على مدى سنوات، ظلت كوريا الشمالية تختطف يابانيين من أجل مساعدة جواسيسها على فهم عادات و أعراف بلد الشمس الساطعة. بعض هؤلاء الذين تم اختطافهم عادوا إلى بلدهم اليابان،بينما ظل مصير الآخرين لغزا لحد الآن. لا زال «شيجيو ليزوكا» و هو مهندس في الخامسة والسبعين يحتفظ لحد الآن بصورة، بالأبيض و الأسود ، لشقيقته «ياوكو». ففي أحد أيام يونيه 1978، اختفت «ياوكو» و هي في الثانية و العشرين من العمر. تم اختطافها نهارا جهارا من قلب طوكيو و تم نقلها إلى كوريا الشمالية كي تُعلم جواسيس «كيم يونغ إيل»عادات و أعراف و لغة بلادها. يقول «شيجيو ليزوكا» متنهدا : «لا أحد كان يتخيل أننا سنعيش مثل هذه المأساة.أشعر بالحنين لتلك السنوات التي أمضيتها مع شقيقتي». على الصورة العتيقة تُرى امرأة شابة ذات نظرة حزينة، و قد أطر وجهها ضفيرتان طويلتان . كانت «ياوكو» نادلة في حانة بوسط طوكيو، كانت مطلقة حينها، تعمل من أجل إعالة إبنيها الصغيرين. و فور اختطافها ذهب «شيجيو» مسرعا إلى شقة أخته. كان كل شيء فيها مرتبا. لم تترك «ياوكو» أي رسالة و هذا طمأنه قليلا و جعله يعتقد أنها ستعود حتما، لكن مضى أسبوع ثم شهر و شهران دون أن يظهر لها أثر، و ها قد مضى على غيابها لحد الآن أربع و ثلاثون عاما. تبنى «شيجيو» ابن أخته الصغير و تبنت أخت أخرى بنت «ياوكو» و تم الاحتفاظ بالسر داخل الأسرة طيلة عشرين عاما إلى أن احتاج الإبن ، و قد كان يستعد لمواصلة دراسته ببريطانيا،إلى عقد ازدياد لإنجاز جواز سفره، ففهم أنه إبن خاله بالتبني و ليس من صلبه. كل التحركات مع الشرطة لم تُفض إلى شيء في ذلك التاريخ، فلم تكن «ياوكو» إلا مختفية جديدة من ضمن لائحة طويلة. إلى أن جاءت الحقيقة على لسان جاسوسة كورية شمالية هي «كيم هيون هوي» تم اعتقالها بالبحرين في نوفمبر 1987 لتورطها في تفجير طائرة للخطوط الكورية الجنوبية تربط بين بغداد و سيول. فبفضل صورة قديمة ل»ياوكو» تعرفت «كيم هيون هوي» على أستاذتها، التي علمتها كيف تصبح يابانية. فهي التي علمتها قواعد السلوك اليابانية و علمتها الموضة في الثياب و السينما و الأغاني. و روت «كيم هيون هوي» التي أمضت مع أستاذتها عشرين شهرا كاملة (من يوليوز 1981 إلى مارس 1983) كيف أن «ياوكو» حكت لها أنها كانت تبكي كل ليلة و هي تفكر في طفليها و أن «كيم» نصحتها بالصبر و تقبل مصيرها. يقول «شيجيو ليزوكا» الذي يرأس جمعية أسر المخطوفين من طرف كوريا الشمالية و هي الجمعية التي أُسست سنة 1997، أن سلطات كوريا الشمالية قالت لهم سنة 2002 أنه «في الحانة التي كانت تشتغل بها «ياوكو» جاء إثنان أو ثلاثة رجال ?جواسيس فيما يبدو ? أربع مرات و عرضوا عليها السفر إلى كوريا الشمالية ليومين أو ثلاثة، لكني لا أصدق ذلك لا يمكنها أن تفعل ذلك فقد كان لها طفلان صغيران، هذا كذب صُراح». فقبل اختطاف «ياوكو» بسنتين، في عام 1976 ،قرر الزعيم الكوري الشمالي «كيم إيل سونغ» تغييرا جديدا في توجهات أسلوب التجسس، و هنا تقرر اختطاف يابانيين و كوريين جنوبيين لغرض التعلم منهم و استخدامهم في شبكات تجسس محكمة. و قد أحصت السلطات اليابانية رسميا 17 حالة مؤكدة لاختطافات قامت بها «بيونغ يانغ» ما بين سنتي 1977 و 1983. بينما تقدم جمعية «شيجيو ليزوكا» و جمعية أخرى مماثلة أرقاما أكثر من 17. و تعتبر «ميغوني يوكوتا» التي اختطفت في نوفمبر 1977 و سنها لا يتجاوز 13 سنة، أصغر مُختطفة ، بينما أكبر المختطفين سنا كان يبلغ الثانية و الخمسين لحظة اختطافه. و لمدة طويلة ، لم يُعر اليابان هذه القضية اهتماما حتة حين تبينت مسؤولية كوريا الشمالية عن تفجير طائرة الخطوط الجوية الكورية الجنوبية. فالعائلات هي التي تحركت من أجل إثارة مصير المختطفين و دعوة الحكومة اليابانية للتحرك. و كان ينبغي انتظار سبتمبر 2002 كي يحصل التغيير. ففي هذا التاريخ اعترف الزعيم الكوري الشمالي «كيم يونغ إيل» الذي خلف والده «كيم إيل سونغ» سنة 1994 ،أثناء استقباله للوزير الأول الياباني «جونيشيرو كويزومي» بأن بلاده قد اختطفت مواطنين يابانيين. و بعدها اعترفت «بيونغ يانغ» أنها اختطفت 13 مواطنا يابانيا أعادت خمسة منهم بينما قالت أن الثمانية الآخرين قد لقوا حتفهم. إلا أن طوكيو تعتبر ذلك كذبا فالثمانية المتبقون لا زالوا على قيد الحياة و لا يمكن أن يتم أي تطبيع للعلاقات بين البلدين إلا بعودتهم أو تقديم ما يثبت وفاتهم بشكل ملموس. بعض السياسيين اليابانيين مثل «شنزو أبي» زعيم المعارضة الحالي في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها و التي ستجري في 16 دسمبر الجاري، يضع قضية المختطفين من طرف كوريا الشمالية في قلب برنامج حملته الانتخابية. و قد كان «أبي» قد خصص سنة 2006 حقيبة وزارية لهذه القضية. و بعد وصول «كيم يونغ أون» إلى السلطة في «بيونغ يانغ» في مستهل السنة الجارية,أجرت طوكيو و هذه الأخيرة في غشت المنصرم مباحثات هي الأولى من نوعها منذ أربع سنوات، إلا أن المباحثات التي دامت سبع ساعات في بكين لم تتوصل إلى تقدم في هذا الملف،و إذا كانت المباحثات التي حصلت في نوفمبر الماضي في منغوليا قد حققت بعض التقدم في ملف رفات الجنود اليابانيين الذين سقطوا في كوريا إلا أن ملف المختطفين لا زال يراوح مكانه. فاليابان لا زال يكذب الرواية الكورية الشمالية و يطالب بفتح تحقيق حقيقي، بينما تتهم «بيونغ يانغ» اليابان بتسييس الملف. و في بداية أكتوبر،قبل الاحتفال بالذكرى العاشرة لعودته، أطلق «هيتومي سوغا»، الذي أمضى أربعا و عشرين عاما في كوريا الشمالية، عريضة يطالب من خلالها بعودة المختطفين الذين توجد من بينهم والدته. و رغم مرور السنوات الطوال ، و رغم التعب و الهرم، فإن «شيجيو ليزوكا» لم ييأس من رؤية شقيقته في يوم من الأيام «فكل شيء يُظهر أنها لا تزال على قيد الحياة». صحيفة «لوموند» الفرنسية عدد 4 ديسمبر 2012