يدخل الاتحاد الاشتراكي، ابتداء من يوم غد، معادلة جديدة، محفوفة بالكثير من نقط الاستفهام السياسي والنظري، منها ما أنتجه المناضلون، من خلال التجربة الطويلة التي دشنها الاتحاديون في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وفيها الكثير مما يطرحه العاطفون وعموم الرأي العام على حزب القوات الشعبية. وسؤال الأسئلة هو القدرة على الاستمرار في الزمن السياسي المغربي، بقوة ومركزية وقدرة على استقطاب الفئات المؤمنة بالديموقراطية والتحديث.. الاتحاد لا يسعى إلى بناء حداثة بدون ديموقراطية، بل إن الجذع النظري والعملي للحداثة يظل هو الدمقرطة الشاملة للعلاقات والمؤسسات ، والاقتراب من النموذج المؤسساتي الذي صنعته البشرية بفعل الصراع والبحث عن الحرية والعدالة. وعلى ضوء النجاح في المسعى الديموقراطي، ستحدد بوصلة الاتحاديات والاتحاديين. إنها الشرط الوجودي، السياسي والثقافي والعملي لوجود الاتحاد باعتباره تاريخيا ووظيفيا، استمرارا لحركة التحرير الشعبية. وبالعودة الى الأصل التاريخي لوجود الاتحاد، تعني الديموقراطية اليوم تحرير الشعب بالشعب ومن أجل الشعب..في معادلة تاريخية حققها التوافق الوطني بين الحركة الوطنية والمؤسسة الملكية، باعتبار هذه الحرية، هي وثيقة ميلاد المغرب المعاصر، أمام الاتحاديات والاتحاديين ما يفوق التقنية الديموقراطية، وما تنتجه من قيادات ، أمامهم هوية المشروع الجديد لحركتهم العميقة في التاريخ والمجتمع، وأمامهم وجود الوجود كقوة سياسية فاعلة، مؤثرة ، قوة أخلاقية أولا ومجتمعية تعيد للشأن السياسي قوته. أمامهم صناعة القوة العملية والميدانية، تأسيسا على القرب من قضايا الشعب، وأمامهم إعادة صقل الصورة الذاتية التي رسمها الرأي العام لحزب المهدي وعمر وعبد الرحيم وآلاف الاتحاديات والاتحاديين الذين ينتجون رأسمالهم الرمزي في القرى والبوادي، في الحقول والمعامل، في المستشفيات والطرق والمعاهد والمناجم، في الجبال والسهول، هؤلاء الذين ندين لهم بالحرية وندين لهم بشرف الانتماء الى هذه الحركة الشامخة. أمامهم المشروع الكبير لصناعة بديل آخر غير التمترسات الحالية في طابور المحافظة.. أمام الاتحاديات والاتحاديات التحدي الأكبر في ضمان استقرار البلاد وخلق الأفق المغاير لتطوره، حتى لا تنتكس حركة بلادهم نحو الخلف، سواء بمساعدة الموتى أو بمساعدة التقنوقراط.. أمامهم كما يعرفونه جيدا، تراثهم الروحي والعقدي، الذي لا يمكن بحال أن يلخص في طقوس عبادة التقاليد والبداوة الفكرية. البلاد لا يمكنها أن تكون حجرا صقيلا للتيمم! ولا يمكنها أن تكون ملحقة للكائنات الليلية الساكنة في مفاصل الدولة وفي تلافيفها.. البلاد لا يمكنها أن تكون سوى نفسها. تتجسد في من ماتوا من أجلها ومن يحيون أيضا من أجلها لا من أجلهم.. المستقبل مفتوح على مصراعيه، لكنه أيضا مهدد بالعواصف وبالردة، ولا بد له من مفاتيح ..وأحدها هو اتحاد قوي، واتحاديات واتحاديون معتزون بمسيرتهم الطويلة ضد الاستبداد والإبادة، ضد التخلف ،معتزون بأنهم من أعطى اسما للحرية، وهم من سمى العدالة وعرف المغاربة بقاموس حقوق الإنسان والتقدم والقيم الإنسانية. معتزون بأنهم كانوا مستقلين في قرارهم دوما، واستطاعوا أن يطوعوا التاريخ المثقل بالرجعية والمحافظة والاستغلال، لفائدة قاموسهم السياسي والأدبي والثقافي، حتى صار الجميع يتغنى به.. لقد أثبت الاتحاد قدرته على الاستمرار في الزمن، بالرغم من حرب الإبادة التي خيضت ضده، وقتل قادته واختطفوا وشردوا في المنافي، وصمد قويا في الزمن وفي الجغرافيا، أيضا، عندما كانت الدولة تضع الدوائر الحمراء وتعيد ترتيب الطبيعة الجغرافية لمنع الاتحاد من مناطق في بلاده.. واليوم يوجد الاتحاد في جغرافيا البلاد.. وأمامه اليوم أن يعيد صياغة جغرافيته السكانية بما يجعله قويا في المدن وفي الهياكل الكبرى للإنتاج المادي والرمزي، المرافق للحداثة ومصارعة الردة.. إن الميكانيك الديموقراطي مهما كانت ضرورته وجدواه، لا يمكنه أن يفسر ميكانيك التاريخ الاتحادي أو يعوضه، لأن «سؤال الهوية، والثقافة وسؤال الوجود هو السؤال« الذي لا محيد عنه. ولا يمكن أبدا أن نختزل النقاش الوجودي في الشكل، لأن الوردة لا تهتم بشكلها بقدر ما تشعر بالغيرة على عطرها.. الاتحاديات والاتحاديون هم عطر الوردة التي ورثناها عن الشهداء .. من كل جيل..