كانت منطقة ابن امسيك، إحدى قلاع المقاومة ومعقل المناضلين في جغرافيا الدارالبيضاء يوم السبت الأخير، على موعد مع إحدى أعرق الفرق الغنائية المغربية. وهي فرقة «جيل جيلالة»، حيث صدح صوت مولاي الطاهر الأصبهاني وعبد الكريم قصبجي رفقة سعيد وسمحمد بأحلى نوسطالجيا.. جعلت المطر الهاطل في تلك الليلة دافئاً على ما يزيد عن 50 ألف متفرج، رددوا جميعاً، «العيون عينيا والساقية الحمرا ليا».. وعرجوا على أغنية «شاعر الحمرا» الزجال شهر مان بأغنية «لكلام لمرصع فقد المذاق»، قبل أن تنتقل الأصوات الحاضرة رفقة «جيل جيلالة» إلى غور التراث والتراب الوطنيين ليوقدوا «الشمعة» لتضيء الأمسية بهاء. قطار النوستالجيا التي تغنى بها الجمهور رفقة فرقته الرائدة «جيل جلالة» لم يقف عند المحطات الغنائية الرائعة، بل سيمتد إلى «الواد» الأغنية التي تنعش الأمل في النفوس والأرواح في غد أفضل.. ألم يقل «جيل جيلالة» في «الواد» :« مازال تدور الدورة، وتعد القمحة مطمورة، مازال يعم الخير..» وكأن الجميع يحتفي التساقطات المطرية الأولى التي عمت المغرب في تلك الأمسية.. ميلود مسناوة، كان كالأغنية التي رددها معه الجمهور الحاضر في فضاء »أفريقيا« يحلق كالنسر مع الجمهور ليأخذه إلى «تيرس» الشاوية، لنبش أرض الأسلاف والتغني بملحمة «حمادي»، الذي واجه «غزاة» البلاد فقط على متن «بغلة»، ستعود وحيدة ذات يوم إلى الدوار، بعد أن استشهد صاحبها محارباً من أجل الشرف. صوت ميلود سينشد ملحمة أخرى، وهو يمتطي صهوة «عَوْدي لزرك»، ليقف عند «امحمد»، الذي ستوحد دماؤه قبائل الشاوية لتحرير أرضها وتثأر لفارسها.. هذا الحفل الذي زادته رذاذات المطر جمالا، كان هو مسك ختام مهرجان ابن امسيك الثاني، الذي شاركت فيه أيضاً المطربة الشعبية «الداودية» بأغان من الفن الشعبي تفاعل معها الجمهور الحاضر بشكل لافت يؤكد مكانتها في قلوب الجمهور المغربي. وكان هذا الحفل قد افتتحته فرقة اعبيدات الرمى، ليسدل الستار على ثاني مهرجان ثقافي بهذه المنطقة الذي نظم هذه السنة تحت شعار: «فضاءات القرب رهان المستقبل»، حيث تم خلاله تدشين مجموعة من مكتبات القرب ومركب رياضي، ومنشآت أخرى تعنى بالقرب، بالإضافة إلى تدشين ملحقة المدرسة العليا للفنون الجميلة. وشهدت أيام المهرجان، أنشطة تربوية وعروضا مسرحية ومسابقات ثقافية ودينية ودوريات في كرة القدم والشطرنج والمسايفة ومعارض صور ورسوم وغيرها.