نفس الخطاب، نفس التبريرات ونفس ردود الفعل عند وقوع الكوارث ببلادنا ، أكان الأمر يتعلق بحريق أو انهيار أو حادثة سير مفجعة. تعامل محتشم للإعلام الرسمي مع الحدث، أصوات تندد هنا وهناك عبر الجرائد الورقية والإلكترونية، تطمينات ووعود بفتح تحقيق في الموضوع ووعود بتقديم المتسببين في الفاجعة ( لم نرصد أية خلاصة لتقارير تم الوعد بها سابقا) ويطوى الملف، وكأن من قضى في تلك الفواجع قطط تائهة! غير أن ما أثارني فعلا تعبير يكاد لايخلو من لسان مسؤولينا بعد كل حادثة، وهو الإختباء وراء الألطاف الإلهية! فمن الألطاف الإلهية في كارثة حادثة سير مراكشورزازات الأخيرة، أن حافلة الركاب لم تستقر في عمق الوادي واكتفت بخمس دورات جانبية جنبتها صخرة دورات إضافية ليستقر عدد القتلى في 42 قتيلا في عين المكان! ومن الألطاف الإلهية في انهيارات المدينة القديمة بالدار البيضاء، أنه لم يكن هناك مارة وقت الحادثة وإلا كانت الحصيلة ثقيلة! ومن الألطاف الإلهية في حريق مكناس قبل سنوات أن النيران لم تصل الى حاويات المواد الكيماوية وإلا لكانت الكارثة! ومن الألطاف الالهية أيضا أن الجو كان ممطرا عندما انهارت صومعة مسجد البرادعيين قبل سنوات بمكناس أيضا وإلا لفاق عدد القتلى المائة! من الألطاف الالهية أن الوقت كان عطلة عندما انهارت المؤسسة التعليمية الخالية بخنيفرة! من الألطاف الالهية في حادث انهيار حضانة الأطفال بمدينة وجدة أنه تم إخلاء المكان قبيل الانهيار بقليل! من الألطاف الالهية في حادث انهيار قبة مسجد زايو أن الانهيار وقع فترة الاصلاح وليس فترة الصلاة! هكذا يجد المسؤولون في الألطاف الالهية متنفسا لتفادي الكوارث، هكذا يلطف الله بعباده درءا للمخاطر في الوقت الذي تحلل فيه البعض من مسؤوليته تجاه المواطنين حماية وحفظا لأرواحهم. نعم إن الله لطيف بعباده، لكن ألم يكن من الواجب، بل من المفروض أيضا أن يتحمل كل واحد مسؤوليته من موقعه قبل حدوث الكارثة؟ شخصيا أتساءل ماجدوى أن تتوفر إداراتنا ووزاراتنا وجماعاتنا على أقسام لمراقبة التعمير، المؤسسات المرتبطة بحفظ الصحة والغش، السلامة الطرقية، خلية الأزمة، لجان تحقيق، أقسام مراقبة النفقات.. واللائحة أطول من أن تحصر في سطور، جلها إن لم نقل كلها في عطالة ولا نسمع عنها شيئا إلا بعد أن تقع الواقعة التي ليست لوقعتها كاذبة، آنذاك يتحرك ممثلو هذه المصالح / المؤسسات في كل اتجاه وصوب، يبعثون من سباتهم السنوي، منهم من يبرر، وآخرون يحصون، ومنهم من يكتفي بالقول لولا الألطاف الإلهية لكانت الفاجعة! إنها سياسة «الحاضي الله»، والقضاء والقدر. إنها سياسة الهروب إلى الأمام واللغة الخشبية التي تطمس الحقائق وتبرئ من تسبب في الكارثة وإن ضمن مسؤوليته التقصيرية بشكل مباشر أو غير مباشر. مايشجع على تنامي هكذا سلوك أن المحاسبة غائبة هنا، فلاأحد يحاسب من قصر في عمله أو من تسبب بإهماله في وقوع الفاجعة كيفما كانت في حدود مسؤولياته. تبرير وحيد يمكن أن يفسر هذا التغاضي، فالخوف كل الخوف من أن يكشف التحقيق في إطار تسلسل منطقي عن مسؤولية من يحتل مناصب عليا وبالتالي لابد من الإلتفاف على الموضوع وفي أقصى الحالات تقديم أكباش فداء من صغار الموظفين كقرابين لإسكات أصوات المحتجين والمعارضين مادامت الألطاف الالهية قد قلصت من عدد الضحايا، أو لربما للمسؤولين عندنا «باريم خاص» للتعامل مع الكوارث قبل تحديد المسؤولية، قد يكون «باريم» القتلى هو الألف أو الألفين قبل تحريك مسطرة المحاسبة! من يدري؟