تواجه المملكة الهاشمية احتجاجا سياسيا واجتماعيا غير مسبوقين. كما تزعزعها الحرب في سوريا و تهدد استقرارها. في المقابل لم تتمكن الإصلاحات الخجولة التي قام بها الملك عبد الله من تخفيف التوترات. سنتان وشهران بعد الانتخابات البرلمانية لنوفمبر 2010 ،يتوجه الناخبون الأردنيون يوم 23 يناير الجاري من أجل انتخاب برلمان جديد. وقد قررت جبهة العمل الإسلامي، الفرع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين و أهم حزب معارض مقاطعة هذا الاقتراع.الفرق الوحيد بين هاتين الاستشارتين هو أن انخابات 2013 تأتي فيما تعرف البلاد، منذ يناير 2011، حركة احتجاج سياسية و اجتماعية غير مسبوقة، تطورت في سياق «الربيع العربي» و هي الحركة التي لم يتمكن الملك عبد الله من السيطرة عليها. هل من شأن الاقتراع إطلاق الإصلاحات؟ هذا أمر قليل الاحتمال، لكون العاهل الأردني والأحزاب السياسية الرئيسية لهما منطقان مختلفان تماما. فالملك يعتبر أن هذا الاقتراع «يشكل مرحلة أساسية في مسلسل الإصلاحات و في المسيرة نحو المرحلة الانتقالية». وكدليل على إرادته الإصلاحية، غير الوزير الأول من جديد و عين دبلوماسيا سابقا هو عبد الله النسور، في أكتوبر 2012 .المشكل هو أن هذا الأخير هو خامس رئيس حكومة منذ بداية 2011. فإذا كانت استراتيجية «كبش الفداء» السياسي لم تشتغل فلأنها لم تكن مرفوقة بإصلاحات سياسية ذات دلالة. وهكذا فإن تعديل القانون الانتخابي وإنشاء لائحة وطنية ب 27 مقعدا إضافيا بالاقتراع النسبي، لم يؤثر على أسس وقواعد النظام الانتخابي، الذي يُحابي المناطق القروية و القبلية على حساب المدن الكبرى مثل عمان وإربد حيث يتركز الأردنيون ذوو الأصول الفلسطينية. فالفلسطينيون الذين جاؤوا إلى المملكة عبر موجات متتالية، منذ قيام دولة إسرائيل سنة 1948، يمثلون أغلبية واضحة في الساكنة الأردنية (أكثر من 60 بالمائة).بيد أن هذا الواقع الديمغرافي لا يتم الاعتراف به من طرف القصر. فالملك ليس مستعدا للمغامرة ببرلمان منتخب بالنسبية ولا التنازل عن دستور يسمح له بحل البرلمان و الحكم من خلال قوانين تنظيمية. لكن هل بإمكان الملك مواجهة الاحتجاج السياسي والاجتماعي؟ إذا كان «الربيع الأردني» لم يتنكب الطريق التي أطاحت بالنظام المصري فلأن «جبهة العمل الإسلامي»? كما لا يني يردد حمزة منصور أمينها العام ? تريد «الإصلاح وليس إسقاط النظام» ولو ظهرت في مظهر «معارضة صاحب الجلالة». هذا الموقف يندرج في التاريخ السياسي للمملكة الهاشمية: فالإخوان المسلمون، على عكس السلفيين، من دعاة الشرعية ويريدون الوصول للسلطة بطرق شرعية. فهم جزء من النظام السياسي الأردني منذ نهاية الأربعينات شاركوا في عدة برلمانات و في حكومات متعددة، و هم يعرفون بأن الملك هو ضامن الاستقرار في بلد هش مثل الأردن. أما مكمن الخطر بالنسبة للملك عبد الله فهو تراكم الأزمات.لأنه بالإضافة إلى الاحتجاج السياسي هناك الأزمة المالية، تطلبت اتخاذ تدابير تقشفية تسببت بدورها في احتجاجات اجتماعية قوية.ففي نوفمبر 2012 ألغى القصر سلسلة من الدعم انعكست على أسعار الغاز التي ارتفعت ب 53 بالمائة وعلى البنزين الذي ارتفع سعره ب 12 بالمائة. وبما أن هذه الزيادات تمس الجميع فقد اتسعت المظاهرات لتشمل مدن الطفيله و الكرك و معان و هي كلها معاقل للقبائل ومن هنا خطورتها. فقد شرع بعض المتظاهرين (و هم لا زالوا أقلية) في وضع شخصية الملك محل الاتهام، مطالبين برحيله.غير أن القبائل لا تريد أن تخطو خطوة المطالبة بإسقاط نظام يستفيدون منه أكثر من غيرهم. هل بإمكان الإخوان المسلمين فرض أجندتهم؟ ليس ذلك مضمونا في السياق الراهن. فبالإضافة إلى أن الانتخابات لن تغير كثيرا من توازن القوى السياسية بالبلاد فإن الإخوان يراهنون على صدمة قادمة من سوريا. فهم يرون مثلهم في ذلك مثل الديوان الملكي أن سقوط بشار الأسد سيتسبب في تأثيرات سياسية كبيرة في سوريا وكذا في المنطقة، و هو ما من شأنه أن يهز العاهل الأردني ويجعله منصتا أكثر لمطالب الإخوان المسلمين الأردنيين. فالمسألة السورية أصبحت الآن طاغية في الأردن، لسببين: تحتضن المملكة فوق أرضها حوالي 250 ألف لاجئ سوري، وهذا التواجد يثقل على المالية العمومية للأردن. كما أن الأردن ذات العلاقة الحساسة مع دمشق لم ترد على الاتهامات بكونها تساعد المتمردين. وبدا أن دمشق قد قبلت تطمينات عمان التي تقول أن دورها يقتصر على الجانب الإنساني. و لهذا السبب فإن الأردن تتشدد مع الجماعات السلفية الأردنية التي حاولت الالتحاق بالمتمردين السوريين. هل الصعوبات الاقتصادية بنيوية؟ نعم.فالأردن البلد الصحراوي في 92 بالمائة من أراضيه، يعتبر رابع دولة في العالم أكثر فقرا في الماء.كما أن البلد يستورد 96 بالمائة من حاجياته الطاقية. و هو لا يملك ثروات منجمية قابلة للاستغلال، رغم أنه يملك احتياطيات كبرى من اليورانيوم. فمصر تزوده بحوالي 80 بالمائة من الغاز لإنتاج الكهرباء، إلا أن أنبوب الغاز المصري قد تعرض للتخريب منذ فبراير 2011 خمسة عشر مرة من طرف قبائل سيناء البدوية. على المدى البعيد،تبدو المملكة مصرة على التزود بالطاقة النووية. و إذا كان هذا المشروع يتعثر فلأن هناك عدة أسباب من بينها اختيار الموقع الملائم لبناء المفاعل. لا أحد يماري في حاجة الأردن إلى طاقة من أجل تحريك مفاعلاتها الكهربية ومن أجل تحلية مياه البحر، لكن ما أن يتعلق الأمر بالطاقة النووية حتى تظهر العوائق التقنية والبيئية، ويعتقد الأردنيون بأن إسرائيل والولاياتالمتحدة تعرقلان سرا نجاح هذا المشروع. كما أن ثمن هذا المفاعل النووي يقدر بما بين 5 و 7 ملايير دولار و هو مبلغ هائل وغال جدا بالنسبة لبلاد تعاني من الصعوبات الاقتصادية البنيوية. فعجز الميزانية الأردنية قد تجاوز 3,5 مليار دولار في نهاية 2012 أي حوالي 40 بالمائة من ميزانية الدولة و أكثر من 10 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. كما أن الدين العام للدولة ارتفع ب 19 بالمائة في سنة واحدة كي يصل إلى72 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. ومن حسن حظ المملكة أنها تعتمد على عون خارجي مستمر خاصة من الولاياتالمتحدة ومن السعودية اللتين لا تريدان المخاطرة بزعزعة المملكة الهاشمية، و هي الزعزعة التي قد يكون لها مفعول الدومينو على الملكيات النفطية للخليج. صحيفة «لوموند» الفرنسية 14 يناير 2013