تتخوف النساء في تونس من التراجع عن الحقوق التي يتمتعن بها ، وهي حقوق »»استثنائية»« في العالم العربي، خاصة و أن تساهل حكومة حمادي جبالي تجاه ممارسات السلفيين تثير أعصابهن... هل النساء هن مستقبل تونس؟ «»نعم، ولكن هذا هو نوع الشعار الذي أتحاشا أمام زملائي الإسلاميين في النهضة«« تجيب سلمى مبروك ضاحكة، يوم 14 يناير 2011 عندما هرب الرئيس السابق بن علي، قررت سلمى تعليق أنشطتها كطبيبة لدخول غمار السياسة، فهي واحدة من نائبات حزب التكتل السبعة عشر في المجلس التأسيسي المنتخب يوم 23 أكتوبر 2011، حزب التكتل (وسط يسار) تحالف مع حزب النهضة، وتعترف سلمى أن هذا التحالف يثير في بعض الأحيان أعصابها. سلمى هي أيضا واحدة من 22 عضوا في لجنة الحقوق والحريات التي أعدت الشهر الماضي مشروع فصل قانوني مثير للجدل لأنه غير مبدأ »المساواة« بين الجنسين بلفظي «»التكامل»« في قصر باردو مقر الجمعية التأسيسية. في الغالب الشيطان يختبئ في التفاصيل. في تونس النساء يتمتعن بحقوق استثنائية في العالم العربي منذ إعلان مدونة الأحوال الشخصية سنة 1956 في عهد الحبيب بورقيبة, الذي ألغى تعدد الزوجات وفرض مسطرة قضائية للطلاق وسمح بالزواج فقط بالموافقة المتبادلة بين الزوجين. مكتسبات تهم المقدس، وتلاحظ لبنى جريبي وهي نائبة عن حزب التكتل كذلك, أن »الإسلاميين يقدمون أنفسهم كرواد لمبدأ المساواة بين الجنسين، ولكن من الواضح أن المرأة في نظرهم لا تحدد إلا بالمقارنة مع الرجل ولا توجد خارج العائلة«« وبعد محاولات التنصيص على الشريعة في ديباجة مشروع الدستور والعنف المتواتر لمجموعات سلفية توجهها قوى ظلامية، كان مشروع الفصل 28 النقطة التي أفاضت الكأس. يوم 13 غشت، نزل آلاف التونسيين وأغلبهم من النساءالى الشارع للمطالبة بإسقاط هذا الفصل وكانت هذه المظاهرة من أهم وأكبر المظاهرات التي عاشتها تونس بعد سقوط نظام بن علي. المحامية والنائبة الإسلامية فريدة لعبيدي، التي كانت وراء الجدل، تجد صعوبة في توضيح الغموض، «أسيء فهمنا، تعبير التكامل يعني بكل بساطة أن العلاقات بين الرجال والنساء لا يجب أن تكون علاقات صدامية، النبي قال إن المرأة شقيقة للرجل. فلماذا نرفض مبادئ الإسلام؟«« فريدة التي تضع الحجاب لا تخفي غضبها «»يتهموننا بأننا نريد تقليص حقوق المرأة، ولكن نحن الإسلاميين عشنا الجحيم! طيلة 30 سنة منعنا من وضع الحجاب! ماذا كانت تفعل النساء الديمقراطيات؟ كن صامتات!«. المجلس التأسيسي أعطى لنفسه مدة سنة لإقرار قانون أساسي جديد يطمح إلى إعادة توحيد المجتمع التونسي، لكن في غياب توافق يبدو أنه من غير المرجح احترام أجل 23 أكتوبر المقبل. وفي قلب هذا الصراع، طبيعة لنظام الجديد: نظام برلماني بالنسبة للحزب الإسلامي الذي ينوي بذلك ترسيخ هيمنته، ونظام شبه رئاسي بالنسبة للمعارضين الذين يريدون توازنا للسلط. وحسب سلمى مبروك »»البرلمانيون الديمقراطيون قدموا الكثير من التنازلات، ولم يحققوا مكاسب سوى في فصل أو فصلين»« وتضيف بأسف «»غيابهم سهل مهمة النهضة«« منذ عدة أشهر يلقي الإسلاميون ببالونات، مشاريع قوانين أو مجرد إشاعات في محاولة للحد من حرية التعبير أو تحرير الدولة من تربية الأطفال أو تمكين المجلس الإسلامي الأعلى من سلطات حقيقية أو خلق هيئة مكلفة بإصدار الفتاوى. وتساهل حكومة حمادي جبالي تجاه السلفيين، الذين يكثفون من عمليات استعراض القوة دون عقاب، يزيد من توتر الأوضاع، وترى سلمى مبروك »أن التفسير المتفائل هو أن الإسلاميين يغازلون قواعدهم المحافظة في أفق الانتخابات المقررة السنة المقبلة، أما التفسير المتشائم فهو أنهم يؤمنون بذلك«. وحسب سلمى الأمور أخذت منحى جديا في يونيه الماضي, عندما هاجم السلفيون معرض» »ربيع الفنون»« بالمرسى »»طيلة يومين، اضطررنا لمناقشة مشروع قانون يجرم المساس بالمقدس»« ومرة أخرى لم تتم معاقبة المهاجمين. بالمقابل يواجه إثنان من الفنانين عقوبة السجن خمس سنوات بتهمة الإساءة للإسلام، وتعترف لبنى جريبي قائلة »»لابد من الصلابة للتوافق مع الإسلاميين, ومن الواضح أننا لا نتقاسم نفس المشروع المجتمعي. لا أعتقد أنهم يرغبون في إقامة دولة دينية، ولكن علينا أن نبقى يقظين ومواصلة الاحتراز«« أم زيد سيدة معروفة في تونس، فهي مناضلة معروفة في مجال حقوق الإنسان، ومعارضة بارزة لنظام بن علي وكاتبة مقالات وافتتاحيات شرسة، تتهم رئيس الدولة منصف المرزوقي ورئيس البرلمان مصطفى بن جعفر المتحالفين مع حزب النهضة بكونهما أعطيا »شيكا على بياض للإسلاميين». وتقول مشككة في التزام الإسلاميين بدولة القانون قائلة «و»ثقت بهم في البداية، اعتقدت أنهم أصبحوا براغماتيين، وعدونا بالتجربة التركية، لكنها تبدو لي تجربة أفغانية عندما أسمع هذا الطالباني المدعو صدوق شورو يستند إلى آية قرآية ليقترح معاقبة نقط المراقبة العشوائية بقطع أيدي من يقيموها!«. ومثل أم زيد ,يحس يهدى بن عاشور الذي كان رئيسا للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، يحس بالخيانة ويؤكد «»لدي عسر هضم فيما يتعلق بالمسائل الدينية، لا يمر يوم دون أن يخرج إمام تافه ويدعو إلى القتل أو يهاجم سلفيون النساء والفنانين ويفتون في الشريعة والحجاب أو تعدد الزوجات.. وفي نفس الوقت يتم تأجيل الإصلاحات إلى ما لا نهاية...» وأمام معارضة سياسية ضعيفة و منقسة، يبدو أن الإسلاميين يوجهون الأشياء، وتؤكد أم زيد قائلة: »إنهم يدفعون بقطعهم ويحاولون معرفة إلى أين بإمكانهم الوصول ,كل هذه الأمور تحزنني، ولكنها لا تقلقني فعلا لأن المجتمع التونسي لم يعد يتمكله الخوف, عندما حاولوا إقرار الشريعة في الدستور، ناضلنا طيلة أسابيع لمعارضتها ونجحنا في ذلك. ويجب الاعتراف بأن النساء كن في المقدمة. بورقيبة وبن علي استغلا النساء كواجهة ديمقراطية، ولكنهما تركا قنبلة ستنفجر في وجه كل الذين يريدون العودة إلى الوراء: إنها مدونة الأحوال الشخصية» وإقرار الدستور الجديد سيتطلب أغلبية الثلثين التي لا يمكن لحزب النهضة بلوغها إلا بدعم حزب التكتل وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يتزعمه منصف المرزوقي. لكن يامنة منيف لا تعول كثيرا على السياسيين المحكومين بمنطق انتخابوي وبعيد عن الواقع من أجل قلب الاتجاه. يامنة، وهي رئيسة مصلحة بالمستشفى الجامعي بتونس ورئيسة جمعية »»كلنا تونس«« والتي انضمت إلى التحالف من أجل نساء تونس التي تم الترخيص لها مؤخرا وهو التحالف الذي يحاول توحيد وجمع كل المنظمات النسائية ا لديمقراطية. مند سنة كشفت جمعية »»كلنا تونس»» من الأنشطة الثقافية والتربوية من أجل توعية ومصالحة المجتمع التونسي. والسلفيون لا يخيفون هذه المرأة الشابة، تحكي قائلة «قبل أسبوعين، نظمنا ورشة للرقص والمسرح لفائدة أطفال في إحدى القرى. حاولت عصابة من السلفيين عرقلة العرض, صمدنا وفي النهاية حضروا وشاهدوا العرض في هدوء» بالنسبة ليامنة »مسودة الدستور شيء فظيع من الناحية القانونية لكنها تبدئ تفاؤلا واضحا و تعول على »مقاومة المجتمع المدني والشباب والمدرسين والصحفيين والفنانين وبطبيعة الحال مقاومة النساء اللواتي أصبحنا رأس حربة هذه المقاومة, لأنهن هن أكبر الخاسرين أصبحنا سلطة مضادة حقيقية يتعين على حزب النهضة بالضرورة التفاهم معها«« عن الفيغارو بتصرف