في مستهل الدخول السياسي بالمغرب . يبدو بروز بعض الأحداث مؤثرا على الساحة السياسية وقد يفرز التعثرات التي ظلت خامدة تحث تأثير المهدئات والمسكنات ركوبا على سلاسة الانتقال الديمقراطي النسبي بعد الربيع المغربي الذي انطلق في 20 يبراير . حيث كان الدستور المعدل مدخلا للتهدئة وخوض انتخابات برلمانية أعطت حزب العدالة والتنمية كمستفيد من الحراك الشعبي . إلا أنه لازال عاجزا عن تحقيق مطالب هذا الحراك الشعبي في شتى المجالات فمما نص عليه دستورنا المعدل . ربط المسؤولية بالمحاسبة . وهذا ما يحمي الحكم الرشيد لرعاية شؤون المواطنات والمواطنين والعمل على تحقيق حاجاتهم ومتطلباتهم وتوفير كافة الفرص لهم للقيام بشؤون حياتهم بكل حرية منظمة تطال الفرد والمجتمع والأحزاب والنقابات والمجتمع المدني في علاقة بما ضمنه الدستور في الحريات العامة وحرية التعبير . وهي العلاقة التي تعتبر منطلقا جوهريا لضمان الاستقرار في الإطار الناظم للديمقراطية بعيدا عن كل أشكال الاستبداد والظلم والفساد لكن كيف تتم هذه المحاسبة والمسؤولون لا يعيرون أي اهتماما لمشاكل الشعب . بل كيف للمحاسبة أن تتحر من الانتقائية لتكون مجدية . ونحن بكل مرارة . لا نلمس اليوم سوى إنتاج الفواجع والخوف من المواجهة في انبطاح وذل ومسكنة . وأحيانا بطلب الاستجداء على وجه النفاق والتملق والمكيدة . وتعليق الأخطاء وتكرار الفشل على شماعة الآخرين ( المعارضة المغربية اليوم . مع تناسي أن المعارضة وجه أساس من أوجه الديمقراطية ) مما جعلنا مع المواطنين , نتخيل أننا نعيش في سرك تنكري افتقدت فيه القيم وضاعت فيه المبادئ . والحكومة لا تشبع من آلامنا ومآسينا ولا تسمع صراخ المحتجين وكأنها لا تخاف المحاسبة أوتعتقد أن وقت الحساب لا زال بعيدا . وإن اعتقدت أن الانبطاح الإرادي بكل نفاقه ومداهناته , لا يندرج ضمن خانة الفساد. فإن عليها ونحن في دولة دينها الرسمي هو الإسلام . أن تعلم أن من ثوابت المسلم المتحضر . أن لا يخون ولايته جزافا وأن يفي بوعوده وأن يتحقق من أقواله . ويظل مقتنعا بأهمية السلم الاجتماعي وما يتطلبه من مهارات النهوض بسياسة البلد وترجمة دستورها تطبيقا وعملا . وتنمية اقتصادها ورقي تعليمها وضمان غذائها وبخدمات تحقق السلامة الصحية بدنيا ونفسيا لكل فئات الشعب الذي صار يبحث عن مستشفى حضاري لعلاج إحباطاته . وهو لم يعد يرضى الخذلان وفرض أنماط جديدة من السلوكيات البائسة . إن الإخلاص للبرنامج الانتخابي والوفاء بالوعود . هو أضعف متطلبات رعاية شؤون الأمة والوفاء بالعقد الاجتماعي بين طرفيها . وأي موقف من أية حكومة لها سجية الذنب والخطأ وصفة الضعف وتستأثر بالأنا والانتصار للنفس واتهام الآخر . هي حكومة تمارس لعبة الانحناء للعاصفة حتى تمر , أو تنافق وتنبطح طيلة سنوات مسؤوليتها , وينطبق عليها قول النبي ( ص ) : سيأتي على الناس سنوات خداعات . يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة . قيل وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ( رواه الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع ? 3650 - وبعد الوعود الانتخابية . لم تعد تجدي الشعارات لمقاومة الفساد?,? و لا تكفي لمحاربته الخطب أو لغة الكلام?,? كل ذلك لم يعد صالحا لمقاومته?,? بل كلما زادت لغة الكلام والشعارات استقبلها الرأي العام بالاستخفاف والاستهجان?,? واعتبر ذلك نوعا من الإسقاط والاستهلاك والتخدير?,? لهذا نقول بأن الطريق الأفضل لمكافحة الفساد وإن كان يتوقف على التحريات والتشريعات والمحاكمات مهما بلغت شدتها . فإن ذلك يبقى في حالات بعينها تخضع لمجهودات فردية تعتريها ثغرات منها الانتقائية أو تصفية حسابات أو در الرماد على العيون . بل لا بد من وضع سياسات تقوم على منع حدوث الفساد والكشف عنه قبل حدوثه والترويج لثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال الآليات التي حددها الدستور المغربي على الأقل وخاصة منها المجلس الأعلى للحسابات ? المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ? مؤسسة الوسيط ( طبقا للفصل 162 من الدستور ) ? مجلس المنافسة ? الهيئة المركزية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ( الفصل 167 ) ? المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ( 168 ) إلى جانب القضاء النزيه والحكم العادل . وهو ما نبحث عنه في ركن المتغيبين بدون طائل إن ما ينبغي أن يربط بين هذه المؤسسات عند تفعيلها قانونيا . هو التنسيق لمنع الفساد والتخطيط لمواجهته والجرأة في تنفيذ هذا الالتزام الذي هو على عاتق كل هيئة حتى لا يبقى كل طرف يرمي بالكرة للطرف الثاني والفساد يستمر في الاتساع ويعشش في كل الأركان . وقد يدفع عدم الوفاء بالالتزام ? كما عدم الوفاء بالوعود ? إلى أن يصبح أمر محاربة الفساد في خبر كان وتبقى دار لقمان على حالها ويكون المغرب قد خسر سنوات أخرى من عمره السياسي . كما خسرها من عمره الرياضي وعمره الثقافي وعمره الاقتصادي و..و.. و .. إن الحكومة اليوم تقف في مفترق الطرق . فيما يتعلق بمحاربة الفساد كما في كل المجالات . فأي طريق سيجرفها ؟ وما هي نهايته ؟