لعل حكومة بنكيران ستكون الحكومة الأكثر جدلا في التاريخ السياسي الحديث للمغرب المعاصر .. لاعتبارات كثيرة، أولها الظرفية التي جاءت فيها وثانيها المهام الثقيلة التي تنتظرها، ليس أقلها التنزيل السليم لمقتضيات وأحكام الدستور الجديد بتأويل ديمقراطي واضح لا يمتح تفسيراته من القديم . الحكومة الائتلافية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، مطالبة أيضا وملزمة بإنجاز مخطط تشريعي يمتد داخل وطوال هذه الولاية التشريعية.. لاستكمال الورش الدستوري وإعطاء قيمة ومعنى حقيقي لما أنجزه المغاربة دولة ومجتمعا وفي تخطي صعوبات ومقالب ومطبات ما سمي عسفا «ربيعا عربيا». بين الوثيقة الدستورية و القوانين التنظيمية وقبلهما المخطط التشريعي .. اختارت الحكومة وضعية «القرفصاء».. بمعنى الاتكاء على الانتظارية من جهة، والتحجج بالتبريرات التي تجعل الحكوميين في وضعية المظاليم والمستهدفين من قبل التماسيح و العفاريت.. والنتيجة.. ألا شيء أنجز في سنة أولى حكومة. أو لنقل سنة أولى تشريع . الحصيلة .. إذا تناولنا حصيلة الحكومة الحالية، خصوصا في الشق التشريعي والجانب المتعلق ببناء ترسانة قانونية تعضد المنجز الدستوري .. يكاد يتفق الجميع أن الحصيلة بئيسة ضعيفة يتيمة، قانونان تنظيميان في ظرف سنة وما ضمن في «المخطط التشريعي «الذي قيل عند الحديث عن البرمجة الزمنية.. أن جدولة خمسة قوانين تنظيمية مرتبطة بسير الحكومة و المالية ولجان تقصي الحقائق والمحكمة الدستورية وحق الإضراب ، فقوانين مجلس المنافسة والهيئة الوطنية للنزاهة وهيئة المناصفة والمجلس الاستشاري للأسرة و الطفولة.. كل هذا سيتحقق قبل متم سنة 2012 .. بات في حكم المستحيل .. لأنه أصلا بدأ كلاما في الهواء و لا أساس له في الواقع .. باعتبار الوتيرة التي تشتغل بها الحكومة المذكورة وأيضا ما يخترق «الاختلاف الحاكم» من تناقضات . تصدع الأغلبية عامل معطل.. منذ مدة لا تقل عن ستة شهور، بما يعني نصف السنة التشريعية الماضية.. والأخبار تثري طرية عن مستوى التوتر الذي يعيشه الائتلاف الحكومي، حيث مكوناته لا تتردد مطلقا في كشف تناقضاتها ليس فقط في الاجتماعات التي تضم أغلبيتها، الحزبية أو المؤسساتية.. بل على صفحات الجرائد والمواقع.. في جل الملفات وعلى أكثر من صعيد، لا يتردد حزب العدالة في انتقاد ولوم الحليف الرئيس ونعني به حزب الاستقلال، كما لا يستنكف قياديو هذا الأخير عن توجيه اللكمات المباشرة لغريمه قائد التحالف . هذا الوضع كان طبيعيا أن يعطل عمل الحكومة على عدة واجهات .. البوليميك بات توجها رسميا لدى الحكومة، والعمل قليلا ولا بصمات إلى حدود اليوم على التجربة التي أنتجتها صناديق الاقتراع وسياقات مغرب ما بعد فاتح يوليوز 2011. إذن هي شروخ باتت واضحة على مكونات الأغلبية، وديس ميثاق الأغلبية بأرجل الأغلبية.. وضاع المخطط التشريعي و القوانين التنظيمية بين أرجل هؤلاء أيضا .. هذا هو الواقع بكل تصرف.. وبلا مزايدة . رئيس الحكومة و التأويل غير الديمقراطي.. كلما تحدث رئيس الحكومة في اجتماع أو تجمع ، لا يهم.. عن قضية مرتبطة بأسئلة المغرب الراهن ، إلا واشتم من مواقفه التفسير الماضوي والمحافظ لكل ما أنجز .. هو في تقديره أن المتن الدستوري خاضع لموازين القوى و تنزيل بعض مضامينه وترك المؤسسات الدستورية تعمل وفقا لروحه وسياقاته.. أمر يمكن تأجيله ، خصوصا إذا قررت مؤسسة رئيس الحكومة التنازل عن صلاحياتها الواضحة في الوثيقة والاختباء وراء المؤسسة الملكية والقيم عليها.. تقديم مفهوم الثقة و تقارب على الشرعية الديمقراطية وثقافة الإنجاز.. مسألة يتقنها و ينتصر لها رئيس الحكومة السيد عبد الإلاه بنكيران، هذا السلوك السياسي للمسؤول المذكور أنتج أعطابا وخلف قراءات تفيد بالمختصر، أن رئاسة الحكومة غير مهتمة بتأويل ديمقراطي للوثيقة.. رغم التنبيه المباشر للملك في إحدى خطبه الرسمية بضرورة الحرص على التأويل الديمقراطي .. نعم هذا ما حصل وما زال يقع ، فقط لأن رئيس الحكومة وحزبه و جزء كبير من قياداته يعتبر أن نتائج صناديق الاقتراع أقوى بكثير من ضرورة احترام مقتضيات متن دستوري جامع لقوانين تنظيمية هي بمثابة أعمدة أساسية في البنيان و الهندسة الدستورية. رجل الدولة الحقيقي.. التعامل مع وثيقة دستورية بخلفية ديمقراطية، تتطلب رجل دولة حقيقي عارف ومدرك لما تريده البلاد وما يبغيه الوطن وقواه الحية ، رجل الدولة هذا إذا وجد في أعلى هرم المسؤولية الحكومية وقدر عليه أن يكون قائدا لفريق منتخب و معين.. مطلوب منه الإنصات العميق وواجب التحفظ والعمل كثيرا في صمت، لتهييء البلاد حتى تكون قادرة ومؤهلة للتناغم مع الأوراش المفتوحة .. خاصة الورش الدستوري والسياسي. أما التعامل مع الدستور مثل ورقة ثانوية في محفظة رئيس الحكومة .. فذاك أمر لا يبشر بخير، وسيفتح الحقل السياسي على مخاطر غير محسوبة سيكتوي بها الجميع.. لهذا نقول لا حول ولا قوة إلا بالله .. ما يقع اليوم على مستوى تنزيل وتطبيق مضامين الدستور.. أمر مخيف إذا لم يكن مريبا.