مثل موكب جنائزي، تحركت ببطء و هدوء يعكسان الحزن و الاستسلام، شاحنة عملاقة تحمل فوق سطح مقطورتها مكوك الفضاء «أطلنتيس»، مسبوقة بحوالي إثنى عشر شاحنة مضاءة الأنوار من أجل قطع مسافة لا تتعدى عشرة أميال (حوالي 16 كيلومترا) هي المسافة الفاصلة بين «كاب كانافيرال» بفلوريدا و متحف مركز كينيدي الفضائي القريب، و بذلك تنتهي الحياة النشيطة للمكوك «أطلنتيس» كي يبدأ تقاعدا مُريحا في المتحف. فبعد أن حمل العديد من رواد الفضاء المنتمين للنازا، و أنجز عدة رحلات ذهابا و إيابا إلى الفضاء لعشرات الآلاف من الكيلومترات، قام مكوك الفضاء «أطلنتيس» برحلته الأخيرة نحو التقاعد يوم الجمعة قبل الماضي،محمولا كما لو فوق نعش، إلى متحف مركز كينيدي الفضائي القريب من «كاب كانافيرال» ،حيث ينتظر أن يلقي عليه ملايين الزائرين نظرة الإعجاب و الاكتشاف، و بذلك تُطوى صفحة من تاريخ الفضاء الأمريكي بما لها و ما عليها ، في انتظار بدء صفحة جديدة. مُنهيا بذلك مسيرة طيران طويلة. فقد تم نقل المكوك «أطلنتيس»، الذي كان آخر مكوك فضائي يقوم بمهمة في الفضاء في يوليوز من العام المنصرم، فوق مقطورة شاحنة من 76 عجلة كبيرة، جاءت خصيصا لحمل المكوك لمسافة عشرة أميال (حوالي 16 كيلومترا) و هي المسافة التي تطلبت إثنى عشر ساعة لقطعها . و ساهم في نقل المكوك حوالي 200 عامل تقني و مهندس التحق بهم رواد الفضاء الأربعة الذين كانوا على متن «أطلنتيس» في آخر رحلة لها قبل سنة من الآن. و توجه الموكب مسبوقا بحوالي 12 شاحنة مُنارة الأضواء بينما سارت الشاحنة بسرعة أقصاها ميلين في الساعة (3 كيلومترات في الساعة) .و بذلك يوضع حد لبرنامج المكوكات الفضائية بعد ثلاثين عاما من الوجود و يكون «أطلنتيس» آخر ثلاثة مكوكات فضائية أمريكية تدخل إلى متحف. و حين وصول المكوك تم لفه بالبلاستيك حماية له من الغبار إلى حين الانتهاء من بناء القاعدة التي ستحمله و التي تقدر قيمتها بحوالي 100 مليون دولار، و سيتم عرض «أطلنتيس» في هذا المتحف الجديد، الذي سيفتح أبوابه في شهر يوليوز 2013 ، فوق قاعدة يبلغ ارتفاعها 11 مترا عن الأرض، و سيكون بطن المكوك متجها نحو الأعلى مع بابين مفتوحين و بذلك تبدو للزائر و كأنها طائرة في الفضاء. أما المكوكين الآخرين فيقبعان حاليا في متحفين مخالفين، فأقدم المكوكات الفضائية و هو «ديسكوفري» معروض في مركز «ستيفن أودفار هازي» و هو ملحق بالمتحف الوطني للجو و الفضاء، و يقع بالقرب من واشنطن في فيرجينيا، أما المكوك الثاني «إندوفر» فيوجد بمتحف العلوم في «لوس انجيليس» بولاية كاليفورنيا. و تجدر الإشارة إلى أن مكوكين آخرين ، هما «تشالنجر» و «كولومبيا»، قد دُمرا في الجو أثناء طيرانهما ، مما أدى إلى مقتل أربعة عشر من رجال الفضاء. بينما يقبع مكوك آخر ، هو ‹أونتربرايز»، الذي لم يُقلع أبدا إلى الفضاء منذ بنائه، في متحف البحر و الجو و الفضاء بنيويورك. و معلوم أن مكوكات الفضاء جميعها ، و رغم التشابه الظاهري بينها، إلا أن أي واحد منها لا يشبه الآخر، في تكنولوجياته و لا في المهام المرصودة له، فصنع الواحد يأتي بتقنيات أكثر تطورا من تقنيات الأو ل ، بل إن بعض التقنيات ? و بسبب التطور السريع للاكتشافات التقنية ? تصبح متقادمة قبل استخدامها من طرف المكوك. و بعد نهاية حقبة المكوكات الفضائية ينطرح مصير العاملين في البرنامج، الذين يجدون أنفسهم بعد ثلاثين عاما، هي عمر البرنامج، بدون عمل في المستقبل، رغم أن بعضهم توقع هذا المصير فأنهى عقدته مع «النازا» قبل سنتين فيما أُجبر آخرون على المغادرة لكن الباقي كثير.... و كان مكوك «ديسكوفري» و هو أقدم المكوكات الفضائية و الذي قضى أكبر وقت في الفضاء، قد تم نقله بوسيلة أخرى في شهر أبريل الماضي من مطار كينيدي بنيويورك إلى متحف «سميثسونيان «شمال فيرجينيا، و قد تم نقله فوق ظهر طائرة «دجمبو» معدلة. يقول مدير مركز كينيدي للفضاء «روبرت كابانا» و هو رائد فضاء سابق «إنها ليست نهاية أطلنتيس فهي اليوم في مهمة جديدة هي مهمة إلهام أجيال المستقبل» و كان برنامج المكوكات الفضائية قد بدأ سنة 1981 مشكلا بذلك حقبة تاريخية في تاريخ غزو الفضاء الأمريكي. و تعد أطلنتيس آخر مكوك من هذا البرنامج، و كانت مهمته في البداية هي القيام برحلات مأهولة حول الأرض، ثم قامت فيما بعد و ابتداء من عام 1998 بتزويد المحطة الفضائية الدولية (آي. إس. إس) بالعتاد و بالرجال. و هي المحطة التي سيتم التخلص منها في المحيط الهادي بحلول سنة 2020 ، لكن و في انتظار ذلك فإن على الأمريكيين اللجوء إلى خدمات سويوز الروسية التي تبقى أرخص من نفقات النازا في برنامج المكوكات و التي تصل إلى 5ملايير دولار سنويا. الآن، و بعد ثلاثين سنة على بدء البرنامج يرى العديد من الخبراء، أن البرنامج برمته لم يكن له جدوى أو مبررات في مجال اكتشاف الفضاء. ففي سنة 1984 حين اتخذ الرئيس الأمريكي «رونالد ريغان» قرار الشروع في البرنامج، اتخذه أولا لمنافسة مشروع «مير» السوفياتي، ثم مع نهاية الحرب الباردة من أجل شغل المهندسين الروس كي لا يتوجهون لتطوير الصواريخ العراقية لصدام حسين. و السؤال الذي يطرح الآن هو ما إذا كانت ملايير الدولارات التي تم توفيرها بتوقيف برنامج المكوكات سيتم استثمارها في برامج أكثر طموحا مثل اكتشاف المريخ أم لا.