استوقفني بالفعل، وأنا أتابع محاكمة المتهمين في الأحداث المرتبطة بتفكيك مخيم أكديم ايزيك، التصريح الذي أدلت به متو دمبر، أخت سعيد دمبر أحد المتهمين في أحداث مخيم أكديم إيزيك، لإحدى المنظمات الحقوقية، تقول فيه إنها التقت مع وزير العدل و الحريات، مصطفى الرميد، ووعدها بإجراء خبرة طبية على جثة شقيقها لمعرفة أسباب الوفاة، لكن الوزير عاد ليعتذر لها خلال شهر دجنبر الماضي، بحجة أنه لا يريد التدخّل في استقلالية القضاء، على حدّ تعبيرها، مضيفة أن عائلات ضحايا مخيم اكديم إيزيك « الصحراويين ستضع يدها في يد عائلات ضحايا القوات العمومية المغربية، الذين سقطوا في الأحداث نفسها، « لأنها ضدّ القتل». وهي اليد التي شددت عليها متو دمبر لتكشف عن مسكوت عنه غير وارد باللغة بل بالرغبة في وضع اليد في اليد، للخروج من مأزق تسعى أياد أخرى للمتاجرة فيه، موظفة كل السبل لإشعال الفتن بالتحريض مرة، ومرة أخرى بتوظيف معاناة شعبنا في الصحراء من قهرين، قهر يكرسه ويعمقه تجار الوهم في بناء الدول من « خيمة ومعزة»، لشعبنا المقهور فوق الأراضي الجزائرية، ليصبح وسيلة لبناء القصور في مدن الضفة الأخرى وممرا لتحويل العملة الصعبة الى البنوك العالمية بأسماء شركات موجودة في محافظ مستعملي ومستعملات دموع الأطفال والنساء في الشاشات الكبرى، بفضاءات حقوق الإنسان الدولية التي تدار مفاتيح إقفالها - مع الأسف- عند بعض اللوبيات التي أسال لعابها دولارات فائض البترول النتن في دول الجوار. وقهر تكرسه وتعمقه لوبيات تجار الفساد المالي والإداري في الصحراء التي عاثت فسادا، واغتنت وشمت رائحتها عن بعد ولم يكفها نهب مقالع الرمال وأخطبوط البحار، بل أسست جسرا لتحويل الأموال الى الخارج تحسبا لأي طارئ يكون ضد مصالحها الشخصية، مساهمة بالفعل في تجسيد لغة القبيلة ضد أي مشروع حزبي يمد قناعاته في صفوف أبنائنا هناك، هؤلاء الذين اشتد غضبهم الاجتماعي حد قتل الذات في مخيم لم يكن يعي فلذات أكبادنا، أنه نصب بأيادي الشر ضد مصلحة الوطن ومصلحة ساكنة المنطقة من شعبنا في الجهة الجنوبية، الذين كلما استبشروا خيرا وهم يروا الرمال تتحول الى مشاريع تنموية هامة ، كلما امتدت أيادي الظلام لتفسد عليهم رؤية الشمس وهي تشرق جنوبا من عناق بين الأرض ومياه المحيط الأطلسي، نحو امتداد الى الداخل يتصالح مع التاريخ والذاكرة. وهي الذاكرة التي لم تعها فاطمة دهوار، عن تنسيقية اكديم ازيك، وهي تصرح إنّ «الشعب الصحراوي اضطر للنزول إلى مخيم اكديم ايزيك هربا من القمع والتعتيم الذي مورس عليه منذ عام 1975 إلى الآن». كما لم تنتبه الى التغيير الذي طرأ بين الأمس واليوم في مؤشرات المحاكمة نفسها والتي أكد فيها الحقوقيون والمتتبعون على المستوى الدولي أن جميع الضمانات التي من شأنها توفير المحاكمة العادلة تم اعتمادها، ولا يمكنها إلا أن تعطي ضمانات حقيقية حول اتجاه المحاكمة في منحى يضمن حقوق هؤلاء المتهمين. كما لم تنتبه الى أن المتهمين تلقوا خلال فترة اعتقالهم الاحتياطي، ما مجموعه 2230 زيارة، من قبل عائلاتهم وفاعلين حقوقيين ومدنيين، علاوة على استفادتهم من حوالي 246 فحصا طبيا، ومن جميع التسهيلات أثناء مقامهم بالسجن المحلي الزاكي بمدينة سلا. ولم تنتبه أن الجمعية التي أتاحت لها التعبير بكل حرية حتى في قناعاتها الانفصالية، هي جمعية فوق التراب المغربي، وأن الاستماع إليها هو جزء من إيماننا جميعا بأننا في مغرب جديد وبدستور ينص على المسؤولية والمحاسبة ويعطي الحق في ممارسة منظومة حقوق الإنسان، مما يتماشى والمواثيق الدولية التي قالت عنها أخت المتهم- ضحية الأوضاع التي صنعها تجار الانسانية- أنها تكفل لها « تقرير المصير»، وتناست أن هذه المواثيق تكفل لشعبنا في الأقاليم الجنوبية أن يحافظ على سيادة وطنه دون أن يمنعه ذلك من مواجهة الفساد، من أجل مجتمع عادل يتماشى والقناعات السياسية التي نرسخها اليوم في المغرب بالدفاع عن القوانين المصاحبة التي تضمن الإعمال الصحيح للدستور الجديد. وإن كنا نعي مرجعية حديث فاطمة، ومتو وولد التامك وغيرهم من مواطنينا، فإننا نعرف جيدا من دس في عقولهم الصغيرة أطروحة الانفصال ، ومن وشم في أذهانهم بصمات العداء للوحدة ، ونعرف هؤلاء الذين كرسوا كل جهودهم وأموالهم للتحرش بوحدة وطننا، وترافع الأموات منهم والباقون على قيد الحياة ، من أجل تركيع المغرب في المنتظم الدولي، الشيء الذي واجهه أبناء أقاليمنا الجنوبية أنفسهم من البسطاء، وبإمكانيات بسيطة جدا في مختلف الواجهات التواصلية السياسية والنقابية والمدنية، لكن مع الأسف ظل هؤلاء عرضة لبطش الفاسدين فوق تراب الوطن، هؤلاء الذين تكرشوا وتكبروا وأصبحوا أعيانا كبارا يهددون باسم القبائلية ليتربعوا فوق مراكز القرار المحلي والوطني. وعوض جمع الشتات جمعوا الأموال واستولوا على الإدارة والسياسة، وأموال الدعم التي نهبوها دون رقيب ولا حسيب، تاركين شعبنا هناك جاحظ العيون، معلقا من أمعائه من شدة القهر، وتلك هي المعادلة الصعبة التي خلقت مخيما هرب إليه المداس على كرامتهم والباحثون عن عدالة اجتماعية، حولها قراصنة الصحراء صوب تربصاتهم الآتية من زمن أدخل المنطقة ككل في بؤرة الإرهاب والتوتر والظلام المتوج بحدة السيف ودخان البندقية وأصوات بقايا المدافع والقنابل المصدرة من الأنظمة الشمولية الى من يهمه الأمر في قتل الحياة في الصحراء.