{ يطرح إشكال الترسيم بالنسبة للغة الأمازيغية بشكل غير واضح، ماذا يمكن أن توضحه في هذا الاتجاه؟ إلى حدود فرض الحماية على المغرب، كانت كل الأمور المتعلقة بالصحة والتعليم والقضاء وما إلى ذلك من أمور الحياة اليومية (مما ستتكلف الدولة به لاحقا) من اختصاص القبيلة والجماعة. كما أن شراسة الاستعمار فرضت على الفكر السياسي المغربي أن يميز بين الثانوي والرئيسي. لذلك التف المغاربة حول اعتبار مشروع الفرنسة اللغوية والثقافية مشروعا لا يمكن مواجهته إلا بمقابلته بالواحد وهو العربية؛ فكانت العربية رديفا للانعتاق من الهيمنة الفرنسية. كما أن الصراع «المسلح» على السلطة غداة الاستقلال قلل من حظوظ النقاش حول ماهية المجتمع المغربي ودور اللغات الوطنية في بناء الذات الوطنية. وتزامن ذلك مع ذيوع مفهوم غير علمي للغة - ودورها في التواصل والتنمية والمشاركة السياسية - يصب في النخبوية. ومع ذيوع الأفكار الديمقراطية وانتشار مفهوم المواطنة وتطور مفهوم اللغة والنقد الذاتي الذي يمكن أن يوجهه كل مغربي للممارسات السياسية التي تؤول إلى عدم مشاركة الشعب في بناء القرارات وتحديد السياسات، بات من الضروري إعادة النظر في الهم الوحيد الذي كان سائدا أثناء الاستعمار والذي يتلخص في تدبير الواحد الوطني ضد الواحد المستعمر. وهكذا لاحظ الجميع أن الدولة المغربية لم تساهم في إنجاز المهام الأساسية التي قام الشعب المغربي من أجلها ضد الاستعمار، وهي: - توسيع المشاركة السياسية في تحديد أساليب التنمية لمختلف مكونات الشعب المغربي مجاليا (استمرار واقع المغرب غير النافع) ولغويا (تهميش الأمازيغية)؛ - وقف مسلسل تدهور الأمازيغية الذي بدأه الاستعمار الفرنسي الذي أسس لبوادر الدولة اليعقوبية في المغرب؛ وهكذا يضطر المغاربة، بعد مضي أكثر من ستين سنة على الاستقلال، إلى البدء من البداية أي تعريف اللغة الرسمية. وهي التي تعني (في السياق الديمقراطي وواقع العديد من الدول التي حصلت على استقلالها مفهوما جديدا للدولة وللمواطن في إطار دولة الحق والقانون. فعلى صعيد اللغة، يعني ترسيم الأمازيغية التزام الدولة بالتعامل مع الناطقين بالأمازيغية بلغتهم التي تمكنهم من فهم ما تقوم به الدولة, هل هو في صالحهم أم في اتجاه إبادتهم. وهذا يعني أن الدولة المغربية تعتبر نفسها مفوضة من قبل الشعب لتدبير شؤونه العامة بأكثر الأشكال التي تسمح لمختلف مكونات الشعب من المشاركة والمراقبة والمحاسبة ووضع الثقة في المنظور السياسي القادر على ضمان تنمية الشعب ونبذ كل من يعمل (بمقابل أو دون مقابل) من أجل استكمال المشروع الاستعماري؛ أي تكريس تدهور الأمازيغية الذي يؤدي إلى انقراضها. ومن ناحية المواطن المغربي، يعني ترسيم العربية والأمازيغية لغتان رسميتان أن المواطن الناطق باللغات الوطنية سيشعر، في علاقته مع الدولة، أنه موضوع احترام، من طرف الدولة التي فوض لها أمر تدبير شؤونه العامة، مما سيشجعه على المشاركة في بناء مشاريع التنمية الشاملة (المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية). إن ترسيم الأمازيغية يعني تدشين مفهوم جديد للدولة (لأنها ستكون ديمقراطية) ومفهوما جديدا للمغربي [لأنه سيكون مواطنا] { كثير من مناهضي ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور يقولون أن الكثير من الدول التي تعرف تعددا لغويا كبيرا لم ترسم إلا لغة واحدة, بل لغة أجنبية/استعمارية سابقة. هل لديك أمثلة مضادة؟ إن القول بأن الدولة تعترف هو قلب للحقيقة. ففي النظام الديمقراطي تعتبر الدولة معبرة عن إرادة الشعب. وهي بذلك مفوضة (دائما بشكل مؤقت تؤكده باستمرار صناديق الاقتراع) لتدبير الشؤون العامة في اتجاه النمو والازدهار. ولعل أبسط مثال وأبلغه في نفس الوقت هو مثال سويسرا. فالأمر تعلق، في البداية، بتعاقد بين ثلاثة كنتوهات لمواجهة أمير مستبد. وكان أساس التعاقد هو هذه المواجهة فقط ,أما دون ذلك فلا يحق لكنتون أن يتدخل في أمر الكنتونين الآخرين. وبعد ذلك التحقت بهم كنتوهات أخرى حتى صارت 26 ودائما على نفس الأساس؛ أي سيادة كل كانتون على مجاله في كل الشؤون ودون استثناء، بما فيها التهيئة اللغوية. وهكذا نفهم وجود لغة الرومنانش لغة رسمية (هي الرابعة في سويسرا) بعدد قليل من الناطقين، لأن الحق يعتبر ككنه وليس كعدد. أما التجارب التي تبنت لغة المستعمر كلغة رسمية، فلا يوجد من بينها من كان ينوي وأد لغاته الوطنية. بالإضافة إلى أن هذا الاختيار يعبر عن كسل الفكر السياسي وعدم جسارته في المواجهة الحقيقية لقضايا التنمية اللغوية والفكرية. وفي جميع الأحوال، فالتجارب لا تذكر من أجل الاستنساخ أو التبرير بقدر ما تذكر من أجل الاستئناس. أما المعيار السليم فهو معيار الموت أو الحياة والتطور. فالقرار الذي يؤدي إلى الموت قرار تعتبر إدانته واجبة ومقاومته هي وحدها القادرة على استبداله بالحياة. وأول خطوات الحياة هي الترسيم. { ما الفرق بين دسترة اللغتين العربية الأمازيغية كلغتين وطنيتين أو كلغتين رسميتين؟ دلالة اللغتين الوطنيتين: كل من ينتمي إلى الوطن فهو وطني. وفي الحالة التي تنكر الدولة ذلك، فهي تفعل ذلك ضدا على الشعب (تذكير بتعريف الديمقراطية). وحسب القيم التي يسير عليها الكون الآن (والمتمثلة في المساواة والاختلاف والتعايش) فإن المآل الحتمي هو اعتراف الدولة بمكونات الوطن (إن لم نقل شرعية الدولة من مكونات الوطن وهو الصحيح)، كما هو الحال مع البيدون في الكويت. ولكن الحديث عن لغتين وطنيتين (فقط) في الدستور يمكن أن يطوي بين طياته فكرة المساواة، غير أن هذه المساواة في المتعارف عليه سياسيا يجب أن لا تكون دون التزام، لأن أساس الدولة الديمقراطية هو التزامها أمام الشعب ببرنامج يعمل في أفق التنمية والتطور. وفقط الديكتاتوريات تريد أن تسوغ (قسرا) التمييز وتعمل على الانحياز لمكون دون الآخر. أما دلالة اللغتين الرسميتين؛ العربية والآمازيغية فلا يمكن أن يعني إلا وضوحا في الالتزام وفي رؤية غير ملتبسة للمستقبل؛ هل نريد أن يكون المغرب عربيا فقط؟ في هذه الحالة يجب الاعتراف أمام العالم بأن للدولة المغربية نية إبادة الأمازيغية! هل نريده أن يكون أمازيغيا فقط؟ في هذه الحالة يجب الكشف أمام العالم عن ملامح هذا المشروع الانفصامي! إن جميع المغاربة، الذين يسكنهم هم البناء ونبذ التدمير، ودون استثناء لا يمكن أن يجدوا أنفسهم إلا في نظام سياسي يقوم على المساواة بين المغاربة لا فرق بين ناطق بالعربية أو ناطق بالأمازيغية أنهما معا يشعران بنفس الاعتزاز بالانتماء لوطن إسمه المغرب؛ لأنهما معا يعيشان ويعملان على أن يكون الوطن هو الحقوق. { تعدد اللهجات الامازيغية يطرح سؤال أية لهجة نريد دسترتها؟ ما مدى صحة هذه المقولة؟ جميع التجارب، ودون استثناء، تؤكد أن كل اللغات، ودائما دون استثناء، تؤثر فيها الحيوية (أي حياة الإنسان بها) وتجعل بين الناطقين بها فروقات في إنجاز بعض الأصوات (فوقاش جيتي = فوقاس زيتي) أو انزياح المعجم عن الدلالة الأولية. وتتزايد هذه الفروقات مع قلة التواصل المباشر. لذلك يعتبر اللسانيون أن الفرق بين اللغة واللهجة هو في اهتمام أو إهمال الدولة للهجة. فاللغة العربية هي، أساسا، لهجة قريش أضيف إليها اهتمام الدولة بضرورة سيادتها، ثم طعمت بباقي اللهجات السائدة في الحجاز، فصارت لغة، بل صارت كذلك في الكثير من التمثلات. ويعتبر ما جرى، بالنسبة للعربية، أحد أقدم أشكال التهيئة اللغوية، التي يمكن لأي لساني أن يقف على تفاصيلها، سواء من حيث الخط والإملائية (نزول القرآن على سبعة أحرف، إضافة النقط لاحقا) أو من حيث المعجم أو التركيب أو الدلالة. وكذلك الأمر بالنسبة للأمازيغية، إذ يعني الحديث عن الأمازيغية المعيارية (وللمغرب تجربته الخاصة في هذا الإطار) اللغة المشتركة بين كل الإنجازات الفعلية للأمازيغية سواء في الشمال أو في الجنوب. فالقول بأن الأمازيغية المعيارية تجميع للشتات قول لا يمكن أن يصدر إلا عن جاهل. لأن اللغة، في حالة توزعها بين متكلميها، لا يمكن أن تظهر بصورة كاملة. فلا أحد في العالم، كفرد، يمكنه أن يمتلك لغته بالكامل مهما كان عبقريا. ولهذا السبب تستعمل القواميس والمعاجم. إن غياب المقلوبية السياسية هو الذي يؤدي إلى اعتبار انتقال انجاز المغاربة بالدارجة من (شريت بيسكليت) إلى (شريت دراجة) تقدما واعتبار الانتقال من (قن لباب) إلى (قن تيفلوت) أو (قن ثاوورث) جريمة. علما أن جميع اللغات ودون استثناء، تقترض فيما بينها. فالقلم (يونانية) والفردوس (فارسية) وجهنم (عبرية) وغيرها حجج على كونية الاقتراض اللغوي. ولكن الأمر، هنا، يتعلق بحد أدنى اعتباري تتمكن مع اللغة من الاشتغال بآلياتها الذاتية دون أن تبتلع من طرف لغة أو لغات أخرى. إن التدريس، في جميع بلدان المعقول، لا يمكن أن يتم إلا باللغة المعيارية. لأن التعليم (بالإضافة إلى مراميه الأساسية المتمثلة في التكوين والمعرفة والتطور) جزء من التهيئة اللغوية والتي هي أيضا جزء من التكوين والمعرفة والتطور. لذلك، لا يمكن لأحد (في العالم وبإطلاق) أن يعرف العربية المعيارية إذا لم يذهب إلى المدرسة. هل هذا السبب كاف لنقول أن العربية المعيارية تهدد لغة أهل الحجاز أو الكويت في الحجاز وفي الكويت؟ وما هو التوصيف الصالح لهذا المنطق؟ { اللغة العربية هل هي اللغة المتداولة في المغرب؟ لماذا لا نتفاهم مع ساكنة الجزيرة العربية؟ هل لديها عربيتها ولدينا عربيتنا؟ إن اللاتينية هي التي تطورت في إيطاليا ثم سميت الإيطالية. واللغة التي يتكلم بها الناس الأحياء في مكة الآن هي التطور الذي آلت إليه اللغة التي كان يتحدث بها الناس في نفس المكان إبان عمرو بن كلثوم. إن حياة اللغة تتجلى في الاختلافات التي تظهر تبعا للحالات السيكولوجية والاجتماعية والطبيعية. فسكان الجبال مثلا (وفي كل بقاع المعمور) لا يمكن أن تكون لهم أسماء بعدد أسماء الرمل عند سكان الصحراء. إن عدم تفاهم الحجازي مع اللبناني تقلل من أهميته وجود اللغة العربية المعيارية. فهل إنكار المعيارية على الأمازيغية مجرد غطاء للنزعة الاستعمارية القديمة-المتجددة التي تتجه نحو «فرق تسد». إذا كان الأمر كذلك فالأمر لم يعد يتعلق، نهائيا، بتعاقد من أجل دستور لدولة الحق والقانون... { ترسيم اللغة الأمازيغية سيؤدي إلى التجزئة والبلقنة إلى أي حد هذه المقولة معقولة أو مقبولة؟ ترسيم اللغة الأمازيغية سيؤدي إلى إحقاق الحقوق اللغوية والثقافية. فالحق لا يضاد الحق بل يشهد عليه ويثبته. فالوحدة الوطنية في المغرب (وغيره) لم تكن أبدا وحدة قسرية أو سالبة للحقوق بل كانت إطارا أفضل لممارسة الحقوق والحريات (والاتحاد الآوربي غير بعيد لا جغرافيا ولا تفصيليا]. أما كلمة البلقنة فتعود (من الناحية الاشتقاقية) إلى ما ترتب عن الحرب التي شهدتها أطراف الامبراطورية العثمانية الغربية مع مطلع القرن العشرين من استقلال كل من صربيا وبلغاريا والجبل الأسود واليونان. وصارت تعني اصطلاحا التقسيم. فما هي الدلالة السياسية للبلقنة؟ إن البحث في أسباب البلقنة أهم من معاينة البلقنة. إذ جاء تفتيت الامبراطورية العثمانية تبعا لبحث الناس عن حقوقهم التي لم يجدوها في الوحدة. لأن الوحدة التي تعني سيطرة مكون على المكونات الأخرى (في البلقان تدخل المكون الديني واللغوي والعرقي)، مما يدفع المكونات الأخرى إلى البحث عن الانعتاق في الاستقلال. وكل الحركات الاستقلالية لا تخرج عن نفس السياق؛ أي وجود مهدد للذات بالإبادة فتتحرك غريزة الحياة في الشعوب وتبحث عن الاستقلال عن القوى الاستعمارية (أي تلك التي تهدف إلى تحقيق الإبادة) فتتحرر، فيسميها الذي فقد سيطرته الاستعمارية بلقنة. فهل كان الأمر يتعلق بمناهضة الإسلام أم بمناهضة الاستبداد؟ الأكيد أن الأمر كان يتعلق بمناهضة الاستبداد. أما الدليل القاطع على ذلك، فهو وجود الجزائر وتونس ومصر .. إلى سوريا وبلغاريا معتزة بوجودها المستقل، ووجود المغرب معتزا بعدم خضوعه للاستبداد العثماني. أما السبب فهو بسيط جدا، ودون فصاحة أكاديمية أو استعلائية، ومؤداه أن الاستبداد مرفوض (سواء بسبب اللغة أو الجنس أو اللون أو ...) سواء لبس عباءة الإسلام أو عباءة العربية لأنهما (معا أو متفرقين) مرفوضان وموضوع مقاومة عندما يتم استعمالهما لتبرير الاستبداد والاستغلال لخدمة المصالح العرقية أو الجنسية أو اللغوية أو الأسرية العائلية ضدا على سيادة الشعب باعتباره مصدرا للسلطة، وباعتبار الدولة أحد اختياراته (الحرة) في تدبير شؤونه العامة القابلة دوما للتطوير والتعديل وفق ما تمليه عليه مصلحته المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتنموية. أما بداهة الموضوع فتتجلى، لمن يهمه مستقبل الإنسانية، في أن إبادة الشعوب وتقتيلها جريمة ضد الإنسانية بالمعايير الدولية، سواء تم ذلك بيد العروبة (ومن العرب الكثير ممن انخرطوا في بناء قيم الحياة) أو الإسلام (ومن المسلمين من لا هدف له سوى بناء قيم الحياة) أو الرومان (وإيطاليا الآن تنخرط في الدفاع الحق في الحياة) أو كيفما كان القناع الذي يخفي به مشاريعه التي تهدف إلى التقتيل وترك الواحد يسود ضدا على الطبيعة وبالخصوص ضدا على الكرامة الإنسانية. إذن، ما هو سبب البلقنة، سواء بمدلولها التاريخي أو بمعناه المنتشر في جميع لغات الإنسان بالمعايير الكونية؟ هل هو المطالبة بالحقوق أم العودة الأبدية (بأقنعة متباينة) لمحاولة فرض الاستبداد؟ يتجلى الجواب، بقليل من العقل والتعقل أكثر من بسيط، تبعا للمنظومة التي تؤطر البلقنة، هل هي: - تبرير وافتعال أسباب واهية من أجل إيجاد مسوغات (عاطفية وقبل منطقية في الغالب الأعم) الاستبداد وإكراه المغاربة على العيش في التخلف والتباري فيه مع كل من غلبه الاستبداد من أجل الحصول على الميدالية القروسطية في الاستيلاب والتبعية؛ - أم أن الأمر يتعلق بتأهيل المواطنين من الانخراط في العيش وفق المعايير الكونية التي تضمن التمتع بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتنموية وفق ما توصل إليه الإنسان عبر تاريخه الذي يتعدى ملايين السنين من أجل العيش بكرامة في سياق الحرية وتأكيد الذات. وواضح أن هذه المنظومة لا تفرض حجرا على أحد، بل وتذهب بعيدا في قرار جميع الحقوق الفردية والجماعية دون تحفظ. { عدم ترسيم اللغة الأمازيغية ألا يعني استبعاد لمكون أساسي للشعب المغربي؟ يمكن تعريف الدستور بأنه التعاقد الذي يتفق عليه الأفراد في مجتمع ما قصد إجبار الدولة على تدبير الشأن العام الذي يهمهم تبعا له وفي احترام تام له. ويعتبر الدستور ديمقراطيا كلما عكس مكونات وطموحات الأفراد الذين تعاقدوا عليه. إن الأمر يتعلق بفكر سياسي (قديم في العالم جديد في المغرب) تستمد فيه الدولة مشروعيتها من الشعب؛ فهو مصدر السلطة والتشريع والقرار. ولا يمكن لدستور أن يشكل ويتم إعماله فعليا (دون عنف أو إكراه) ما لم يتأسس على مبدأين أساسيين: يتعلق الأول بالتزام الأفراد بالتعبير عن كينونتهم وتطلعاتهم والنظر إلى الدستور باعتباره يعبر أو لا يعبر عن هذه الكينونة. أما النظر إلى ما يحققه للآخر الموجود مع الذات، فهذا أمر متروك للآخر؛ وفي إطار المساواة بين الأفراد, فلا فضل لفرد على آخر في الوطن إلا بالقيام بالواجبات (والتمتع بالحقوق). وكمثال على ذلك، فالناطق بالعربية يعبر عن الحقوق التي تهمه (باعتباره كذلك) ويعتبرها أساسية في الدستور مع اعتبار أن نفس الحق الذي يطلبه لنفسه يقبله لغيره الناطق بالأمازيغية. لأن طلب الحقوق للذات ومنعها عن الغير يفسد التعاقد ويجعله لاغيا. لهذا (ولغيره كثير) يعتبر عدم ترسيم الأمازيغية تحيز وتمييز بين لغات الوطن الواحد يؤدي إلى الشعور بالمهانة في الوطن ويعطي لهذا الأخير (بفعل السياسة التمييزية) مفهوم السجن أو النفي أو الاحتقار ولكنه حتما لا يتعلق بالحريات والحقوق والانتماء. ولذلك تعتبر مثل هذه الدعوات مساهمات في الاحتفاظ بالمغرب المستبد الذي ينكر على مكون أساسي من مكونات الشعب المغربي حقه في التمتع بحقوقه اللغوية والثقافية في بلده. وواضح أن هذا الرأي لا يهدف إلى أكثر من إفساد إنجاح الانتقال الديمقراطي وبناء دولة الحق والقانون التي تضمن المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن لغتهم أو جنسهم أو لونهم أو أصلهم الاجتماعي أو الاعتباري أو ما إلى ذلك مما هو منصوص عليه في الصكوك الدولية. { الرافضون للترسيم ألا يكونون هم المعادون لمبدأ المساواة في معناها الشامل والكوني؟ لم يكن الإنسان مضطرا للجوء إلى مفاهيم التعالي والتكبر ومختلف تجليات الطاووسية إلا فيما سجله التاريخ الإنساني من محدودية في التفكير تتناسب مع النهم في التسلط والاستبداد. لذلك اعتبرت المساواة بين جميع الأفراد أساس الفكر السياسي الديمقراطي؛ فلا ديمقراطية دون مساواة. ولكن المغرب، كباقي البلدان، يحتفظ فيه البعض بالآراء التي لا تريد التنازل عن نزوعاتها الاستبدادية والعنصرية (لأنهما متلازمان) فتخلق من المغالطات ما تم تفنيده منذ قرون وتحاول «إبداع» مغالطات أخرى. ولكنها، في المنطق السليم، يمكن أن تغلط البعض لبعض الوقت، لكنها لا يمكن أن تغلط المغاربة أكثر مما فعلت. لأنها تعرف أن إمكانياتها السياسية لا تمكنها من تدبير شؤون المغرب اللغوية والثقافية المتعددة. لأن الاستبداد علمها وفرض عليها العجز عن إبداع فكر فلسفي في مستوى تنوع المغرب اللغوي والثقافي. فقط لأن التمييز والعنصرية باتا من رواسب الفكر السياسي القبل ديمقراطي. وأيضا لأن المغاربة أكثر ذكاء من يقبلوا بتسليم تدبير شؤونهم العامة لفكر سياسي تمييزي. وهم (على رأس الشعوب المقاومة للاستبداد والعنصرية) الذين صهروا، بأرواحهم، تنوعاتهم واختلافاتهم من أجل مغرب ديمقراطي حداثي وعادل ويتسع للغاتهم وثقافاتهم جميعا بأبدع ما يمكن من تجليات قبول الاختلاف والتسامح والتوجه نحو البناء وإحقاق الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتنموية.