سلامة كلية في سطور من مواليد مدينة بيرزيت في فلسطين سنة 1955. بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة بغداد سنة 1979 عمل في المقاومة الفلسطينية ثم في اليسار العربي، و لازال ينشط من أجل العمل الماركسي العربي سجن ثمانية سنوات في السجون السورية كتب في العديد من الصحف والمجلات العربية مثل الطريق اللبنانية والنهج ودراسات عربية والوحدة. من موقعك النقدي كمناضل يساري،ما الذي يحدث على الأرض ميدانيا في سورية..؟ ما يحدث في سورية هو ثورة شعب ضد سلطة استبدادية تمثل فئات رأسمالية مافياوية نهبت الاقتصاد الوطني طيلة عقود وباتت تتحكم بالسلطة، وتسيطر على جزء مهم من الاقتصاد الوطني (60%)، وهي تتشكل الآن من «عائلة الرئيس» (آل مخلوف وآل الأسد وآل شاليش) وحاشية مستفيدة، وتحالفت مع البرجوازية التجارية. ولقد مركزت الثروة بيدها وفرضت أن يتحول الاقتصاد الى اقتصاد ريعي يقوم على النشاط في قطاعات العقار والخدمات والسياحة والاستيراد والبنوك، وبالتالي اسهمت في تدمير الصناعة والزراعة، وتحويل قطاع كبير من الشعب (ومن الشباب خصوصاً) الى عاطلين عن العمل (النسبة هي 30%). كما فرضت «الَّلبْرَلَة» لكي ينكشف الاقتصاد على منافسة صعبة أطاحت حتى بالصناعة العريقة (النسيج)، وجعلت الأسعار عالمية في وضع يشهد تدني الأجور بشكل كبير (فالحد الأدنى للأجور هو خمس الحد الأدنى الضروري للعيش حسب دراسات السلطة سنة 2010). لهذا كان من الطبيعي أن يتأثر الشعب المفقر، والفئات الوسطى التي عانت من القمع والاستبداد والسيطرة السلطوية لعقود، بما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين لكي ينهض في ثورة تطالب بإسقاط السلطة. حيث أن كل الظروف التي تؤجج الاحتقان متوفرة، وهي الأساس الذي يؤسس لفهم كل ما يحدث الآن. ولقد واجهت السلطة الحراك الأول بالرصاص انطلاقاً من خوفها من أن يقود إلى السيطرة على الشوارع كما جرى في تونس ومصر. وظلت تمارس كل أنواع القمع والقتل ضد كل من يحتج. لكن ذلك أدى إلى توسع الثورة وليس تراجعها، وإن كانت توسعت ببطء، لكنها باتت تشمل كل سورية. وأدى إدخال الجيش للسيطرة على المدن الثائرة الى تحوّل نحو التسلح، الأمر الذي فرض أن يصبح العمل المسلح هو الشكل الأساسي في المواجهة، خصوصاً بعد تراجع أشكال النشاط الشعبي نتيجة تدمير المناطق والمدن الذي مارسته السلطة، والذي أدى الى نزوح مئات الآلاف ونشوء الحاجة إلى توفير احتياجات هؤلاء. ورغم محاولات السلطة الدفع نحو صراع طائفي إلا أن الشباب المنتفض أفشل كل هذه المحاولات، لأنه لا ينطلق من منظور طائفي بل من منظور إسقاط السلطة نتيجة ما فعلته طيلة عقود. لكن نجحت سياسة السلطة في تخويف الأقليات (وبمساعدة أطراف في المعارضة انطلقت من منظور طائفي، وهي بالأصل موجودة في الخارج ومتحكمة في الإعلام)، وهو الأمر الذي فرض ترددها في المشاركة. الآن وبعد اشهر عديدة نلمس تطور فعل الثورة، وتوسع سيطرتها على مناطق عديدة،وأيضاً ضعف السلطة وتراجع مقدرتها. إلى أي حد تنقل وسائل الإعلام المتعددة والمتنوعة والمختلفة حقيقة ما يحدث في سورية من أحداث وتطورات..؟ ليس من دقة في النقل الإعلامي، على العكس من ذلك نجد بأن إعلام السلطة يزوّر ويشوّه الحقائق، ويحاول أن يظهر صوراً ملفقة مبنية على سياسة هدفها تغطية ما يجري على الأرض بعد أن قررت استخدام السلاح لصد الثورة، وارتأت أن عليها تلفيق الصور لوجود «عصابات إرهابية» وسلفيين، وقتل وما الى ذلك من أجل تبرير سياستها الفعلية القائمة على مواجهة الشعب الأعزل بالسلاح. ولهذا كان لديها منذ البداية قسم خاص ب «التزوير الإعلامي» عبر قصقصة الصور، وتركيبها. ولازالت تكرر التزوير رغم أن المجزرة التي ترتكبها السلطة لم تعد خافية. في المقابل لم يكن الإعلام «المؤيد للثورة» محايداً، حيث كان يظهر منذ البدء ان الفضائيات (الجزيرة والعربية، وحتى البي بي سي، و فرنسا 24) تريد فرض صورة نمطية على الثورة، لتأكيد أنها ثورة إسلامية اصولية وليست ثورة شعب. ولهذا كانت تركز على الشعارات «الإسلامية»، والمناطق «السنية»، وتعمل على اخفاء كل ما يوضح تهافت هذه الصورة. فالإعلام هذا ينطلق من منظور أنه يجب أن يظهر بأن الثورات التي حدثت وتحدث هي ثورات إسلامية، في سياق «التحضير الأيديولوجي» لسيطرة الإسلاميين على النظم، كما حدث في تونس ومصر. أو يخضع هذا الإعلام لسياسة تنطلق من ضرورة إجهاض الثورة عبر تطييفها، من خلال التضخيم من دور الأصوليين، والدفع لاستثارة صراع طائفي يحوّل صراع الشعب ضد السلطة الى «حرب أهلية». لهذا أقول بأن للثورة السورية صورتان، الأولى واقعية هي التي أشرت إليها سابقاً، وهي ثورة الشعب ضد السلطة ومن أجل اسقاطها لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية، ولحل مشكلات المفقرين والعاطلين عن العمل، وتحقيق التطور المجتمعي. والثانية هي الصورة الإعلامية التي تظهر الثورة على أنها تمرّد أصوليين يهدفون الى إسقاط سلطة علوية بالتحديد، وفرض نظام «إسلامي أصولي». وهذا الأمر فرض تضخيم من دور الإسلاميين، وتصويرهم هم الثورة، وتحويل ما يجري الى مجزرة تقوم بها السلطة ضد شعب أعزل، وليس ثورة شعبية تريد اقتلاع السلطة، وفي مواجهتها تقوم السلطة بكل هذه المجازر. وكذلك استجداء التدخل الإمبريالي كحل ل «الأزمة» السورية. هذه الأمور هي التي يستقبلها كل من يعتمد الإعلام وسيلة معرفة حول الثورة السورية، وهي أمور مضللة لأنها تعكس منظوراً ايديولوجياً اصولياً يعبّر عن رؤيته للثورة، أو عن أوهامه حول الثورة وليس عن الثورة ذاتها. ولهذا وجدنا أنها تتقاطع مع ما يريد إعلام السلطة بثه وتعميمه، وبالتالي نجد أنه خدم السلطة أكثر مما خدم الثورة. حيث شوش عليها لدى قطاعات مجتمعية، الأمر الذي جعلها تتردد في الانخراط في الثورة لأشهر. وشوش عليها لدى الرأي العام العربي والعالمي، خصوصاً لدى القطاعات المجتمعية التي نريدها أن تكون مع الثورة. هل يمكن اعتبار الحضور الطاغي للتيارات الإسلامية في الحراك الثوري السوري مقدمة نظرية لبناء الدولة الدينية في سورية المستقبل..؟ كما أشرت قبلاً ليس من حضور طاغٍ للإسلاميين في الثورة السورية، هذا فقط تجده في الإعلام الذي يتحيّز لاضهار الثورة كثورة أصولية إسلامية. فوجودهم ضعيف ومحدود، مع ملاحظة أنه ليس الشباب المتدين الذي يشارك في الثورة، وله دور كبير فيها هو مع القوى الأصولية (الإخوان أو السلفيين أو حزب التحرير)، إنه شباب يخوض الصراع لإسقاط السلطة نتيجة وضعه المزري، ومن أجل فتح أفق لظروف أفضل. الثورة هي ثورة شعب، بلا أحزاب سياسية، ولازالت تعتمد على عفوية هذا الشعب وتصميمه على التغيير. جماعة الإخوان المسلمين تحاول أن تهيمن على مؤسسات المعارضة، وأن تُظهر بأنها قوة كبيرة، وتسعى لكي تجد الطريق الذي يجعلها هي السلطة. لهذا اختارت إستراتيجية تقوم على «فرض» التدخل العسكري الإمبريالي. فقد أسست المجلس الوطني لكي يكون الغطاء الذي يستجلب التدخل، وعملت عبر الإعلام وبعض مريديها في سورية (المتواصلين مع الإعلام) على تمرير شعارات تطالب بالتدخل، إضافة إلى تعميم خطابها الطائفي، وهيمنت أخيراً على المجلس الوطني بعد أن تحكمت في الهيئات التي تنشط في مجال الإغاثة. وحين ظهر بأن الدول الإمبريالية ليست معنية بالتدخل اتبعت إستراتيجية عبر مجموعات مسلحة مرتبطة بها تقوم على احتلال مناطق فقط من أجل أن تقوم السلطة بتدميرها ولكي تنزل أكبر عدد من الشهداء، كل ذلك لكي تستجرّ «عطف» الدول الإمبريالية وتدفعها للتدخل.ولازالت تحاول ذلك لأنها تعرف بأنها لن تصل إلى السلطة دون التدخل الإمبريالي، فوضع سورية ليس وضع مصر أو تونس بحيث تصل إلى السلطة عن طريق الانتخابات، لأنها لن تحصد أغلبية فيها، خصوصاً وأنها شاركت في الجريمة التي تعرضت لها بعض مناطق سورية نهاية سبعينات القرن الماضي إلى سنة 1982، من خلال مشاركتها في تفجير صراع طائفي، ردت عليه السلطة بطائفية مقابلة وبتدمير كبير طال مدينة حماة. وهو الأمر الذي أسس لوعي مضاد لوجودها، وهمّش دورها. الوضع في سورية بعد سقوط السلطة سيكون أكثر تعقيداً مما كان في تونس أو مصر، حتى في مستوى الخطوات الضرورية لتحقيق المرحلة الانتقالية. أي دور لقوى اليسار ومكوناته في تفعيل الثورة السورية..؟ أشرت الى أن الثورة عفوية، أي أنها نشأت عن الاحتقان الاجتماعي الذي فرض تحرّك طبقات اجتماعية دون أن يكون للفعل السياسي دور في ذلك. هذا الأمر يشمل كل أحزاب المعارضة التي لم تتلمس أزمة المجتمع، وبالتالي لم تتوقع هذا الانفجار الاجتماعي الكبير. أكثر من ذلك كانت تشكك في إمكانية أن يثور الشعب. بالتالي كل أحزاب اليسار لم تكن فاعلة فيها. هناك أحزاب تدعي اليسار مثل الحزب الشيوعي السوري بشقوقه هي جزء من السلطة، ولقد انخرط كثير من الشباب وكادراته في الثورة معلنة الانفصال عنه. وهناك فصيل مال مع الثورة في البداية لكن سرعان مع أصبح يدافع عن السلطة ويشارك فيها (حزب الإرادة الشعبية، الذي كان يسمى وحدة الشيوعيين السوريين)، لكنه فقد كثير من أعضائه الذي التزموا الانخراط في الثورة. وهناك أحزاب اليسار التي هي في المعارضة، والتي أصيبت بصدمة من «تجرؤ» الشعب على الثورة، فارتبك بعضهم، وأيد الثورة بعضهم الآخر. لكن ظل دورها فيها هامشياً ، حيث ظلت تنشط في «السياسة» ولم تنخرط في الثورة كما يجب على حزب يساري أن ينخرط. لكن ذلك لا يعني عدم مشاركة يساريين في الثورة، على العكس من ذلك هناك يساريين كثير يشاركون منذ البداية، سواء من الكادرات التي تركت الأحزاب الشيوعية، أو من يساريين كانوا خارج الأحزاب، أو من شباب يساري. لكن نشاطهم مبعثر في إطار النشاط العفوي أو ضمن مجموعات تشكلت خلال الثورة لها طابع عملي، أو مدني. ولقد حاول البعض تشكيل مجموعات يسارية لكي توحد نشاط هؤلاء في إطار الثورة، بهدف تطوير شعاراتها وتوضيح أهدافها وتنظيمها بشكل أفضل، مثل تنسيقيات الشيوعيين والكادر الشيوعي في السويداء، ورؤية للتغيير، وأيضاً ائتلاف اليسار السوري الذي أشارك من خلاله. والمجتمع المدني السوري أي أثر له على أرض المعركة..؟ لم يكن هناك مجتمع مدني في سورية، كانت هناك اتحادات ونقابات مسيطر عليها من قبل السلطة بشكل شامل. لهذا لم تتحرك هذه الاتحادات والنقابات، حتى للدفاع عن وضع أعضائها المعيشي. ولما كان الحراك الشعبي هو الأساس فقد بدفع نحو تأسيس هيئات وتجمعات واتحادات تمثل قطاعات مجتمعية، مثل رابطة الكتاب السوريين ورابطة الصحفيين السوريين، ونساء سوريات، وتجمع نبض، وتجمع شمس، والشباب السوري الثائر. وبالتالي فإن الثورة هي التي تفتح الأفق لإعادة صياغة المجتمع المدني. هل يمكن الحديث عن حل توافقي للحراك الثوري السوري،إذا لم تكن هناك أية إمكانية موضوعية لهذا الحل،ما هو الحل الممكن إذن في ظل تناقضات المرحلة..؟ ليس من حل توافقي، خصوصاً بعد كل هذه الوحشية التي مارستها السلطة. لم يتحرك الشعب إلا حين وصل الى أن التغيير من قبل السلطة ليس ممكناً، بعد انتظار دام عشر سنوات من وعود بشار الأسد. ولهذا انتفض من أجل إسقاط النظام. لهذا لا أرى إمكانية لحل توفيقي، ويجب أن ترحل السلطة الماسكة بالقرار والثروة والأمن الآن. وبالتالي لا بد من أن يكون التغيير أعمق مما حدث في تونس ومصر. الآن، ما هو ممكن يمكن تحديده في ثلاث احتمالات، هي التالي: الأول أن يؤدي الصراع الى ضعف متتالٍ للسلطة، ووصولها الى لحظة الشعور بأنها تنهار، الأمر الذي يمكن أن يؤدي الى تفكك فيها يقود إلى حدوث انقلاب يصفي الفئة الحاكمة، ويفتح على مرحلة انتقالية تفرض إعادة بناء الدولة. الثاني أن يؤدي الصراع الى انهيار القوة الماسكة بالسلطة، وربما يفتح ذلك على فوضى، لكن لا بد من ملاحظة أن الكتلة الأساسية للجيش باتت مهمشة نتيجة الخوف من الانشقاقات، وهي موضوعة في معسكرات دون تواصل أو اجازات، وربما يفتح ذلك على أن يستولي الجيش على السلطة ويفتح كذلك لمرحلة انتقالية مشابهة. الثالث أن يستمر الصراع بالدموية التي نشاهدها، وتصبح هناك إمكانية لتوافق دولي على حل يفرض على مختلف الأطراف. وهنا يجب أن يتحقق اتوافق بين روسيا وأميركا بالأساس. ويقوم الحل على تحقيق مرحلة انتقالية. ما يجب أن يكون واضحاً هو أن السلطة باتت ضعيفة، وتعتمد في صراعها على بعض الوحدات العسكرية (الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري خصوصاً) وعلى بعض الأجهزة الأمنية (المخابرات الجوية خصوصاً) وعلى الشبيحة الذي تبين أن جزءاً منهم تدرب على يد مدربين إيرانيين. إضافة الى مساعدات عملية من إيران وحزب الله كما ظهر مؤخراً، بعد الاحساس بقرب انهيار السلطة. والسلطة تراجعت سيطرتها على أراض كثيرة، وباتت تتكبد خسائر كبيرة. وأيضاً هناك حراك بدأ في الساحل الذي كان يشكل «قاعدة السلطة الاجتماعية». وهذه كلها تشير الى ضعف شديد في قوة السلطة، مقابل تزايد قوة المجموعات المسلحة، واستمرار حراك الشارع. وهو الأمر الذي فرض زيادة دور القوى الداعمة للسلطة من أجل منع انهيارها. لكن لا يبدو أن ذلك سوف ينقذها. أي مستقبل تستشرفه لسورية الغد..؟ لا شك في أن إسقاط السلطة هي مسألة وقت، رغم أن المرحلة القادمة لن تفضي الى تحقيق التغيير العميق الذي يحقق مطالب الشعب بطبقاته الشعبية. لكن ككل البلدان العربية الأخرى نلمس انفتاح الأفق لمرحلة سوف تفضي بالضرورة الى تحقيق التغيير العميق. فقد تمرّدت الشعوب، ولن تتوقف قبل أن تحقق التغيير الذي يؤسس لتحقيق الاستقرار عبر تحقيق هذه المطالب. وانخرط الشباب في صيرورة النشاط السياسي، وهو الأمر الذي سوف يفرض تجاوز البنى السياسية القديمة وتأسيس قوى تعبّر حقيقة عن مطالب الطبقات الشعبية، وتعمل على تحقيقها. في سورية الوضع سوف يسير في السياق ذاته، ولا شك في أن تحقيق التغيير الآن والبدء بمرحلة انتقالية سوف يحوّل الصراع من طابعه الدموي الى صراع سياسي حقيقي. لكي تنفتح الطريق لتحقيق مطالب الطبقات الشعبية.