كون ملف سوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء يتداول الآن بمحاكم الدار البيضاء، وبالرغم من الكتابات الصحفية والمتابعات الإعلامية فإن الأخبار الواردة من السوق تؤكد أن دار لقمان مازالت على حالها، فالتلاعبات والغش هما العنوانان البارزان للسوق بالرغم من كون حراس المعبد أرادوا التمويه للالتفاف على الملف بتحويل الانتباه إلى اتجاهات أخرى حتى ولو اقتضى الأمر اختلاق الإشاعات. الأخبار الواردة من السوق تفيد بأن لاشيء تغير وبأن دار لقمان لاتزال على حالها وأن مجموعة من الشاحنات تدخل السوق دون مراقبة، مستفيدة من نظام » سير طول بلا ماتخلص«! وأن المراقبة عاجزة عن وقف التلاعب نظرا لسيادة منطق »الله يرحم من كال ووكّل«! يحق لنا أن نتساءل عن حقيقة الوضع داخل هذا السوق، يحق لنا-أيضا- معرفة من المستفيد الحقيقي من أمواله والتي إذا كانت تجعل من شخص عاد من غير التجار يتملك عقارات وأملاكا فقط لأنه أُلحق بالسوق، فكيف سيكون الأمر بالنسبة للمظلات التي تحميه ومجموعته؟ يحق لنا أن نبحث فيما يروجونه من كون السوق مجرد صندوق أسود وأن الأمر أكبر من أن يؤول إلى متابعة، لأن لائحة المستفيدين الذاتيين والمعنويين طويلة بحسب مايرد في تصريحات البعض. فمن هم هؤلاء الأشخاص الذاتيون والمعنويون؟ ألا يحق لنا معرفة حقيقة وضعية أكبر مركز تجاري والذي يمكن أن نعتبره بورصة الخضر والفواكه بالمغرب؟ ألا يحق لنا معرفة مآل تلك الملايير من المال العام التي تحرم منها مدينة الدار البيضاء؟ أستحضر هنا مرة أخرى تصريح مسؤول نقابي سابق حيث أفادنا أن مجموع مايتم استخلاصه من إتاوات غير قانونية داخل السوق يناهز المليار والنصف سنويا، وأن هذه الأموال المحصلة لاتجد طريقها إلى خزينة مجلس المدينة. وقد أكد لنا أن النزيف المالي بالسوق مازال مستمرا بالرغم من التحقيقات الجارية والمحاكمات المتواصلة بخصوص ملفي الفساد في هذا المرفق الاقتصادي الهام بالمغرب. وبحسب المعطيات الحسابية التي أفادنا بها ، فإن عرفا استمر العمل به لسنوات ناهزت العشرين سنة بهذا السوق، واستمر مع كل المدراء الذين تعاقبوا على إدارة السوق، هو ان هناك تركيبة مالية من الإتاوات التي تستخلص من دون وجه حق ويجهل مآلها وهي تتنوع مابين الإتاوة اليومية والأسبوعية وهناك من يؤديها «فورفي» بداية كل شهر . فبحسب العرف المتعارف عليه داخل السوق، تؤدي كل شاحنة تدخل السوق مبلغ 200 درهم يوميا يستخلص رجل ثقة بالسوق 170 درهما في حين يمر شخص آخر لاستخلاص الثلاثين درهما الباقية، وإذا ما احتسبنا المعدل اليومي لدخول الشاحنات إلى السوق وتم ضربها في عدد أيام السنة التي يشتغل فيها، فإن المبلغ المحصل سيناهز المليار و152 مليون سنتيم . وبالاضافة إلى هذه الإتاوة، هناك إتاوة أخرى تؤدى بشكل يومي من قبل مجموعة من التجار وتم تحديدها في 200درهم أسبوعيا. وبعملية حسابية بسيطة، فإن مجموع مايتم استخلاصه من هذه العملية سنويا يفوق 153 مليون سنتيم يجهل مصيرها أيضا. بالإضافة إلى هذه الإتاوات، هناك الإتاوة الأسبوعية الخاصة بالشاحنات حيث تؤدي كل شاحنة مبلغ 200 درهم، حيث يتحصل من هذه العملية مايناهز 192 مليون سنتيم لاتجد طريقها إلى خزينة مجلس المدينة. وتتضارب الأرقام المالية الخاصة بعمليات تحويل قرارات استغلال المتاجر، وقرارات بناء المقاهي والتي تناهز ملايين الدراهم تتم ضمن صفقات سرية بين مجموعة من سماسرة السوق والمجلس الجماعي. من جهة أخرى، أكدت لنا مصادر نقابية أن التلاعبات في التصريحات والأسعار مازالت مستمرة إلى يومنا هذا بالرغم من الضجة التي أثيرت حول الموضوع حتى قبل أن تتحرك المتابعة والتحقيقات بخصوص التلاعبات في سوق الجملة. استمرار النزيف بالرغم من المتابعات القضائية وبالرغم من كل ماكتب ويكتب تؤكد شيئا واحدا هو أن السوق فعلا صندوقا أسودا يتوفر على حماية خاصة لن تنفع معها لا التحقيقات ولا المحاكمات التي من يدري قد تكون مجرد مناسبة للتضحية بأكباش فداء للتستر على المتحكمين الحقيقيين في أموال هذا الصندوق، من يدري؟