في كتابه «بنبركة، قتلته»، الذي أعيد نشره، مزيدا ومنقحا، في 1982 بعد طبعة أولى صدرت في 1975، يثبت الكاتب الثوري الفرنسي المناهض للاستعمار دانييل غيران (1904 - 1988) شهادة مثيرة للاهتمام. هي شهادة المصورة الفوتوغرافية الشابة حين اختطاف الشهيد المهدي، المرأة التي كانت تطلق على نفسها لقب أنيت لينا والمتوفاة الآن. والوثيقة كتبت من طرفها في سنة 1966 لتسلمها للطرف المدني في ملف عريس الشهداء أنيت كورنيي «كنت حاضرة في مقهى ليب يوم اختطاف المهدي بنبركة، وذلك بين الساعة الثانية عشرة والثانية بعد الزوال. كنت داخل المقهى من الساعة الثانية عشرة إلى حوالي الواحدة إلا ربع، جالسة جنب طاولة السيد فرانجو. لا أعرف ملامح وجه هذا الأخير، لكن النادل قال لي حين أردت الجلوس في مكانه، بعد تغيبه برهة من الزمن: «لا، السيد فرانجو يجلس في هذا المكان». «حوالي الساعة الواحدة إلا ربع، وهو الوقت الذي يتم أثناءه وضع مستلزمات الأكل على الطاولات، خرجت للجلوس في فضاء المقهى الخارجي. كان برفقتي بعض أصدقائي الكتاب: السيدان فرانز وأندري بورغي والسيد جون إديرن هاليي. ونحن نعبر المسافة الفاصلة بين داخل المقهى وفضائه الخارجي، قال لي جون إديرن هاليي إن رجلا من ضمن الجالسين في الخارج أحد رؤساء المخابرات الأمريكية في باريس. ولقد وجه لي هذه الملاحظة للأسباب التالية: كنت أنتظر في المقهى المذكور أحد أصدقائنا المشتركين، السيد دومينيك دو رو، ناشر الكاتب إزرا باوند، علما أن هذا الأخير كان يزوره في تلك الأيام بباريس. طرحت السؤال التالي: «هل سيذهب باوند إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية؟» ولقد رد علي السيد جون إديرن هاليي بقوله: «لا تقولي هذا أمام أحد رؤساء وكالة الاستخبارات الأمريكية في باريس.» نظرت مليا إلى الشخص المعني الذي كان جالسا في الصف الأمامي للفضاء الخارجي للمقهى، على يمين من يود ولوج ليب. «جلست إذن في الخارج مع الأصدقاء المعنيين. «في الطاولة المحاذية لطاولة رجل المخابرات، أو ربما في نفس الطاولة، كان يجلس رجل آخر (...) وكان هذا الشخص الثاني يغادر المقهى باستمرار ليقطع، ذهابا وإياب، المسافة الفاصلة بين ليب والدروغستور. «بعدها غادرت المقهى رفقة أصدقائي، حوالي الساعة الثانية إلا ربع بعد الزوال. لحظتها كان الرجل الثاني يقف على الطوار مع الشخص الأول (المشار إلى كونه من المخابرات الأمريكية). ...) ذهب السيد جون إديرن هاليي للحديث معهما، ففهمت أن للسيد دومينيك دو رو، الذي كنت أنتظره أنا الأخرى، على موعد مع الشخصين المذكورين لترتيب زيارة إزرا باوند لأمريكا.(...) تم تقديم الشخص الثاني لي على أساس كونه أديبا من أمريكا الجنوبية، لكنني أتذكر أنه لم يكن يتحدث بلكنة أجنبية. أما الشخص الأول (رجل المخابرات)، فلم يتم تقديمه لي. وهما يتحدثان عن لو رو، قال أحدهما: «لا أظن أنه سيحضر الآن. لا ضرورة لانتظاره إذن.» عقبها، ذهبنا، السيدان بورغي والسيد هاليي وأنا، لتناول وجبة الغذاء. «أياما بعد ذلك، التقيت السيد بورغي والسيد هاليي في مقهى فلور، وقد قلت للثاني بحضور الأول: «علمت بالطبع باختطاف بنبركة، وذلك العضو في المخابرات الأمريكية الذي كان حاضرا في عين المكان؟» أجابني بقوله: «لا تتحدثي عن هذا أبدا»، أو ربما قائلا: «لم أقل هذا إطلاقا.» (...) لاحقا، اثرت الموضوع مع السيد دومينيك دو رو الذي رد علي: «لا، لقد كان لي موعد في ذلك اليوم مع رجل شرطة حول إزرا باوند. أنت تعرفين أن جون إيدرن هاليي مصاب نوعا ما بالهلوسة.» «أثرت الأمر أيضا مع بعض الأصدقاء الصحفيين المتتبعين للقضية، ومن بينهم جورج هنين (جون أفريك) وكلود أنجيلي (لوبسيرفاتور)، لكنهم أكدوا استحالة توظيف معلوماتي كشهادة نظرا لعجزي عن تقديم دلائل حول ما سمعته.»