انتقل إلى عفو الله، في وقت متأخر من يوم السبت الماضي بالرباط يوم 1 دجنبر 2012 ، الفنان والزجال المغربي «أحمد الطيب لعلج» عن عمر يناهز 84 عاما. وبرحيل الفنان ، تفقد الساحة الفنية والأدبية أحد رموزها الكبار الذين أبدعوا في عدة مجالات من تأليف مسرحي وتمثيل وشعر وزجل. أحمد الطيب العلج فنان مغربي تعددت مواهبه بين التأليف والشعر والتمثيل والزجل والمسرح، مهتم بالثقافة الشعبية والغناء، مستمدا ذلك من التربية الشعبية وفن الحلقة التي كان يعشقها بمسقط رأسه. وقد ولد في 9 سبتمبر 1928 بمدينة فاس. اشتغل موظفا بوزارة الأنباء، كما عمل رئيسا لمصلحة الفنون الشعبية بمسرح محمد الخامس بالرباط. وبهذا الفقدان، تودع اليوم الساحة المسرحية المغربية والعربية ، إحدى أهم شخصياتها البارزة، وهو أحد أهم المعبرين بصدق وشاعرية عن واقع المغرب المعاصر، لما كان يتمتع به الفقيد من اطلاع واسع على الثقافة الشعبية ومن حس نقدي تجاه راهن المجتمع المغربي وقضاياه؛ فقيد الخشبة المغربية والعربية رحمه الله كان فنانا مناضلا، حفر مساره الفني والفكري بعصامية وصبر وإصرار منذ أربعينيات القرن الماضي في مجالات المسرح والأدب مؤلفا وممثلا ومخرجا وشاعرا زجالا، ليشكل بذلك إحدى العلامات البارزة في تاريخ المغرب المعاصر وفي ذاكرته الثقافية. و لا يستقيم الحديث عن أحمد الطيب العلج? دون التأكيد أن واقع الرجل و أعماله تحتمل أكثر من مدخل ومقاربة? بيد أنه يتفرد بمسار فني متميز? بدأ بالفطرة والسليقة، ليصل الى مرحلة امتلاك ناصية تقنيات الكتابة الدرامية. الراحل الطيب العلج الملقب ب»موليير المغرب»، كان رجلا بصيغة الجمع، فهو الممثل البارع والشاعر الشعبي الذي لربما يملك القسط الأوفر في كل ما راكمته الأغنية المغربية من تألق ، كما يعدّ المؤلفَ الدرامي الذي تشير كل القرائن المتوفرة الآن إلى أنه من أغزر الكتاب الدراميين المغاربة إنتاجا، سواء بالمسرح الحي أو الإذاعي، وسواء تعلق الأمر بأعماله التي قدمت على خشبة المسرح أو تلك التي بقيت مخطوطا في أرشيفه الخاص الذي يحفظه بعناية فائقة ، والتي تجاوزت مئتي نص مسرحي. ومن أهم ملامح الكتابة المسرحية عند العلج نجد ؛قوة الحوار أو البنيات الكوميدية لمسرحياته وأغلبها حكايات جحا الشخصية التي يعترف بأنها لا تكاد تخلو من أية مسرحية من مسرحياته. وقد تأثر العلج بفن الحلقة حيث كان منذ صغره مداوما على متابعة العديد من الرواة الشعبيين المتجولين، وكذا تأثره بمرتع صباه «حي سويقة بن صافي» بفاس باعتباره كان فضاء فرجويا تتحول فيه العديد من الدكاكين ومحلات التجارة ظهرا ومساء، إلى فضاءات للسمر والحكي والغناء. و قد تأثر العلج بالكاتب المسرحي الفرنسي الشهير موليير، وكذا استلهامه ملامح الكتابة الملحمية وذلك من خلال توظيف الرواية والجوقة وتقديم اللوحات والتعليق على المشاهد والمزواجة بين التمثيل و الغناء والانفتاح على قاعة المتفرجين. واعتبر مسرحيات أحمد الطيب العلج نموذجا للكتابة المسرحية الكلاسيكية ليس بالمفهوم القديم والمتجاوز ولكن بمفهوم التحفة الفنية القابلة لتعدد القراءات والمقاربات. يعتبر الفنان و المؤلف المسرحي » أحمد الطيب العلج « واحدا ممن ارتكزت عليه تألقات المسرح المغربي ، حيث تقلد في حياته أوسمة و شهادات تقدير على إبداعه في مسيرة الحركة المسرحية هناك . و كان له دور بارز في ولادة أول عمل مسرحي عام 1923 بعدما ازدهرت أعمال المسرح في لبنان على يد مارون النقاش ، و في مصر على يد أبي خليل القباني، و انتقلت الى تونس و الجزائر ثم المغرب في الربع الأول من القرن العشرين، حيث ظهرت فرقة مسرحية و قدمت » انتصار الحق بالباطل « من تأليف عبد الخالق الطريس و الفنان المسرحي » الطيب العلج « ، كما قدم عملاً مسرحياً في دمشق » النشبة « بمهرجان دمشق للفنون المسرحية ، و من المؤلفين العرب الذي تعاملوا معه ، نجد؛المسرحي السوري المخرج الراحل » فواز الساجر « وقدم له مسرحية » حليب الضيوف « و هو ثاني أعماله على مسرح الشعب بحلب، و يقول عنها الناقد » رياض عصمت «؛ » إنها مسرحية تعتمد على التجريد و لكنه تجريد الواقع و ليس تجريداً ذهنياً محضاً، و هي خلق فني للحياة و ليس تصويراً أميناً لشريحة منها « ، و أحداثها تدور حول مجموعة من الشباب الكسالى يتمتعون بحلاوة الفراغ منتظرين منةً تأتيهم من السماء ،ويخيب سعي هؤلاء حين تأتي الهدية المنتظرة من الأعيان، فإذا بها لبن خالطه كثير من الماء، ذلك أن كل غني قد مزج لبنه بالماء اعتماداً على أن غيره لم يفعل ذلك لكن ( أحد الكسالى يثور على الوضع المهين لجماعته فيخرج عنها ليعمل عند تاجر غني كان يبحث عمن يساعده، وما يلبث أن يصبح غنياً هو الآخر لقاء جهوده ،وتعتبر هذه المسرحية من أفضل المسرحيات له بعد أن اجتاز مرحلة »الاقتباس« . ?و شارك أحمد الطيب العلج سنة 1960 في تدريب بمسرح الأمم بباريس. انضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1986. أحرز سنة 1973 على جائزة المغرب في الآداب كما نال وسام الاستحقاق الفكري السوري سنة 1975. ألف واقتبس مجموعة من النصوص المسرحية. وله من أعمال مسرحية منشورة أهمها : -دعاء للقدس: مسرحية / مصطفى القباج وأحمد الطيب العلج, الرباط، 1980،47 ص. - بناء الوطن: مسرحية، الرباط، مسرح محمد الخامس، 1988، 59ص. السعد: مسرحية، الرباط، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، 1986، 190ص. جحا وشجرة التفاح: مسرحية، طنجة، منشورات شراع، سلسلة إبداع . شهادات حميد شباط (أمين عام لحزب الاستقلال): رجل عصامي سيبقى خالدا في ذاكرة المغاربة تعتبر وفاة الطيب العلج ،بالنسبة للوطن ولحزب الاستقلال، خسارة كبرى للثقافة المغربية والفن و التراث المغربيين ، حيث كان هرما من الأهرامات في جميع المجالات، وكان رجلا عصاميا كون نفسه بنفسه ، وكان دائما يحب هذا الوطن لدرجة العشق،سيبقى إذن تراثه دائما ، فأمثال الطيب العلج لا يموتون، سيبقى خالد ا في ذاكرة كل المغاربة، وسيبقى حاضر ا بقوة في كل النخب . وفاته خسارة، لكن بالنسبة إلينا الطيب العلج لن يموت وسيبقى حيا لدى كل المغاربة . كريم غلاب (رئيس مجلس النواب): فنان جاهد لبروز الثقافة المغربية إنها للحظة مؤثرة ، أن يرحل عنا أحد أعمدة الثقافة المغربية، و لا أخفيكم أننا نشعر بحزن كبير حين نفقد فنانا مغربيا جاهد لبروز الثقافة المغربية . الأمين الصبيحي (وزير الثقافة) :صعب تعويض معلمة من هذه المستوى المغرب فقد علما من أعلام المجال الثقافي والفني، وخصوصا الكتابة المسرحية والغنائية ببلادنا ، المرحوم كان بمثابة مدرسة فنية تتميز بخاصياتها، التي كونتها أجيال من المبدعات والمبدعين، وبطبيعة الحال سيكون صعبا تعويض معلمة من هذه المستوى، و هاهو اليوم المجال الثقافي والفني يقف وقفة ترحم على هذه الروح الطاهرة ، إن لله و إن إليه راجعون. نجل المرحوم :إرث ثقافي و فني لا تمحوه الأيام سي احمد الطيب العلج هرم من أهرامات المغرب، وترك ثروة غنية في ميدان الزجل والمسرح و في جميع الحقول الفنية، وكان الرجل إلى آخر أيامه، ينطق من فرط امتنانه ، باسمي سي قدور العلمي وسيدي سليمان، وهما معا رائدان في الزجل والملحون، و و رغم الطيب العلج قد فارق هذه الدنيا ، إلا أنه ما زال حيا لأن ما تركه من إرث ثقافي و فني لا تمحوه الأيام. واصف منصور (مستشار في السفارة الفلسطينية بالمعرب): ابن الشعب.. هو فنان كامل ، فيه المؤلف و المخرج والممثل والديكوريست ، فيه كل شيء وهو ابن الشعب في كل أعماله كان يعبر عن ألم الشعب وأفراح الشعب ، ملتصقا بالناس ، وكانت علاقاته مع كل الأوساط التي تعاملت معه ،و التي كانت ودية وأخوية ونظيفة ، بالنسبة إلينا كفلسطينيين كان لايترك مناسبة إلا ويأتي ليشاركنا مشاكلنا وأحزاننا وأفراحنا، وكان عنده كتابات كثيرة لم يطلع عليها الناس، و أتمنى من أبنائه أن ينشروها مستقبلا ، لأن فيها مواقف سياسية و فكرية واجتماعية هامة ، بالنسبة لي كان صديقا وامتدت صداقتنا قرابة أربعين سنة وبالتالي أشعر بألم كبير لفقدان هذا الفنان والأديب العظيم أعتقد أننا اليوم لا نواري فنانا وعلما من أعلام الأمة المغربية فقط ، بل أستاذ جيل بكامله ، و أنا واحد من تلامذته من خلال ما كان يشيعه بمسرحياته وإنتاجه الفني من مبادئ وقيم ولطف وجمال ، فرحمة الله عليه ونسأل الله تعالى أن يجعله من أهل الجنة ولأهله من بعده ، وأن يخلفنا بالشباب على نفس الطريق وعلى نفس المنهج . سي احمد رحمه الله عرفته عن قرب ، بصفة خاصة عندما كنت مسؤولا بالإذاعة المغربية ، وكان هو طبعا من العناصر التي اشتغلت بالإذاعة المغربية في ميدان التمثيل وفي ميدان الزجل والقصائد الشعرية والموشحات ، فقد كان له دور كبير في هذا الميدان، وكانت له معرفة عامة في جميع الاختصاصات الفنية، كان فنانا أصيلا من الدرجة الأولى وزجالا وكان يحتل مكانة مرموقة من عالم الموسيقى وعالم الكلمات وعالم التمثيل وكان يعجب المشاهدين ويحبه كل من يشاهده على خشبة المسرح المغربي التي يعد شهيدا من شهدائها ، بسبب تضحياته و تاريخه الحافل بالأمجاد في هذا المضمار ، ورحيله يمثل خسارة كبرى، وهو رحيل كل فنان مبدع يغادر هذه الدنيا ويترك فراغا لا يعوضه أحد ، هو من الناس ومن الفنانين الذين لن يعوضو ا في الوقت الحاضر على الأقل، ونتمنى أن تسد الأجيال القادمة هذا الفراغ الذي سيتركه فقيدنا العزيز. ماذا عساني أن أقول ، ثلاث وأربعون سنة من العشرة والصداقة والأخوة والوفاء والصدق، وقليلا ما يصادف الإنسان شخصا يشمل كل هذه الصفات ، هو أستاذ الأجيال ، حقيقة نحن افتقدنا أحد الرموز ، رجل كتب إسمه في سجل التاريخ ، وبصم الثقافة بشموليتها في المغرب ، والرجل مهما قلنا ومهما تكلمنا ومهما وصفنا لن نستوفيه حقه ، لأنه حقا كان موسوعة ، كان رغم عصاميته رجلا عالما بكل معنى كلمة ، كان رجلا مؤمنا وصادقا وفنانا متكاملا ، على جميع المستويات ، وكتب في مجال الأغنية وفي الشعر العامي في القصيدة وفي المسرح ، وتناول من خلال كتبه مجموعة من المواضيع ورسخ للأمثال المغربية في كتبه، هذا الرجل جاد به الزمان، ولست أدري هل سيجود الزمان في المستقبل بهذا البلد بمثل رجل إسمه أحمد الطيب العلج.