منذ مدة، لم تصادفني المفاجأة على صفحة كتاب، أصدقائي الشعراء، يهدونني دواوينهم، ليس في الامر أية مفاجأة، سوى ما سأقرأه من بعد، أصدقائي الروائيون، أيضاً : كل كتاب في أيديهم رواية. لكن زن يأتي من يد خليل الهاشمي الادريسي ، اهداء يتصدر ديوان شعر، فتلك فعلا مفاجأة. »هناك حيث يسود، الفراغ، يَفعل التوتر البطيء« من يقرأ أن الذي كتب هذا، هو خَليل هاشمي الادريسي، سيذهب تفكيره إلى أنه يتحدث عن الوضع السياسي وربما عن جموده الساري. ويسعفه مسار الرجل الإعلامي، في هذا الظن، فخليل هاشمي الذي رافق »ماروك إيبدو« ثم »أوجوردي لوماروك« قبل أن يتولى قدر »لاماب«، الوكالة الرسمية للمملكة، اشتهر بكونه صاحب تحاليل تخلف الكثير من التعاليق، والتعاليق التي تكثف الواقع في هوامش الخيال السياسي، كما أن السياسة، مجاله الحيوي، رسمت ملامح وجهه الإعلامي، كصاحب موقف مثير للسجال. غير أن العبارة هاته، ليس من عمود »صباح الخير« ولا افتتاحية في لاماب/ و. م. ع إنما مقطع شعري من ديوانه »أحابيل« أو حيل Subter fuges ، وهي عبارة تزداد قوة عند تصفيفها إلى ما يليها »ستموت مصلوبا على شعاع من قمر«. الرجل الذي نحت لنفسه مدرسة، هو مبتكرها، في الكتابة الصحفية، حتى أصبح عموداً مرَجعاً، في نفس الكتابة والسجال، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع مضمونه، ينحث لنفسه نَفَساً شعرياً، يريده بلا تجربية مفرطة، لكن بحرص كبير على تعميق التخييل الشعري، وبدون مسبقات جمالية، يتقفى موسيقى قصائده على مهل، وهو يتماوج مع مواضيع متعددة، وزوايا خيال متنوعة. في ديوانه، هناك البلد العجيب، المثير للفضول، حيث المدن العتيقة »تمنح ملحاً خالصاً للأرض«، هناك العربي/ العربية المستعاد (ة)، والربيع العربي، حيث »تتساقط الدكتاتوريات كفاكهة متعفنة«. إلى جانب ذلك، يتجاور الحديث عن الحرية مع الصلوات التي تتقدم موعداً مع الله، والحب الجارف العميق، أسلحة الشيطان والرغبة، هناك الشاعر العاري وشاعر الاثنين »الذي أصيب بجروح« وهو في أتون العمل، كأي صانع في ورشته، وهناك حديقة الشتاء حيث »الفصول دورتها مقلوبة، والأجساد المرحة عارية«. يتجاور كل ذلك، في شاعرية عتيقة، تريد أن تبقى قريبة من صورة الشاعر- الموسيقي، الذي يدخل اللغة في شرايين الايقاع ويخرجها ابياتا.. الديوان هو أيضاً رسومات أندري الباز، بوجوهها الحائرة، بلونيها الابيض والاسود، في رفقة تعني الكثير من الاحالات. لهذا كله أقول لكم إن الديوان سبقته المفاجأة.