يبدو أن التداعيات الإقليمية والدولية للحرب الفرنسية على مالي بدأت تطل برأسها، وأول وابلها كان خطف تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» 41 رهينة أجنبية بينهم أميركيون وبريطانيون وفرنسيون ويابانيون، أي أنهم من الدول الكبرى التي دعمت فرنسا دبلوماسيا ومعنويا وعزفت عن مساعدتها عسكريا وميدانيا. ورغم الرد السريع وغير المتوقع من أكثر المتشائمين بباريس، فإنه أدخل الجزائر والدول الإقليمية في قلب صراع غير معروف أمده ولا نتائجه، ودفع بالدول المختطف رعاياها إلى المستنقع المالي، حتى ولو من الباب الدبلوماسي والضغط السياسي على الجزائر لثنيها عن استخدام القوة في تخليص الرهائن من أيدي جماعات ترى الجزائر التفاوض معهم خطا أحمر يمس بأمنها القومي. وهذا الخط الأحمر الجزائري أخرج مسؤوليها بتصريحات رافضة للتفاوض ومحاصرة المجمع السكني الذي يتواجد فيه الخاطفون والرهائن، الرد جاء مباشرا من الخاطفين بالطلب من الجيش الانسحاب حتى يتسنى للخاطفين التفاوض مع الدول التي يحتجز مواطنوها. ثم طالبوا بضمان خروج آمن لهم وللرهائن، مؤكدين أن العملية جاءت ردا على التدخل "الصارخ" للجزائر في الهجمات الفرنسية وفتح أجوائها أمام الطائرات. وعن هذا يقول الصحفي الجزائري فيصل مطاوي إن الملف معقد للجزائر التي تتعامل معه بطريقة أمنية، خصوصا أن الرهائن خُطفوا في منطقة بترولية حساسة، مما دفع وزير الداخلية للقول إن "الإرهاب" دائما يستهدف الجزائر خصوصا الجماعات الناشطة في الساحل الصحراوي، وبهذا تريد الجزائر الفصل بين حادثة الاختطاف وما يحدث في مالي. وأوضح أن الجزائر تقع بين مطرقة كيفية التعامل مع الخاطفين وسندان الضغط الدولي لمنع نهاية دموية لعملية الخطف، وهنا يكمن السؤال عن كيفية تحرير الرهائن دون تدخل عسكري، خصوصا أن الخاطفين هددوا بنسف المنشآت النفطية في حال قرر الجيش الهجوم. وتؤكد الأحداث أن الدبلوماسية الجزائرية ارتكبت أخطاء كثيرة في الملف المالي،وظلت لفترة طويلة -دون نتائج إيجابية- تدافع عن الحل السياسي التفاوضي والتواصل مع جماعة أنصار الدين وحركة تحرير أزواد، تم غيرت تعاملها وقامت بفتح أجوائها للطائرات الفرنسية بذريعة أنها تضرب "الإرهاب" في المنطقة. وهو ما يثير مخاوف جدية من ظهور أزمة أمنية جديدة في البلاد بسبب هذه الجماعات التي سبق لها ضرب الجزائر وقامت بتفجيرات وخطف رعايا أجانب، ذلك أن الجزائر رفعت من تأهبها الأمني و«أغلقت» حدودها الشاسعة الصحراوية مع مالي التي تبلغ نحو 1400 كلم، لكن هذه الحدود بحاجة إلى إمكانيات ضخمة لمراقبتها والتحكم بها، فهل التدخل الفرنسي المفاجيء في مالي ستدفع ثمنه الجزائر رغم أن الجزائر ليست الدولة الوحيدة التي فتحت أجواءها؟ يرى العديد من المتتبعين والمختصين في الجماعات الإسلامية بالمغرب العربي أن خطف الرهائن يستهدف الجزائر ومنشآتها النفطية حتى يجبرها على الدخول في الحرب إلى جانب فرنسا ويبرز أيضا تضارب الموقف الجزائري من مساندته "للمستعمر السابق" ضد بلد مجاور. ولكن جنسيات الرهائن ستدفع الحرب على مالي نحو التدويل، فدول المختطفين سيُضطر للتدخل على الأقل سياسيا ودبلوماسيا للضغط على الجزائر، لأن هذه الدول لن تقبل أن يقتل رعاياها فقط من أجل البترول والغاز. ومن الميستبعد ، على الأقل المدى القريب ، أن تضرب الجماعات في عقر دار الدول الغربية، خصوصا أن هذه الحركات ستكسب تعاطفا من أشخاص بهذه الدول قد تنفذ هجمات ثم ينسبونها لهذه الجماعات، والخطر الكبير يكمن في استهداف الرعايا الأجانب وتحديدا الفرنسيين المنتشرين بكثافة في أفريقيا. كما أن فرنسا وقعت في مفارقة كبيرة، فهي تدخلت لتحرير فرنسيين خُطفوا ولمنع خطف آخرين وجدوا أنفسهم أمام عمليات خطف أخرى، وتحاول فرنسا عدم الغرق أكثر في المستنقع المالي من خلال استعجال وصول قوات أفريقية قادرة على تعويض القوات الفرنسية على الأرض. عدم دعم أميركا وأوروبا لفرنسا مرده خلاف في النظرة الإستراتيجية للأمور، فأميركا والدول الأوروبية الأخرى ترى أن ما يحصل في مالي من تداعيات الربيع العربي، أي أن القوى الإسلامية التي استلمت الحكم في عدد من دول شمال أفريقيا وصلت لمالي، وترى أميركا أن جميع هذه الدول مآلها لحكم إسلامي ولا داعي للدخول بحرب ضدها خصوصا أن دول الجوار مسلمة. أما فرنسا فما زالت تحليلاتها الإستراتيجية قديمة أي من قبل الربيع العربي وتفيد بأن كل "الجماعات الإسلامية متطرفة وإرهابية ويجب محاربتها". فعملية الاختطاف نقلت الصراع بمالي إلى داخل الجزائر وأعطته بعدا إقليميا خصوصا أن الجزائر حساسة تجاه الخطر الأمني الذي عانت منه في السابق. وموقف الجزائر الرافض للتفاوض مع الخاطفين، خصوصا أنها امتنعت أكثر من مرة عن المشاركة في عمليات دفع فدية لإطلاق رعايا أجانب، إضافة إلى أن التفاوض مع الخاطفين سيفتح بابا واسعا أمام تكرار هذه العمليات، خصوصا أن اليد العاملة الأجنبية موجودة بكثافة في منشآت نفطية منتشرة في مناطق صحراوية شاسعة من الصعب السيطرة عليها. وهكذا يبدو أن الصراع في مالي بدأ يأخذ أبعادا إقليمية ودولية ولن يبقى صراعا محليا، فالاختطاف هو بداية التداعيات، لأن هناك علاقة عضوية بين ما يجري في مالي ودول المنطقة. فالعزوف الأميركي عن التدخل في أزمة مالي يعود إلى اعتقادهم بأن تدخلا غربيا سيؤدي لنتائج عكسية وإلى عدم التنسيق الإستراتيجي بين باريس وواشنطن ولندن وبرلين، لأن قراءتهم تفيد بأن هذه التنظيمات هي محلية لا أممية، ورغم ارتباطهم فكريا بتنظيم القاعدة فإن إمكاناتهم وطريقة عملهم بعيدة عن التنظيم الأم. ويرى الأميركيون أن على دول غرب أفريقيا التعامل مع الأزمة في مالي لقناعة غربية بالابتعاد عن هذا المستنقع، لأن الغرب قلق من أن تنعكس الأزمة المالية وتؤدي إلى تفجيرات وهجمات في شوارع العواصمالغربية.