اخترع المصعد لتسهيل الصعود إلى القمم العالية، ولتوظيفه في نقل الأشياء الثقيلة بين الأرض والأعالي، ولتمكين كافة الناس من الصعود إلى الطوابق التي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق هذا المصعد، ولم أكن أظن أنه سيتحول في يوم من الأيام إلى ميزة يستعملها بعض المسؤولين لولوج أماكن عملهم التي غالبا ما تكون في الطوابق الفوقية، التي تمكنهم من الاستمتاع بالمناظر الخلابة، ومن الرؤيا من الفوق لكل من هو وما هو تحت ، ويحرم منها المواطنون القادمون لقضاء حاجاتهم عند هؤلاء المسؤولين. فعندما تطلب المصعد ينزل إليكو وما إن يفتح حتى يخرج إليك أحد الشواش قائلا : «سمح لينا أسيدي هذا راه السانسور ديال الشاف» ، هذا إن لم يعترضك بالباب ويخاطبك من جبة المسؤول عن المصاعد بأنه لا يحق لك الصعود بمصعد الإدارة، لأنه يخص صاحبها وزبانيته، وهنا تبادر إلى ذهني أن هذا المصعد هو لتسلق المراتب والوظائف والمناصب، ورمز للحظوة والجاه والمحسوبية، وليس مصعدا عاديا للوظيفة التي أنشأ من أجلها، والتي تتمثل في الصعود لقضاء الأغراض الإدارية في الطوابق العالية.. ما أعجب أن نفاجأ كمواطنين بمثل هذه الأشياء تقع في بلدنا إلى حد اليوم، والغريب أنك عندما تتساءل عن هذا التصرف، يشرح لك السيد المسؤول أن المصعد عندما يستعمله كل المواطنين، فإنه يتعطل، بل تجد به القمامة، والكتابات الحائطية، ولا يمر عليه وقت قصير حتى يتوجب تجديده والميزانيات لا تسمح بذلك، فاللهم يترك للمسؤول وحده وبعض المقربين منه، في إطار ترشيد النفقات، على أن نبذر المال العمومي في إصلاح المصاعد، أو إعادة تجديدها، ولهذا السبب، ومن هذا التوضيح، أستطيع أن أقول إن المصعدية في المغرب حركة لا تتعلق بالمصعد الآلي فقط، بل تتعداه إلى المصاعد السياسية، التي تجدها مشتغلة بين العائلات السياسية، والتي تسهل الصعود بكل الوسائل الممكنة، المال والقرابة . إن المصعدية يتحكم فيها منطق الجاه والحظوة، ولا بديل عنها في مجتمعات عشائرية وانتهازية، لأنها تستغل الدين والعادات والتقاليد لتكريس مقولات:« دع أخاك يمر، فإنه أولى من ابن عمك، ودع ابن عمك يمر، فإنه أولى من الغريب ».