هل حدث لك يوما أن استغرقت في قراءة رواية إلى درجة أن ملكت أحداثُها و أبطالُها عليك حواسك، و ألفيت نفسك واحدا منهم تتعاطف مع بعضهم و تكره بعضهم الآخر. هل كنت يوما ما تتابع شريطا سينمائيا بكل جوارحك إلى حد أنك ذرفت دموع الحزن على وفاة البطل رغم أنك تعلم أن الأمر ليس حقيقيا. هل حدث مرة أن كنت مستغرقا ذهنيا في قراءة رواية أو مشاهدة فيلم و دخل عليك شخص من أقاربك و كلمك لكنك لم تسمع ما قاله و لم تستجب له حتى قطع عليك استغراقك عنوة بأن هزك هزا أو صرخ بقوة ليُعيدك إلى عالمه. لا شك أن أمرا من هذا القبيل قد وقع لك و لو مرة واحدة في حياتك. هذا الأمر حالة ذهنية شبيهة بالتنويم المغناطيسي. فالعلماء يقولون أن التنويم المغناطيسي حالة ذهنية تتسم بالهدوء و الاسترخاء، يكون الذهن خلالها قابلا بشكل كبير للاقتراحات و الإيحاءات، لذلك يقولون أن التنويم المغناطيسي أو الإيحائي حالة طبيعية جدا إذا ما توفرت الشروط الموضوعية لحدوثها. فإذا وجد الشخص نفسه في محيط هادئ بعيد عن الصخب و الضجيج و توفرت له شروط الراحة البدنية (و قد يتدخل المنوم لخلق هذه الأجواء) فإن تركيزه الشديد على نقطة أو مصباح أو شاشة من شأنه أن يستقطب انتباهه إلى درجة تجعل كل الأشخاص و الأشياء من حوله خارج نقطة التركيز تلك. و هنا يتدخل المنوم الخبير كي يوحي له بما يريد و يجعله يقوم بمهام ما كان ليقوم بها لو كان في تمام وعيه. و يقول خبراء منظمة الصحة العالمية أن 90 بالمائة من عامة السكان قابلين للتنويم المغناطيسي. و قد لعب هذا النوع من التنويم و لآلاف السنين دورا كبيرا في مجال العلاج و المداواة. و السبب هو أن الذهن حين يكون في حالة التركيز و الاسترخاء العالي، فإن العقل يصبح منفتحا و قابلا للاقتراحات و الإيحاءات الإيجابية و المشجعة، و عندها تتمكن هذه الاقتراحات و الإيحاءات من التغلغل و الترسخ في العقل بيُسر و ليونة أكثر، لتأخذ مفعولها بشكل أفضل و أسلم. و قد كان قدماء المصريين هم أول من استخدم هذا النوع من التنويم للعلاج ثم أخذه عنهم البابليون ثم اليونانيون، و اضمحل مع الزمن و لم يتم اللجوء إليه، إلى أن أعاد اكتشافه و استخدامه في العصر الحديث الطبيب السويسري «فرانز أنطوان ميسمر» في القرن الثامن عشر عندما استخدمه لتخدير مرضاه. و قد اعتقد الناس أن ما يقوم به هذا الطبيب نوع من السحر و الشعوذة، فقامت المنظمة الطبية في فيينا من حرمانه من عضويتها. و اليوم يحظى هذا الأسلوب من العلاج باهتمام كبير من الأطباء النفسيين الذين يستخدمونه لعلاج كثير من الأمراض العصبية أو للعلاج من الإدمان و الإقلاع عن المخدرات و التدخين...كما يستخدم هذا الجنس من التطبيب لتطوير القدرات النفسية الذاتية و تحسين التركيز و محاربة القلق و تحسين المهارات الرياضية و تسريع القراءة و غير ذلك كثير. بل إن أطباء الأبدان أنفسهم اهتموا بهذا المجال و خاصة فيما يتعلق بالتخدير حيث استعاضوا عنه بالتنويم المغناطيسي الذي يحول دون وصول إشارات الألم إلى الدماغ فينعدم الإحساس بالألم. و يبدو أن الرهبان البوذيين في التبت (من أتباع الدالاي لاما) يُعتبرون من أقدر الناس على ممارسة هذا النوع من التنويم على أنفسهم ذاتها، حيث يستطيعون أن يتحكموا في وظائف الجسم اللاإرادية، كأن يخفضوا من معدل نبضات القلب إلى عتبة تتاخم الموت ، كما بإمكانهم التحكم بمعدل التنفس بحيث لا يتعدى سبع مرات في الدقيقة الواحدة. و السؤال الذي يطرح هو ما إذا كان الطبيب المنوم قادرا على إصدار أوامر للشخص الداخل في حالة تنويم مغناطيسي، تتعارض مع القانون أو الأخلاق ، كأن يأمره ? كما نرى في بعض الأفلام ? أن يقترف جريمة قتل ضد شخص معين أو يتعرى أمام الملأ. و الجواب الذي يقدمه الخبراء هو أن تنفيذ الأوامر يتوقف على درجة قابلية الشخص المنوم و لكنه عموما و لو كان في حالة نوم مغناطيسي إلا أن العقل يبقى على درجة من التنبه تسهر على ألا يتجاوز صاحبه عتبة القانون أو الأخلاق.