اِستأسد العنف بكل أشكاله في الساحات العمومية وفي الشوارع الرئيسية ؛ وفي الأحياء الشعبية والضواحي الهامشية ؛ لم يعد غريبا ولا مستبعداً ولا منبوذاً وغدا خاتمة مألوفة ومنتظرة لكل أشكال الاحتجاج أو التجمهر، أصبح العنف أحد أوجه تطبيق العدل والإنصاف وحتى المناصفة ؛ إذ في محافل الهجوم وتفكيك التجمهرات والوقفات ؛ ينال الجميع نصيبه من الضرب واللكم والسب والتعنيف على قدم المساواة وفي إطار من الإنصاف وتكريس العدالة الاجتماعية؛ حيث يستفيد الكل من هذه الخدمة العمومية بقدر محترم ويتم إعمال تكافؤ الفرص عبر تأمين جماهير القوات العمومية بالشكل الذي يغطي مساحة التجمهر أو الاحتجاج، ويكفل لجميع المتظاهرين حقهم في الاستجابة السريعة مع احترام منقطع النظير لمقاربة النوع ؛ حيث تأخذ المتظاهرات حقهن الكامل من اللكمات والضربات بشكل يستحضر المقتضيات الدستورية الدافعة برفع كل أشكال التمييز ضد النساء وبالمساواة في الحقوق السياسية والمدنية وكافة أشكال الحقوق. ..ليس من باب المستملحة أو خفة الدم أو التهريج أن نجتر هذه المرارة بهذا الشكل وفي هذا السياق ؛ وليس أيضا من باب المزايدة أو المغالطة أو كل ما يمكن أن يدرج في حق المبادرة من توصيفات ؛ فطالما دمعت الأفئدة والصدور في عهد كل الحكومات المتعاقبة من وقع الهراوات على رؤوس المغاربة ؛ وكم تحرش بمرتادي شوارع التعنيف وبمتابعي مستجدات تفكيك التجمهرات في الصحف سؤال محبِط حزين : إلى أين تمضي أمة تضرب طلبتها وكوادرها ومثقفيها وصحفييها وحقوقييها ومواطنيها المسالمين ؟ وأين سيرسو تعاقد مواطنة يُمثّلُ بمبادئها وغاياتها بالضرب والشتم والسب ؛ وما هو استشراف أثر التنكيل على مسؤولي الغد من أطر وكفاءات تُزعزَعُ قناعاتها وسيكولوجيتها تحت وقع استباحة الجسد والرؤوس وكل الأماكن الحساسة عضوياً ونفسياً ؛ أي طعم سيحمله إسهام مواطن مُنَكّلُُُُ ٌبه في منظومة المواطنة التي تعتمد الحقوق والواجبات ؛ وكم من السنوات سيستغرق التئام جرح الكرامة؟ وإلى متى سنستهين بالانزلاقات على مستوى الحكامة الأمنية ساعة الإجهاز على حق المغربي والمغربية في السلامة الجسدية ؟. يجب أن نستحضر إجابات رئيس الحكومة المغربية وبالتالي إجابة كل مكونات الأغلبية الحكومية حول سؤال تراجع الحريات العامة الذي كان موضوع المساءلة الشهرية في 30 نونبر الماضي ؛ والذي تطرق فيه الجميع معارضة وأغلبية إلى تضخم العنف والتسلط والاستقواء بالدولة وسياراتها وموظفيها وهواتفها وتقنياتها وسرعة تدخلها ومهارات رجال الأمن الخلاقة في تفكيك التجمهرات السلمية بوسائل الضرب المبرح والتنكيل الجسدي واللفظي والنفسي، استحضار أجوبة رئيس الحكومة خلال تقييم السياسات العمومية في هذا الباب ليس من باب الرغبة في تسجيل الإحراج أو اقتناص مناسبات المعارضة أو كل ما يمكن أن يُرمى في ملعب الرأي المخالف ؛لكنه يخرج من عمق قناعتنا بضرورة الاحتكام إلى مواقف والتزامات رئيس الحكومة كأهم منصب انتخابي يجسد سيادة الديمقراطية وصوت الشعب . رئيس الحكومة تأسف قليلا ثم سرد مجموعة من نوادر تبرير العنف ضد المتظاهرين السلميين ؛ فدفع بهيبة الدولة التي لا يعلو فوق سلطانها سلطان ؛والتي لا تَسْتَتِبُّ بسهولة ؛ والتي تأتي حسب تسلسل دفوعاته؛ قبل دولة الحق والقانون ؛ فهو يستشهد بمقولة حماية النسر الكبير أولا ؛كما تحجج بأن ضرب المحتجين خصوصاً المعطلين يتم بهدف حمايتهم من الاعتقال وبالتالي من المحاكمات التي يقر بعدم قدرته على ضمان شروطها العادلة ؛ولنا أن نتصور أن رجل الأمن كان يريد حماية النائب عبد الصمد الإدريسي من المتابعة، خصوصاً بعد المستجد المتعلق بإسقاط الحصانة عن النواب خارج الضوابط الجديدة. ولنا أن نخمن متضمنات محاضر الضابطة القضائية ؛ وماذا يمكن أن تقول في معطل أو معطلة محتج يرفع الشعارات ضد نقض الحكومة لالتزامها في إطار ما سمي بمحضر 20 يوليوز؛ وعدم حفظها بالتالي للهيبة الحقيقية للدولة والمتمثلة في قدسية الالتزامات والتعاقدات، وسمو القرارات الحكومية عن الارتجال أو الالتفاف أو التسويف؛ قبل أن يختم السيد رئيس الحكومة ومن داخل سؤال التنديد بتغول العنف من طرف القوات العمومية بتوجيه تحية إلى قوات الأمن وتقدير المجهودات والقدرات والمهارات. أعتقد أن من المفيد الربط بين تعنيف النائب المحترم عبد الصمد الإدريسي وبين وضع التطبيع مع لغة التخوين والتشنيع والتشهير والتسفيه؛ الذي تُقّرعُ بها المؤسسة التشريعية بصفة عامة وبطريقة ممنهجة؛ منذ اعتمادها والتي أصبحت لازمة يومية للرأي العام الوطني ، فالمؤسسة التشريعية مشجب متشعب مهادن مستعد تاريخياً لتبرير أزمة السياسة وخذلان الشعب وتلقي الانتقاد الشديد الموضوعي في عمقه، والمتحامل المزايد في شكله وصيغه ومقاربته؛ فلا تكاد تخلو صحيفة أو موقع إلكتروني من خبر أو واقعة تحقير أو تقليل من شأن هذه المؤسسة ؛ فابتداء من المادة الدسمة التي تصور البرلمانيات والبرلمانيين ككائنات عديمة الفائدة ؛ تغط في النوم أو التثاؤب أو تتلعثم في اللغة أو تجهز على الموائد أو يخونها التعبير أو الحضور أو الإقناع أو في أحيان كثيرة الانخراط والحماس والإلمام ؛مروراً بالأخبار الصفراء والحمراء والسوداء التي تُسَجّل بعمق في ذاكرة المغاربة ليست كأوضاع استثنائية واردة ؛ بل كقاعدة توشح ممثلي الأمة بكل أشكال الشبهات والجنح والمخالفات؛ ثم وصولا إلى شلل المؤسسة وثانوية أدوارها وقصر يدها ونظرها والأمل فيها، مع الإشارة الى رتابة أنشطتها وخصوصاً جلسة الأسئلة الشفوية التي لا تطرب أحداً ولا تتعب آلات رصد نسب المشاهدة ؛ إلا في بعض المقاطع التي تُبْتَرُ من سياقها وتُوظّف في المواقع الالكترونية لاستثارة الربط واستدرار حملات السب والشتم واللعن على أعضاء وعضوات المؤسسة، وتُحملهم مسؤولية التقهقر وكل ما لا يجده المواطنون، وحتى المواقع الإلكترونية ذات الصيت ؛ لا تنقل من وقائع جلسات الأسئلة الشفوية إلا أجوبة الحكومة وبعض أسئلة وتعقيبات أحزاب الأغلبية ،وتلعب دورها أيضاً في جعل هذه المؤسسة» المستقلة» مجرد ركح ومكبر صوت للجهاز التنفيذي أو غرفة تسجيل ثانوية مبعثرة الهوية والأدوار. واليوم يخرج رئيس مجلس النواب باسم المؤسسة وأصالة عن كل الفرق البرلمانية والمجموعات النيابية، ليندد بحادث الاعتداء على عضو ينتمي إلى مؤسسة دستورية ُمحبَطةٍ من ثقل التعنيف الذي يُرادِف اسمها والذي يرسم معالم صورتها عند الشعب المغربي؛ في وقفة مكاشفة متأخرة متواضعة ؛لا تعبر عن هول التعنيف المستدام ضد المؤسسة التشريعية التي يفترض فيها هيبة الاحترام والتوقير من أجل توفير ظروف الرقابة على مؤسسة رجل الأمن المتورط في تعنيف النائب ؛في إطار تنفيذ أوامر وزير الداخلية الذي يُقال إنه ينتمي إلى الحكومة؛ كل ما قاله رجل الأمن في حق النائب عبد الصمد الإدريسي يُقال بشكل يومي ومتواتر وطبيعي في الصحف والمواقع الالكترونية وفي الأسواق والمقاهي والجامعات والمساجد، ولا يكاد يلتقي اثنان إلا وكان ثالثهما شيطان اسمه البرلمان وما يتطلبه ذلك من رجم للمؤسسة التشريعية وانتفاء أسباب الثقة في أدائها والأمل في منجزاتها؛ كل أنواع الشتم الذي جرحت نفسية الأستاذ عبد الصمد الادريسي ؛ تدس الملح بشكل منظم وممنهج في جرح الخيار الديمقراطي من خلال تنميط صورة العجز والخذلان لمؤسسة البرلمان التي ترتبط مباشرة بأهم عملية إشراك للشعب المغربي في تقرير مصيره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من خلال المراقبة والمساءلة والمصادقة على السياسات العمومية والتوجهات الاستراتيجية للدولة المغربية الداخلية منها والخارجية . من سيتحدث إذن عن تعنيف وشتم وتحقير هذه المؤسسة الشعبية وتعطيل آلتها الرقابية والتشريعية ؛ من سيدفع بثانوية الدور الذي تلعبه المؤسسة التشريعية في منظومة سياسية غير معقمة ؛ وأين يُقيّمُ دور البرلمان الحقيقي في تكريس الخيار الديمقراطي كخيارٍ لا رجعة فيه ؛ من يحلل حصيلة استجابة البرلمان لانتظار ات المصوتين ؛ وهل يكفي العرض البروتوكولي لحصيلة الغرفتين أمام الملك كإجابة على إلحاح طلبات التقييم، ومتى ستشفى المؤسسات الدستورية من تبعات الولادات غير الطبيعية والعمليات الانتخابية المرشوشة بعطر النزاهة ؛ ومتى سنتوحد حول المفاهيم المرتبطة بالتمثيلية ودور الأغلبية وعلاقتها بالحكومة ودور المعارضة وعلاقتها المؤسساتية بالأغلبية، وبالسهل الممتنع المسمى مصلحة الالوطن حيث يلتقي الجميع في الإجماع وينفض الجميع أيضاً في القراءة والتأويل والتصريف وتقدير الكلفة؛ ما أذاقه رجل الأمن لعضو مجلس النواب هو بعض ما يحمله المواطن المغربي من تهاوي أسباب النزول والثقة والرجاء في المؤسسة التشريعية ، وقليل مما نجحت تراكمات أزمنة التحكم بالمواطن والتدبير المفوض لقراره الانتخابي في تأصيله في الذاكرة والزمن الشعبي والسياسي؛ وشيء من كثير ينخر جسد الدمقرطة من صور المُسلّمات والبديهيات والتنازلات باسم إرادة الشعب وصوت الصناديق، وتركيبة المجتمع المغربي وخصوصيته؛ ونسبة الأمية فيه التي تعكسها نسبة التنقيب والتحزب والاهتمام بالشأن العام ونوعية النخبة السياسية تكوينها واهتماماتها وأسباب نزولها. أعتقد أن المؤسسة التشريعية ورغم المستجدات الدستورية ؛ لا تزال ضعيفة أمام قوة طواحين التقليدانية وضغط آلات صناعة الانتخابات بالالتفاف على إرادة الناخبين أو بتوجيه إرادتهم نحو الوِجهة المطلوبة ، وسترزح لأزمنة أخرى تحت ثقل ماضيها وتراكمات تماهيها وخضوعها وقلة مناعتها وانتفاء شروط استقلاليتها؛ وستبقى لعهود غير معروفة بين المنزلتين في ما يتعلق بتَملٌك السلطة أو تمثيل تَملُك السلطة ؛ وسترهن بالتالي الانتقال الديمقراطي إلى ما لا نهاية . أظن أنه ليس من اللطف ونحن نندد بالتعنيف والتنكيل الذي يطال المواطنين المغاربة أن نوجه -إسوة برئيس الحكومة -التحية لقوات الأمن العمومي ؛ لكننا ومن باب المسؤولية نتوجه بالشكر والتقدير لأفراد القوات العمومية التي تستطيع أن تعيد النظام دون أن تُخرب النظام النفسي للمتظاهرين ؛ والتي تستطيع أن تفكك المظاهرات والاحتجاجات دون أن تفكك تعاقد المواطنة والانتماء؛ والتي يمكن أن تفرق المتظاهرين دون أن تفرق عظامهم ومفاصلهم وأواصر انتمائهم إلى زمنهم ووطنهم وأحلامهم! هل لي قبل الختام أن أستوضح عن إمكانية إدراج ادعاءات اللادستورية وتتفيه بعض مقتضيات النظام الداخلي لمجلس المستشارين ونهر النواب والنائبات ومساءلتهم عوض الإجابة عليهم وكل سلوكات التطاول على المؤسسة التشريعية من طرف بعض أعضاء الحكومة خلال جلسات الأسئلة الشفوية والرقابة البرلمانية ؛ في باب التعسف والشطط والتعنيف الجماعي في حق برلمانيين ؟؟؟