(محجبة تأتي كل صباح لمقر عملها، يسبقها عطرها ليحتل المكان، تحيي كل زملائها بتحية الإسلام، دون أن يرد عليها أحد، وتجلس وراء حاسوبها، حاسوب يفتح بموسيقى صوفية، يحكى أنها ألفت في العصر العباسي الثاني، عندما بدأت الدولة العباسية تنهار؛ وتتوجه إلى مكتب المدير بعد أن تضع السماعة، وتفتح بابه وينغلق خلفها، فاتحا شهية التعاليق، تعاليق الزملاء حول العلاقة التي بينها، وبين هذا المدير الملتحي المتزوج، سمعت إحدى زميلاتها تعلق« إنهما يقيمان صلاة الصبح جماعة، بعد أن فاتتهما في بيتهما» وبعد أن يضحك الجميع، تخرج صديقتنا من المكتب، وعلى محياها آثار دموع مجففة للتو...). هذه مقدمة لا علاقة لها بما سيأتي، لأنها مقتطف من قصة قصيرة جديدة أكتبها، أما أنا اليوم تذكرت أنني كنت في صغري، مغرما بمجموعة من القادة السياسيين، مثل غاندي ونهرو، مثل تشرشل وروزفلت، مثل ستالين وفرانكو وبينوشي، وتيتو و ليش فليسا، مثل ديغول وبورقيبة والحسن الثاني وجمال عبد الناصر وصدام حسين و القذافي وعلي عبد الله صالح وياسر عرفات، وكاسترو و بوكاسا و انديرا غاندي؛ وبعد ذلك فاكلاف هافل و عبدو ضيوف و سنغور شاعرا وسياسيا، و فليبي غونزاليس، وبين هؤلاء هناك دكتاتوريون بالضرورة المرضية، وهناك دكتاتوريون بالإكراه السياسي، وهناك وطنيون (كيتسطاو على بلادهم)، لكنهم يدخلون هلوسة (الحب القاتل)، وهناك الوطنيون الذين يستطيعون أن يتنحوا عن سدة الحكم، لمجرد أن يسمع أنين بعض من شعبه، توجعه طريقة حكمه. هؤلاء كلهم خرجوا من رحم ثقافة سياسية فاجرة، كانت فيها الحروب الساخنة والباردة، وكانوا كلهم كاريزماتيون، يبحثون عن تصفية حسابات مع واقع حال سياسي، ومع استثناء ثقافي كانت أجواؤه متقلبة ومتعددة المشارب، لم يكونوا يحتملون المعارضة، كل من موقعه الجغرافي والفكري، وكانوا يقدمون التبريرات المقنعة في بعض الأحيان، و غير المقنعة في العديد من الأحيان. اليوم وبعد 11 سبتمبر، بدأت تظهر طبقة سياسية جديدة، تعتقد أنها عبر مواجهاتها العرقية، والدينية المتطرفة، قد تصبح هي العقول السياسية الناجحة، مع العلم أن العقل يرفض التطرف أصلا، فها هو بوش الابن لم يفلح في سعيه الإستئصالي، وهاهو ساركوزي نافق حلفاء فرنسا وغيرهم، إلى أن رموه كرمي العاهرات، وهاهو برلسكوني الذي أطاحت به اقتصاديا نهاية القذافي، وهاهي النخب السياسية (التي حملها الخريف العربي) تتبجح بالديمقراطية، وتتربص بها بعد التربع على عرش الوطن، مثل ما ساقته الأخبار عن الغنوشي، وما تأكد بليبيا ومصر، وما وصل عن (ديمقراطية) السنة في البحرين واليمن وسورية. الوضع العربي السياسي والفكري، وضع عاهر يتوخى الشرف، رغم أن الشرف غادره منذ أن تبنى الجبن، لذا أعتبر الممارسة السياسية في ربوعنا العربية، ابتليت بالعهر منذ انحطاط الدولة العباسية، لكن العاهرة في القاموس السياسي تبقى دائما شريفة، بخلاف المومس المغلوبة على أمرها.