موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عامر في مناقشة الميزانيات الفرعية لوزارة الداخلية

مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2013 يقتضي في البدء التذكير بالسياق السياسي العام الذي تتم فيه هذه المناقشة والذي يتميز بمرور سنة على تشكيل هذه الحكومة وعلى موافقة الشعب المغربي على الدستور الجديد.
فإذا كانت الحكومة قد أكدت في السنة الماضية عند تقديمها لمشروع قانون المالية لسنة 2012، أنها لم تتوفر على الوقت الكافي لوضع مشروع قانون يترجم توجهاتها وبالتالي اضطرت لإدخال تعديلات محدودة على مشروع هيأته الحكومة السابقة، فمن حقنا اليوم أن نتساءل: إلى أي مدى يعكس مشروع قانون المالية المعروض على مجلس النواب اختيارات الحكومة والتزاماتها أمام المواطنين. وإلى أي حد تترجم الميزانيات القطاعية بدورها هذه الاختيارات وما هي الإصلاحات الجديدة التي يتضمنها.
لقد سبق لرئيس الحكومة، مباشرة بعد تعيينه من طرف جلالة الملك بميدلت، أن أعلن أمام الرأي العام الوطني أولوياته القطاعية الأربعة، والتي يعتبرها العمود الفقري لبرنامجه الانتخابي: السكن، والشغل، والتعليم، والصحة، بالإضافة إلى شعاره الانتخابي محاربة الفساد والاستبداد.
مشروع الميزانيات في تعارض مع الالتزامات والانتظارات
إن المتصفح لميزانيات هذه القطاعات والبرامج المقترحة .يندهش أمام غياب أي إجراءات جديدة وإصلاحات تحتاجها هذه القطاعات . بل الأدهى من ذلك أن هناك تراجعا مهول بالنسبة لبعض القطاعات سواء من حيث الإجراءات المقترحة أو الأداء على أرض الواقع. فمنذ حكومة التناوب بذلت مجهودات جبارة لبناء سياسات قطاعية متطورة أثمرت نتائج ملموسة لأنها أبانت في نفس الوقت عن اختلالات كبرى بل في بعض الأحيان انحرافات عن الأهداف المسطرة. فكان من المفروض على حكومة تتمتع بصلاحيات واسعة وجعلت من الإصلاح شعارها الأساسي، أن تعمل على مراجعة هذه السياسات وأن تثمن ما هو إيجابي وتحرص على إصلاح الأعطاب للرفع من مردودية البرامج. لقد فضلت الحكومة اجترار ما وضع من برامج من طرف سابقاتها مكتفية ببعض الإجراءات التي لا تغير من عمق الخصاص في الاستهداف وفي المردودية ... ويعود ذلك في نظرنا إلى النقص في معرفة الملفات وغياب الإرادة السياسية لمكونات الحكومة في الإصلاح والقدرة على ترجمتها على أرض الواقع.
ولكل هذه الاعتبارات فإن هذه الميزانية في هيكلتها ومضامينها القطاعية لم تأت بجديد ويظل البون شاسعا ما بين الخطاب والشعارات من جهة والممارسة والتطبيق من جهة ثانية.
أما فيما يتعلق بتفعيل مضامين الدستور الجديد، فكان يجب أن تحتل أولوية الأولويات بالنسبة للأجندة السياسة الوطنية بعد مرور أكثر من سنة على مصادقة الشعب المغربي عليه. لقد كان من المنتظر أن تعمل الحكومة منذ بداية عمر هذه التجربة على اتخاذ مبادرات في اتجاه تفعيل النص الدستوري حتى يشعر المغاربة في حياتهم اليومية وفي علاقاتهم مع الإدارة ومؤسسات الدولة وفي متابعتهم لنشاط البرلمان والحكومة بتغيير حقيقي وبدخول بلادنا مرحلة جديدة من العمل الجاد والمسؤوليات الواضحة. غير أن ما لمسناه هذه السنة هو التردد والبطء في تصريف مقتضيات الدستور والتأويل غير الديمقراطي لمبادئه. فباستثناء القانون الخاص بالتعيين في المؤسسات الاستراتيجية والذي عاكس في مضمونه روح ومنطوق الدستور والذي تخلت بمقتضاه الحكومة على جزء هام من اختصاصاتها، ما زال البرلمان ينتظر المخطط التشريعي الذي التزمت بع في عدة مناسبات. يضاف إلى ذلك تصرف الأغلبية الحكومية داخل مجلس النواب والتي لم تستوعب بعد مسؤولياتها ومهامها التي أقرها الدستور الجديد. فالأغلبية لا تمارس حقوقها في مراقبة العمل الحكومي وتختزل أدوارها يف دعم الحكومة والدفاع عنها.
ويؤكد مشروع الميزانية غياب الإصلاحات الأساسية المرتبطة بتفعيل الدستور والتي كان يجب أن تجد امتداداتها في قانون المالية وفي السياسات القطاعية المرافقة له.
مشروع ميزانية وزارة الداخلية:
بحكم اختصاصات هذه الوزارة وتعدد مجالات تدخلها والمكانة التي تحتلها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين تعتبر ميزانية هذه الوزارة محكا حقيقيا لمعرفة إرادة الحكومة في إنجاز الإصلاحات الأساسية وفي تفعيل مقتضيات الدستور الجديد. فباستثناء الوعود الخاصة بالنصوص المرتبطة بالانتخابات المقبلة وبمشروع الجهوية، يمكن الجزم أن ميزانية هذه الوزارة تطبعها الاستمرارية سواء في هيكلتها أو في مضمونها. ويمكن إيجاز ملاحظات الفريق الاشتراكي في العناصر التالية:
غياب تصور شمولي للامركزية والجهوية
تقتضي التجربة التي راكمتها بلادنا في مجال اللامركزية منذ أواسط السبعينات إنجاز تقييم عميق بهدف دعم المكتسبات ومعالجة الاختلالات التي أبانت عنها الممارسة. وأضحت هذه المراجعة ضرورية اليوم أكثر من أي وقت مضى بحكم ما فتحته الوثيقة الدستورية من آفاق في مجال الإصلاح والتغيير. ملا يجب، في نظرنا، اختزال الإصلاحات في النصوص التنظيمية للجهة وفي الإجراءات الخاصة بتنظيم الانتخابات الجماعية المقلبة.
فلابد من منظور شمولي يعالج اللامركزية في مجموع مكوناتها ولا يقتصر على الجهوية بالنظر إلى تكامل وتناغم المؤسسات وتشكل الإصلاحات المرتبطة بالمدن المدخل الأساسي لنجاح مشروع الجهوية الموسعة. وقبل هذا وذاك، يعتبر موضوع اللاتركيز العنصر المحوري في هذه الإصلاحات.
ميثاق اللاتركيز المدخل الطبيعي لإصلاح الدولة
هناك ثلاث دواعي تجعل من إنجاز هذا الورش بداية لإصلاح جيل جديد من الإصلاحات يسمح بتقوية اللامركزية وإقامة جهوية حقيقية ويعيد النظر في أدوار الدولة على المستوى الترابي والمركزي.
- اللاتركيز ضرورة تنموية للرفع من مردودية السياسات العمومية وإعادة النظر في نمط تدبير التنمية على المستوى الترابي. بالرغم من المجهودات التي بذلت في السنوات الأخيرة، أبان نمط التدبير المفرط في المركزية عن محدوديته في الدفع بالإصلاحات إلى الأمام، بل أصبح عائقا للرفع من وتيرة هذه الإصلاحات،
لذلك فإن تحويل جزء هام من اختصاصات الدولة والموارد العمومية إلى المستوى الترابي سيمكن من إطلاق دينامية وبناء منظور متطور لتدبير التنمية يعتمد على القرب والشراكة والتضامن ويسمح بتوجيه الموارد نحو الأولويات الحقيقية وصيانة البرامج وفق الاحتياجات. فليس من الصدف أنه رغم الاستثمارات الكبرى والمجهودات الجبارة التي بذلتها بلادنا في مجالات السكن والتعليم مثلا، لم نستطع أن نوقف النزيف ونطلق دينامية إصلاحية حقيقية. لذلك نعتبر أن المستوى الترابي هو المستوى الملائم لبناء سياسات ناجعة وتعبئة الفاعلين وترشيد الموارد.
- اللاتركيز أضحى ضرورة لمعالجة الخصاص في التنسيق والإندماج بين البرامج والسياسات. لا أحد ينكر ما بذل من مجهود منذ حكومة التناوب لبلورة سياسات قطاعية متطورة في مختلف المجالات وتعبئة الموارد المالية والبشرية. غير أن هذه السياسات تعتمد على منهجية عمودية ولا تأخذ بعين الاعتبار التداخل والتكامل بين القطاعات وسبق لجلالة الملك في أغلب خطبه وخاصة خطب العرش أن دعا إلى معاجلة هذا النقص في الانسجام والاندماج. فباستثناء بعض المحاولات المعزولة في بعض القطاعات ظلت السياسات العمومية تعاني من الكثير من التنافر وغياب المنظور المندمج. لذلك يشكل المستوى الترابي المستوى الذي يسمح بتحقيق الاندماج الضروري بين البرامج والمخططات، الأمر الذي يسمح بالرفع من وتيرة الاستهداف والمردودية.
يشكل اللاتركيز المدخل الطبيعي لإصلاح الإدارة وبناء حكامة جديدة مبنية على العدالة الترابية لهذا أبانت كل تجارب إصلاح الإدارة منذ الاستقلال عن محدوديتها لأنها اعتمدت على مقاربة مركزية فوقية. لذلك فاللاتركيز سيمكن من بناء إدارة ترابية على أسس حديثة، إدارة قريبة من هموم الناس وتتمتع بصلاحيات واسعة وقابلة للمراقبة والتتبع والتقويم.
لكل ذلك لا نفهم لماذا تأخرت الحكومة عن تقديم مشروع ميثاق اللاتركيز والذي بدونه تظل اللامركزية تعاني من اختناقات ويسبح مشروع الجهوية بدون معنى.
إصلاح نظام حكامة المدن، شرط لازم لبناء جهوية متقدمة
تعاني المدن وخاصة العواصم الجهوية من أزمة حكامة غير مسبوقة أضحت اليوم عنصرا كابحا لنموها وتطورها. ويتجلى ذلك بوضوح في التنافر والصراع الحاد الذي ينخر «الأغلبيات». في المدن والتسيب الذي يطبع التسيير والتدبير الفاسد الذي يستشري في دواليب الإدارة والأحزاب السياسة.
لا أحد يشك في الدور الحاسم الذي تلعبه المدن في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنمية السياسية والديمقراطية. فهي تتوفر على مؤهلات حقيقية لإنتاج الثروات وفرص الشغل وتشكل أدوات فعالة في مواجهة التنافسية العالمية واستقطاب الاستثمارات بحيث أن أزمة التدبير والتسيير لا تسمح بتثمين هذه الامتيازات وأصبحت من أكبر الإكراهات التي تحد من فعالية ومردودية هذه الفضاءات.
ومن المفارقات الكبيرة والمذهلة أنه في الوقت الذي أبانت فيه الدولة عن وعي متميز لدور المدن في مجال التنمية والاستقرار السياسي والاجتماعي وأنجزت استثمارات هائلة لتحسين بنياتها وتطوير تجهيزاتها. في هذا الوقت بالذات، أبانت الأغلبيات التي تعاقبت عن إدارة هذه المدن عن عجز فظيع في التدبير وفي الحكامة وعن إصرار غير مسبوق في العبث واللامسؤلية.
إن معالجة هذه الأزمة هي شرط أساسي لالانخراط في مشروع الجهوية الجديدة. فالمدن هي عواصم الجهات ولها أدوار تنموية أساسية بالنسبة لفضاءاتها الترابية. فإصلاح هذه الاختلالات سيسمح من بناء جهوية على أسس صلبة ومتماسكة.
ولهذه الأسباب يجب التفكير في إصلاح جوهري يمكن المدن وخاصة الكبرى منها من وضع خاص يضمن من جهة الدور السياسي للمنتخبين في مجال وضع الاختيارات وبلورة التوجهات واقتراح السياسات والبرامج والسهر على متابعة تنفيذها وتقييم نتائجها، ومن جهة ثانية يسمح بإقامة إدارة قوية ومنظمة ومسؤولة في إطار تعاقد واضح يتم بمقتضاه تفعيل مبدأ أساسي في الدستور الجديد وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة. وسيمكن هذا النظام من تجاوز الخلط والتداخل الحاصل في المسؤوليات بين المنتخين والإداريين والتشتت في الموارد البشرية والمالية. فبالنظر إلى حجم الموارد المالية وإلى نوعية الكفاءات البشرية الموجودة داخل المدينة، فيمكن أن نقول، وبدون مبالغة، أن المدن تتوفر على إمكانيات نهضة حقيقية تقوي من أدوارها المركزية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبطبيعة الحال يتطلب انطلاق هذا الورش وجود شجاعة سياسية حقيقية لدى الطبقة السياسية وإرادة قوية للدولة للدفع بالإصلاحات إلى الأمام.
مراجعة مشروع الجهوية المتقدمة على ضوء السياق الدستوري الجديد
يعتبر مشروع الجهوية المتقدمة الذي وضعته اللجنة الاستشارية الملكية وثيقة متقدمة تتضمن إصلاحات هامة تمت صياغتها اعتمادا على ما راكمته بلادنا من تجارب دون إغفال تجارب دول أخرى لها سبق في الموضوع. غير أن التطورات السريعة والمتلاحقة التي عاشتها بلادنا مباشرة بعد الانتهاء من إنجاز المشروع تقتضي قراءة جديدة لهذه الوثيقة ومراجعة لبعض مضامينها. إن أهم هذه التغييرات هي ما يتعلق بالحراك المغربي وما يرتبط به من مطالب وانتظارات من جهة وصياغة الوثيقة الدستورية الجديدة وما فتحته من آفاق إصلاحية واسعة من جهة ثانية. يقتضي هذا السياق الجديد تحيين هذه الوثيقة للرفع من وتيرة الإصلاحات المقترحة وضمان الانسجام بين النص الدستوري وامتداداته في مجال اللامركزية والجهوية المتقدمة. وتعتبر مناسبة إنجاز النصوص التنظيمية فرصة لإنجاز هذه المراجعة والتي يجب أن تخضع لاستشارة واسعة وخاصة مع الفاعلين السياسيين قبل تقديم مشاريع النصوص إلى البرلمان. ويشكل التقطيع الترابي مكونا أساسيا من المشروع الجهوي، لذلك نرى أنه من غير المنطقي أن نفكر في إقرار جهوية موسعة بدون إطار ترابي جديد يسمح ببلورة مشروع تنموي جهوي. فالإصلاح المؤسساتي والإصلاح الترابي متلازمان لا يمكن إنجاز الواحد دون الآخر.
تنظيم الاستحقاقات المقلبة بدون إجراء إصلاحات جوهرية هو عمل بدون جدوى
شهد المغرب منذ حكومة التناوب تطورا إيجابيا من مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وعرفت كل الاستحقاقات الانتخابية تحسنا ملموسا وخاصة فيما يتعلق بدور الإدارة والتزامها بعدم التدخل في تحريف نتائج الانتخابات. غير أنه مقابل حياد الإدارة ظهرت أشكال جديدة من الفساد الانتخابي وخاصة الاستعمال المكثف للمال وشراء الأصوات بشكل غير مسبوق .
فتنظيم الانتخابات الجماعية والجهوية المقبلة في ظل هذه الشروط سيكرس التطبيع مع الفساد وسيضعف من مصداقية مؤسساتنا الديمقراطية وخاصة في ظل الدستور الجديد الذي أقر إصلاحات جوهرية.
لذلك نعتبر في الفريق الاشتراكي أنه حان الأوان للقطع مع هذه المرحلة والتحلي بإرادة قوية لمواجهة كل أشكال الفساد الانتخابي والسياسي. ويقتضي هذا الأمر اتخاذ إجراءات ملموسة وغير مسبوقة من طرف الحكومة وبدعم من كل القوى الحية في البلاد. يجب أن لا تتحول الانتخابات إلى تمرين روتيني دون أن يكون لذلك انعكاس ملموس على تحسين الخدمات الأساسية للمواطنين. إن انتشار ظاهرة العزوف وتضخيمها في الاستحقاقات الأخيرة تعبر عن وجود قطيعة حقيقية بين الأحزاب ونخبها المتواجدة على رأس الجماعات المحلية من جهة والمواطنين من جهة ثانية. إن أخطر مظاهر العزوف الانتخابي لا تتجسد في عدم المشاركة في الانتخابات فقط بل عزوف النخب الفاعلة في المدن، الأمر الذي فسح المجال لهيمنة فئة من الانتهازيين والفاسدين على المؤسسات المنتخبة وخاصة في المدن الكبرى.
توقيف النزيف الذي ينخر العديد من المجالس يقتضي في نظرنا القيام بوقفة تقييمية لكل الاستحقاقات السابقة وصياغة الإجراءات والإصلاحات التي يتعين اتخاذها لضمان انتخابات تقطع مع ما اعتاد المغاربة معرفته في السابق.
محاربة الفساد تقتضي مقاربة شمولية
من الأوراش الكبرى التي أعلنت عليها الحكومة الحالية والتزمت بها أما الرأي العام هي محاربة الفساد، غير أن ما لاحظناه منذ تنصيب هذه الحكومة ومن خلال طبيعة المبادرات التي تقدمت بها، أنها لا تتوفر على إرادة حقيقية ومنهجية ملائمة لفتح هذا الورش الهام. لقد اكتفت الحكومة ببعض الإعلانات وبنشر بعض اللوائح دون تقديم اقتراحات ملموسة. يضاف إلى ذلك الطابع الانتقائي الذي يميز عملها والتنافر والتناقض الموجود بين أعضائها. فهناك من الوزراء من عارضو، صراحة الطريقة التي اعتمدها وزراء آخرون في نشر لوائح المستفيدين من الامتيازات، وهناك سكوت مطبق عن بعض القطاعات التي يستشري فيها الفساد إلى درجة أنه يهدد الاستقرار والآمن وتوازن المجتمع. إن ما يعرفه قطاع العقار من الانتشار الواسع للمضاربات العقارية والتبذير المهول للمخزون العقاري العمومي والتحايل الواضح للاحتلال الملك العام، والتدبير غير الشفاف لأراضي الجموع والأحباس والمياه والغابات. إن كل هذه الظواهر تشكل اليوم اختلالات كبرى اجتماعية واقتصادية. لذلك نعتبر في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ان مقياس الحكم على نوايا الحكومة في محاربة الفساد هو ما ستتخذه من مبادرات وإصلاحات في مجال العقاري. فالمغاربة يعرفون جميعا مصدر الثروات المهولة التي راكمها العديد من الأشخاص في ظرف قياسي وأمام مرأى ومسمع الجميع. فالإصلاح العقاري أصبح ضرورة حيوية للحد من الترامي على الملك العام والنهب الذي يطال العديد من القطاعات والحد من المضاربات العقارية التي أصبحت تهدد القطاعات الإنتاجية وتحول دون تمكين فئات شاسعة من المواطنين من الحصول على سكن لائق.
وخلاصة القول تقتضي محاربة الفساد رؤية شمولية وشجاعة سياسية وتضامن حكومي ومنهجية تشاركية منفتحة على الفعاليات السياسية والمجتمعية والحقوقية. إن الاقتصار على بعض الخرجات الإعلامية ودغدغة عواطف المواطنين والاكتفاء بالتنديد بالفساد دون اتخاذ الإجراءات الملموسة يفقد خطاب الحكومة المصداقية والجدية.
تضخم مشاكل الأمن داخل المدن
لا أحد يجادل اليوم في الشعور العام السائد لدى الكثير من المواطنين بعدم توفر الأمن الكافي داخل المدن وخاصة العواصم الكبرى التي تعاني من تزايد الإجرام والاعتداءات على المواطنين وعلى أملاكهم. واتخذ هذا المشكل أبعادا خطيرة في بعض المدن حيث اضطر السكان إلى القيام بمسيرات للتنديد ومطالبة المسؤولين بتكثيف الجهود لمواجهة هذه المعضلة.
إن إثارة الانتباه لهذه الآفة لا يقلل من دور رجال الأمن والمجهودات الكبيرة التي قامت بها إدارة الأمن في السنوات الأخيرة سواء في دعم التجهيزات والرفع من الموارد البشرية والاعتناء بأحوال بعض الفئات منهم، غير أن تضخم سكان المدن واتساع رقعتها العمرانية في سياق أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة يفرض على الحكومة أن تعبئ إمكانيات استثنائية لدعم مؤسسات الأمن والتفكير في مقاربة جديدة لإشكالية الأمن من داخل المدن لا تختزلها في الجوانب الأمنية الصرفة.
إن أزمة التشغيل وخاصة وسط الشباب والخصاص الذي تعاني منه الكثير من أحياء المدن في المجال الاجتماعي والظروف السكنية غير اللائقة التي تعيش فيها الكثير من الأسر، تقتضي معالجة أفقية تواكب مجهودات إدارة الأمن في الميدان لمحاربة التهميش والهشاشة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.