كانت الدبلوماسية دائما من اختصاص «»الدول الكبرى»« وشكلا آخر لإبراز قوتها العسكرية. بعض الدول الصغيرة تخرج عن هذه القاعدة دول صغيرة الحجم، مرنة، فعالة، ومحايدة قادرة على لعب أدوار مهمة في أوضاع وملفات حارقة وصعبة. مع دولة قطر نقف أمام شكل جديد ومبتكر للدبلوماسية, دبلوماسية ترتكز على ثروة ضخمة ولا محدودة تقريبا لاسيما في زمن الأزمة الاقتصادية، لتصبح سلاحا لا يقاوم .من يستطيع الوقوف في وجه هذا السلاح؟ الإعلام ..أن تتوفر على قوة سلاح ضاربة مثل قناة »»الجزيرة»« يعني أنك تصبح فاعلا قادرا على تجاوز الحكومات والتحدث مباشرة مع الشعوب، أسلوب يسميه الانجلو ساكسونيون »السلطة الناعمة« لوصف مثل هذا النوع من القوة السياسية الموجهة للاستحواذ وشد العقول أكثر من الإكراه, لأنه في النهاية هذا هو الرهان. دبلوماسية قطر نجحت بشكل جيد في استعمال وتوظيف المسالك والشبكات التي تحدد العالم المعاصر، المال، وسائل الاعلام، الرياضة، الترفيه أيضا مسالك الفن والمعرفة. هي ليست عملية احسانية, ليس فقط في فرنسا أو في غيرها من الدول التي تنشر فيها قطر استثماراتها .أن تقرر قطر الاستثمار في الضواحي الفرنسية هكذا مكان الدولة العاجزة ماليا أمر يستحق طرح السؤال. ماهي الاجراءات العملية لمثل هذا التدخل والمقابل المحتمل؟ ماهي المراحل المقبلة بعدما قبلت دولة كفرنسا أن تتكفل دولة أجنبية بجزء من التزاماتها السيادية؟ هناك خليط من روائح الغموض وأسرار الدولة. قطر الغنية تستثمر في كل شيء بفضل التسهيلات الضريبية التي تستفيد منها، هذه الإمارة الصغيرة تتوفرعلى أحد أهم دخل فردي في العالم، وتستثمر كل سنة ما بين 15 إلى 25 مليار أورو خارج حدودها، لاسيما في فرنسا (حوالي مليار أورو سنوياً)، حيث تهتم بكل الميادين من الاستثمار في أهم وأكبر الشركات المدرجة في بورصة باريس إلى مجال العقار، مروراً بالرياضة ووسائل الاعلام. قطرتتواجد حالياً في رأسمال العديد من الشركات الفرنسية المرموقة في مؤشر cac40 ببورصة باريس: (1% من رأس مال سويس، 5% في شركة فيولبا، 8% في فانشي...). ويوضح وسيط يعرف جيداً القطريين قائلا» »مشاركاتهم تتغير حسب الظروف, مرة تكون اقتصادية خالصة ومرة أخرى تكون دبلوماسية»«، وكمثال ملموس، شركة »»فيوليا«« موزع الماء الصالح للشرب على الجماعات الترابية، «»شبكة العلاقات مع المنتخبين المحليين هي التي أقنعت قطر بالاستثمار في مجموعة فيوليا«« وتبقى أكبر مساهمة لقطر هي 12.8% من رأس مال مجموعة» »لاغاردير» وهي النسبة التي تجعل من قطر أكبر مساهم، لكنها مساهمة لا تسمح لها مع ذلك بالتأثير في مجموعة «EADAS» العسكرية الاستراتيجية (شركة لاغادير تساهم ب 7,5% في رأسمال EADS)، وذلك بسبب القوانين الأساسية لشركة لاغاردير، والتي تعطي لرئيسها أرنو لاغاردير سلطة واسعة رغم أن نصيبه في رأس المال أقل من القطريين (9,6). لكن هذه المساهمة ليست فقط لخلق التوازن، فعندما يتعلق الأمر بإقامة شركات مشتركة للفوز بعقود في الشرق الأوسط تتغير القيادة وميزان القوة، حيث يصبح القطريون يسيطرون على 51% من رأس المال, أما الشركاء الفرنسيون فيتحكمون في 49%، وهذا الأمر ينطبق على مجموعة »»بوبغ»« المنخرطة في أوراش كأس العالم 2022 بقطر (تسعة ملاعب بكلفة 230 مليون أورو للواحد)، أو مجموعة فانشي المكلفة بإنشاء جسر بطول 40 كلم بين قطر والبحرين. أوراش ضخمة في الأفق، وأيضاً نقل للتكنولوجيا والخبرة ويلخص أحد المهتمين قائلا» »قطر مثل دجاجة تبيض ذهباً، وكل شيء يمر مثل رسالة عبر البريد«« أمر يأسف له أحد رجال الأعمال، قائلا« قطر تحظى بالأولوية في كل الصفقات«، تخوف ينفيه أحد القادة الفرنسيين، قائلا »إنهم لا يشترون سوى النفوذ«. قطر التي تستفيد أيضا من إعفاءات ضريبية مهمة على أرباحها العقارية (وضع استثنائي منحه ساركوزي للاستثمارات القطرية في بداية ولايته)، اختارت الاستثمار في العقار وآخر الصفقات التي أنجزتها في نهاية يونيه: فندق »مارتينيز« في كان، لاكونكورد، لافاييت وفندق لوفر بباريس وفندق الاميديتيراني بمدينة نيس، أربعة فنادق فخمة تنضاف إلى العقارات الأخرى التي سبق شراؤها في العاصمة: فندق روايال مونسو، فندق لامبير، مركز المؤتمرات كليبير، فندق إيفرو، مبنى فيرجين بالشانزليزيه، والمركز التجاري إليزيه 26، وفندق كارلتون بمدينة كان، أي مجموعة عقارات تتراوح قيمتها ما بين 2,5 و 3 مليار أورو. قصة العشق بين قطر ورياضة كرة القدم قديمة، يمكن إحصاء الكثير من اللاعبين الذين أنهوا مسارهم الرياضي في أوربا ويحاولون اللعب للمرة الأخيرة في قطر من أجل فرصة أخيرة لكسب المال. لكن القطريين الذين يعرفون جيداً القوة الإعلامية للعبة كرة القدم، قرروا الانتقال إلى السرعة القصوى والإنفاق بدون حدود، وقد بلغوا أول أهدافهم. فقطر ستنظم كأس العالم 2022، وهو أمر فاجأ الجميع. ويقال بأن زين الدين زيدان حصل على 11 مليون أورو لدعم ترشيح قطر. والهدف الثاني كان هو التغلغل في أوربا. لكن القطريين لا يكتفون فقط بجلب لاعبين وصلوا مرحلة التقاعد، فهم يريدون كذلك شراء أندية في القارة العجوز بهدف التربع على عرش هذه الرياضة. في ماي 2011، انتقل نادي مالقة الى ملكية قطر، وفي يوليوز 2011، جاء دور باري سان جيرمان، حيث اشترى صندوق قطر للاستثمار الرياضي الذي يرأسه ولي العهد تميم بن حمد آل ثان، النادي الباريسي بمبلغ 50 مليون أورو، وفي ظرف سنة، أشعل سوق انتقالات اللاعبين( 217 مليون أورو لشراء خدمات 15 لاعبا آخرهم اللاعب زلاتان ابراهيموفيتش بأجر خيالي يصل الى 14 مليون صافية في السنة، شيء غير مسبوق في فرنسا. ويجري حالياً التحضير لتوقيع عقد استشهار مع بنك قطري بقيمة 100 مليون أورو سنويا)، صندوق الاستثمار الرياضي القطري اشترى أيضاً هذا الصيف فرع كرة اليد بالنادي الباريسي، وأجور وانتقالات لاعبي كرة اليد ليست سوى فتات بالنسبة للصندوق القطري. شارل بيتري المشرف على الاستثمارات السمعية البصرية لقطر في فرنسا أشار في معرض تقديم المخطط الاستثماري لقنوات باين سبورت 1 و 2 أن «»رقم 4 ملايين مشترك ليس رقما بليداً«« لكن الرهان يبقى صعباً, فالرجل لم يصل رقم 4 ملايين مشترك. القنوات التي أطلقت في يونيو الماضي مع منافسات كأس أوربا للأمم (التي تمتلك كامل حقوق بثها)، والتي كانت مجانية لمدة 3 أشهر، لا يتعدى عدد منخرطيها اليوم 600 ألف. وحسب تقارير المحللين الماليين، فإن قنوات باين لن تصل مستوى التوازن المالي. وقد تصل في حدود 2016 الى 1,5 مليون منخرط في أحسن الأحوال، بخسارة مالية قد تصل 580 مليون أورو. هل هو استثمار خاسر مقصود؟ في كل الأحوال هي خسارة يبدو أن رئيس قنوات باين سبورت وفريق باري سان جيرمان ناصر الخليفي لا يهتم لها. وكما أنفق لجلب العديد من النجوم الى النادي الباريسي، أنفق أكثر من ذلك في حقوق البث الرياضي (400 مليون أورو في حقوق بث جزء من البطولة الاحترافية الفرنسية وعصبة الأبطال إلى حد إثارة قلق كانال + وخوف عالم السينما الفرنسية الذي تبقى صحته رهينة بصحة مالك القناة المشفرة.