تحصيل الأموال عن طريق النصب والاحتيال من الضحايا المتورطين في ارتياد أماكن الدعارة. استغلال مركز هؤلاء الاجتماعي وخوفهم من الفضيحة. كل تصريحات الاظناء جاءت متطابقة في هذه النقطة؛ فالعصابة المتكونة من ستة افراد بينهم سيدة مطلقة في نهاية عقدها الثلاثين، فيما تتفاوت أعمار الخمسة الآخرين بين العشرينيات والخمسينيات، كما لا تجمعهم رابطة قرابة أو صداقة اللهم عامل الطمع، رغم وجود بعض العلاقات المهنية، مثل العلاقة التي تربط بين مفتش الشرطة وحارس الامن الشاب. لقد كانت عمليات النصب والاحتيال والطمع للإيقاع بالضحايا هو العامل الأكثر حضورا الذي جعلهم يتقاسمون الأدوار. البدايات ... وضع المخططات كانت عملية 26 دجنبر 2012 هي الضربة التي قصمت ظهر المجموعة وعجلت بسقوط باقي أفرادها تحت قبضت العدالة. فقد تطابقت أقوال المتابعين في القضية بكون عملية التخطيط للايقاع بمختلف الضحايا من تخطيط المدعوا (م. ت) وهو مفتش شرطة 41 سنة، التحق منذ أول تعيين له بعد تخرجه من المعهد الملكي للشرطة سنة 2003 بالمنطقة الاقليمية تيزنيت، وهناك ظل يزاول علمله إلى أن وقع بين أيدي العدالة. المتهم، وبحكم عمله كمفتش شرطة، توفرت لديه مجموعة من المعلومات حول الجرائم الخاصة باستهلاك الدعارة بالمدينة والأطراف التي ترتاد الأماكن المخصصة لها، وهو ما أتاح له وضع خطة للابتزاز السهل والمدر للربح. لم يتطلب منه الأمر مجهودا كبيرا حيث استقطب لتنفيذ مخططه سيدة تستقر مؤقتا بمدينة تيزنيت وتتقن الحديث باللغة الامازيغية، نظرا لأصولها المتحدرة من عمالة شتوكة ايت باها. هذه السيدة التي اكدت معرفتها بمفتش الشرطة واعترفت بتوطد علاقتها به اكثر بحكم الزيارات التي تقوم بها إلى منزله، حيث استطاع المفتش أن يقنعها بأن تكون شريكته في وسيلة تدر عليهم أموالا طائلة ستكفيها من العمل اليومي كعاملة جنس بالمدينة، وهي استدراج الضحايا من الميسورين ذوي الحظوة الاجتماعية إلى براثن جمالها وتقاسم أوقات من المتعة والتلذذ بالجنس إلى حين مباغتتهم بشكل احتيالي من طرف مفتش الشرطة بزيه ومساومة الضحية على الصمت، مقابل مبالغ مادية تتفاوت بين الالاف و عشرات الالاف. هذه الخطة المحكمة الاخراج هي التي سيستعملها أفراد العصابة للإيقاع بعشرة ضحايا منذ 2010 الى اخر عملية قبل السقوط بين يدي العدالة، حيث أ قر جميع أفراد العصابة بالمنسوب إليهم باستثناء حارس الامن الذي أنكر التهمة جملة وتفصيلا أمام الضابطة القضائية. ساعة الصفر ... أولى العمليات يعتبر عامل الفقر والمشاكل الاجتماعية المتفاقمة لدى بعض الافراد من العوامل المسهلة لارتكاب الجرم ، فالمدعوة (ك. ت) مطلقة تم انتزاع أولادها منها بالقوة من طرف الزوج وتهجيرهم إلى خارج ارض الوطن، وهو ما سيدفعها إلى ولوج عالم العمل الجنسي بكل من مدينة أكادير حيث تستقر مع اسرتها ومدينة تيزنيت حيث تفد على إحدى صديقاتها. لم تكن (ك. ت) تتوقع ان تقدمها لرجال الشرطة من اجل تسجيل شكاية ضد جيران يزعجونها سنة 2009 سيكون نقطة تعارف بينها وبين مفتش الشرطة. هذا الاخير الذي قد يكون انبهر بجمالها أو علم بظروفها القاسية وبيت لها مخططه الجهنمي في استغلالها كطعم في الخطة المحبكة التي ينوي تنفيذها. فبعد ان توطدت العلاقة بين الطرفين و تبادل الزيارات بينهم، و امام الحاجة الملحة للمال، استغل مفتش الشرطة ذلك الظرف ليبسط للمدعوة (ك. ت) خطته الجهنمية، وهو ما وافقته عليه بعد أن علمت بكل التفاصيل التي ستنجزها. وكان أول الضحايا إطار تربوي باحدى مندوبيات الحكومة بالاقليم، فبحكم معرفة مفتش الشرطة بالضحية، حيث أكد هذا الاخير أن مفتش الشرطة قد زاره مرارا و تكرارا بالمندوبية، حيث سيسعى للايقاع به بعد معرفته بميولاته الجنسية و ستكون السيدة (ك. ت) هي الطعم، حيث تمكنت من التعرف على الاطار التربوي من خلال صديقة لها تدعى لمياء. وبالفعل تم اللقاء بينهما في إحدى ليالي سنة 2010 بأحد المنازل بتجزئة النخيل وفي تلك الاثناء دخل مفتش الشرطة ( م. ت) ليجد الاثنين على فراش السرير متلبسين. أخذ لهما صورة قبل ان يختلي بالضحية ليساومه من اجل الصمت و إقبار القضية. العمليات الأخرى ... رؤوس كبيرة تتساقط منذ تلك العملية، وأمام الاموال السهلة المنال التي جناها المتهمون، بدأت المجموعة الاجرامية تتسع و تستوعب أشخاصا آخرين سيكونون أبطالا لعمليات نصب و احتيال. وسيتعدد الضحايا الذين سيدفعون الاموال خوفا من العار والفضيحة مقابل الصمت وإقبار القضايا . جاء في تصريحات الموقفين من افراد العصابة مجددا ان مفتش الشرطة قام باستقطاب شاب يافع في مقتبل العمر يعمل مسيرا لمقهى بالمدينة للقيام بعمليات ترصد الضحايا الذين يتعاطون الدعارة و الايقاع بهم في فخ ينصبونه لهم ومساومتهم على الصمت. لم يكن المدعو (ب. أ) الملقب بجامع ليرفض هذه الخطة السهلة والتي ستمكنه من فك ضائقته المالية، حيث تمكن الطرفان في أول عملية لهما سنة 2011 من الايقاع بمسن متقاعد مهاجر بالخارج وبعده توالت عمليات النصب والاحتيال بعد ان توارى مفتش الشرطة، وجند الشاب جامع مرودا إياه بالجهاز اللاسلكي والاصفاد المعدنية، حيث أصبح هذا الشاب هو من يقدم نفسه كشرطي بالاضافة الى شخصين آخرين التحقت بالمجموعة : ( ي. ب) المشهور بالياس بين اقرانه وهوعاطل عن العمل عمره لا يتجاوز 25 سنة، و (م. أ) يعمل مساعد تاجر وعمره 28 سنة، إذ تم إقناع هؤلاء الشباب بسبب سذاجتهم وحاجتهم الملحة للمال من اجل الاستمتاع بالحياة. إذ كانوا يتساءلون: هل يعقل ان يستمتع هؤلاء الميسورون بزوجاتهم في المنازل والفتيات عاملات الجنس بالخارج دون ان يكون لهم نصيب في ذلك. هكذا تم استدراجهم و إقناعهم بان عمليات النصب هي نوع من الانتقام لشبابهم وللفرص التي لم تتح لهم. كما التحق بهم ايضا سمسار يعتبر المزود الرئيسي للمجموعة بأخبار الضحايا وبتنقلاتهم وبالاماكن الذي يمكن ان يستدرجوا اليها من اجل ايقاعهم في الفخاخ المنصوبة لهم. العملية الفارقة ... حينما تتساقط اوراق الخريف تقدم الى مصلحة الشرطة بمدينة تيزنيت شخص كبير في السن ليبلغ عن عملية نصب راح ضحيتها يوم 26 دجنبر 2012 من طرف مجموعة تدعي أنها من سلك الشرطة. وقدم الضحية روايته انه مساء ذاك اليوم كان بصدد إغلاق محله الذي يتاجر فيه، فإذا بسيدة سبق أن تعرف عليها بحكم معاملات سابقة تقتحم عليه المحل، وتعمل على مراودته عن نفسه بعد ان اقدمت على خلع جلباب كانت ترتديه. وفي تلك الاثناء يقتحم أفراد قدموا انفسهم على انهم من الشرطة يستنكرون عليه فعله المشين. وقد وصف الضحية افراد المجموعة على انهم شابين يحملان جهازين لاتصال اللاسلكي سوداوي اللون مع أصفاد معدنية لدى أحدهما. وقال الضحية إنه امام هذا الوضع المباغث وأمام إلحاحهم وتهديداتهم القوية بفضحه أمام الملأ خصوص بعد أن أخذوا له صورة مع الفتاة لم يسعفه حاله المثير للشفقة الا ان مدهم بما يتحوزه من أموال قدرها ب 3200درهم، في تلك الاثناء واعدا اياهم ان يمدهم بمبلغ اضافي قدر ب : 60.000,00 درهم. بعد انصراف المجموعة راودت الضحية شكوك حول النازلة وحول الاشخاص الذين قدموا انفسهم على أنهم رجال الشرطة، الامر الذي دفع به في اليوم الموالي ليبلغ عن الحادث الذي أفضى الى اجراء الشرطة تحرياتها ، والتي أثبتت ان الشاكي وقع ضحية عصابة اجراميةالشيئ الذي دفع الشرطة الى اتخاد اجراءات ميدانية بتنسيق مع الشاكي للإيقاع باحد عناصر العصابة. هذا الاخير و الذي انطلت عليه حيلة الشرطة وسقط بين ايديها في حالة تلبس مع ضبط أدوات التمويه وهما جهازين لاسلكيين وزوج أصفاد معدنية، وبناء على تصريحات المعتقل تم إيقاف جميع أفراد العصابة الستة لضلوعهم في عمليات سلب الأموال بالتهديد بالتشهير والفضح أمام العامة. عناصر الأمن الوطني ... حاميها حراميها من بين عناصر المجموعة الاجرامية ، عنصران من رجال الامن الوطني الاول يدعى (م. ت ) وهو مفتش شرطة يعتبر حلقة وصل بين كل افراد العصابة، وهو استطاع استدراج السيدة التي ستلعب دور الطعم و الشباب الذين سيلعبون أدوار رجال الشرطة، و كذا الدليل الذي سيرشد المجموعة الى الضحايا والذي كان يعمل سمسارا بالمدينة، حيث تعتبر الصداقة هي العلاقة التي تجمع كل هذه الاطراف. وبعدها يستغل مفتش الشرطة الحالة المادية للاطراف من اجل استدراجهم لتنفيذ مخططه الجهنمي . الطرف الثاني الذي سيذكر اسمه في فصول التحقيق ، هو حارس امن يعمل بالمنطقة الاقليمية لتيزنيت، و هو حديث العهد بسلك الشرطة، إذ سيشارك هو الآخر في عمليات النصب وتحصيل الاموال بعد أن اقنعه مفتش الشرطة بسهولة الأمر، وبأهمية المتحصل عليه من الاموال. وسيتطابق ذكر اسم هذا الحارس على لسان افراد العصابة و كذلك الضحايا. لكن القاسم المشترك في تصريحات عنصري الامن المعتقلين هو انهما يرفضان و ينكران المنسوب اليهما ، ويتشبثان ببرأتهما، وأن ما نسب اليهم مجرد ادعاءات كيدية و أكاذيب باطلة يراد بها الزج بهم في مثل هذه القضايا. المال، النفوذ الانتخابي و الجنس يبلغ عدد الضحايا الذين وجهت لهم استدعاءات من أجل الاستماع 09 اشخاص منهم 8 من الضحايا وسيدة تعتبر صديقة المتهمة، تقطن معها في نفس الشقة بمدينة تيزنيت. يتقاسم الضحايا فيما بينهم عنصر الوجاهة والمكانة الاجتماعية التي يحتلونها بمدينة تيزنيت، خصوصا شخصيتان معروفتان بأنهما كانتا ممثلتين للساكنة. وقد سبق أن ترأسا جماعتين ترابيتين بالاقليم، وهما في نفس الوقت إطاران إداريان تابعين لمنذوبية اقليمية لقطاع حكومي. وأما باقي الشخصيات فهم من اصحاب المال و التجارة. الغريب في هذه النازلة هو حجم الصمت والتواطؤ الكبير الذي قام به الضحايا مع هؤلاء المجرمين من خلال عدم تبليغهم عن هؤلاء و تفضيلهم الصمت امام هذه العصابة الاجرامية، ولولا ألطاف الله و شجاعة الشيخ لوقع أناس اخرون ضحية هؤلاء المتهمين ولتوسعت دائرة الفساد بين مستهلك و آخرين يترصدون الضحايا. المحاكمة ... شوطان بطلهما الساكنة التي تريد العدالة نادرا ما تقوم ساكنة تيزنيت بتتبع القضايا الاجرامية بالمدينة بشكل مباشر من خلال الاصرار على حضور جلسات المحاكمة، بل إنها لا تعطيها اهتماما، اللهم ما تلوكه الالسن من أخبار متناثرة هنا و هناك. غير ان هذه القضية المعروفة بعصابة البوليس استفزت الكثير من المشاعر وحركت المياه الراكدة، خصوصا ان نوع القضية و حجم الضحايا ونوعية المتهمين يطرح مجموعة من المواضيع و يفتح مجموعة من الملفات العصية على النقاش والتحليل. فبتاريخ 31 دجنبر 2012 شهدت المحكمة الابتدائية لمدينة تيزنيت أولى جلسات الحكم بعد ان انتهت أطوار التحقيق مع المتهمين، وفي ذات التاريخ حج جمع غفير من الناس لمتابعة أطوار المحاكمة و امتلات القاعة عن آخرها، وكذا جنبات المحكمة. لم يكن الجو ملائما لانعقاد الجلسة وهو ما لمسه رئيس الجلسة الذي لم يسعفه الحاضرون بالصمت من اجل الاستماع لدفوعات هيئة الدفاع. فبين الفينة و الاخرى يسمع صوت الشعارات التي ترفع ضد مفتش الشرطة الذي قابل الحاضرين بحركة بديئة بأصبعه، حيث أمام هذا الصخب أجلت الجلسة الاولى من المحاكمة الى يوم 07 يناير 2013. وهو اليوم الذي انطلقت فيه الجلسة الثانية التي انعقدت في نفس الأجواء. لكن هذه المرة حالت الاجراءات الامنية المشددة دون دخول المواطنين إلى قاعة الجلسات، اللهم ممثلي الهيآت الحقوقية والسياسية والجمعوية والمدنية بالمدينة، إضافة إلى اقارب المعتقلين وعدد مهم من رجال الصحافة. انطلقت المحاكمة بدفوعات من طرف هيئة الدفاع التي التمست السراح المؤقت لموكيليها مع تسجيل أن فردين من المعتقلين تعرضوا للتعذيب داخل مخفر الشرطة، وهو ما يستدعي إجراء الخبرة عليهما، ولكن كان للمحكمة رأي آخر، حيث رفضت الإجراء و كذا تمتيع المتابعين بالسراح المؤقت. وفي مرافعة الاستاذ كوغرابو تساءل عن اعتبار الملف جنحيا و هو يحتوي على قضايا وأحداث ذات طابع جنائي، وهنا التمس من المحكمة تحويل الملف الى الجنايات لطبيعة الافعال الاجرامية التي يحتويها كما طالب المحكمة بمؤاخد الظنين ( م. ت) بإهانة المحكمة وهيئة الدفاع والحضور بالحركة البذيئة التي قام بها في الجلسة السابقة، والتي تعكس مستوى متدني من السلوك والممارسة. بعد هذه الدفوعات من الطرفين رفع القاضي الجلسة إلى غاية تاريخ 14 يناير 2013 نزولا عند طلب هيئة الدفاع من أجل تعميق النظر في الملف وإعداد الدفاع. القضية... محاكمة للأخلاق والواجب بالمدينة تيزنيتالمدينة الوديعة التي يحس داخلوها زوارها من كل حدب وصوب بالامان، و الافتنان بجو الطمئنينة و السكينة التي يطبع المكان وكذلك ساكنيها سيجدها هذه الأيام وقد طغى الحديث فيها عن انعدام الثقة في كل الجوانب: الجانب الاول انعدام الثقة بين الساكنة و رجال الامن حيث طفا الى السطح العديد من القضايا التي راح المواطنون ضحيتها من طرف رجال من واجبهم حماية المواطنين من كل صنوف الفساد بما فيه الاخلاقي و المالي ، رجال يبتزون المتلبسين بارتكاب الجرائم مقابل الصمت واقبار القضية رجال افسدوا قيمة الواجب واحلوا مكانها الابتزاز والاستغلال . الجانب الثاني انعدام الثقة بين بعض الشخصيات الاجتماعاية و الاقتصادية ومواطنيهم. هاته الشخصيات والفعاليات التي تمثل الساكنة في الجماعات الترابية والمؤسسات الحكومية تسعى بدورها إلى نشر الفساد والتشجيع على ارتكابه في صفوف المواطنين و لا غرابة اذا علمنا ان مثل هؤلاء الشخصيات يشهد العديد من المواطنين انهم مساهمون في افساد العمليات الانتخابية بشرائهم الذمم واستغلالهم لعوز الناس من اجل تحقيق المكاسب. اليوم تنعقد محكمة للاخلاق. محكمة لشخصيات تربوية، لشخصيات اجتماعية، لشخصيات اقتصادية، لوجهاء المجتمع الذين ينفقون اموالهم على الفساد وعلى كل ما يؤخر تقدم نموذجنا التنموي الرائد على الصعيد الوطني. هاته الشخصيات التي لا تبدل اموالها فيما ينفع الناس بل في كل ما يفسد اخلاق شبابنا وما يجعلنا اكثر تخلفا عن ركب التقدم و الحداثة. إنهم ريعيون يدافعون عن النموذج المحافظ نفاقا يوارون به عوراتهم وأفعالهم المشينة بتواطئ مع شرذمة قليلة من رجال الأمن الذين لا يقدرون الواجب.