زادت شدة لهيب الإنتخابات الأمريكية, من خلال محاولات كل مرشح للرئاسيات الحفاط على ما يمكن تسميته ب «الولاء الأنتخابي»، الذي هو هاجس ضمان الفوز عندكلا المتنافسين. فهنا بأمريكا، لا يتحدد هذا الولاء بالإنتماء إلى القبيلة أو العشيرة ولا حتى الحزب بالمعنى الضيق لمفهوم الحزب.ولا بمعنى «العمى الإيديولوجي» الذي يصدك عن تنسيب وتقبل رأيالأخرين وتمحيص وتبين عيوبك. الولاء الإنتخابي هنا، يتحدد بقدرة كل من أوباما وروومني، على إعطاء أجوبة مقنعة لرهانات الناخب, وعلى تبين حاجاته. لهدا فإن مسار الرجلين طوال مشوارهما السياسي هو العلامة الفاصلة عند الناخب الأمريكي وليس فقط لحظة الترشح. لقدبدأ الناخب الأمريكي أكتر اهتماما هذه الأيام, لأنه مع مؤتمر الجمهوريين الساخن,ومؤتمر الديمقراطيين المنتهي منذ ايام، أصبح مؤشر الحرارة في تصاعد واضح. وأصبحت الضربات بين كلا المتنافسين تتلاحق وتنتقل من قطاع إلى أخر. وإذا نطرنا إلى حجم الحدة في الإنتقادات بين أوباما وروومني نفهم ذلك التقارب الحاصل في الإستطلاعات هذه الأيام. ففي المجال الإقتصادي ركز الحزب الديمقراطي هجومه على المرشح الجمهوري روومني من خلال بعدين بعنوان ضريبي: الأول ان طرح رومني فيما يخص الإصلاح الضريبي لا يتماشى مع طموحات الطبقة المتوسطة. تأسيسا على أن أمريكا تتوفر على أكبر طبقة متوسطة في العالم. وتفتح بعد ذلك بابا أخرى للهجوم، وهي رفض روومني المثير الإفصاح عن كل معلوماته الضريبية للعموم. والحال أنه هنا في أمريكا فأن تحجب معلوماتك الضريبية يعتبر من المحرمات ومن الجرائم الأخلاقية والسياسية التي لا تغتفر. التصريح الضريبي يلاحق روومني ويضعفه.. هذه واحدة من الضربات الموجعة التي تلقاها روومني, في هذه الأيام الشديدة السخونة للحملة الإنتخابية، فعندما تغاضى عن إعطاء أي تصريحات تخص المعلوماتالضريبية حول ثروته للسنتين الماضيتين فقط, فقد اعتبر ذلك نوعا من عدم الشفافيةو عدم المصداقية لدى الرئيس الجمهوري المحتمل. والمثير أن هذه النقطة، رغم بساطتها، لو نظرنا إليها من ثقبما تعودناه في مناخنا السياسي الإنتخابيبالمغرب، إلا انها هنا بأمريكا تعتبر زلزالا مدمرا لكل راغب في الذهاب إلى البيت الأبيض، والجلوس على كرسي الرئاسة بذلك المكتب البيضاوي العتيق. إن ماريا كاردونا (Maria Cardona)،وهي خبيرة إستراتيجيةلدى الحزب الديمقراطي ترى أن الإنتقادات التي توجه إلى أي شخص بطعم ضريبي، تفعل مفعولها السحري الحاسم في الحالة النفسية للمواطن الأمريكي. وأنهذه النقطة الخاصة بالتصريح الضريبي لروومني, قد أصابته في مقتل. وهو الآن قد أصبح مضطرا، في كل جولاتهالإنتخابية الجديدة بعدد من الولايات، الحرص على التشديد أنه يدلي بالتصرح الضريبي لممتلكاته كما يحدد القانون ذلك. لكن الرئيس أوباما، المرشح الديمقراطي، وفريقه يستغلان هذه النقطة جيدا، من خلال مواصلة غرس السكين أكثر في الجرح, إلى الحد الذي جعل روومنييصرح منذ أسبوع،أن حملة أوباما هي حمله قدرة بكل المعاني. المعطيات تؤكد، بالتالي، أن واحدا من أصل كلأمريكيين, يعتقد ويؤمن أن البرنامج الضريبي الأوبامي عادل، حتى وإن إقتضى الرفع من الإقتطاعات في مجال التغطية الصحية. واحدة من نقط الضعف الأخرى التي يطعن أوباما وفريقه فيها فريقروومني ,هي أن هذا الأخير لما كان رئيسا لشركة «بين كابيتال» (Bain Capital)، وهي مؤسسة مالية كانت تحت وصاية المرشح الجمهوري، بين سنوات 99 و2002، كان يقوم يستنزف المالية العمومية الأمريكية، من خلال اعتماد رؤية وفلسفة تقول بنقلالإستثمارات الكبرى إلى الخارج, أي إلى ما وراء المحيط، لانخفاض التكلفة ولما تجنيه من أرباح طائلة خاصة. وأوباما والحزب الديمقراطي يستغلون هذه النقطة إعلاميا بشكل جيد، ليظهروا للناخب الأمريكي،أن هم روومني الأكبر هو الربح الذاتي دون الإهتمام بخلق مناصب الشغل داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، ووتر مناصب الشغل حساس جدا هذه السنوات الأربع الأخيرة عند غالبية الأامريكيين كما قلنا في مقالة سابقة، بل إنه أصبح أكثر أهمية وتأثيرا من موضوعة الإرهاب ومحاربته. لقد صرح أوباما متسائلا: أنه كيف لروومني أن يدعي أنه مهتم بواقع التشغيل و هو الحريص على دفع الشركات ونصحها بالتوجه إلى ماوراء المحيط,حيثالإمتيازات الضريبية أفضل.هذا الهجوم أصاب روومني بعصبية وتشنج واضحين، وأعتبر في تجمع انتخابي ان أوباما يخادع الأمريكيين وطالبه بتقديم اعتذار. لكن ذلك لم يمنع الضربات من التوالي على رأس المرشح الجمهوري روومني، بخصوص تحمله مسؤولية تسيير تلك الشركة . وأيضا تهمةتهربه عن تقديم التصريح الضريبي، عندما كان على رأس المجلس الإداري لها، لكن روومني وإدارة شركة «بين كابيتل»، قد أكدا في بلاغ مشترك أن رومنيإنتهت علاقته بالشركة سنة2002. ستيفاني كوثر (Stephanie Cutter)، وهي أحد الأدرع القوية جدا، التي يعتمد عليها أوباما في حملته الإنتخابية، صرحت ان روومني، إذا كان يتفادى القبول بأنه مثل هذه الشركة وأدارها بطريقة سيئة، فهو متهم بسوء التسيير أو أنه المسؤول المباشر عن كل التخبطات المالية التي وقعت غرقت فيها تلك الشركة. ولقد عقب عليها الجمهوري «ماثرودز» (Matt Rhodes) معتبرا أن مثل هذه التصريحات تجعل حملة أوباما تصل إلى الحضيض,لأنها من وجهة نظره، لاتسعى سوى إلى النيل من كرامة و نزاهة الحزب الجمهوري وليس فقط مرشحه الرئاسي.لكن لننصت إلى رأي محايد، مثل ذلك الذي عبر عنه «فيكثور فليشر» Victor Fleisher)، وهو أستاذ باحث بكلية كولوراد, حيث قال بان الكرة في ملعب روومني، لأنه رفض الأدلاء بكل الوثائق الضريبية المتعلقة بفترة رئاسته لمجلس الشركة المذكورة تلك. مما يجعل كل الضربات التي يوجهها له أوباما و فريقه قابلة للتصديق. ملف التعليم، ملف عثرات روومني القاتلة بولاية ماساشوسيتس.. هنا الأمور والملفات في الإنتخابات الأمريكية تفصل وتدرس ويتصارع حولها، كل حسب الزاوية التي يقف فيها. مثلا، يشتد الصراع بين أوباما وروومنيحول ملف آخر هو ملف التعليم. روومني يضع نفسه كمبدع خلاق ومبتكر للبرامج التعليميةالناجحة. وهو يريد أن يظهر للناخب الأمريكي تجربته في تناول ملف التعليم خاصة عندما كان عمدة ماساشوسيتش. لكن المشكلة هي أنالنتائج دائماتخونه. حيث يظهر ان هناك فجا عميقا بين تصريحاته والنتائج المتحققة داخل ولاية ماساشوسيتس في هذا الباب وهي الولاية التي أعرفها جيدا لأنني بها درست وبها أعمل وأقطن اليوم.لقدظل مغيبا دوماللإزدواجية اللغوية هنا بأمريكا. بمعنى أن الفئة التي لا تشكل اللغة الأنجليزية لغتها الأم الأولى, قد وجدت أن برنامج روومني تميز بالحيف، حيث لم يتردد في وقف أي تمويل للأساتذة و تكوينهم في التعامل مع هذه الفئة العريضة من مواطني أمريكا، خاصة اللاتينيون والآسيويون، أما العرب فهم قلة مقارنة بحجم المتحدثين بالإسبانية أو الصينية. مثلا، «غلين كوتشر» (Glen Koocher)،وهو المدير التنفيدي لجمعية المدارس بولاية ماساشوسيتس, اعتبر أن روومني لم يكن له أي أثر حسن ذي بال في ملف التعليم. فالغالبية ترى أن روومني عند حديثه عن التعليم لا يقنع لأنه يفتقد للثقة التي تعززها مصداقية النتائج.في الجهة الأخرى يرى «جيمس بيزر» (GamesPeyser)، وهو احد الخبراء المتخصصين في ملف التعليم، لدى المرشح الجمهوري روومني، يؤكد بيقين لافت، أنه في ظل ولاية روومني الممتدة 4سنوات بين سنة 2003 وسنة 2007، عرفت المعدلات التعليمية هنا بماساشوسيتس من طرف التلاميذ ارتفاعا اعتبر هو الأعلى والأهم على المستوى الأمريكي كله. لكن، الحقيقة، أنه عندما نفحص ونمحصذلك، نجده نتيجة لأولئك المشرعين في ولاية 1993، وليس ولاية روومني لسنة 2003، الذين أقروا نظاما تعليميا صارما وبمناهج تعليمية لم تكن المدارس و لا الجامعات بقادرة على تجاوزها أو مجاراتها، بفضل ضخ بلايين الدولارات في ميزانيات المدارس و الجامعات بولاية ماساشوسيتس. بل وأنه مع مجئروومني، تمتوقيف وإلغاء قانون كان ساري المفعول لأكثر من 31 سنة,وهو القانون الذي كانت قوته أن التلاميذ الذين ليست الإنجليزية لغتهم الأصلية يظلون يتلقون البرامج التعليمية الأكاديمية بلغتهم الأم لمدة لاتزيد عن 3 سنوات، بالتوازي مع إلزامية تعلم اللغة الإنجليزية، قبل المرور بعد السنوات الثلاث تلك، إلى النظام التعليمي الأمريكي العادي. عندما ألغي هذا القانون تمة أرقام صادمةصدرت، حيث إنه في سنة 2006، كان 83% من التلاميذ، بعد 3 سنوات دراسة، قد وجدوا أنفسهم غير قادرين على الكتابة والكلام بطلاقة باللغة الإنجليزية. وأصل المشكل الذي خلقه روومني لنفسه ولحزبه الجمهوري، بتناوله ملف التعليم بولاية ماساشوسيتس هو إيقافه الدعم المالي للمدارس, مما جعل الأساتذة يفقدون كل دورات التكوين التي كانت مهمة مع هذه العينة من الأطفال القادمة من وراء المحيطين الأطلسي والهادي. لقد حاول روومني، في حملته الإنتخابية، طرح إدخال تعديلات على البرامج التعليمية التي تجعله لا يتموقع مع ما طرحه أوباما. ذلك أن روومني وعد بضخ إعتمادات مالية للمدارس والجمعيات ذات المنفعة العامة، والتي تعتمد في برامجها على التعليم عن بعد، أي من خلال الأنترنيت. علما أن هذا كان أساس ما طرحه أوباما، حيث سعى بذلك إلى إعطاء فرصة التعليم لدوي الدخل المنخفض والفئات المعوزة لضمان تكافئ تعليمي للجميع.روومني من جهته، صرح ان التعليم حق إنساني خلال خطابه حول التعليم بواشنطن، لكن «بوب ثونر» (Paul Toner)، وهو رئيس نقابة أساتذة ماساشوسيتس,صرح أن روومني يطرح برنامجه الإنتخابي في شق التعليم من خلال ندوات صحفية ولم يكلف نفسه الجلوس للتحاور والنقاش مع الفاعلين و المتدخلين المؤثرين والمعنيين داخل حقل التعليم.. هكذا، مع تقلص الفترة الزمنية الفاصلة من الأن إلى حدود 6نونبر (يوم التصويت الحاسم، ويوم ذكرى المسيرة التي استعدنا بها كمغاربة صحراءنا الغربية الجنوبية سنة 1975)، تكون كل الجبهات بين المرشح الجمهوري روومني والرئيس أوباما مرشح الدمقراطيين، مفتوحة. وهي حرب انتخابية لاتستثني أي شئ، حتى الأمور العائلية لكلا المرشحين. ملف الإعانات العائلية الشائك، أو صندوق مقاصة الأمريكيين يظل روومني، رغم كل شئ،عصيا على التجاوز، لأنه ليس كسابقه المرشح الجمهوري ماكيين، المنافس لأوباما سنة . ذلك أن روومني قد أثار ملفا يعتبر شائكا هنا في أمريكا,وهو ملف الإعانات العائلية. ولتقريب أهمية هذا الملف للقارئ المغربي، بل لربما من أجواء السياسة المغربية,فإن الإعانات العائلية يقابلها في المغرب صندوق المقاصة. كان روومني ذكيا في إعادة عقارب الساعة إلى سنة 1996، حيثإن الرئيس السابق بيل كلنتون,كان قد أقر قانونا, يربط الإعانات العائلية بشرط وجوب العمل,إلى الحد الذي يمكن القول إنه فريضة عين.بمعنىآخر, فإن العاطل أو الخارج عن سوق العمل (مالم تكن به إعاقة) هو خارج عن إطار الإعانات. أغلب المواطنين المغاربة هنا، مثلا، يفضلون الأعمال البسيطة التي تدفع أجورها نقدا بدلا من الشيك،للإستفادة من هذه الإعانات. لهذا، ليس مستغربا أن تجد بعضهم يتواجد بأمريكا منذ 20 سنة وهو في نفس الوضعالإجتماعي، بدون أي تطور علمي أو مهني وبدون أي رغبة في الإندماج. لقد صرح روومني، أن اوباما ببرنامج الإعانات يريد أن يدفع بالمجتمع الأمريكي نحو الخمول و الكسل. بل إنه قال بالحرف : إن أوباما ينصحكم بالجلوس في بيوتكم و طلب الإعانات الحكومية. ولقد أكد في إحدىجولاته الإنتخابية، أن أوباما يريد ان يجعل الأمة مرتهنة إلى الحكومة في تدبير معاشها وقوة حياتها,حينيلغي شرط العمل للحصول على الإعانات، مماسيجعل الأمة فاقدة لكل تنافس لأجل خلق الثراء و التوسع الإقتصاديعالميا. ولقد رد الناطق الرسمي للبيت البيض «كارني» (Carney)، قائلا إنهجوم روومني هو خاطئ قطعا وغير صادق,لأن أوباما لم يعني هذا قط، ولم يخل بمبدأ شرط الإعانة مقابل العمل,لكنه ترك للولايات ليونة في تطبيق برنامج الإعانة تبعا لمقتضيات سوق العمل المحلية. أما نيوتغينغريش(NewtGingrich)، وهو ناطق جمهوري سابق للبيت البيض, فإنه يرى أن برنامجأوباما كارثي,لأنه تسبب في تراجع مهول في صف طالبي العمل,على المستوى اليومي. ونلاحظهذا بشكل ملموس حقا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث البعض يحبذ الجلوس في بيته والتوجه صوب إدارة الإعانات, حتى وإن كانت الظروف قد بدأت تتغير، حيثعاد إقرار شرط العمل للحصول على الإعانة. وجه فريق روومني هجومه إلى أوباما من حيث في نظرهم، أنه لا يفهم و لا يستوعب مفهوم المقاولة. واعتبر روومني أن ما اقترحه أوباما خلال 4 سنوات كان قاتلا لقانون كلنتون لسنة 1996. ولقد لقبوه ب «عدو كلنتون». لقد حاول روومني أن يبذر الشك بين جماعة كلنتون و أوباما، خاصة وأن المياه غير منسابة الجريانبينهما. لقد بشرروومني أنه في المؤتمر القادم للديمقراطيين عندما سيلقي كلنتون كلمته,سوف نكتشف إلى أي حد أن الرئيس الذي يحكمنا الآن ضعيف ومتجاوز أمام حنكة كلنتون. إن المرشح الجمهوري، إنما يريد خلق مناحة بكاء على الأيام الخوالي الجيدة اقتصاديا لعهد كلينتون. وفي هذا مكر سياسي انتخابي رفيع. إن النتائج البينة حين تطبيققانون كلنتون سنة 96, قد أظهرت إرتفاعا في طلبات العمل و إنخفاظا في نسبة الفقر. وهذا ما لم يتحقق مع فريق أوباما و سياسته. وهنا في أمريكا كلما كانت طلبات العمل مرتفعة وانخفض الفقر بشكل واضح،تكون الطبقة المتوسطة هي المستفيدة. وإذا إستطاعروومني توجيه ضربات متتالية لهذا البرنامج الأوبامي الخاص بالإعانات العائلية، فإنه بكل تأكيد سيكسب الكثير من الأصواتالإنتخابية.وهذا أمر لاحظته هنا في بوسطن، حيث أن الكثيرين لا يرى معنى لأن يعمل و تزداد اقتطاعات ضريبية من دخله من أجل دعم صندوق الإعانات الفدرالي، لمنحها لأخرين يفظلون الجلوس عن العمل. بالتالي، كخلاصة اليوم، في هذه المراسلة، واهم من يعتقد ان الضربات ستتوقف بين الرجلين. فالحفاظ على الولاء الإنتخابي مسألة حياة أو موت بالنسبة لهما في الطريق نحو كرسي الرئاسة.