بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب, وجه العاهل المغربي محمد السادس خطاباً شديد اللهجة «ينعي» فيه لشعبه بصفة غير معهودة «نظامه التعليمي». وبعد تذكيره بدور الناشئة «كطاقة فاعلة في التنمية» أكد على واجب اعتبار التضامن داخل وبين الأجيال وسيلة لتكافؤ الفرص، وتكافؤ الفرص وسيلة للتوجيه المناسب حسب القدرات. كما لخص منظوره للمنظومة التعليمية المنشودة في اعتبار المساواة في الولوج لأسلاك التعليم بالمدرسة والجامعات ومراكز التكوين استثماراً وطنياً مربحاً. وبعد تشريحه للأوضاع القائمة, قال إنه لا ينبغي للمنظومة التعليمية أن «...تضمن فقط الولوج العادل والمنصف القائم على المساواة إلى المدرسة والجامعة لجميع أبنائنا، وإنما يتعين أن تخول لهم أيضاً الحق في الاستفادة من تعليم موفور الجدوى والجاذبية وملائم للحياة التي تنتظرهم». هذا الكلام ينبع من تصور قوامه التضامن كاستثمار مربح في التعليم، يؤسس لثورة الملك والشعب التي يفرضها بعالم اليوم التأهيل الضروري لمغرب اليوم، كما يبين فشل التعامل مع المنظومة التعليمية ككلفة ويعفي من الدخول في الجدل الذي يثيره الطرح العمودي لإشكالات مصيرية أفقية. بالمقابل، يفرض هذا الحديث على سائر الفرقاء، من أولياء وعاملين بقطاع التعليم وإداريين وسياسيين ونقابيين واقتصاديين وحتى من طلبة وتلاميذ، المساهمة في إيجاد الجواب المناسب على السؤال المناسب. ونظراً مرة أخرى لاحتمال تأويلات هذا القول المتعددة والمتنوعة والمتغيرة وأحياناً المتعارضة حسب المواقع والمصالح الفرعية، لا بد من اتخاذ المبادرات الاحترازية الضرورية في ضمان انسجامه مع الأفعال مستقبلاً، وبوضع مادة الخطاب الملكي الأخير على رأس قائمة الانشغالات الوطنية الراهنة كما هو مفروض بالملموس، لا بد من التجرد من الفيض العاطفي المتمثل إما في تمجيد الأقوال أو التشكيك فيها، مع التحلي بالموضوعية اللازمة في تشخيص الإشكاليات المطروحة أو الأحرى المساهمة في حلها. وسواء تعلق الأمر بالتخلي عن العاطفة أو باكتساب القدرات من مواقع عمودية على التعاطي مع الانتظارات والتطلعات الخاصة من منظور أفقي، فإنهما يستوجبان الاقتناع بجدواهما، وهذا ما يستدعي قبل طرح البديل عن الاختيارات السابقة إبراز اختلالاتها القابلة للتصحيح. بهذا الصدد، يجب الكشف عن جذور الانزلاقات بفحص مسبباتها التاريخية القديمة والمعاصرة. وتجنباً لحصر النقاش في المحافل الأكاديمية بشأن ملف يهم المجتمع برمته، يصح اعتماد منهجية زمنية عكسية يمثل فيها الحاصل المعيش أساس التحليل. من هنا تأخذ دراسة «البرنامج الاستعجالي 2008- 2012» الذي تبنته الحكومة السابقة من أجل «منح نفس جديد لإصلاح منظومة التربية والتكوين» بعد التنوير المناسب. البرنامج الحكومي الاستعجالي 2008-2012 يكتسي بالفعل صفة برنامج إنعاش الجثث! تبنت الحكومة البرنامج المذكور بعد إقرارها -الضمني على الأقل- بفشل الإصلاحات المعتمدة في إطار تفعيل ما سمي «بالميثاق الوطني للتربية والتكوين» ابتداء من 2000؛ ولقد رصدت له ميزانية هائلة بالنظر للإمكانيات المتوفرة (43 مليار درهم). وفي الخطاب الملكي المحال عليه في هذا المقال قيم هذا البرنامج تقييماً قاسياً، فلقد دعا صاحب الجلالة محمد السادس، تعقيباً على حصيلته، إلى «إعادة النظر في مقاربتنا وفي الطرق المتبعة في المدرسة للانتقال من منطق تربوي يرتكز على المدرس وأدائه والاقتصار على تلقين المعارف للمتعلمين إلى منطق آخر يقوم على تفاعل هؤلاء المتعلمين وتنمية قدراتهم الذاتية وإتاحة الفرص أمامهم في الإبداع والابتكار فضلاً عن تمكينهم من التعايش مع الآخرين في التزام بقيم الحرية والمساواة واحترام التنوع والاختلاف». هذا الحكم يلتقي مع يقين جل الفرقاء ومع تقريرين دوليين على الأقل، أحدهما أممي صادر عن منظمة اليونيسكو أياماً معدودة قبل الخطاب الملكي يضع المغرب وراء إثيوبيا على صعيد الالتحاق بالابتدائي، والثاني خاص بالولوج العربي للمعرفة لموسم 2010-2011 أكد على «الضعف المعرفي العام لدى الطلبة المغاربة». لا حاجة إلى إحالات إضافية للتيقن من فشل «البرنامج الاستعجالي 2008-2012؛ بالمقابل , وهذا ما يكتسي اليوم راهنية أكيدة، لا بد من مساءلة صناع القرار عن منطق تدبيرهم للإشكالات المطروحة. فكما هو معلن عبر «منح نفس جديد لإصلاح منظومة التربية والتكوين» اختزلت الجهات التي تبنت البرنامج المذكور الإشكالية في قلة الإمكانيات المادية لتنفيذ ذلك الإصلاح، والحقيقة أنه حين اتخاذ القرار، أي إبان انفجار القنبلة المالية الأخيرة، صار التجاوب مع سوق العمل الذي أسس لمعظم الإجراءات المتخذة على صعيد التنشئة والتأهيل بالمغرب خلال العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين أمراً مفرغاً من محتواه عملياً وليس فقط فكرياً أو مبدئياً. ورغم تنبيه الحكومة في شخص أحد وزرائها البارزين سنة 2008 من مغبة تبذير أموال طائلة في إنعاش «جثة « الإصلاح، حصل ما حصل. ولقد كانت مقاومة هذا التعنت مهمة شبه مستحيلة نظراً لاعتبارين بارزين: الأول يمثله بالنسبة لجل الفرقاء التحفيز الوارد عبر الأموال المرصودة للتجاوب مع مطالبهم، والثاني يتجلى في قراءة مغلوطة لمبدأ الانفتاح على سوق العمل. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن مسؤولية الفشل مسؤولية مشتركة وإن كانت متفاوتة الدرجات. البرنامج الحكومي الاستعجالي 2008-2012 يكتسي بالفعل صفة برنامج إنعاش الجثث. والجثث المعنية تلبس حلة «الميثاق الوطني للتربية والتكوين»، هذا الميثاق الذي يظل حتى 2012 على الأقل مرجعية الوطن في التعاطي مع مخلفاته. والآن تفرض العديد من الإشارات الراهنة، وفي مقدمتها إشارات الحكومة الحالية كالإعلان عن نية فرض الرسوم على الولوج للمعاهد والمؤسسات التعليمية أو تفويض التكوين للخواص والأجانب، على كل المغاربة صحوة حقيقية. بخصوص «الميثاق الوطني للتربية والتكوين» يجب التذكير بأنه من صنع لجنة عينها الملك الحسن الثاني في أواسط تسعينيات القرن الماضي بعدما رفض خلاصات لجنة سابقة. وتجدر الإشارة هنا إلى تغليب منطق التجاوب مع التوصيات الدولية على المنطق المستند منذ مناظرة معمورة سنة 1957 إلى اعتبار التعميم والتوحيد والتعريب والمغربة أسس تشييد المنظومة التربوية الوطنية. وبتعيين أحد مستشاريه على رأس اللجنة الثانية، تمكن الملك الراحل من نيل مبتغاه. ولقد كان من شأن المسطرة التي اتبعت استيراد العديد من الوصفات الأجنبية في التأطير للإصلاحات المدرسية والجامعية، بل هناك من الوصفات ما تم إدماجه في الميثاق سنين بعد اعتماده، مثل نظام الإجازة- الماستر- الدكتوراه (L.M.D). مما يدل في آخر المطاف على أن المغرب يظل، في غياب مراجعة نقدية عميقة لاختياراته الاستراتيجية، عرضة لإجراءات تستمد فحواها من رؤية خاطئة. في إشارة سريعة إلى المعضلة الأم، لا مناص من التذكير بقيام المنظومة التربوية الوطنية منذ أوائل القرن الماضي على استراتيجية أجنبية قوامها التمييز والنخبوية وحصر وظيفة نقل المعرفة في انسجامها مع مقاصد اقتصادية وأمنية واجتماعية وسياسية بعيدة كل البعد عما جاء في الخطاب الملكي بتاريخ 20 غشت 2012، من جهة، ومنسجمة بالمقابل مع الحاصل، من جهة أخرى. وبدافع الاختصار، يمكن التأكيد هنا على دور الأغلاط التربوية التاريخية القديمة في تحضير المغرب للغزو الأجنبي. التمكين المعرفي الذي يتفوق على المال الذي لا يشتري كل شيء وعلى القوة التي لا تهزم كل شيء، يشكل الرافع الأساسي للتنمية ورهانا للاعتماد على الذات ينضاف المنظور الملكي للتضامن كاستثمار مربح في التعليم إلى المساواة المجالية والاجتماعية في الولوج إلى سائر أسلاك المنظومة التربوية كسبيل لتأهيل المغرب برمته، وليس كما خطط له في عهد الحماية الفرنسية حسب تعبيرها «المغرب النافع»، ليفتح الأوراش العاجلة من زاويتين هما: * أولا: الالتزام المضبوط بمبدأ المشروع المشروع، بمفهوم الانتقال مما هو حاصل إلى ما هو منشود، يقتضي توثيق صحة الأهداف وواقعيتها وقابليتها للإنجاز بالنظر إلى التحولات الطبيعية والاجتماعية المحسومة، ثم تحيين الوسائل على جميع الأصعدة بداية بالتأهيل. إذن، لا مفر من تبني مبدأ المشروع في تحديد وتحيين دور المنظومة التعليمية على الدوام وفي كل مكان. وبما أن التمكين المعرفي يتفوق منذ أقدم العصور على المال الذي لا يشتري كل شيء وعلى القوة التي لا تهزم كل شيء، فإنه يمثل بجلاء رافع التقدم والازدهار الأساسي، من جهة، ورهاناً يستوجب الاعتماد على الذات من أجل كسبه، من جهة أخرى. لا مفر في عالم اليوم، بمغرب اليوم، من الالتزام جملة وتفصيلاً بضوابط المشروع للارتفاع بالمنظومة التعليمية إلى مستوى تأثيرها الإيجابي في مجرى الأحداث. وكما هو وارد أعلاه، لا بد من التأسيس للمستقبل باعتبار المسألة الاستراتيجية عموماً، وعلى صعيد التنشئة والتأهيل على وجه الخصوص، شأناً وطنياً يؤطره توزيع سليم للأدوار بين سائر مكونات المجتمع. بكل وضوح، لا بد للمجتمع المغربي أن يتخلص بسرعة من عقدة الوصفات المستوردة لكي ترتقي المنظومة التعليمية إلى مستوى أداة للتنمية. ففضلاً عن علاقة التمكين المعرفي بالصراعات والنزاعات، تتراكم في مستهل العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين أدلة فشل كوني يؤطره انتشار ثقافة التشييء. من هنا، يعيش العالم أجمع بجلاء، منذ سقوط جدار برلين سنة 1989 على إيقاع تنشئة تخضع للعولمة بمفهوم الأحادية الثقافية، وللشمولية بمفهوم نظام السوق. ولقد كان من شأن الانسياق وراء التوجهات المعاصرة في «الإصلاحات التعليمية» اضطراب التوازنات المصيرية، الطبيعية والاجتماعية من جراء العديد من المخلفات السلبية، في مقدمتها التعارض مع التنوع الثقافي وبالتالي البيولوجي، نظراً للعلاقة الوطيدة بين تقنيات التفاعل مع المجال وعرضه الطبيعي. ومن مباركة الناس لطرح حقوقي يوجهه مجتمع السوق، تراجع نفوذ الدولة القطرية ليحل محله، كما هو واضح، منذ انفجار اللغم البنكي سنة 2008، نفوذ سلطة المال في محيط يتسم بتراجع فكر الانتماء للأوطان. أما على مستوى التأهيل، فلقد اتضح بشكل مزعج للغاية أن قيامه على أساس التجاوب مع فرص العمل ،كما يقال، يسقط القدرة على التأقلم مع التحولات الشمولية الأفقية. بإيجاز، فإن مشروع التعليم المنسجم مع التنمية ينتسب للموجه على صعيد التنشئة ويستند للتحولات البيئية الشمولية الطبيعية والاجتماعية المتنوعة والمتكاملة المتطورة والمتلائمة على صعيد التأهيل. لذا، فإن سلامته ترتكز على الخاصيات المجالية كجزء من الكليات الكونية. وهذا ما يدل على ارتباط قيمته، من جهة، بالخبرة الموثوق في صحتها على الصعيد الاستراتيجي، والمعرفي على أي حال، ومن جهة أخرى بالقدرة على التوفيق بين المعتقدات والعلوم الإنسانية والبيولوجية الدقيقة. ولا حاجة للتبيان أكثر لاستنتاج ضرورة الاشتغال على هذا المشروع على أساس توزيع محكم للأدوار دون تطاول على الاختصاصات. إن مشروع التعليم المنسجم مع التنمية يفرض على شتى المجتمعات والأجيال تحيينه المتجدد على اعتبار أن تحمل مسؤولية الاختيارات هو مدخل المراجعات النقدية البناءة. المفكرون يوجهونه، السياسيون يسهرون باسم الشعب على تأطيره، الاختصاصيون يعملون على ربط أهدافه بوسائل بلوغها، والعموم، من فاعلين ومستفيدين، يلتزمون بالحقوق والواجبات التي ينص عليها. مشروع التعليم المنسجم مع التنمية ومع الأفكار الواردة في الخطاب الملكي المشار إليه أعلاه يفرض التكامل بين شتى الفرقاء بعد الاقتناع بتنافي التفاوض المرتبط بالمصالح والمواقع مع تشييد آليات رفع التحديات العابرة للأجيال. وهذا ما يقتضي اليوم مراجعة جوهرية لما سمي في المغرب ب»الميثاق الوطني للتربية والتكوين». * ثانياً: الانضباط المتبادل للتعهدات حسب العرف الساري المفعول، لم يتخلف إلا البعض عن تمجيد خطاب جلالة الملك يوم 20 غشت 2012 بمناسبة ثورة الملك والشعب. لكن التجربة الوطنية تشير بخصوص منظومة التعليم -كنموذج - إلى مفارقة شاسعة بين الأقوال والأفعال أو قراءات مختلف الفرقاء للأفكار الواردة في الخطب. هذا ما تؤكده العديد من الوقائع المخلة بسيرورة أي قطاع. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يعاني التكوين الطبي حالياً من اختلال ناجم عن إقرار سليم للغاية بفتح ورش الانتقال بعدد المسجلين بالكليات المختصة من 850 إلى 3300 بين 2007 و2020، من جهة، وتصرف يتعارض تماماً مع سلامة تدبير القرار، من جهة أخرى. الإقرار بالرفع من عدد الأطباء واجب يمليه تأخر الديمغرافيا الطبية كما في العديد من الدول «المفقرة» بإفريقيا وجهات أخرى متأخرة. علاوة على ذلك، تبرز هذه الديموغرافيا على مستوى التوزيع فوارق جغرافية تضيف العجز المجالي إلى العجز المالي في الولوج إلى الخدمات الصحية الأساسية. غير أن الظروف المحيطة بفتح ورش سد العجز تسقط جدية، بل واحتمال التوفيق المنشود. فقبل فتح ورش «3300 طبيب في أفق 2020» بسنتين، كان من شأن إنجاز عملية المغادرة الطوعية تقليص فجائي لعدد المؤطرين بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاءمن 360 إلى 280 أساتذة باحثين. ومن بين المغادرين نسبة عالية من ذوي الخبرة اللازمة لنقل مشعل الكفاءة الضرورية في تكوين أطباء المستقبل. وينضاف إلى تراجع وسائل التأطير قرار سابق يسمح للأساتذة الباحثين في القطاع العام بممارسة نشاطهم جزئياً بالقطاع الخاص. اليوم وجب استئصال داء الهذيان الممنهج المتمثل في اتخاذ قرارات سليمة لكن من منطلقات خاطئة،والتيقن من أن الحصاد هو ما تم زرعه وبالتالي تحمل المسؤولية ضمن مشروع تنموي وطني مشترك واليوم، بدل استئصال داء الهذيان الممنهج المتمثل في اتخاذ قرارات سليمة لكن من منطلقات خاطئة، أثار السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي جدلاً عقيماً بمؤاخذة الأساتذة الباحثين على تجاوزاتهم التي ستظل محتملة ما لم تتغير القوانين المؤطرة لوضعيتهم، وباختزال الحلول في فرض رسوم على الراغبين في متابعة الدراسة بكليات الطب الوطنية، أو بالترخيص للأجانب بفتح معاهدهم الطبية بالمغرب. مما يشير إلى تملص السيد الوزير من مسؤولياته إلى درجة القبول بتخلي الدولة المغربية عن تحكمها في أهداف التكوين الطبي، وعلى المدى القريب في الممارسات الطبية وتجانسها مع حاجات الشعب الصحية بالنسبة للفئات المعوزة على الأقل والتي تشكل الأغلبية الساحقة للسكان. بكل أمانة، لا يجدر إلصاق تهمة العبث بالسيد الوزير المذكور. فكل ما يمكن مؤاخذته عليه، ومعه الحكومة التي ينتمي إليها، يتلخص في تخليه عن ممارسة اختصاصات دستورية جديدة تمنحه فرصة القيام بإصلاحات جذرية. أما ما أشار إليه عبر مواقفه، أي انسياقه وراء التوصيات الدولية القاضية بتخلي الدولة عن التزاماتها الاجتماعية عموماً وبالتعليم خصوصاً، فإنه يندرج في التوجهات السابقة. ولا يصح على أي تحميله مسؤوليات من قبيل اعتماد «البرنامج الاستعجالي 2008-2012» أو عملية المغادرة الطوعية أو إدماج نظام «الإجازة- الماستر- الدكتوراه» (LMD) في الإصلاحات الجامعية سنة 2003 وكأن هذا الإجراء الأوروبي الذي صدر في نفس السنة (2003) جزء من «الميثاق الوطني للتربية والتكوين» الذي صودق عليه سنة 1999. هكذا فإن ما تستلزمه المرحلة الراهنة لا يكمن في معارضة بعض المبادرات الحكومية بقدر ما يكمن في انضباط كافة الفرقاء لمهامهم ولتعهداتهم ولاختصاصاتهم. أكد رئيس الدولة سنة 2012 على صفة الناشئة كطاقة فاعلة في التنمية، وهذا منظور سليم، وعلى التضامن كاستثمار مربح في التعليم، وهذا منتهى الحكمة، وكذا على فشل الإصلاحات السابقة، وهذا تشخيص صحيح للحاصل. وحيث أن التضامن يقتضي الاقتناع المشترك بالجدوى، فلا بد اليوم من تغيير جوهر التعاطي مع المنظومة التعليمية بالمغرب مع التركيز في البداية على توزيع الأدوار. وعلى من يسهر على الصالح العام ومن يمثل الرأي العام أن يتحمل المسؤولية الاستراتيجية كما يحددها وضع مغرب اليوم في عالم اليوم. عليه أن يتجنب تدجين المجتمع سواء عبر الإغراءات أو عبر التهديدات. بالعكس، عليه البحث عن دعم الطاقات المناسبة في التأطير والتأهيل الضروريين عند الإقرار برفع التحديات وحتى كسب الرهانات. ينبغي لكافة الفئات من أولياء وفاعلين ومستفيدين من التعليم أن تتيقن من أنها تحصد ما تزرع وأنها قادرة على التأثير الإيجابي في مجرى الأحداث شريطة انسجامها مع التزاماتها ضمن مشروع وطني مشترك تنموي منصف عادل واقعي وقابل للإنجاز، بمغرب اليوم في عالم اليوم .. حينها يحق التطلع للخير والدخول بالطبع في التفاصيل... (*) أستاذ في كلية الطب بالدار البيضاء، خبير في التنمية المستدامة