في تعريف الاقتصاد الاجتماعي لقد أكد الأستاذ أنه: « يعتبر كل فعل اجتماعيا حينما يتجه نحو تحقيق منفعة أو جلب مصلحة أو حل إشكال يواجهه المجتمع» إن هذا القصور في التحليل والتبرير L?argumentation يسقط القارئ في حيرة من أمره، ذلك أن التبريرات القاصرة1 قد تدخل الباحث في نفق من التناقضات يستعصي عليه الخروج منه، وبناء عليه يمكننا أن نعود إلى الاقتصاد ونقول ولو نظريا على الأقل، ألا يعتبر الاقتصاد ذلك الفعل الذي يجلب المنفعة والمصلحة ويحل الإشكالات؟ وبالتالي يصبح حسب تعريف الأستاذ الفعل الاجتماعي مثل الفعل الاقتصادي. وفي اعتقادنا فان كلاهما مفروض أن يجلب المنفعة ولكن الفرق يندرج في إطار ما يسمى بالمقابل La contre partie ،فالفعل الاقتصادي قد يجلب للمجتمع المنفعة ولكن القائم به ينتظر المقابل الملموس، أما الفعل الاجتماعي فيكون تطوعيا بحيث يقوم به الفاعل من أجل مصلحة المجتمع دون انتظار مقابل مادي وملموس2، أما أن نكتفي بالقول بأن كل فعل يجلب المنفعة يعد فعلا اجتماعيا فهذا كلام مردود على صاحبه جملة وتفصيلا . من جهة أخرى، فإن الأستاذ يعتبر الأنشطة المدرة للدخل غير هادفة بالضرورة لتحقيق الربح، وهنا ينبغي أن نتوقف عند مفهوم الربح فإذا كانت هذه الأنشطة لا تهدف إلى الربح فكيف ستدر دخلا 3 على حامليها؟ ولماذا تتم إقامتها أصلا ما دامت لا تنفع الناس ؟ وسنأخذ مثالا واحدا استدل به الأستاذ، بل يعتبره من الأساسيات المتعلقة بالاقتصاد الاجتماعي، ويتعلق الأمر بالتعاونيات فالكل يعلم كيف تشتعل هذه الهياكل الربحية ألا يبيعون الحليب ويجنون أرباحا4 ؟ ألا يسمنون العجول ويجنون منها أرباحا ؟ إن الأستاذ بقصوره هذا في التعاطي مع هذا التخصص الذي ليس في متناول الجميع حتى المتخصصين فيه، يضلل الباحتين وخصوصا منهم الطلبة الذين يتمسكون بأي شيء ذكره أستاذهم، فيصبحون في هذا السياق كالغريق الذي يتمسك بالقشة لينجو من الغرق. إن القضية لا تتعلق بالأرباح وإمكانية جنيها أم لا، ولكن الأمر يتعلق بطريقة توزيعها، أي ما يسمى في لغة التدبير ب le dividende ، وهذا هو الاختلاف الجوهري بين الاقتصاد المحض والاقتصاد الاجتماعي . نسميه محضا فقط لنميز بينه وبين الاقتصاد الاجتماعي ولكي لا أقع في اللبس الذي وقع فيه الأستاذ حيث أنه وضع الاقتصاد الاجتماعي مقابل الاقتصاد السياسي في حين أن كل نظرية اقتصادية حتى الليبرالية تتضمن نظريات حول الاقتصاد الاجتماعي وبالتالي فالاقتصاد الاجتماعي لم يظهر ضدا عن الاقتصاد السياسي، ولكن في إطار العمل داخل مفهوم الاقتصاد السياسي طفا على السطح تغليب الاقتصاد المادي الذي لا يعير أي اهتمام لما هو اجتماعي، الشيء الذي جعل بعض منظري هذا المجال يدعون إلى إعادة التوازن للاقتصاد والإقلاع عن التركيز على ما هو مادي محض، ولكن ينبغي معالجة الإشكالات الاجتماعية بمنطق اجتماعي وتضامني. كما أننا نحيط الأستاذ علما، بأنه خلافا لما ذكر فانه حتى الرأسمالية قد تبنت في جزء كبير من نظرياتها أفكارا دينية، و هو الشيء الذي» أكده ماكس ويبر أن نشأة الراسمالية قد سبقها في الواقع ظهور مبادئ أخلاقية بروتيستانتية معينة، وتشمل تلك المبادئ الأخلاقية على سبيل المثال تقييم أداء الواجب في الشؤون الدنيوية باختلاف ذلك عن الحياة الرهبانية الخاصة بالكاثوليكية، والتقييم الديني للعمل المضني المتواصل المنظم، وأن إتباع المنفعة الذاتية يعد فضيلة وليس إثما، ويماثلها أيضا السعي للحصول على الثروة»5 في قضية الحكامة الحكامة، هذا المصطلح الذي يتداول تارة كمبدأ وتارة كشعار وتارة كمجموعة من المبادئ، قد أثاره أستاذنا الجليل في كتابه قائلا « لا غرابة أن يظهر في هذا السياق ( التاريخي) مصطلح الحكامة سنة 1989 للتعبير عن «التحول» العميق الذي طرأ على منظومة تمثل أسباب التعثر السائدة من خلال التأكيد على أن مشكل التنمية في الدول التي تنعث، بشكل مؤدب، بالدول السائرة في طريق النمو، هو مشكل حكامة. أي مشكل غياب منظور معقلن ورشيد في تدبير الموارد».و إننا إذ نتفق مع الأستاذ في مضمون و هدف الحكامة، وقد عبرنا نحن أيضا في عدة مقالات، عن قضية المنهج في التدبير، فالذي يهمني بالدرجة الأولى هنا هو تاريخ ظهور مصطلح الحكامة الذي حدده أستاذنا دون إحالة على أي جهة مختصة، في سنة 1989 ،والواقع أن كل من أخذ هذه المعلومة من أستاذه قد تربكه و تدخل الشك إلى مضمون المعلومات التي يتوفر عليها لأن السرد التاريخي للمفاهيم ينبغي أن يكون مضبوطا، ذلك أن أي مفهوم جديد لا يظهر إلا على أنقاض المفهوم أو المفاهيم السابقة، وبالتالي فالترتيب التاريخي يعتبر من الأهمية بمكان في تحديد المفاهيم وخصوصا إذا اعتبر الكاتب نفسه باحثا أكاديميا. و احتراما لمبادئ البحث العلمي الجاد فإننا نؤكد على أن أيها الأستاذ المحترم، لقد ظهر مفهوم الحكامة سنة 1937 مع R. Coase في إطار ما سمي ب corporate governance ، وذلك من أجل تحليل طبيعة التنسيق بين الفاعلين الفرديين والجماعيين ورفض الأطروحة التي تقول بأن ثمن السوق هو المحدد الأساسي في عملية التبادل. وعليه فحسب R.Coase في مقال علمي سماه The Nature of the firm ،أي طبيعة المقاولة ، فان طبيعة التنسيق الداخلي للمقاولة تمكن من تخفيض تكلفة التداول التي تحدد على مستوى السوق. وبعد غياب طويل ثم إعادة إخراج هذه النظرية إلى حيز الوجود سنة 1970 من طرف O.Williamson الذي عرفها بأنها الإجراءات المتخذة من طرف المقاولة من أجل تنسيق ناجع على المستوى الداخلي (hiérarchie) ou contrats وعلى المستوى الخارجي partenariat, usage de normes. ثم بعد ذلك تم إدخال مصطلح الحكامة إلى مجال العلوم السياسية مع كل من N. Holec G. Brunet-Jolivald et سنة 2000 من أجل التخلي عن النموذج الكلاسيكي المرتكز على القرار المركزي، والتركيز على التعددية لأنه حسب هؤلاء لا يمكن لأي فاعل أن يواجه أي مشكل بمفرده. ووجب التأكيد على أن هناك من لا يزال يناقش قضية التحديد الدقيق للحكامة ، حيث نجد مثلا GALES(2000) الذي يعتبر الحكامة على أنها ورش وإشكالية مطروحة للنقاش، وهي لازالت قيد التحديد لأنها تنهل من جميع حقول المعرفة. ثم جاء HUGON(2002) ليعرف الحكامة، على أنها الطريقة المعتمدة لممارسة السلطة في تسيير الموارد الاقتصادية و الاجتماعية لمقاولة أو لجماعة غير ممركزة أو لدولة أو لمنظمة دولية، وهي تعنى بالمقاييس والمؤسسات التي تستند إليها دولة أو جهة أو مقاولة لممارسة السلطة. فمن خلال هذا التعريف يتبين أن الاجتماعي والاقتصادي شيئان متلازمان، ولا يمكن الفصل بينهما ومقارنتهما كما فعل الأستاذ في تمييزه الخاطئ بين الاقتصاد السياسي والاقتصاد الاجتماعي. ثم يأتي بعد ذلك XAVIER GREFFE(2002) ليؤكد أن السلطات العمومية ملزمة بتنسيق أعمالها مع الفاعلين الآخرين، من مقاولات خاصة ومنظمات غير هادفة للربح وجمعيات المجتمع المدني، وذلك للوصول إلى النتائج المنشودة. هذا على مستوى السياق التاريخي لتطور مفهوم الحكامة، الذي قفز عليه الأستاذ المحترم، وصور للناس أن الحكامة لم تظهر إلا في سنة 1989. أما على مستوى تقييم وقياس التحول العميق الذي ذكره الأستاذ فانه لا يمكن لنا أن نقيم هذا التحول دون سابق معرفة بالمؤشرات التي ينبغي الاستناد إليها من أجل التعرف على نتائج هذا التحول العميق. فباستعارة المصطلح نفسه الذي استعمله الأستاذ، نقول نحن أيضا، لا غرابة أن يفتح الباحتين المختصين النقاش حول مؤشرات قياس الحكامة تكون ذات مصداقية وقابلة للمقارنة من مجال إلى مجال آخر. وعليه ، واعتمادا على أبحاث أجريت على أكتر من 200 دولة، استخرج البنك الدولي و معهد البنك الدولي ما سمي بمشروع Worldwide Governance Indicators (WGI) الذي اقترح مؤشرات خاصة وأخرى عامة للحكامة على مستوى 6 أبعاد اعتبرها رئيسية6، وانطلاقا من هذه الأبعاد بدأ يطفو على السطح نقاش آخر حول أنواع الحكامة، من حكامة اقتصادية وحكامة محلية وحكامة ترابية وحكامة سياسية... وفي إطار كل هذه التصنيفات و أخرى لم نذكرها هنا. هناك تصنيف آخر مزدوج يميز بين ما يسمى الحكامة الجيدة7 La bonne gouvernance والحكامة الجديدةla nouvelle gouvernance حيث جاءت هذه الأخيرة لتركز على الدور الهام للفعالين غير الرسميين في مسلسل اتخاذ القرار. إننا قد لا نتفق مع هذا التذكير البسيط لمراحل تطور مفهوم الحكامة و أنواعها وتجلياتها» ولكننا فقط أردنا أن نذكر أستاذنا الفاضل بقاعدة فقهية معروفة تقول «الحكم عن الشيء فرع من تصوره» وبما أننا لا نتوفر على أي تصور واضح على هذا الشيء الذي هو الحكامة فلا ينبغي الجزم بقول لا غرابة أن يظهر في هذا السياق التاريخي مصطلح الحكامة سنة 1989 . في قضية الاستخلاص في الحقيقة ليست لدي أي خلاصة اخرج بها من هذه الكلمات التي كتبتها بسرعة، والتي كنت أريد أن اكتبها على شكل مقال صحفي، للرد على ادعاءات الأستاذ حول أساتذة مشهود لهم وبلحركية والبحث العلمي الجاد، والذين أعتبر نفسي ليس منهم، مصداقا للبيت الشعري الذي يقول « أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال منهم شفاعة وأكره من تجارتهم معاصي ولو كنا سويا في البضاعة «، قررت أن أحولها إلى كتيب بعدما اكتشفت وأنا أنتقل من صفحة إلى أخرى أن تجاوزات و أخطاء الأستاذ العلمية لا تعد ولا تحصى، حيث وجدتني قد وصلت إلى هذه الصفحات ولم أكمل سيل الأخطاء العلمية التي يزخر بها هذا الكتاب التي يمكن أن نقدمها هدية لأستاذنا الفاضل تبعا لقولة سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه « رحم الله من أهدى إلي عيوبي « . وبذلك قررت أن أحصرها في هذا الجزء اليسير نظرا لضيق الوقت والحيز المخصص لذلك على أن نكمل بقية التحاليل المتعلقة بهذا العمل الشارد الذي تحدث عن كل شيء إلا شيء واحد وهو الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب في جزء آخر هوامش: 1 كان يحاول أحدهم أن يبرر الجدوى من تحريم الزنى قائلا لأنه يتلف الأنساب فيأتيك آخر بقوله إذن فالزنى مع الحامل لا يتلف الأنساب وبالتالي إذا انتفت العلة انتفى معها التحريم في حين أن الزنى يظل حراما في الشريعة الإسلامية مهما كان الأمر وتبرير مثل هذه القواعد تحتاج إلى فقيه جهبذ وعالم له باع طويل في المجال 2 يمكن أن يكون هناك انتظار مقابل غير ملموس كمرضاة الله عز وجل والعمل في سبيل الله 3 المشارقة يسمونها الأنشطة المولدة للرزق 4 للإشارة أكبرا لمؤسسات المنتجة للحليب في المغرب تشتغل قانونيا في إطار تعاونيات 5 انظر منذر قحف مرجع سابق 6 صوت مواطن بكسر الطاء ومسؤول Voix citoyenne et responsabilité, استقرار سياسي و غياب العنف Stabilité politique et absence de violence , نجاعة السلطات العمومية Efficacité des pouvoirs publics, جودة القوانين Qualité de la réglementation , دولة الحق Etat de droit, ضبط ظاهرة الرشوة Maîtrise de la corruption 7 ترتكز بالأساس على 6 مبادئ وهي إلزامية تقديم الحصيلة l?obligation de rendre compte, الشفافية la transparence, النجاعة l?efficacité , الاستقبال الملائم la réceptivité, الاستباق la prospective, أولوية القانون la primauté du droit