بدأت مصطلحات النظام السياسي الفرنسي دخولها إلى بلادنا في زمن سابق، لكنها تخط لنفسها اليوم، في الإعلام على وجه الخصوص، طريقا محفوفا بمخاطر الاستسهال والالتباس. ومن ذلك مفهوم من قبيل التعايش بين مؤسسة رئاسة الحكومة، ومن ورائها العدالة والتنمية وبين القصر الملكي، تعبيرا عن العلاقة مع الملكية.. هناك «تفاوت» سيمياتيقي، بلغة أهل اللغة والدلالة، بين مفهوم من هذا القبيل نحتته المسارات الملتوية للممارسة السياسية والتطورات السياسية في عالم السياسة الغربية وبين استعمالاتها «المجازفة» في مغربنا اليوم. فالتعايش، اصطلاحا ومؤسسات، في البلاد الأخرى يعني تعايش «سلطتين منتخبتين»، هما رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية.. كما في تجربة فرانسوا ميتران مع شيراك، أو شيراك مع الوزير الاشتراكي، مثلا. مصطلح التعايش هنا لا يستقيم في تفسير العلاقة، أو القرابة المؤسساتية بين سلطة الملك وسلطة رئيس الحكومة. فنحن في طور تكوين مرجعية مغربية لتوازن السلط، من جهة، وتجربة مغربية، أيضا، في توزيع هذه السلط بناء على التعاقد الذي تم في 1 يوليوز. نقطة الخلاف الثانية هي أن يكون التعايش بين رئيس حكومة ورئيس حزب، وبين المؤسسة والملكية، وبمعنى آخر، بين الحزب والملكية. فعندما نقول تعايشا بين فرانسوا ميتران وبين شيراك، فنحن لا نقول تعايشا بين شيراك وبين الحزب الاشتراكي الفرنسي. هناك فرق في الطبيعة الدستورية والمؤسساتية لكل كيان قائم منهما. هناك تفاوت حتى بين الأغلبية الحكومية، المعلن عن انسجامها وحلاوتها المقتسمة، وبين الأغلبية في طيفها البرلماني، والتي تعيش فصاما غير مبرر بين مكوناتها... بالأحرى حزب ومؤسسة فوق الأحزاب.. ووجود حزب العدالة والتنمية لا يخضع لمنطق التعايش، بقدر ما يخضع، في التدبير السياسي للمرحلة الحالية للتطبيع ..أكثر منه للتعايش. التعايش بين سيادتين شعبيتين نابعتين من الاقتراع وليس من دوائر أخرى، كالدين والتاريخ والرمزيات العريقة، وهذا غير منصوص عليه، كما هو معلوم في السجل السياسي المغربي بخصوص الملكية. وسيكون من التجني، أيضا، بالمعنى الإجرائي وليس القدحي الأخلاقوي، وضع الدخول السياسي تحت يافطة من هذا القبيل، يافطة التعايش بين مؤسسة رئيس الحكومة، وبالتالي حزبه وبين مؤسسة الملك، وبالتالي الملكية، لأن في ذلك وضع معادلة غير سليمة. يمكن لمن يبحث عن ذلك أن يتوجه إلى التعبيرات السياسية والإديولوجية «وتعايشها» ضمن أغلبية سياسية محددة اقتضتها تدابير الظروف النابعة من الربيع العربي من حراكها. في السياق المغربي نعيش «احتكاك» تأويل الدستور، وتفسير مضامينه. وفي ذلك، بدا جيدا أن رئاسة الحكومة لم تكن في حاجة إلى «أي تعايش» بالمعنى الذي تريده الصحافة أو تريده السياسة بمرجعياتها الأخرى. إلى ذلك نلاحظ أن الدخول السياسي مازال لم يحقق التعايش بين مكونات الأغلبية نفسها. وهو «تعايش» إذا شئنا إجرائي في حده الأدنى...ما دام السقف السياسي للحكومة مؤطرا وموحدا وله نفس العلو ونفس المساحة بالنسبة للجميع - مبدئيا-. ويبدو ذلك من خلال ثلاث قضايا جوهرية، مطروحة اليوم، منها أولا، قضية القانون الخاص بالتعيينات، ثم دفتر التحملات وما يترتب عنه، العلاقة بين الداخلية وبين حزب رئاسة الحكومة. وهذه نمادج منذورة للتكرار، في حالة ما إذا لم تعرف رئاسة الحكومة حدود الثمن الذي عليها أن تدفعه من الحزب، لكي تستمر الحكومة أو من الحكومة لكي يستمر توازن الحزب، وهذا موضوع يستحق الاهتمام.