احتضنت مدينة خنيفرة ندوة وطنية في موضوع «1912-2012: مائة عام من المقاومة الأمازيغية»، نظمتها جمعية أمغار بخنيفرة، بتنسيق مع الكونغرس العالمي الأمازيغي، الاختيار الأمازيغي، وجمعيات ماسينسا بطنجة، أسيد بمكناس والهوية بالناظور، وتأتي التظاهرة، وفق كلمة الافتتاح، بمناسبة مرور قرن على عهد الحماية التي قاومها المغاربة، منهم الأمازيغ الذين يشهد لهم التاريخ ببطولاتهم التي ملأت الأرشيفات الاستعمارية وصمت عنها المؤرخون الرسميون المغاربة، وقد تخللت أشغال هذا اللقاء قراءات شعرية، وصوت فني لفنانة شابة هزت القاعة بحنجرتها الصادحة ب»تماوايت»، ثم شريط يتضمن شهادات حول «معركة تازيزاوت» الخالدة التي لم تنل حظها مما يكفي من اهتمامات لا الإعلام ولا الجهات المسؤولة. الندوة الوطنية انتهت بقرار تشكيل لجنة للاتصال بعدد من الباحثين والمختصين لإشراكهم في صياغة توصيات ومذكرات من المقرر العمل على رفعها للجهات المعنية بكل من فرنسا وإسبانيا والدولة المغربية، حسب مصادر «الاتحاد الاشتراكي»، بينما تمت صياغة مسودة بيان ختامي تضمنت عدة نقاط، منها أساسا «المطالبة بإعادة كتابة التاريخ وتصحيح الذاكرة وجبر الضرر»، مع «إنصاف ذوي الحقوق من الأمازيغ»، إلى جانب التشديد على «مطالبة فرنسا وإسبانيا باعتذار رسمي عن الجرائم التي اقترفتها سلطات الدولتين إبان فترة الحماية»، كما تضمن البيان الختامي، وفق مصادرنا، مطلب «فتح الحدود الوهمية، من بينها الحدود المصطنعة بين المغرب والجزائر»، وغيرها من النقاط التي لم تتمكن مصادرنا من الاطلاع عليها إلى حين الصياغة النهائية للبيان. بالنسبة لأشغال الندوة فقد افتتحت بكلمة الجمعية المنظمة، جمعية أمغار، التي رأت أن «الاشتغال على التاريخ والذاكرة يجعل من إعادة كتابة التاريخ مسارا محفوفا بالمخاطر، وإعادته ستمكن من تحرير الذاكرة من الخطابات الرسمية والصفقات السياسوية»، وبينما تقدمت إحدى الأمازيغيات التونسيات بكلمة استعرضت من خلالها وضعية الحركة الأمازيغية في ظل الحكومة التونسية الحالية، تقدم ممثل عن الكونغريس الأمازيغي بطرح تساؤلات حول «الحيف الذي مس الأمازيغ ما بعد الحماية في أبعادها الواسعة مغاربيا وإفريقيا، وهم اليوم في حاجة إلى الإنصاف ورد الاعتبار»، حيث عمد الاستعمار بقوة إلى «نهج الكثير من المخططات والاستراتيجيات لتكريس النظرة الدونية للأمازيغ بتواطؤ مع قوى تقليدية ذات مرجعيات عربية متشددة»، على حد لسان صاحب الكلمة الذي تلاه رئيس جمعية «ماسينسا» من طنجة والذي عبر عن تنديده بمواقف رئاسة الحكومة وتضامنه مع المعتقلين الأمازيغيين. أشغال الندوة انطلقت بمداخلة ذ. محمد بودهان حول «الأرض والهوية»، والتي استهلها بسؤال حول «عروبة المغرب»، وكيف أصبح المغرب عربيا؟ وكيف تم تعريض الأمازيغ والأمازيغية للإقصاء السياسي الشامل؟ انطلاقا من ما بعد الثلاثينيات حين بدأت تتكون خطط هذا الإقصاء عبر المجتمع والمدارس والجامعات، والذي تجاوز ما هو سياسي إلى ما هو ثقافي وحضاري لتكون عروبة المغرب هي «القاعدة والحقيقة البديهية»، يقول المتدخل الذي لم يفته استنكار ما جاء على لسان بعض المثقفين، ومنهم عبدالإله بلقزيز الذي «يرفض تغيير اتحاد المغرب العربي بالاتحاد المغاربي»، متسائلا حول متى كان المغرب عربيا؟ وما هو مصدر الفكرة؟ علما أن اسمه كان هو «مراكش» وما تزال تسميته باللاتينية تبدأ ب»مورو» وأصلها أمازيغي، ليعرج بورقته نحو تاريخ «بلاد السيبة» حيث لم يكن المخزن يسيطر إلا على جزء ضئيل من التراب الوطني، ومن ذلك إلى «بلاد المخزن» التي كانت لها هوية عربية، ومسؤولوها يعتقدون أنهم من «النسب الشريف» ذات الأصول العربية المنتمية لشمال إفريقيا، حيث اهتدت فرنسا الى الاهتمام بالزوايا والأعيان والخونة. الأستاذ محمد بودهان انتقل بورقته إلى تاريخ «التعريب السياسي واللغوي»، و»السلطة السياسية»، و»ظروف حمل البلاد لاسم المغرب في عهد الحماية لتكتمل السلطة المخزنية في عروبتها وإقصاء الأمازيغ سياسيا»، حسب المتدخل، عبر سياسة الحماية التي كانت تحمي «العرقية العربية» وشرعيتها، باللجوء إلى سياسة الظهائر المعروفة، التي منها ظهير الأراضي السلالية الذي منع الأمازيغ من التصرف في أراضيهم التي أضحت تحت وصاية الداخلية، انطلاقا من استغلال علاقة الأمازيغ بالأرض، وكل فقدان لهذه العلاقة يعني فقدان الهوية والدولة، ليتوقف المتدخل عند «الظهير البربري» الذي شيد مخططه على إقصاء الأمازيغ وتكريس «التعريب العرقي» والتبعية الكاملة للمشرق، مع الحفاظ على كلمة «بربري» التي هي مصطلح أجنبي وإطلاقه على الأمازيغ الذي كانوا «أغلبية ديمغرافيا» و»أقلية سياسيا»، يقول المتدخل. ومن جهته، اختار ذ. مصطفى قادري من خلال ورقته حول «السياق التاريخي للحماية الفرنسية والإسبانية والمقاومة الأمازيغية» استقطاب الحضور بطريقة متميزة، والاستعانة بالشاشة الضوئية، مستعرضا المحطات الأساسية في مرحلة الكفاح الأمازيغي عبر تركيزه على شخصيات أمازيغية قادت وشاركت في المقاومة المسلحة، ومنها أسماء مغمورة لم ينصفها التاريخ، حيث حاول المتدخل تسليط الضوء عليها بالاعتماد على وثائق تاريخية نادرة من الأرشيف الفرنسي والإسباني والانجليزي، مع الاحالة على نصوص شعرية أمازيغية تؤرخ للمقاومة، ولم تفته الإشارة لمصطلحات استعمارية تمت في حق الامازيغ بوصفهم برابرة وهمج. أما ذ. الطيب صالح فقد انطلق بورقته حول «الأمازيغ والقوانين الاستعمارية» من مفهوم الدولة الذي بدأ مع النظام الرأسمالي الاستعماري، وبشاعة استغلاله للموارد الطبيعية واليد العاملة الرخيصة والاقتصاد الريعي، لينتقل المتدخل للمرحلة التي اجتهدت فيها السلطات الاستعمارية الفرنسية لأجل استغلال الأراضي الجماعية والغابات والمياه، قبل لجوئها الى سياسة «حماية الملك العام» بهدف الاحتيال المؤدي إلى مصادرة الموارد والممتلكات بتشريعات خاصة، إلى حين إصدارها لقانون «الأراضي غير المحروثة» بغاية الهيمنة على الأراضي التي كانت غالبيتها بيد الأمازيغ، وفي تواطؤ مع ما أسماه المتدخل ب»الاقطاع الأمازيغي»، في إشارة واضحة إلى لوبيات متورطة مع المخزن والقواد الذين استولوا على مساحات واسعة من الأراضي. ولم يفت السلطات الفرنسية، يقول المتدخل، ذ. الطيب صالح، إصدار ما أسمته ب»الملك العام الغابوي» الذي اعتبر الغابات ملكا للدولة، ثم «الملك العام المائي» للاستحواذ به على المياه والأنهار والآبار، وحتى مياه الامطار، ولزعزعة التلاحم القبلي وتفكيكه لجأت السلطات الفرنسية بالتالي إلى خلق تشريعات تفوض مهام تسيير القبائل لما كان يوصف ب»الجْماعة» التي تكون بيد «مجلس الوصاية» المرتبط بفلك السلطات المذكورة، ولم يفت المتدخل التذكير بمختلف الظهائر والقوانين الاستعمارية التي لم تتغير، إلى حدود اليوم، رغم مرور مائة عام، على خلفية وجود مصالح متبادلة بين الفكر الاستعماري وامتداد اللوبي المصلحي. وبدوره فضل ذ. محمد أجعجاع، من خلال ورقته «الحماية الفرنسية والإسبانية والنظام السياسي الجديد»، الانطلاق من أحداث معركة لهري التي دفعت ليوطي إلى التفكير في سياسة جديدة، بدء من تفاوضه الفاشل مع موحى وحمو الزياني عبر وسطاء لم يفلحوا في شيء، ليرتقي ليوطي بمخططاته إلى نحو التفكير في تدمير البنيات السوسيو ثقافية للأمازيغ ومحاولة استمالة النخب المدنية، تطبيقا لبند من معاهدة الحماية ينص على إحداث هياكل جديدة في الدولة المغربية، الأمر الذي تطلب من السلطات الفرنسية ضرورة استقطاب نخب محلية للتعاون معها، حيث تم تشكيل لجنة مقربة من النخب الفرنسية أطلق عليها اسم «كتلة العمل الوطني»، هذه التي أعدت وثيقة وصفها المتدخل ب»الخطيرة والسرية»، وسميت ب»برنامج الإصلاحات المغربية»، وقد حملت صياغة فرنسية ومقدمة مغربية، على حد لسان المتدخل. ومن ركائز هذه الوثيقة، يقول المتدخل، إقصاء الأمازيغ لغة وثقافة وحضارة من الفضاء العام، بالنظر لما يشكله الأمازيغ، في رأي اللجنة المشار إليها، «من خطر على هيبة المخزن ووحدة الهوية المغربية القائمة على الهوية العربية والإسلامية»، مع دفع ذات اللجنة باتجاه «تشجيع التدريس باللغتين العربية والفرنسية، وإبعاد القانون المستمد من العرف الامازيغي»، وهي مطالب وغيرها رفعتها اللجنة المذكورة إلى السلطان والمقيم العام والخارجية الفرنسية، حيث تم تشكيل ثلاث لجان لتبليغ هذه المطالب. ذ. محمد جعجاع نوه كثيرا بالمفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري الذي يعود له الفضل في الكشف عن وثيقة ما يسمى ب»برنامج الاصلاحات المغربية»، وتسليمها للباحث محمد شفيق، وكانت هذه الوثيقة النادرة قد اختفت في ظروف غامضة، وقال المتدخل إن نسخة منها توجد بمكتبة أبو بكر القادري، داعيا إلى إخراج هذه الوثيقة وتعميمها لتكون رسمية، إلى جانب وثيقة تتعلق باتفاقيات إيكس ليبان التي ما تزال مجهولة. ولم يفت المتدخل، ذ. محمد أجعجاع، التذكير بزيارة محمد الخامس لأجدير بإقليم خنيفرة، وكيف أوضح له الأمازيغ أنهم مع استقلال المغرب، وأنهم لم يتوقفوا عن محاربة المستعمر منذ 1912، في رد منهم على بعض المحيطين به الذين يعمدون إلى إقصائهم والتشهير بهم، ذلك قبل استعراض المتدخل لبعض المحطات التاريخية التي منها مرحلة عدي أوبيهي، وأحداث الريف والأطلس، ووثيقة المطالبة بالاستقلال، إلى حين صدور الدستور الجديد والاعتراف بالأمازيغية.