طفا النقاش حول الإساءة إلى الأديان وإلى الرموز الدينية وتحديدا استهداف الإسلام من جديد على الساحة العربية والدولية، خلال الأيام الأخيرة وذلك بسبب فيلم أنتجه أمريكي يهودي حمل اسم "براءة المسلمين" تم من خلاله تصريف حقد أعمى ودفين ضد الرسول محمد (ص) وضد المسلمين عموما، ولم تهدأ شرارة الغضب والاحتجاج حتى بادرت أسبوعية فرنسية ساخرة هي "شارلي ايبدو" الأربعاء الأخير إلى نشر رسوم كاريكاتورية تمشي في نفس الاتجاه وذلك عن سبق إصرار وترصد تحت مبرر حرية التعبير، وبيد الحالتين توسطت حالة أخرى قادمة من إيران، مفادها قرب عرض فيلم يتم فيه تجسيد شخصية نبي الإسلام، علما بأن هناك فتاوى دينية حرمت تجسيد الأنبياء والرسل والصحابة رضوان الله عليهم. هي فصول من "حرب" ليست وليدة اليوم بل هي طويلة الأمد، اتخذت أشكالا وصيغا مختلفة، ساهم في سيناريوهاتها يهود تارة، ونصارى تارة أخرى، كما كان لبعض الشيعة كذلك نصيب فيها، والأكثر من ذلك أن أشخاصا ينتسبون للإسلام ب "الفطرة" ساروا على نفس المنوال، ورفعوا شعار جميعا من أجل الإساءة للإسلام ورموزه في كل مرة تنطلق فيها شرارة الغضب وكأن المسلمين هم على موعد مستمر في الزمان متنوع/متعدد في المكان مع فصول الإساءة إليهم، وذلك عبر مس عقيدتهم ومحاولة تشويه رموزها، تصريحات، رسوم، أفلام .. تعددت الوسائل والغاية واحدة تصريف الحقد ضد الدين الإسلامي وإظهار هذه العقيدة والمؤمنين بها في أبشع صورة وأقبح التجليات، والمؤسف أن بعض هذه المخططات تجد صداها ويسقط في براثن دسائسها البعض، فئة أولى بعفوية أو بسذاجة وثانية بنية مبيتة، بحيث يغيب الحوار وتحتجب أشكال الاحتجاج السلمية وتحل محلها لغة الدم وإزهاق الأرواح، مما يساهم في تقديم صورة مشوهة وغير حقيقة عن دين الاعتدال والتسامح والقبول بالغير والاختلاف، هذه القيم التي يجب الدفاع عنها بأساليب حضارية وبأشكال احتجاجية قوية في الدلالات والمعاني لافي الغلو والتطرف، وما حادث مقتل السفير الأمريكي في ليبيا وبعض الدبلوماسيين، ومقتل مواطنين آخرين بأقطار أخرى، لخير دليل وشاهد على الصورة السلبية التي يحاول البعض ترويجها عن الإسلام، بحيث أفلح "المحتجون" في الإساءة للإسلام أكثر ما نجح فيه الفيلم مثار الانتقاد نفسه، والذي يؤكد عدد من المتتبعين بأنه فشل في مخططه بالنظر إلى الإقبال الكبير على اقتناء المصاحف عبر العالم من طرف غير المسلمين واتساع دائرة البحث بشكل أكثر من أجل اكتشاف هذا الدين وسيرة نبيه اللذان استهدفا ! من الكبسولة إلى الفيلم أيام معدودة على نشر كبسولة "براءة المسلمين" على موقع "يوتوب" بالانجليزية وأخرى مترجمة إلى العربية، والتي أججت نيران الغضب في صدور المسلمين شعبيا ورسميا، أدت إلى إصدار بيانات منددة، داعية إلى احترام الأديان وتوقير رموزها، وعدم تجاوز الخطوط الحمراء، في حين صدرت بالمقابل فتاوى "دينية" باسم "الاسلام" تهدر دماء الممثلين والمخرج والمنتج وكل من تبث عزمه ونيته في الإساءة إلى الرسول محمد (ص) وإلى الدين الإسلامي والمسلمين، خرج مخرج إيراني للحديث عن فيلم سيرى النور قريبا يعرف تجسيد شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، في عز فورة الغضب كمن يصب النار على الزيت، وهو الخبر الذي وإن كان قاسيا على البعض إلا أنه لم يكن بقوة الكبسولة الأمريكية/اليهودية، على اعتبار أن حرب الشيعة والسنة السينمائية كانت قد انطلقت منذ مدة من خلال تجسيد دور نبي الله يوسف عليه السلام، مرورا بآخر إنتاج تلفزي تم بثه خلال شهر رمضان الأخير ويتعلق الأمر بمسلسل عمر بن الخطاب، الذي عرف تجسيد ممثل سوري لشخصية هذا الصحابي إلى جانب تجسيد شخصية كل من أبو بكر الصديق (ض) وعلي بن ابي طالب كرّم الله وجهه، الأمر الذي تبين معه أن حرب الانتاجات لن تضع أوزارها بل ستتواصل وإن لم يكن أحد يتوقع توقيتها الذي جاء مفاجئا ومتزامنا مع إساءة غربية، لم تقف بدورها عند حدود الفيلم القصير بل تجاوزتها إلى الورق، حيث أصدرت أسبوعية فرنسية ساخرة "شارلي ايبدو" رسوما كاريكاتورية بنفس الحمولة القدحية ضد الإسلام وضد شخص الرسول محمد (ص)، رغبة من أصحابها في تحقيق سقف عالي للمبيعات على حساب احترام الأديان تحت مبرر حرية التعبير. إساءة "ذوي القربى" الإساءة إلى رسول الله محمد، الطعن في شرف أهل البيت، تبخيس النسب، التشكيك في العقيدة، زواج المتعة ... وأشياء أخرى، أصحابها ومروجوها والدعاة إليها هم من "المقربين" والمقصود بذلك بعض الشيعة الذين حولوا الأمر إلى حرب عقدية لا إلى صراعات طائفية، قالوا ويقولون في الرسول (ص) وفي الإسلام ما لم يقله مالك، وأساؤوا إليه تلميحا وتصريحا، وفي الكتب والمراجع التي تحولت إلى مرتكزات أساسية وأدوات حربية في يد نصارى، ويهود وملحدين ... من أجل استعمالها بدورهم في الإساءة إلى الإسلام الذي شحذت سيوف الغل والحقد والتطرف من أجل محاولة زعزعته واستهدافه، وذلك عبر محطات تاريخية ليست وليدة هذا القرن أو هذه العشرية الأخيرة آو الألفية الثانية لوحدها، إنما يشهد التاريخ على فصول كثيرة منها لم تستطع النيل من ديانة مليار ونصف المليار إنسان على وجه الكرة الأرضية. بين الدين والسياسة لم ينس المتتبعون تصريحات احد نواب الحزب الشعبي ويدعى "مارتين هنريكسن" الذي اعتبر فيه أن الإسلام دين يهدد العالم، وهو التصريح الذي نشرته جريدة "بيرلنسكة يتذته" وقام نشره المعني بالامر على موقعه الالكتروني، مضيفا بان " الإسلام منذ بداياته كان عبارة عن شبكة إرهابية، وبأن المسلمين والإسلام يتربصون بالحضارة الغربية لكي ينقضوا عليها، حينما يملكون التطور العسكري الكافي..." وعلى نفس منواله سارت نائبة عن نفس الحزب تدعى "لويسة فيفرش" التي وصفت المسلمين بكونهم "غدة سرطانية". تصريح آخر هو ل "روبرت دورنان" العضو بالحزب الجمهوري الأمريكي الذي صرح في 2003 بأن "الجانب المظلم من الإسلام شكل مشكلة لألف وأربعمائة عام"/ منتقدا الرسول محمد (ص) في حوار مع شبكة "سى إن إن" الأمريكية. هذا في الوقت الذي اعتبر فيه "بيتر كينج" عضو مجلس النواب الأمريكي الجمهوري عن ولاية نيويورك في تصريح له في سنة 2004 عن كون " 85% من قادة المسلمين الأمريكيين هم أعداء يعيشون بيننا"، وذلك خلال برنامج إذاعي للمذيع "شون هانيتي" وهو مقدم برامج معروف بقناة "فوكس نيوز الأمريكية". خلال سنة 2007، كان المسلمون على موعد مع إساءة هولندية جديدة للإسلام، حيث أقدم السياسي اليميني المتطرف "خيرت فيلدرز" زعيم حزب "من أجل الحرية" على المطالبة بحظر القرآن في هولندا بدعوى تعارضه مع القانون، ودعا المسلمين في هولندا لتمزيق نصف القرآن إذا أرادوا البقاء، كما اتهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ب"الإرهاب". وصف "فيلدرز" الإسلام بأنه "شيطاني ونعته كذلك بالدين العنيف"، قائلا إنه "ايديولوجيا فاشية غير متسامحة"، ولم يقف عند هذا الحد بل طالب بفرض ما أسماها "ضريبة الخرق البالية" على من ترتدي الحجاب الإسلامي، وأطلق على المسلمين في هولندا تعبير "المستوطنين"، الذين يسعون إلى "تحويل هولندا إلى مقاطعة من مقاطعات الدولة الإسلامية الكبرى". رجال الدين بدورهم ترجموا العداء للإسلام ولقيت تصريحات عدد منهم انتقادات واسعة، كما هو الحال بالنسبة لتصريحات بابا الفاتيكان "بينديكت السادس عشر" خلال تجمع ديني ضم ما يزيد على 200 ألف شخص خلال زيارته لمدينة ألمانية، حيث قال في مقارنة ما بين فكرة الخالق في المسيحية والإسلام " إن الله في الدين الإسلامي مطلق السمو زاعما أن مشيئته لا ترتبط بالعقل"، مضيفا "لن يجد الإنسان في الدين الذي جاء به محمد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحدِّ السيف"! استهداف متواصل في سنة 2004، قام المخرج الهولندي "ثيو فان غوخ" المعروف بالتهجم الصريح على الإسلام بإخراج فيلم قصير بعنوان "الخضوع" اتهم فيه الإسلام بالدعوة إلى إساءة معاملة المرأة والحض على معاملتها بالعنف وربط ذلك بنصوص من القرآن الكريم. وتم عرض الفيلم في 29 غشت 2004 على شبكة تلفزيونية ليبرالية في هولندا، وظهر في الفيلم مجموعة من النساء اللواتي كن يتحدثن عن عمليات اغتصاب بالقوة وضرب تعرضن لها من قبل أقاربهن، واستعمل غوخ طريقة غير مقبولة للاستهزاء بالدين الإسلام والقرآن، في محاولته ربط ظاهرة العنف العائلي بتعاليم الدين الإسلامي، حسب زعمه، حيث أظهر أربعة نساء شبه عاريات وقد كتب على أجسادهن التي تظهر عليها آثار تعذيب، آيات من القرآن. وكان سيناريو الفيلم قد تم تأليفه من طرف النائبة الهولندية من أصل صومالي "آيان هيرسي" التي ارتدت عن الإسلام سنة 2001 وهاجمت القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه سلم. وخلال سنة 2006 أقدم مستوطنون يهود على كتابة عبارات ورسوم مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم على حائط أحد المساجد بقرية "النبي إلياس" شرق مدينة قلقيلية بالضفة الغربية، مستعملين أداة رش في رسم تلك الكتابات والرسوم على الحائط، إلا أن الجنود أزالوها في وقت لاحق، في الوقت الذي عبر فيه السكان عن استنكارهم حينما توجهوا إلى المسجد لأداء لصلاة الفجر، وعاينوا تلك الكتابات بالخط الأحمر إلى جانب رسم لنجمة داود على حائط المسجد. وفي نفس السنة تعرضت مقابر للمسلمين في "الدانمارك" للاعتداء على يد مجهولين قاموا بتحطيم شواهدها، حيث أكّد نائب مدير شرطة مدينة "إزبيه" بجزيرة "يولاند" بغرب "الدانمارك" للإذاعة الدانماركية بأن " 25 قبرا لمسلمين تعرضت للاعتداء من قبل مجهولين قاموا بتحطيم شواهد هذه القبور". وقبل ذلك وفي سنة 2001 كانت وزارة الخارجية اليابانية قد أعربت عن أسف الحكومة اليابانية لحادثة تمزيق المصحف الشريف ورميه في مقاطعة" توياما"، وأكدت احترامها للمشاعر الدينية للمسلمين، وكانت هذه الحادثة قد دفعت بالمئات من الباكستانيين المقيمين في اليابان إلى تنظيم مظاهرة أمام مركز للشرطة في مقاطعة "توياما"، احتجاجا على إقدام بعض اليابانيين على تمزيق عدد من المصاحف مؤخرا.? حالة العداء للإسلام والمسلمين عبر العالم ارتفعت حدتها على الخصوص بعد أحداث 11 شتنبر، وزادت، بحسب العديد من المهتمين حالة التعبئة العامة من قبل اللوبي اليميني المتطرف والصهيوني ضد كل ما هو إسلامي، وبلغت مداها عندما أعلنت صحيفة (بيلاندز بوستن) عن مسابقة في الكاريكاتير، وتم اختيار اثنى عشر رسما كاريكاتوريا كلها تسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تصدرها واحد مزعوم لرسول الله وهو يضع على رأسه عمامة على شكل قنبلة شديدة الانفجار. وقد احدث نشر هذه الرسوم ردود فعل غاضبة من أبناء الأقلية المسلمة في الدانمارك، واتصل قادة الجالية المسلمة بالصحيفة للاعتذار، معتبرين ان هذا الأمر يسيء للمسلمين ولمقدساتهم ولرسول الله ، وبأنه نوع من التمييز ضد فئة وجالية من أبناء الوطن، وعنصرية مقيتة، قد تشجع على استهداف المسلمين وممتلكاتهم وأرواحهم، ولكن الجريدة أصرت على النشر، ورفضت الاعتذار، بل اعتبرت الرسوم الكاريكاتيرية لرسول الله شكلا من أشكال الحرية وتعدد الآراء. القس الأمريكي "تيري جونز" خلق بدوره ضجة إعلامية سنة 2010 وذلك بعد إطلاقه لتهديدات بحرق القرءان الكريم، وهي الدعوة التي رفها وندد بها المسلمون والمسيحيون على حد سواء، حيث نعت من طرف "أبناء جلدته" بالتطرف، وكرد فعل عن ذلك صرّح رئيس الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية بأنه "على أي مسلم في أي جزء من أجزاء العالم، أن يعرف أن هذه الأصوات النشاز لا تمثل أمريكا، ولا تمثل المسيحية أو اليهودية". أحكام ضد استهداف الإسلام ورموزه قضت مؤخرا محكمة جنح سوهاج بمجمع محاكم سوهاج بمصر بإدانة قبطي توبع بتهمة الإساءة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعقوبة حبسية مدتها 6 سنوات سجنا. المسيحي المحكوم كان وفقا لصك الاتهام والمتابعة قد عمل على الإساءة لشخص الرسول (ص) على الصفحة الخاصة لمواطن مسلم عبر الشبكة العنكبوتية، وبعد التحريات التي باشرتها السلطات الأمنية تبين أن المعني بالأمر يدرس اللغة الانجليزية وكان يرسل صورا مسيئة على صفحة مهندس زراعي. وبالمغرب قضت المحكمة الزجرية الابتدائية بالدارالبيضاء بحبس متهم بازدراء الدين الإسلامي 5 سنوات سجنا نافذة وغرامة قدرها 500 درهم، حيث قام المعني بالأمر بنشر مجموعة من الصور المسيئة للرسول محمد (ص) على "الفايسبوك"، وتمكنت المصالح الأمنية من ضبط هذه الصور والاهتداء إلى تحديد هوية صاحبها، فتم إيقافه لتبين أن المعني بالأمر قام كذلك بأعمال للنصب والاحتيال! القانون لتجريم الإساءة ردود الفعل الرسمية والشعبية حيال حالات الإساءة للدين الإسلامي دفعت غير ما مرة إلى المطالبة بإحداث ميثاق دولي يجرم الإساءة للأديان السماوية، وكافة الرموز الدينية للحيلولة دون تكرار مثل هذه الخطوات المهددة للأمن والاستقرار والمستفزة لشعور المستهدفين، ويتذكر الجميع إعلان الدوحة في سنة 2006 الذي قام بتجريم الإساءة إلى الأديان ودعا إلى احترام الرموز الدينية، كواحدة من مجموعة دعوات مماثلة رافضة لمثل هذه السلوكات المتطرفة، وكان البيان السالف ذكره قد عبر عن الأسف الشديد للإساءة البالغة لنشر الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أعرب في الوقت نفسه عن الأسف للضحايا الذين فقدوا حياتهم خلال الاحتجاجات التي شهدتها بعض الدول الإسلامية والأضرار التي لحقت بالممتلكات العامة، ليتبين الشبه الكبير بين احداث اليوم بأحداث الأمس. وعبرت عدة تنظيمات من مختلف المشارب على الصعيد الإسلامي والعالمي ومن كافة الديانات عن احترام الحق العالمي في حرية التعبير على أن يتم التعامل معه بمسؤولية وتجنب استعماله كذريعة للتحريض على الحقد أو العنف أو اهانة المعتقدات الدينية، مشددة بالمقابل على ضرورة ضبط النفس في كل أشكال الرد على تلك الإساءات المتكررة، وعدم الانجراف وراء التعصب الأعمي، الذي يؤدي لارتكاب الأفعال التي تسئ للشريعة الإسلامية السمحة، مع الانتباه والحيطة من محاولة عدد من التيارات المتشددة في مختلف دول العالم الإسلامي، لاستغلال الحدث سياسيا، محذرة في ذات الوقت من الإساءة للأديان السماوية الأخرى، وهو ما يؤدي لنشر الفتنة وتفرقة أبناء الوطن الواحد.