الثقافة الأصيلة، والكلام الزجلي المطرز، والصور المسرحية الضاربة في العمق المغربي، والشعر الغنائي المبهر، كل هذه الألوان والأشكال التعبيرية، الفنية الراقية، التي تؤثث فضاء حضارتنا المغربية، فقدت عملاقها في المغرب الأستاذ احمد الطيب العلج، أحد رواد الكلمة الشعبية، وأحد أبرز الأعلام المسرحية، ليس في المغرب وحده بل في شمال إفريقيا والعالم العربي. أحمد الطيب العلج، يعد رمزا للثقافة الساخرة بنكهة شعبية، فهو الكاتب الذي يغازل الصور الفنية، ويطرز الكنايات والاستعارات في نصوص جريئة، نصوص تحيل المستمتع بها على عوالم متعددة، فنصوص العلج لا تقف عند حد الرسالة الظاهرة، بل تتعداها إلى رسائل مشفرة لا يمتلك ناصيتها إلا المتمكن من الثقافة الشعبية المغربية. في مسرحيته (النشبة) كانت الرسالة الواضحة هي الرشوة، لكن الرسائل المشفرة هي كثيرة ومتعددة، منها الجشع والتسلط والجبن والنفاق الاجتماعي في أبشع تمظهراته، الطيب العلج يسبح بك في هذه المسرحية، وسط عوالم الدهاء الشعبي، ولأنه متأثر بكتابات موليير، فانك تجد عنده دائما تلك الخفة في السخرية، وتلك القياسات في التعابير، مباشرة كانت أو غير مباشرة؛ وهدا الدهاء الشعبي، والذي نسميه في لغتنا الشعبية (التنوعير) وهي كلمة مشتقة من الناعورة، أي عندما يستطيع الفرد التغلب على فقره، وضيق ذات يده، بتدوير الناعورة، وعدم تركها للصدأ، وعبر هذا (التنوعير) يرحل بنا العلج في مقالب بطله، كما هو الشأن عند (سكابان) في مسرحيات موليير. إن ظاهرة (التنوعير) خاصية اجتماعية، تتجلى داخل المجتمعات الفاسدة، مجتمعات التسلط السياسي، والاقتصادي، والديني كذلك، فهي ظاهرة تفرزها الفوارق الطبقية، والنفاق الاجتماعي، لذا نجد عند موليير في مسرحياته، المعالجة لهذه الظاهرة بقوة، لأن الكنيسة كانت تهيمن على كل مناحي الحياة في عصره؛ كما نجدها عند العلج كذلك؛ فالجهل والأمية، وتسلط المشعوذين عبر الفهم المتخلف للدين، هي التي تدفع كاتبا مثل هذا الهرم، إلى التصدي لها عبر مسرحياته، وما (ولي الله) كذلك إلا نموذج لهذا الطرح . فرحم الله الفنان المسرحي، صاحب صناديق العجب، والذي ترك لنا الصناديق مليئة بالتراث، الذي سنفتخر به ما حيينا؛ وداعا سيدي الطيب، ونحن نفخر بمولييرنا إلى الأبد.