لقد كان لزاما على» يوهان فولفغانغ فون جوته» و «فريدريش شيلر» أن يقاتلا من أجل صداقتهما. و قد صارا بعد ذلك كثنائي لا يقهران. وهذا حوارمع «روديغر صفرانسكي» الذي ألف كتابا عن الصداقة الشهيرة بين الشاعرين بمناسبة يوم عيد ميلاد شيلر ال 250. جريدة الزايت: ماذا كان في» شيلر» يسحر «غوته»؟ صفرانسكي: لقد كان لشيلر علاقات جيدة و قد أسس مجلة «الهورن « «die Horne» والتي اشترك «غوته» معه فيها. وكان يستفيد من» شيلر» مثل قاطرة إذ لم يكن يريد أن يكون أثرا تذكاريا لنفسه فقط. وقد تكاملا بعد ذلك بطبيعة الحال: ف «غوته» كان قريبا من الطبيعة حيث أثرت من خلاله في الناس بشكل خلاق أما» شيلر» فهو مبدع الوعي ومشكل الطبيعة. كان «غوته» خلال مسار صداقتهما مع الذاتية مما أثر بعض الشيء على مذهبه. أما شيلرفكان يغازل الموضوعية. ولنتأمل فقط قصيدته الرثائية الرائعة : «النزهة» ، حيث يمكن أن يشعر المرء في بعض الأحيان بأنها مقتبسة من «غوته». جريدة الزايت: لقد كانا مصدر إلهام لبعضهما البعض ولكن كانا يتشبثان بصفاتهما المميزة أيضا ؟ صفرانسكي: هل تسمحون لي بأخذ كتابي في يدي؟ جريدة الزايت: طبعا،تفضل! صفرانسكي:حسنا لقد عبر»غوته» عن الصداقة بصيغة « القطبية والنهضة» و يمكننا القول بدقة أكثر: النهضة عن طريق الاستقطاب. وقد ذكر «غوته» ضمن ذلك كلمة «الحب»،» إلا أن الحب لا يساعد دائما على ربط صداقة، فالصداقة الحقيقية والفاعلة والمنتجة هي الالتزام بنفس الخطوات في الحياة والمضي معا بثبات واستحسان كل واحد لمقاصد الاخر والعكس صحيح». جريدة الزايت: ألا ترى أنه بذلك يزحزح الصداقة إلى جوار الاتفاق المصلحي. ألم تكن تلك الصداقة ربما ذات طبيعة جد استراتيجية ؟ صفرانسكي:نعم، هناك الاستراتيجي من جهة وهناك الواقعي من جهة أخرى وهذا أمر مجرد للغاية. ولا يمكن استبعاده إطلاقا . جريدة الزايت: لقد قام كلاهما أيضا بنشر النفحات المشهورة، هاجما بها منافسيهم من الأدباء والسياسيين. وتلك فضيحة. صفرانسكي: هذا شيء مبتذل وكثيرا ما يكون صعب الفهم ولكنه عادي جدا. لقد تم تكريم» فيلهلم هاينز» وهو كاتب ناجح في ذلك الوقت بسبب إنشاده لبيت شعري متميز. ولازالت سلسلة النقاشات اليوم تدور حوله بشكل لا يصدق. جريدة الزايت: لابد أن كليهما كان يشعربسرور مؤكد عندما تخلصا من سوء المعاملة. صفرانسكي: نعم، كان «غوته» يزور» شيلر» باستمرار في «يينا». كانت «كريستيان»، زوجة «غوته» لاحقا، اشتكت من غياب زوجها أما « شارلوت» زوجة «شيلر»فكانت لا تستطيع النوم ليلا لأن صوت ضحكهما كان مرتفعا. لقد التزما بجزء كبير من أفكارهما وتمازجت بينهما علاقة العمل بما هوعاطفي بسرعة. وعلى الرغم من أن «غوته» كان لديه ذلك الخوف الدائم من الموت والمرض فإنه كان يزور» شيلر» عند نوبات مرضه أو كان يأخذ أولاده معه للتخفيف عن الأسرة. كان غوته يحضر معه عند زيارته ل «شيلر في كثير من الأحيان هدايا للمطبخ كاللفت والأرانب و السلطة و شيئا للأطفال أيضا. وذات مرة حمل معه لعبة الورق المعروفة ب» الكيوتين»، إلا أن هذه الصداقة عرفت حدا واحدا فقط. جريدة الزايت: هل تقصد السيدة «كريسيتيان فلبيوس»؟ صفرانسكي: نعم، بالضبط. لم يقم» شيلر» بتحيتها ولو مرة واحدة. إن عيشة الأزواج غير القانونية لغوته هي فضيحة اجتماعية لم يستطع» شيلر» التخلص منها أيضا. وقد وجد أن حياة الحب ل»غوته» تعرف القليل من الفوضى خاصة وأن «شيلر» كان على العكس من «غوته»، إذ بعدما تزوج من»شارلوت» صعد نجمه اجتماعيا إلا أن ذلك لم يجعله مسيطرا تماما في المجال الأدبي. وقد كان في كثير من الأحيان منشغلا بالنساء رغم أن « كريستيان» كانت تعتني به أما هوفلم يقم بذلك سوى مرة حين قام بالتجديف بها عبر بركة مائية ولعله يكون قد أحسن بعمله هذا. جريدة الزايت:إلى أي حد كان الاثنان فعلا واعيين بأن صداقتهما سوف يكون لها تأثير بعد وفاتهما؟ علما بأن « غوته» كان يحافظ على ظهور تبادل الرسائل خلال حياته سنة 1829. صفرانسكي: بطبيعة الحال، لقد كانا متفهمين لبعضهما البعض و يشعران بأنهما يمثلان الثقافة الألمانية. ويبدو جليا لديهما أن صداقتهما لها معنى رمزي أو بمعنى اخر ما وراء الشهرة. لقد وحدا بين نموذجين أصليين للفكر. فالأول، «غوته» ، كان يتعيش من « الطبيعة» وتشبع كليا بالصداقة المثالية الروحانية. أما الآخر، شيلر، فكان يتعيش من «الفكر» ومع ذلك اندمج في واقعية غوته نفسه. لقد أسهم الأول باقتراحات جديدة في مجال الطبيعة كما أسهم الثاني في مجال الحرية و مع ذلك فإن العلاقة المتوترة بين الاثنين لازالت سارية فينا إلى يومنا هذا: فكم من الحتمية في العالم و من الطبيعة ومن الحرية وما مقدارالطاقة الإبداعية لدينا؟ انظروا فقط إلى المناقشات التي تدور حول أبحاث الدماغ. جريدة الزايت:كيف واصلت الصداقة بين «غوته» و«شيلر» تأثيرها؟ صفرانسكي: لقد انتشرت في عصر الرومانسية ثقافة «الصداقة» قوية جدا و ظهر في وقت لاحق شعراء دائرة «ستيفان جورج». وفيها برزتأثير نموذج هذه الصداقة الكلاسيكية بين «غوته « و»شيلر» اللذين كانا ينظران من حين لآخر إلى صداقتهما كنوع من التحصين.