تواردت على الجريدة العديد من المراسلات والشكايات حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية المزرية بمنطقة أولاد عمران، تتحدث عن الفساد الذي شمل كل القطاعات: التعليم، الصحة، الأمن والقضاء. كما تتناول الاختلاسات والتزوير بالجماعة والتلاعب بصفقة تسيير السوق الأسبوعي بمداخيله وبالإعانات الموجهة للمواطنين وانعدام الأمن والإنارة وقنوات الصرف الصحي وتلوث مياه الشرب وانتشار الأزبال والبطالة والتهميش، وتتطرق بإسهاب إلى معاناة المواطنين البسطاء مع رئيس الجماعة ورئيس الدرك والقائد والطبيب... وحتى نتيح مجالا واسعا لكل الأطراف، قررنا في هيأة التحرير، بعد إلحاح كاتب الفرع وبعض المناضلين والعديد من المواطنين، زيارة المنطقة للاطلاع على الأوضاع هناك عن كتب لنستمع إلى وجهات نظر المسؤولين بها حول هذه المشاكل التي تغرق فيها المنطقة... مشاكل بالجملة... انطلقت بنا الحافلة مساء يوم الاثنين 28/01/2013 من محطة أولاد زيان بالدارالبيضاء في اتجاه جماعة أولاد عمران. كانت الطريق وعرة وخطيرة، وكانت الحافلة تتمايل، بل تترنح ذات اليمين وذات الشمال، تهتز وهي تعلو وتنخفض بشكل متفاوت، خفيف تارة وقوي تارة أخرى. وكانت وتيرة هذه الترنحات والاهتزازات تزداد قوة كلما بعدنا عن الدارالبيضاء لتبلغ أوجها بعد جمعة أولاد عبو باتجاه أولاد عمران، حيث كانت الطريق تزداد سوء وضيقا. وصلنا حاولي الساعة الثامنة ليلا، وبمجرد أن وطأت قدمي الأرض، تنفست الصعداء وحمدت الله على السلامة. غادرت الحافلة المنطقة فعم السكون واقفر المكان... جلت ببصري في الفضاء الذي أقف فيه، المكان خال إلا من مجموعة من الكلاب الضالة والمقهى الوحيدة التي يجلس بها شخصين أو ثلاثة. انتابني شعور غير مريح وأحسست بالغربة والوحشة، نظر إلي زميلي اهنودة وقال معلقا بأسلوبه الساخر بعد أن قرأ تعابير وجهي: هل هذه جماعة أولاد عمران أم إحدى قرى مالي أو الصومال؟... كانت المنطقة تبدو كئيبة موحشة، بائسة وفقيرة. وزادها انعدام الإنارة وسوء المسالك والطرقات بؤسا ووحشة، لم ينقذنا من هذا الإحساس إلا كاتب فرع الاتحاد الاشتراكي الذي كان في انتظارنا على الجانب الآخر من الطريق الرئيسية الضيقة والمتآكلة. استقبلنا قائلا: «مرحبا بكم في أولاد عمران. حتى الجماعة والسلطة ترحب بكم، فقد نظفت الجماعة من الأزبال وخاصة قرب مقر الحزب... كان يجب أن ندعوكم للحضور منذ مدة طويلة لتخلصوننا من حصار الأزبال... لا أدري كيف شاع خبر حلول طاقم صحفي من جريدة الاتحاد الاشتراكي بالجماعة. الكل متأهب ومستنفر»... وجدنا التراكس قد سبقنا إلى هناك، إذ مازالت آثار عجلاته مرسومة على الأرض الموحلة، جمعت الأزبال من الزنقة التي يوجد بها مقر الحزب والتي تعين أن نقيم بأحد بيوتها، كما نظفت باقي المناطق التي اعتاد السكان على تراكم الأزبال بها دوما. الأزقة مظلمة غير معبدة وموحلة بسبب المياه القذرة المتسربة من الدور. استعنا بالضوء المنبعث من هواتفنا لنحدد مواطئ أقدامنا ونحن نعبر الزقاق في اتجاه مقر الحزب والإخوان أمامنا يحذروننا من الوقوع في الخفر أو الضايات ويضيئوا لنا الطريق وهم يعلقون على سوء المسالك والطرق وانعدام الواد الحار والإنارة والأمن وهي أول المشاكل التي عايناها ليلة حلولنا بجماعة أولاد عمران. دخلنا مقر الحزب حوالي الساعة الثامنة ليلا، وجدنا مجموعة من المناضلين في انتظارنا وقد هيأوا لنا الشاي وقدموا لنا الفواكه الجافة. بعد الترحيب وقبل أن نرشف الرشفة الأولى من الشاي، بدأ الإخوان في استعراض المشاكل... الكل مستاء حانق، لكن متفائل وممتن للجريدة لهذه الالتفاتة الإنسانية والاجتماعية التي خصت بها هذه المنطقة المنسية والمنكوبة على حد تعبير أحد الإخوة. حوالي الساعة العاشرة ليلا، افترقنا على أساس أن نلتقي صباح الغد للقيام بجولة استطلاعية بالمنطقة. حالة استنفار... في صباح اليوم الموالي، هاتفني زميلي اهنودة للالتحاق به أمام مقر الحزب. حوالي الساعة الثامنة والنصف، وجدته على بعد ثلاثة أمتار من البيت الذي أقيم به قرب المقر. كان رفقة كاتبي الفرع الحالي والسابق وشخص ثالث لم أعرفه. تكهنت أن ذلك الشخص رجل سلطة لا ريب في ذلك، لأن زميلي الطيبي كان يتحدث إليه بتوتر ونرفزة... هذا غالبا ما يحدث له كلما استفزه شخص خصوصا من السلطة. بعد التحية، سألته ما الأمر؟ فقال: «كنت أصور الأزبال المتبقية في هذا الزقاق، فقصدني القائد يستفسرني من أكون وماذا أفعل... وكأنني لست مواطنا مغربيا». سألت القائد: «أليس من حقنا أن نصور الأزبال؟!... نحن لا نصور سدا أو قاعدة عسكرية... هل بدونا لك إرهابيين؟!....». قال: «إنه سؤال روتيني بحكم عملي يجب أن أعرف من تكونان». قلت له: «نحن صحفيان من جريدة الاتحاد الاشتراكي. لو لم تبحث عنا لكنا بحثنا عنك، لأن لقاءنا معك ضمن برنامج عملنا في هذه الزيارة الاستطلاعية». قال: «مرحبا بكم». وضربت معه موعدا صباح ذلك اليوم. كانت الجماعة تعرف حركة ذؤوبة لتحرير الأزقة من الأزبال وكان القائد يجوب الجماعة منذ الصباح الباكر. كانت الأعين تلاحقنا خلال جولتنا بالمنطقة، كما يحدث مع أي غريب يحل بمنطقة سكانها معروفون ودورها محدودة ومتناثرة، خصوصا إذا كان هذا الغريب امرأة فكيف إذا كانا صحفيين!... ما أثارني في هذه الجماعة هو عدم وجود النساء بالشارع قضيت يومين دون أن أصادف امرأة. تعجبت للأمر، فسألت الناس، فقال لي أحدهم: «الناس معروفون في الجماعة وليس هناك مكان تخرج له المرأة. الرجال والأطفال هم الذين يخرجون لجلب حاجيات البيت، أما النساء فمن العيب أن يخرجن... لا يخرجن إلا للمستشفى أو لزيارة الأهل أو الاجتماع في ما بينهن في البيوت. وإذا شعرن بالضيق أو القنوط يخرجن وأبناءهن في جماعات إلى الزرع (يقصد الحقول القريبة) يشربن الشاي ويتحدثن، بينما يمرح الأطفال وسط الزرع». جماعة أغناها الخالق وأفقرها المخلوق .... أنشأت جماعة أولاد عمران سنة 1967 على مساحة حوالي 137 كلم مربع، تضم ساكنة تقدر ب12000 نسمة وتتكون من ثلاث مشايخ: مشيخة المركز ومشيخة دوار أولاد الشيخ ومشيخة دوار أولاد الخاوة. وتشتمل على مركز وأكثر من 25 دوارا. وتبلغ نسبة استفادة الدور بها من الماء الشروب 90%، لكنه ماء ملوث، ومن الكهرباء 90% أيضا، بينما تنعدم الكهرباء بالأزقة والطرق. لكنها تفتقر إلى قنوات الواد الحار الذي تأثث مستنقعاته ومجاريه كل أزقة وطرق جماعة أولاد عمران. وكما صرح لنا القائد، وجهت مراسلات عديدة من القيادة إلى الجماعة بشأن هذه المشاكل خصوصا الإنارة، لكن دون جدوى. تشتمل الجماعة أيضا على مركز وأكثر من 25 دوارا تشتهر بأراضيها المترامية والمنبسطة والخصبة والغنية، لكن معزولة بسبب وعورة المسالك وانعدام الطرق وسوئها وقلة وسائل النقل إلا البدائية من عربات ودواب هي الأخرى تواجه مشاكل بمجرد تساقط الأمطار لصعوبة الطرق وخطورتها بسبب كثرة الحفر والأوحال والمستنقعات. كما تضم مجموعتان مدرسيتان وثانوية إعدادية وحيدة ومركز صحي وحيد وفقير ودار ولادة وحيدة مغلقة تحتاج إلى ولادة جديدة، يتحدث الجميع عن الأعداد الكبيرة من الوافدين عليهما، خصوصا على المستشفى من دواوير الجماعة وغيرها، وعن قلة الأدوية وانعدام التجهيزات وسوء الخدمات بهما حتى الطبيب والممرضة الوحيدة التي تساعده رغم إصابتها برجلها التي تحركها بصعوبة في غياب زميلتها التي ذهبت في إجازة مرضية أسهبا لنا في الحديث عن المشاكل التي يعيشها المركز الصحي وطاقمه الصغير من خصاص واكتظاظ بالإضافة إلى مشاكل التنظيم والتعامل والمواجهة مع الوافدين عليه من كل الدواوير المحيطة. تضم الجماعة أيضا حماما وحيدا فوائده قليلة ومشاكله عديدة بسبب ضيقه وعدم صيانته وصلاحيته وقلة صبيب المياه بصنبوره والاكتظاظ الشديد به، خصوصا في فصل الشتاء وليالي الأعياد. كما تضم مسجدا وحيدا صغيرا بمرافق غير مجهزة ولا نظيفة يعرف هو أيضا اكتظاظا شديدا أيام الأعياد، ودار وحيدة للطالبة بطاقة استيعابية جد محدودة ومشاكل غير محدودة العدد والنوع أهمها سوء التسيير، ودار شباب مع وقف التنفيذ ومقر للجماعة وهي بيت القصيد... جماعة لو شاء رئيسها -وأبوه الرئيس السابق لولايات متعددة- لكانت من أغنى الجماعات القروية بالمغرب، لكن انعدام الرؤيا والتخطيط والأمية وانعدام الضمير وغياب حس المواطنة وحضور سياسة النهب والنصب بتواطؤ مع بعض أعيان المنطقة وبعض رجال السلطة والدرك فرض عليها أن تكون جماعة لنهاية كل شيء... الحضارة، التنمية، الديمقراطية والكرامة... وفرض على ساكنتها الفقر والتهميش والإقصاء، وعلى شبابها البطالة والانحراف، وعلى نسائها الاعتقال الاختياري إن لم يكن إجباريا بحكم الأوضاع المتردية بالجماعة ومحيطها وانعدام وسائل التثقيف والتكوين، فبالأحرى التسلية والترفيه، بل بكل المنطقة، وعلى أطفالها الحرمان من عيش طفولتهم، فبالأحرى صباهم وشبابهم... لا أندية رياضية ولا نسوية ولا ملاعب ولا حدائق ولا مقاهي... أما السينما والمسرح والمسبح وغيرها... تقول إحدى الطفلات: «لا نراها إلا في التلفزة، في الأفلام والمسلسلات. ونرى ماكدونالد في الإشهار»!... المسؤولون بالدرك، القيادة، الجماعة والسلطة وأعيان المنطقة طبعا يهربون من جحيم المنطقة إلى الحواضر القريبة كاليوسفيةوسيدي بنور للاستحمام والاستجمام والتسوق والتسلية والترفيه ويحرصون على بعث أبنائهم للدراسة هناك، بينما يظل باقي السكان الفقراء والبسطاء محاصرين في المنطقة يتخبطون في المشاكل، يعانون الحرمان، الإقصاء، التهميش والظلم... مشاكل الجماعة وجولة الكر والفر مع رئيس الدائرة... بعد جولة استكشافية للجماعة، توجهنا للقاء القائد بمقر القيادة. ما إن أخدنا مقاعدنا بمكتبه حتى دخل علينا رجل ببذلته الرسمية، عرفنا أنه رئيس الدائرة: رجل طويل القامة رفيعها، أبيض السحنة بملامح شمالية. كان يتحرك ويتحدث بوتيرة متسارعة يبدو رياضيا، واثقا، نشطا ومستنفرا، ترافقه سيدة شابة لا يبدو عليها أنها من المنطقة أيضا، أخذت مقعدا مثلنا في مواجهتنا حول الطاولة العريضة الواقعة قبالة مكتب القائد، بينما تخلى هذا الأخير عن كرسيه لرئيس الدائرة مكتفيا بالجلوس على كرسي بيسار مكتبه، فاسحا المجال لرئيس الدائرة، الذي تصدر المكان، للحديث معنا بدلا عنه. أصبح رئيس الدائرة سيد الموقف، كنا نحاول جره للحديث عن مشاكل الجماعة، فكان يجرنا إلى الحديث عما أسماه بالمنجزات بالمنطقة مثل عملية الضم والسقي والتنقيط و... و... وعن الخصائص والمزايا التي حباها الله للمنطقة من ثروات طبيعية وفلاحية وفرشاة مائية وأرض منبسطة خالية من الحجارة بتربة خصبة ومعطاءة. إسهابه هذا في الإطناب على هبات (الخالق) على الجماعة، جعلنا نبدي له تعجبنا لعدم انعكاس ذلك على سكان المنطقة الذين يعيشون الفقر والبطالة والتهميش بسبب سوء تدبير (المخلوق) المفروض على الجماعة، خصوصا أن أوضاع الجماعة وساكنتها تتعارض مع طبيعة هذه المنطقة المعروفة بسهولها المنبسطة والخصبة والمعطاءة على حد تعبيره. كان رئيس الدائرة يجد لكل مشكل تبريرا مدافعا تارة عن القائد وتارة أخرى عن رئيس الجماعة... مشيرا إلى أن الإكراهات والمشاكل في كل مكان خاصة مع انعدام التجاوب بين المجلس الجماعي والمجالس البلدية وأعيان المنطقة ورجال السلطة وكذا المجتمع المدني وصعوبة العقلية بالعالم القروي والثقل الكبير الذي يمثله هذا العالم، موضحا أن القائد كرجل سلطة عادي لا يمكنه أن يحل كل المشاكل: الصحة، الماء، الكهرباء، الطرق، الأمن،... خصوصا أن المواطن يلجأ إلى القائد لحل كل هذه المشاكل، فيزداد الثقل على القائد في غياب المسؤولين المعنيين والمتعاونين في هذه القطاعات. وعندما حدثناه عن سوء الأوضاع بالجماعة وتلوث المياه وانعدام الإنارة بالأزقة والطرق وتلوث الأزقة بمياه الواد الحار، كان يرد الأمر لانعدام الميزانية ونرد بدورنا الأمر إلى سوء التسيير والتبذير، فيهرب بنا إلى تساوي الأوضاع بالجماعات القروية والثقل الكبير الذي يمثله العالم القروي والعقلية الصعبة بهذا العالم. وعندما حدثناه عن مشاكل السوق الأسبوعي لأربعاء أولاد عمران وسوء التدبير والتسيير به والنصب والاحتيال في صفقات تسييره وغلاء تسعيرات الصنك به، أمرنا بمقارنته بباقي الأسواق الأسبوعية بقرى المغرب... خرجنا من القيادة ونحن نتساءل هل كنا فعلا بمكتب القائد مع رئيس الدائرة أو في مقر الجماعة مع رئيس الجماعة؟!... عمليات الضم أم قضايا الظلم؟!... بخصوص عملية الضم التي حدثنا عنها رئيس الدائرة سألنا مجموعة من المواطنين عن مزاياها المتعددة التي استعرضها علينا، فكان جواب أغلبية الفلاحين أنها مزايا افتقدها الفلاحون البسطاء، بينما استفاد منها أعيان المنطقة من الفلاحين الكبار... وأسهبوا في الحديث عما شابها من محسوبية وزبونية وحيف وظلم... يقول أحد الفلاحين المتضررين: «أجود الأراضي وأكبرها سلمت للأعيان وأسوأها من الأراضي التي تغطيها الحجارة فرضت على الفلاحين من المواطنين البسطاء والفقراء. وعندما أبدينا احتجاجنا قدمت لما تبريرات واهية وغير موضوعية ولا منطقية... من قزمت مساحة أرضه قيل لنا إنه عوض بأحسن منها... وعندما احتججنا على مضاعفة أراضي الأعيان على حساب أراضينا قيل لنا إن الأرض التي سلمت له أسوأ من أرضه... والواقع أن هناك من خسر المساحة والجودة وأغلبهم من الفلاحين الفقراء من المواطنين البسطاء... وهناك من ربح أكبر المساحات وأجود الأراضي وكلهم أعيان!... السوق الأسبوعي المتنفس الوحيد يوم الأربعاء هو يوم السوق، عيد بالنسبة لسكان المنطقة خصوصا النساء والأطفال الذين يفدون من كل الدواوير راجلين أو راكبين البكوبات والهوندات والعربات المجرورة... لا يمكن لسكان قيادة أولاد عمران أن يفوتوا هذه الفرصة للتسوق والفسحة ولقاء العائلة والجيران. عند مدخل السوق الرئيسي استقرت مياه الواد الحار على عرض المدخل عبرناها كباقي الوافدين على السوق كان السوق غير منظم تعمه الفوضي والأزبال والازدحام وتتفاوت فيه الأثمنة. عند أحد مداخل السوق الجانبية وقف الجابي يجمع مداخيل الصنك لم تكن لائحة الصنك معلقة ولم يكن يسلم الوافدين الراكبين أي صنك... سألناه لماذا لا يقدم الصنك للناس مقابل أدائهم لواجب الصنك، فقال: «أنا ماشي مول الشي، أنا غير خدام. واستمر في جمع النقود من الوافدين دون أن يفلت أحدا. سألته: «وماالذي سيضمن لمول الشي أنك ستسلمه كل المداخيل وأنت لا تسلم الناس الصنك ولا تعلق لائحة تعرفة الصنك». فأجابنا أن اللائحة معلقة في الباب الرئيسي. فقط يوم الأربعاء التقيت النساء بالسوق الأسبوعي وبالمستشفى والجماعة: تقول إحدى النسوة: «من المستحيل أن نفوت السوق، فهو المجال الوحيد الذي نتزود منه بحاجياتنا ونلتقي فيه بمعارفنا ونحرك فيه أرجلنا وأعيننا بعيدا عن جدران البيوت التي أكلت برودتها عظامنا. وهو الفضاء الوحيد الذي نأخذ إليه أبناءنا للتنفيس عنهم خصوصا في العطل، فهم لا يخرجون إلا للمدرسة أو للرعي. لا مجال للترفيه أو التسلية. إنهم يفتقدون كل شيء هنا. ومن له إمكانيات مادية وله سيارة يمكن أن يأخذ أبناءه إلى اليوسفية أو سيدي بنور. نحن الكبار قد مرت أيامنا باش ما عطا الله. المشكل هو مشكل هؤلاء الأطفال الذين يعيشون الحرمان». تضيف سيدة أخرى: «حتى هذا السوق نحرم منه عند سقوط الأمطار، فلا سيارات الأجرة الكبيرة ولا العربات ولا الدواب تستطيع الوصول إليه بسبب انعدام الطرق المعبدة وكثرة الحفر والأوحال والضايات». الرئيس الشبح... لليوم ثالث على التوالي توجهنا إلى الجماعة للسؤال عن رئيسها الذي لم يأت إليها منذ حلولنا بها يوم الاثنين 28/01/2013. لم يأت حتى يوم السوق الأسبوعي الذي يحج إليه السكان من كل الفئات والأعمار. قصدنا مكتب الكاتب العام نسأل عنه، كنا كمن يبحث عن متغيب... أخبرنا أنه لم يأت بعد. وقال أحد الحضور: «لقد شوهد هذا الصباح في أولاد عمران»، وأكد ذلك كاتب الفرع الذي كان يرافقني. فعقب الكاتب العام: «إذا ظهر في أولاد عمران معناه أنه سيأتي لمقر الجماعة». فقلت له: «اتصل به هاتفيا وأخبره أننا في انتظاره». فأجاب: «نعم سنتصل به». كان الكاتب العام يراوغنا في إجاباته، لأنه أصلا يعرف أن الرئيس لن يأتي أبدا. كان يبدو محرجا ومرتبكا نوعا ما... وكان إلحاحي يزيده ارتباكا... فغادر المكتب إلى المكتب المجاور. كانت إجاباته مجرد كلام ليتملص من إلحاحنا في طلب مقابلة الرئيس الشبح الذي يظهر ويختفي... عاد الكاتب العام إلى مكتبه، فتوجهت إليه بالحديث قائلة: «في انتظار أن يأتي الرئيس، أيمكن أن ندردش معك حول خصائص الجماعة وإمكانياتها، مساحتها وعدد سكانها، مميزاتها ومشاكلها»... فأجاب بحزم: «لا يمكن أن أقول لك شيئا، انتظري الرئيس»... فقلت له: «انتظرناه لمدة ثلاثة أيام»... فقال: «ليس لي الحق في التصريح بشيء. أنا موظف والإدارة لها رئيسها. آش غادي نكوليك؟... نحن أيضا لم نره منذ أسبوع تقريبا. نحن أيضا ننتظره»... ثم أشاح عني بوجهه وهو يقلب بعض الأوراق الموضوعة على مكتبه. ليلى... فتوة أولاد عمران صادف وجودنا بجماعة أولاد عمران وجود قافلة طبية بمقر هذه الجماعة لإجراء فحوصات طبية للساكنة التي تجمهر عدد كبير منها بمقر الجماعة منذ الصباح الباكر. ولكي لا أضيع الوقت في انتظار الرئيس الشبح الذي كنت متأكدة أنه لن يأتي، توجهت نحو الجموع أسألها عن مشاكلها وعن الأوضاع بالجماعة، ففوجئت لإجماع الناس على استيائهم من الأوضاع بالمنطقة بصفة عامة: الكل مستاء من رئيس الجماعة وقائد المقاطعة ورئيس الدرك ومن ليلى أكثر من هؤلاء جميعا، لأن كلمتها نافذة لدى مسؤولي المنطقة... من ترضى عنه ليلى يرضى عنه المسؤولون وتفتح في وجهه كل الأبواب، ومن تسخط عليه ليلى يسود ليله ونهاره الذي لا تضيئه إلا نار جهنم التي تفتح أبوابها في وجهه عندما ينزل عليه سخط رئيس الجماعة الذي يفبرك له التهم هو أو أبوه الرئيس السابق وما يتبع ذلك من معاناة بالقيادة ومركز الدرك... قلت في نفسي ربما ليلى هاته شخصية مهمة ونافذة بحكم مستواها ومركزها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، فسألتهم من تكون ليلى... فجاءني الجواب مخيبا، بل مخزيا: هي امرأة بدوية أمية، لكنها صاحبة اليد الطولى في السمسرة: سمسارة انتخابات، نزاعات وملفات وقضايا، بل دعارة... فالليالي الحمراء التي تكون ضيفة الشرف فيها ابنتها بإحدى الشقق بسيدي بنور هي حديث الساكنة... الكل يرهبها: نساء ورجال، أما المسؤولون بالمنطقة فيدللونها ويفتحون لها الأبواب على مصراعيها، طلباتها أوامر... فهي عين وأذن لهم منبتة وسط السكان والسوط الذي يلهب جلود هؤلاء الأخيرين إن تمردوا والجابي الذي يجمع الإتاوات ويحدد الرشاوي... تقول إحدى الشابات وهي تشعر بالاستفزاز إثر سؤالي لها عن ليلى: «إنها سمسارة تغرق من تشاء في قضية لا علم له بها أو تورطه في جريمة لا يد له فيها. وتنقذ من تشاء في جريمة هو مقترفها... الكل بمقابل والطريق سالك بالنسبة لها عند المسؤولين بالمنطقة هي وابنتها... عندما تكون ابنتها بمقر الجماعة أو بمركز الدرك تدخل وتخرج بخيلاء وعظمة أمام الناس وكأنها رئيسة الجماعة أو رئيسة مركز الدرك»... يقول شاب آخر عن ليلى: «حتى الدقيق المدعم لها شأن فيه 20 درهما للبون للحصول على كيس من الدقيق الذي يصل ثمنه أحيانا إلى 150 درهما». هذا طبعا يجرنا للحديث عن الإعانات الموجهة سواء للفلاحين من حبوب وعلف أو للمواطنين كالإعانة الرمضانية والدقيق المدعم، وخصوصا هذا الأخير، الذي كان أكبر هم لدى المواطنين. الكل يتحدث عن الحيف والإقصاء والاحتكار والتلاعب والسرقة والغش في الوزن والثمن في هذه الإعانات، حيث يحرم الفقراء والعاطلون والمعاقون والأرامل والأيتام منها ويستحوذ عليها الموالون لرئيس الجماعة وممثلي السلطة أو تستغل للدعاية في الحملات الانتخابية السابقة لأوانها... خلال لقائنا مع القائد ورئيس الدائرة طرحنا المشكل فأكد رئيس الدائرة أن الأمر يتعلق بمشكل التنظيم لتدبير كل هذه المشاكل التي تعرفها الإعانات الموجهة للفلاحين والمواطنين، وأوضح أن هذه الإعانات هي دعم موجه لكل المواطنين، وأكد أن نسبة الفقر والهشاشة كبيرة 30% بهذه المنطقة التي تدخل في إطار برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لمحاربة الفقر. بينما أرجع القائد ذلك إلى وجود إشكالات قانونية تحول دون تنظيم توزيع الفائض من حصة دوار على دوار آخر به خصاص أو نقص في الحصة المخصصة له. ليس من رأى كمن سمع... كنا طيلة أيام هذه الزيارة الاستطلاعية نعود إلى مقر الفرع للاجتماع لمناقشة عمل اليوم وتحديد مهام اليوم الموالي، لكننا كنا نجد في انتظارنا العديد من المواطنين الذين بلغهم خبر وصول صحفيين من الاتحاد الاشتراكي، فوجدوا أنها فرصة لتقديم شكاويهم لطاقم الجريدة ولاستعراض مشاكلهم مع صحفييها. لم يكونوا من سكان الجماعة فقط، بل من قيادة أولاد عمران كلها. كانت مشاكلهم عديدة أغلبها حول صعوبة العيش بالمنطقة بسبب البنية التحتية واستشراء الفساد الإداري والفقر والتهميش والحرمان... وكان كل واحد يحمل ملفا قضائيا: ملفات متعددة قديمة وجديدة تتعلق بالضرب وجرح، شهادة الزور، الترامي على ملك الغير، الاغتصاب، جرائم القتل، احتكار الدقيق المدعم والتلاعب بثمنه ووزنه... منها ما هو في طور التحقيق ومنها ما صدرت فيه أحكام ابتدائيا أو استئنافيا ومنها ما يطالب أصحابها بالمساعدة لعرضها على محكمة النقض كقضية أب تعرضت ابنته للاغتصاب وتعرض ابنه لجريمة قتل، يتهم فيها مغتصب ابنته، بعد أن يئس من مطالبته للقاضي بإخراج جثة ابنه هشام السعدوني لتشريحها. بالإضافة إلى الاعتداءات والمكائد والمضايقات المتنوعة والمتعددة التي يتعرض لها المناضلون والتي وصلت حد الضرب والجرح ومحاولة القتل وفبركة التهم والملفات والقضايا ضدهم. الغريب أن العديد من هذه القضايا يلعب فيها رئيس الجماعة أو أبوه الرئيس السابق دورا رئيسيا، لكن يفلتان منها كالشعرة من العجين!... ومنها ما هو جاري وأهمها القضية المرفوعة ضد الرئيس الحالي والمتعلقة بصفقة تسيير السوق الأسبوعي والتي تم رفض طلب منافسه في تسيير السوق رغم تقديمه لكل الوثائق والضمانات القانونية والمادية وهو ما يعد خرقا سافرا للقانون... وهي كلها شكاوي وملفات وقضايا سنتطرق لها وسنتابع أحداثها وتطوراتها كل واحدة على حدة... أنهينا زيارتنا وغادرنا زوال يوم الخميس 31/01/2013 جماعة أولاد عمران بعد أن انتظرنا طويلا رئيس الجماعة ويئسنا من لقائه... وعدنا في اتجاه مدينة الدارالبيضاء لتبدأ مهمتنا في التعمق في مشاكل جماعة وقيادة أولاد عمران التي أذهلنا الواقع المرير الذي يرزح تحت وطأته سكانهما بدون أن يحرك المسؤولون ساكنا... وكما قال أحد المواطنين: «نحن يئسنا من مطالبة المسؤولين بالالتفات إلى مشاكلنا والاهتمام بأوضاعنا وتحسين ظروف عيشنا... اليوم، نأمل التفاتة مولوية وزيارة ملكية تخرجنا من هذا الواقع وترفع عنا الحيف وتزرع في نفوسنا الأمل والرغبة في الحياة».