من كان يعتقد أن الفصل 19 من الدستور الذي كان يثير الجدل ويشكل مادة خصبة للسجال والتفقه السياسي بين مؤيد ومعارض، قد يحمل يوما في منطوقه ثمرة نضال الحركة النسائية المغربية التي ما فتئت تناضل منذ استقلال البلاد من أجل رفع التحفظ عن حقوقها لترتقي أخيرا إلى مرتبة المواطن الكامل. لقد أصبحت المناصفة اذن مبدءا دستوريا ومكسبا لا محيد عنه، لا يوقف نضال الحركة النسائية بل يواكبه إلى مستوى آخر هو في تقديري أكثر حساسية وصعوبة من مجرد الإقرار بهذه المناصفة في الدستور، ألا وهو مستوى تفعيل هذا المبدأ الدستوري وتنزيله بالأمانة اللازمة الكافية للحفاظ على روح مبدأ المناصفة، خصوصا مع ما قد يعترض ذلك من مقاومة المحافظين والرجعيين وحتى بعض المحسوبين على التيار التقدمي، مع الاسف. لقد شكل هذا النضال النسائي دوما احد أولويات مطالب القوى التقدمية والحداثية من اجل تحرير المرأة والانخراط في البناء الديمقراطي للبلاد. وقد كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أول حزب يعي ضرورة خلق قطاع نسائي يتيح إمكانية الاشتغال والحضور السياسي للمرأة. فكانت له بذلك الأسبقية الزمنية حيث أن القطاع النسائي للاتحاد الاشتراكي قد تأسس في نفس اللحظة التاريخية التي تأسس فيها الحزب (من الاتحاد الوطني إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) والتي صادفت السنة الدولية للنساء 1975، بل وقد قدمت اللجنة النسائية للمؤتمر الاستثنائي ورقة تنظيمية تحت اسم «التقرير النسائي» تضمنت محورين أولهما ناقش وضعية المرأة المغربية بشكل عام ومن عدة نواحي، ليحمل المحور الثاني بعض الاقتراحات لتجاوز معوقات لعب المرأة لادوار الريادة في المجتمع. فهل كان هذا السبق والإيمان المبكر للحزب بعدالة القضية النسائية كافيا ليكون حزب القوات الشعبية حزبا استثنائيا في تعاطيه مع المسألة النسائية داخل تنظيماته وعبر محطاته التاريخية ؟ وما الذي حققته المرأة الاتحادية داخل الحزب بالنظر إلى تجدر قضيتها في تاريخه؟ بل حتى ما مدى تفاعل الحزب مع مختلف الأوراق التي قدمها القطاع النسائي الاتحادي وتساؤلاته العميقة التي طرحها منذ مؤتمره في 1984 حول علاقة التنظيم النسائي بالأجهزة الحزبية؟ صحيح أن الاتحاد الاشتراكي كان قد اقر مبدأ الكوطا كتمييز ايجابي يرفع مشاركة النساء في الترشيحات ويضمن لهن حدا أدنى من التواجد في الساحة السياسية منذ 1977، نفس السنة التي انعقدت فيها الندوة الوطنية الثانية للتنظيم النساء والتي كان شعارها « توعية المرأة والرجل معا ضرورة لتحقيق اختياراتنا» والتي قال فيها الفقيد عبد الرحيم بوعبيد : :«...تنظيم القطاع النسائي داخل الاتحاد الاشتراكي ليس غاية في حد ذاتها ولكن المقصود هو أن يصبح في المجتمع المغربي قطاع واحد لا فرق فيه بين الرجال والنساء، فالكل مجند من أجل الكفاح والديمقراطية والرفع من مستوى الجماهير والعمل على إسعادها...« وأضاف »نضالنا ليس مرهونا بظرف معين، إن حزبنا نهر يجري باستمرار في كل الفصول...«. إلا أن آلية التمييز الايجابية هذه قد زاغت ومنذ عهد ليس بالقصير عن الهدف الذي وجدت من اجله والدور الذي كان ينتظر منها. فبدل أن تجعل من مشاركة النساء على مستوى التنظيمات الحزبية مشاركة نوعية وحضورا فعالا تحولت إلى مجرد آلية للريع السياسي داخل الأحزاب عامة دون أن يشكل الاتحاد الاشتراكي اختلافا عن ذلك. فأصبحت أداة للتجييش بيد الرجال تارة ولإقصاء الأطر النسائية الحزبية تارة أخرى، وصدعت في كثير من المرات الشرخ والصراعات داخل التنظيم النسائي من اجل الظفر بالمنصب موضوع الكوطا. مما اضعف التنظيم والصوت النسائي داخل الحزب لصالح هيمنة ذكورية، وقوى ظاهرة الاصطفاف والتبعية ليختزل دور النساء في معظم الأحيان إلى أرقام انتخابية في محطات الحزب التنظيمية وعلى مستوياته المحلية والجهوية والوطنية يحسب بها الرجال ويوازنون بها قواهم. بعيدا عن أي اعتبار للكفاءات والقدرات والإضافات النوعية التي يمكن أن تحملها اطر الحزب النسائية الى الحزب نفسه. لقد فقدت آلية الكوطا في اعتباري معناها في التمييز الايجابي منذ زمن، بل صارت تكرس لنموذج مناضلات الكوطا والتيار الغالب وتقصي فعاليات واطر الحزب الكفؤة، واخلف معها الاتحاد الاشتراكي موعده مع التاريخ في إنصاف المرأة المغربية عامة والاتحادية خاصة بإخراج ما حملته أوراق مؤتمراته ومحطات تنظيمه النسائي إلى ممارسة واقعية في أفق ما تصوره الفقيد بوعبيد «القطاع الواحد الذي لا فرق فيه بين النساء والرجال». بل انه في كثير من الأحيان كان يصدر عن قصد القضايا النسائية للقطاع للنسائي كمهمة وحيدة خندق فيها. ولا أدل على ذالك من التوصيات التي خلصت إليها ندوة التنظيم الوطنية التي عقدها الحزب في يوليوز 2010 والتي أوصت في هذا الخصوص فقط ب» أن تكون محطات إعادة هيكلة التنظيمين النسائي والشبابي، مناسبة وفرصة لبلورة رؤى متجددة تمكن من انفتاح أشمل على القضايا الشبابية والنسائية الملموسة خلال هذه المرحلة من تطور مجتمعنا» دون أدنى إشارة إلى ضرورة العمل على تجاوز آلية الكوطا بالسلبية التي باتت ملتصقة بها لتعزيز مكانة المرأة الاتحادية في الأجهزة الحزبية وعلى مستوى القيادة بالمكانة التي تستحق. شهور قليلة بعد هذه الندوة التنظيمية انعقد بمقر الحزب المؤتمر السادس للنساء الاتحاديات والذي حمل شعار »نضال نسائي متواصل من أجل مغرب الوحدة والمساواة« ليسجل في بيانه العام مطالبته بالرفع من تمثيلية النساء داخل الأجهزة الحزبية بنسبة 33 % في أفق المناصفة وفي كل مواقع القرار السياسي داخل الحزب وخارجه على قاعدة الديمقراطية. ونحن على مشارف مؤتمرنا التاسع، لا يسعني إلا أن أبوح بتخوفي في أن تتغاضى هذه المحطة التنظيمية الحاسمة مرة أخرى عن التعامل بمسؤولية ودون تحفظ مع مسألة التمثيلية النسائية داخل أجهزة الحزب وعلى مستوى قيادته، لقد كنت صدقا أتوق إلى أن أجد بين المرشحين للقيادة ترشيحا نسائيا، خصوصا أن لحزبنا كفاءات نسائية ثقيلة الوزن ولها من التجربة السياسية والخبرة والاتزان ما يسمح لها بمنافسة المرشحين الخمسة وقيادة الحزب في الفترة القادمة لإخراجه من حالة الجمود والتيه التي يتخبط فيها. وإعادة ترتيب أوراقه ليعود إلى إشعاعه وحضوره السياسي الأول. ولكن، والحال ليس كذلك فإن واقع المرشحين الخمسة دفعني إلى البحث في أرضيات مشاريعهم عن بعض ما قد يطفئ الإحباط المتسلل إلى جدية القضية النسائية داخل الحزب، فوجدت في الأرضيات الثلاث التي توصلت بها خطابا عاما يدعو في إحداها إلى «الدفع بمسلسل المساواة والمناصفة» أو في أرضية أخرى إلى «توسيع تمثيلية النساء داخل التنظيمات الحزبية واقتراح تحقيق المناصفة في أفق المؤتمر العاشر» ، وفي أحسن الأحوال والتي وضعت الأصبع على الحلقة المفقودة المنشود منها تجاوز التنظير إلى تفعيل وتنزيل المناصفة ما جاء ولو عاما بدوره في الأرضية التي دعت إلى «التسريع الملموس لإدماج المرأة في الدواليب التقريرية للمشروع المجتمعي الحداثي» . وهذا ما حملته أرضيات الإخوة ولعلو والمالكي ولشكر (على التوالي والتي توصلت بها).