ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعتقال خالد عليوة ومن معه بين الحماية الدستورية للحق في الحرية والممارسة القضائية التحكمية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 07 - 12 - 2012

قررت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط، مساء الأربعاء 28 نونبر 2012، منح السراح المؤقت للمتابعين في ملف شركة الملاحة، كوماناف، مع المنع من مغادرة التراب الوطني، وذلك بعد أن لقي ملتمس دفاعهم مساندة مطلقة من طرف النيابة العامة بهذه المحكمة، خلافا لما جرى به العمل من طرف النيابات العامة.
وإذا كانت هذه المبادرة تستحق التنويه والتقدير، اعتبارا لما تكرسه من احترام لمبدأ أسبقية الحق في الحرية والبراءة على الاعتقال وصك الاتهام ، فإنها في ذات الوقت تزيد من تعميق النقاش، الذي برز بشكل واضح في قضية خالد عليوة ومن معه، حول غياب التطبيق السليم للمقتضيات القانونية المنظمة للاعتقال الاحتياطي.
بل وأكثر من هذا، فإن قرار المحكمة القاضي بإطلاق سراح توفيق الإبراهيمي ومن معه، يفتح النقاش حول مجال أوسع يتمحور حول الضوابط المتحكمة في متغيرات السياسة الجنائية بالمغرب التي أصبحت تسير بسرعتين متناقضتين تختلف باختلاف النفوذ الترابي للمحاكم؛ فهل السياسة الجنائية المطبقة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء ليست هي ذات السياسة المطبقة بمحكمة الاستئناف بالرباط؟؟؟
ففي قضية كوماناف توبع الإبراهيمي توفيق ومن معه بأفعال تفوق بكثير من حيث خطورتها الأفعال المتابع بشأنها معتقلو القرض العقاري والسياحي، ومع ذلك أنجزت مسطرة التحقيق الإعدادي في حقهم داخل الآجال القانونية وتمت إحالتهم على المحاكمة التي تبين لهيئتها وكذا للنيابة العامة أن الاعتقال الاحتياطي ليس له ما يبرره، وأن المتابعة في حالة سراح مع الوضع تحت المراقبة القضائية هي الحدود المسموح بها قانونا.
أما في قضية القرض العقاري والسياحي، فخالد عليوة ومن معه توبعوا بأفعال لا تساوي شيئا مع أفعال المتابعة في القضية الأولى، ومع ذلك مازالوا منسيين في السجن ولم يتم التحقيق معهم رغم مرور ما يقارب الستة أشهر على اعتقالهم، مما يعتبر انتهاكا للدستور والعهود والمواثيق الدولية وأحكام قانون المسطرة الجنائية، وذلك للأسباب التالية :
أولا - الاعتقال الاحتياطي فيه خرق للمادة 160 من قانون المسطرة الجنائية :تنص المادة 160 من قانون المسطرة الجنائية على أنه : « يمكن أن يوضع المتهم تحت المراقبة القضائية في أية مرحلة من مراحل التحقيق لمدة شهرين قابلة للتجديد خمس مرات، خاصة لأجل ضمان حضوره، ما لم تكن ضرورة التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص أو النظام العام تتطلب اعتقاله احتياطيا.»
ويستفاد من هذه المقتضيات، أنه لا يجوز لقاضي التحقيق أن يلجأ إلى الاعتقال الاحتياطي إلا بتوافر الشرطين التاليين :
الشرط الأول : أن يكون الوضع تحت المراقبة القضائية لا يسمح بإنجاز التحقيق ولا يمكن من الحفاظ على النظام العام وأمن الأشخاص؛
الشرط الثاني : أن تكون ضرورة التحقيق أو الحفاظ على النظام العام أو أمن الأشخاص، تتطلب الاعتقال الاحتياطي، بمعنى أن يكون هذا الاعتقال هو الوسيلة الوحيدة لإنجاز التحقيق وللحفاظ على النظام العام وأمن الأشخاص.
إلا أنه في نازلة الحال، وبالرجوع إلى الأمر القاضي بالاعتقال الاحتياطي، يتضح أنه جاء مفتقرا لتعليل واضح يثبت توفر هذين الشرطين؛ مما يجعله مشوبا بخرق مقتضيات الفصل 160 من قانون المسطرة الجنائية، إذ يتجلى هذا الخرق في السببين التاليين:
السبب الأول : انعدام التعليل في ما يخص الوضع تحت المراقبة القضائية :
رغم اعتبار المشرع للوضع تحت الاعتقال الاحتياطي والوضع تحت المراقبة القضائية تدبيرين استثنائيين تطبيقا للمادة 159 من قانون المسطرة الجنائية، فإنه مع ذلك اعتبر الوضع تحت الاعتقال الاحتياطي استثناء على الوضع تحت المراقبة القضائية، بحيث لا يمكن اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي إلا إذا كان الوضع تحت المراقبة القضائية غير كاف لإنجاز التحقيق، باعتباره ضروريا أو لا يمكن من الحفاظ على النظام العام أو أمن الأشخاص؛ وهو الأمر الذي يستفاد من مقتضيات المادة 160 من قانون المسطرة الجنائية السالفة الذكر، وكذلك من ديباجة هذا القانون التي جاء فيها :» رابعا : بدائل الاعتقال الاحتياطي ( الوضع تحت المراقبة القضائية ) : لا يتضمن قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 أي تدبير بديل للاعتقال الاحتياطي ذي بعد إنساني، ولا يوفر ذلك القانون لقاضي التحقيق إمكانيات بديلة مهمة وفعالة من شأنها ضمان حضور المتهم لإجراءات التحقيق الجنائي في إطار المحاكمة العادلة وضمان حقوق الدفاع. ولذلك تم إحداث نظام الوضع تحت المراقبة القضائية. ويتوخى القانون الجديد من إقرار هذه التدابير، إيجاد آليات تكفل سير تطبيق الإجراءات القضائية دون اللجوء إلى تدبير الاعتقال الاحتياطي الذي أصبح منتقداً لعدة اعتبارات إنسانية واجتماعية (المواد من 159 إلى 174).»
وانطلاقا من مقتضيات هذه الديباجة، يتضح أن المشرع أوجد لقاضي التحقيق بدائل أخرى للاعتقال الاحتياطي يكون ملزما بتطبيقها، بدلا من هذا الأخير، متى كانت تكفل بلوغ نفس الأهداف وهي ضرورة التحقيق والحفاظ على النظام العام أو أمن الأشخاص. وبتعبير أكثر دقة، فإن المشرع، ورغبة منه في الحفاظ على الحق في المحاكمة العادلة والحق في الدفاع، منع على قاضي التحقيق الأمر بالاعتقال الاحتياطي متى كان الوضع تحت المراقبة القضائية كافيا لتحقيق هذه الأهداف.
والغريب في الأمر، أن بعض قضاة التحقيق بمحاكم المملكة يؤكدون على هذا التوجه في اجتهادهم الفقهي، إذ ذهب البعض إلى اعتبار أن قانون المسطرة الجنائية جعل من المراقبة القضائية هي البديل الناجع للاعتقال الاحتياطي، بل وقدمها على هذا الأخير من حيث الترتيب في الفصول، بحيث لا يمكن اللجوء إلى الاعتقال إلا إذا تحققت الأسباب المنصوص عليها في المادة 160 من ق م ج وهي ضرورة التحقيق أو الحفاظ على النظام العام أو أمن الأشخاص.
وعلى الرغم من عمومية هذه العبارات التي تمنح للمحقق صلاحيات كبرى عند التأويل، فإنها هي نفسها المبررات الواردة في أغلب التشريعات الإجرائية المقارنة وخاصة القانون الفرنسي.
وفي سياق الاجتهاد القضائي المقارن وخاصة الفرنسي منه، اعتبارا لكون قانون المسطرة الجنائية بالمغرب مستوحى من قانون المسطرة الجنائية الفرنسية، استقر اجتهاد محكمة النقض الفرنسية على اعتبار أنه لا يجوز للقضاء اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي إلا إذا كان الوضع تحت المراقبة القضائية غير كاف لبلوغ الأهداف المذكورة أعلاه، ولأجل ذلك ألزمت هذه المحكمة القضاء بضرورة تعليل قراراته القاضية بالاعتقال الاحتياطي أو بتمديد مدة هذا الاعتقال، من خلال إثباته في آن واحد أن الوضع تحت المراقبة القضائية غير كاف لبلوغ هذه الأهداف، وأن الاعتقال الاحتياطي أو تمديد فترته يعد الوسيلة الوحيدة لبلوغ هذه الأخيرة؛ وعلى هذا الأساس، قضت هذه المحكمة بإلغاء جميع القرارات التي لا تلتزم بهذا التعليل. وعلى سبيل المثال لهذه الاجتهادات القضائية يتم التذكير بالقرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 13 أكتوبر 2010 في الملف الجنائي عدد 552-82-10 (منشور في النشرة الإخبارية لمحكمة النقض الفرنسية bulletin d?information - - عدد 736 بتاريخ 15 فبراير 2011، ص 59، فقرة 170، والذي جاء فيه بصيغته الفرنسية ما يلي :
suite de l'article 144 de code de procédure pénale
La détention provisoire ne peut être ordonnée ou prolongée que s'il est démontré, au regard des éléments précis et circonstanciés résultant de la procédure, qu'elle constitue l'unique moyen de parvenir , l'un ou plusieurs des objectifs suivants et que ceux-ci ne sauraient être atteints en cas de placement sous contrôle judiciaire ou d'assignation , résidence avec surveillance électronique
»  إلا أنه في قضية معتقلي القرض العقاري والسياحي، يلاحظ بالرجوع إلى الأوامر القاضية بالاعتقال الاحتياطي وبتمديد فترته، أنها جاءت خالية من كل تعليل يثبت عدم كفاية الوضع تحت المراقبة القضائية لبلوغ أهداف التحقيق الإعدادي، مما يجعلها مشوبة بانتهاك الدستور والعهود والمواثيق الدولية، وكذا بخرق مقتضيات المادة 160 من قانون المسطرة الجنائية، وبانعدام التعليل المنزل منزلة انعدامه، وهو الأمر الذي يجعل كذلك من الاعتقال الذي تعرض له المعتقلون اعتقالا تعسفيا وتحكميا.
السبب الثاني: فساد التعليل في ما يخص الارتكاز على مصلحة التحقيق:
بالرجوع إلى الأمرين الصادرين عن السيد قاضي التحقيق، والقاضيين بتمديد الاعتقال الاحتياطي للمرتين الأولى والثانية، يتضح أنه تم تعليلها بكون مصلحة التحقيق تقتضي وتتطلب تمديد الاعتقال الاحتياطي.
إلا أن هذا التعليل يعتبر مخالفا لمقتضيات المادة 160 من قانون المسطرة الجنائية المومأ إليه أعلاه التي تشترط في صحة وسلامة الأوامر القاضية بالاعتقال الاحتياطي أو بتمديده، أن تكون معللة بأحد الأسباب الثلاثة وهي : ضرورة التحقيق، الحفاظ على النظام العام والحفاظ على أمن الأشخاص.
وهي الأسباب التي يلاحظ غيابها في حيثيات الأوامر القاضية بتمديد الاعتقال الاحتياطي الصادرة في حق السادة خالد عليوة ومحمد زيزي و يونس والعربي عليوة، وهي الأوامر التي بنت تعليلها على مجرد مصلحة التحقيق التي لا تعد من الأسباب الثلاثة المتمثلة في ضرورة التحقيق، أو الحفاظ على النظام العام أو أمن الأشخاص.
وكما هو معلوم قانونا، فإن هناك فرقا شاسعا بين مفهوم مصلحة التحقيق وبين مفهوم ضرورة التحقيق، اعتبارا لكون المفهوم الأول، وهو مصلحة التحقيق، يعني بأن هناك غاية أو هدفا يتوخى التحقيق بلوغه، وهي الغاية التي لا تكون سوى جمع الأدلة واستبيان حقائق الأفعال المنسوبة للشخص المحقق معه؛ في حين أن المفهوم الثاني، وهو ضرورة التحقيق، يفيد بأنه بدون سلب حرية المشتبه فيهم يتعذر ويستحيل إجراء أو مواصلة التحقيق؛ مما يجعل هذه الأوامر القاضية بالتمديد خارقة للقانون.
ثانيا- تمديد الاعتقال الاحتياطي فيه خرق للمادة 177 من قانون المسطرة الجنائية :
بالرجوع إلى حيثيات الأوامر القاضية بتمديد فترة الاعتقال الاحتياطي، يتضح أنها عللت بكون ملتمسات النيابة العامة الرامية إلى تمديد الاعتقال الاحتياطي لها ما يبررها ولكون مصلحة التحقيق تتطلب ذلك.
لكن هذا التعليل، يبقى مخالفا لمقتضيات المادة 177 من قانون المسطرة الجنائية التي تعتبر الإطار القانوني المحدد لشروط وشكليات تمديد الاعتقال الاحتياطي، والتي باستقرائها يتضح أن شروط تمديد الاعتقال الاحتياطي هي :
الشرط الأول : أن يتم تعليل الأمر القضائي القاضي بالتمديد تعليلا خاصا يفيد وجود أسباب ومبررات محددة ومفصلة، أبرزها التحقيق الإعدادي الذي تم الشروع فيه، لم تسمح بإنهاء التحقيق خلال المدة الأصلية للاعتقال الاحتياطي؛
الشرط الثاني: أن يصدر هذا الأمر بناء على طلب من النيابة العامة الذي يجب أن يكون مدعما بأسباب.
وعلى هذا الأساس، فبالرجوع إلى الأوامر القاضية بالتمديد يلاحظ أنها جاء مفتقرة لهذه الشروط لكونها لم تعلل تعليلا خاصا يستند إلى أسباب ومبررات دامغة، ومن جهة أخرى لكونها استندت على طلبات للنيابة العامة غير قائمة على أسباب مدعمة ومبررة وإنما على مجرد احتمالات وتوقعات غير صحيحة تتمثل في الخشية من فرار المعتقلين، والحال أن هؤلاء كانوا يستجيبون ويمتثلون ويتعاونون بتلقائية مع الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، كما أنها غير صحيحة لأن الخشية من الفرار سن لها المشرع الوضع تحت المراقبة القضائية وليس الاعتقال الاحتياطي.
ورغم أن تمديد الاعتقال الاحتياطي للمعتقلين في هذه القضية لم يكن راجعا إلى إرادة المعتقلين، فإن قاضي التحقيق بادر إلى ذلك التمديد مخالفا في ذلك جميع المقتضيات الدستورية التي تحمي الحق في الحرية والبراءة، مستندا في ذلك إلى ملتمسات النيابة العامة التي طلبت منه تمديد الاعتقال دون وجود مبرر داعم للاعتقال الاحتياطي أصلا، وبالأحرى لتمديده.
وما يدعو للاستغراب في هذا الشأن ويقوي اليقين حول وجود تناقضات في السياسة الجنائية التي تنهجها وزارة العدل والحريات، هو أن هذه الأخيرة لم تقف أبدا في إصدار مناشير ودوريات تحث الوكلاء العامين لجلالة الملك بمختلف محاكم المملكة على ضرورة بسلامة تطبيق الإجراءات والتدابير القانونية المتعلقة بالاعتقال الاحتياطي، وأولها المنشور الوزاري الصادر عن السيد وزير العدل تحت عدد 337 مكرر بتاريخ 18 مارس 1991 حول الإسراع بالبت في قضايا المعتقلين الاحتياطيين وبتسوية وضعياتهم الجنائية والذي جاء فيه ما يلي :
« لا ريب أن ظاهرة الإفراط في الاعتقال التي لوحظت على صعيد بعض النيابات العامة لم تكن تقابلها على مستوى هيئات الحكم، إجراءات فعالة لمواجهة هذا الضغط وللتخفيف من وطأته، حيث كان من المفروض أن تعطى لقضايا المعتقلين الأولوية وذلك بالفصل فيها على وجه السرعة، ومعالجة وضعياتهم حسب ما يتطلبه القانون، ولكن ظهر على النقيض من ذلك أن قضايا هؤلاء المعتقلين يتم حشرها مرات عديدة، ولأسباب مسطريه خارجة عن إرادة المعتقل، مما يتسبب في بقائهم رهن الاعتقال آمادا طويلة و يساهم ذلك-بالتالي- في اكتظاظ السجون».
« وحرصا على إيلاء قضايا المعتقلين ما تستحقه قانونا من السرعة والفعالية ومن سلامة الإجراءات، فإني أطلب منكم التقيد بما يلي :
ب- إذا ما ظهرت هناك حالات تجاوزت الحد القانوني للاعتقال الاحتياطي سواء كانت جنحا ضبطية أو تأديبية أو جنايات، فإنه يتعين الإسراع باتخاذ التدابير قصد الفصل في قضايا المعتقلين المعنيين بالأمر، أو النظر في إمكانية استفادتهم من السراح المؤقت.
ومن المفيد التذكير في هذا السياق، بأنه اعتبارا لقيام صعوبات عملية في مراقبة آماد الاعتقال الاحتياطي في القضايا التي لم تخضع لإجراءات التحقيق الإعدادي كقضايا الجنح بصفة عامة، وقضايا الجنايات التلبسية، فإنه يسوغ تدارك هذه الصعوبة، باستعمال مسطرة البحث التكميلي المنصوص عليها في الفصل 9 من قانون التدابير الانتقالية، حيث يكون في وسع القاضي أن يمارس نفس السلطات المخولة لقاضي التحقيق في معالجة و إنهاء وضعيات الاعتقال.
ج- بالإضافة إلى ذلك، فإنه إذا تبين من خلال تقصي القضايا وجود بعض المعتقلين الذين استمروا في الاعتقال مددا طويلة دون أن تكون خطورة الجريمة وشخصية المجرم تستدعي ذلك، فإنه بالإمكان اقتراح السراح المؤقت لفائدتهم.»
والخلاصة، أن الاعتبارات القانونية واضحة إذ يتأكد يوم بعد يوم أن اعتقال خالد عليوة ومن معه هو اعتقال تحكمي  يخالف مقتضيات المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. ولعل أخطر ما تفيد به هذه الحالة هي أن شخصية المعني تحرم على النيابة العامة وعلى قاضي التحقيق أن يضعه ولو يوما واحدا في السجن. فهل خالد عليوة ضبط في حالة تلبس ؟ لا ! هل هو مجرم محترف أو قاطع الطرق؟ هل له حالة عود ؟ هل هو شخص لا عنوان له ولا اسم له ولا بيئة اجتماعية له ؟ هل خالد عليوة إنسان مجهول يصعب ضبطه؟ هل سبق أن تقاعس ولو مرة واحدة للمثول أمام الفرقة الوطنية عند قيامها بالبحث التمهيدي ؟ هل خالد عليوة لا يتوفر على أية ضمانات مادية ومعنوية ؟ هل هناك تخوف أن يهرب ويغادر البلاد والحال أن الحدود مغلقة أمامه منذ شهر فبراير 2012 ؟ 
إن اعتقال خالد عليوة ومن معه لمدة ستة أشهر هو ما دفع المعلقين والمتتبعين إلى دق ناقوس الخطر بقولهم إننا كلنا في حالة سراح مؤقت ! و هو ما دفع 21 جمعية حقوقية للتنديد باستعمال الاعتقال الاحتياطي كقاعدة ضدا على قرينة البراءة، وهو ما دفع بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى المطالبة بالتطبيق السليم لقانون المسطرة الجنائية و للدستور ومراسلة وزير العدل والحريات في موضوع خالد عليوة. 
اليوم خالد عليوة لا يتوفر على ضمانات شخصية فقط ! بل إن منظمات سياسية ونقابية وجمعوية وفرق برلمانية وفعاليات فكرية وجامعية وأدبية وفنية وأقلام صحفية كلها تشكل ضمانة خالد عليوة ومن معه بفعل تضامنها معهم ومطالبتها بإطلاق سراحهم ! لا أحد من هؤلاء يتدخل في استقلالية القضاء بل إنهم كلهم مستاؤون  من ضرب مبدأ الحرية ويتعبأون لمواجهة الردة في مجال الحريات و الحق و القانون.
إن القضاء جزء من الدولة . لذلك فمسؤولية الدولة قائمة بشكل قاطع في هذا الملف الذي يتمنى الجميع أن يكون  خالد عليوة هو آخر ضحية للاستعمال المغرض للاعتقال الاحتياطي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.